رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

خاشقجى.. ورقعة الشطرنج الأمريكية!

محمد على إبراهيم-
محمد على إبراهيم- أرشيفية


السياسة لا تعرف عدوًا دائما أو حليفاً لصيقاً.. الجميع يلعبون أدوارهم حسب سيناريو متقن فى يد محترفين أهمهم أمريكا وروسيا.. والمتأمل لحادث خاشقجى، سواء كان قتلا أو اختطافا أو اختاروا له نهاية أخرى يتأكد أن واشنطن تحرك العالم، طبقاً لمصالحها على رقعة شطرنج يتغير فيها البيادق والفيلة والأحصنة ويظل الملك والوزير سالمين.. أو واشنطن وموسكو.. الفخ نصب للسعودية، واستفادت منه تركيا عضو حلف الناتو وصديقة أمريكا رغم الجفوة الطارئة بينهما.

المصيدة تم نصبها مئات المرات، ولم يتعلم العرب.. وضعوا بها قطعة جبن لصدام حسين، فالتهمها معتقدا أنهم حلفاؤه، فغزوا بلده، واحتلوها، وقسموها، لأنه لم يدرك أن دوره انتهى بهزيمة إيران «الصورية» فى حرب الأعوام الثمانية.. وكرروها مع البشير، وكادوا يقدمونه لمحكمة العدل الدولية بتهمة جرائم إبادة شعب دارفور، وأصروا على محاكمته كمجرم حرب، مثل الصربى ميلو سوفيتش.. وعندما وافق وساعد وسهل انقسام السودان لدولتين يتحكم جنوبه فى مياه النيل أسقطوا عنه العقوبات.

أنقرة وواشنطن وإسرائيل حلف لمحاصرة العرب.. فرغم ادعاء أنقرة أنها تعادى تل أبيب، فمازال السلاح الجوى الإسرائيلى يقوم بتدريباته فى المجال الجوى التركى.. والتمثيلية التى أخرجوها حول خلاف ترامب وأردوغان «مفقوسة» فعند هروب الأخير عقب الانقلاب قبل عامين ذهب للقاعدة الأمريكية فى إنجليرك طلبا للحماية والمارينز هم من أعادوه.

حادث خاشقجى وجدت فيه أمريكا وتركيا وإسرائيل بغيتهم.. فأنقرة نجحت فى حشد العالم إعلاميا ضد السعودية ومحمد بن سلمان، وتغير الخطاب الرسمى السعودى فأصبح يطلق على أردوغان فخامة الرئيس التركى.

واشنطن أوضحت للرياض بشكل مهذب أن أموالها لن تغنى عنها شيئاً إذا ما تم فرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها وتقديم مسؤوليها لمحاكمة جنائية دولية.

تركيا استغلت الحادث لمصلحتها، ووافقت على إنهاء احتجاز القس الأمريكى أندرو برونسون المعتقل منذ ١٦ يوليو ٢٠١٦ ولرفع الحرج عن ترامب قبل انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، وذلك نظير إلغاء ترامب العقوبات الاقتصادية على أنقرة ودعم عملتها المحلية.. اللاعب الأمريكى إذا دخل مرماه هدف فلا بد أن يدخل ثلاثة أهداف فى مرمى الخصم.. فبعد أن وضعوا الرياض فى خانة «اليك» وجدوا لها المخرج وهو تقديم استثمارات سعودية لتركيا لإنقاذ اقتصادها.

لكن هذه هى العصا! فماذا عن الجزرة؟ الزعم بأن خاشقجى خرج من القنصلية ولقى مصرعه على يد «قتلة مارقين» كما أعلن ترامب بنفسه، وأن الملك سلمان وولى عهده ليس لهما علاقة بالقضية.. ثم يحدث تحقيق صورى فى الجريمة من قبل المملكة يتم فيه إعفاء مسؤولين كبار وسجن آخرين.. السعودية ستأكل الجزرة إذا وافقت.. ساعتها سيعود كل المستثمرين الذين انسحبوا من مؤتمر استثمار الرياض. المفاوضات بين تركيا والسعودية يقودها الأمير خالد الفيصل ابن الراحل العظيم الملك فيصل وعلاقة الأمير بتركيا وأمريكا ممتازة.. وأعتقد أن السعودية ستنحنى للعاصفة ولكن إلى حين.

والحقيقة أنه حتى هذه اللحظة ليس هناك دليل قاطع على أن السعودية اقترفت هذا الجرم بأوامر ملكية مباشرة، ولكنه فى رأيى عربون محبة قدمه أردوغان لترامب لرفع العقوبات التى أطاحت باقتصاد بلاده، وأفرج الأغا التركى عن القس الأمريكى أندرو برونسون المتهم بالتجسس والتحالف مع عبدالله جولن، خصم أردوغان، المقيم فى أمريكا الذى طلبت أنقرة تسليمه، ورفضت واشنطن.

ورغم أن السعودية ربما تبدو خاسرة فى هذه الصفقات، فإنك لو دققت النظر ستجد أن كل ما حدث تم بعد تصريحين.. الأول من ترامب عندما قال للملك سلمان «إنك لن تجلس فى الحكم أسبوعين بدون مساندتنا وعليكم دفع فاتورة منع أى عدوان إيرانى عليكم».. ورد محمد بن سلمان قائلا: نحن نشترى السلاح بأموالنا وندفع لكم مقدما.. هنا واجه ترامب أزمة مع الكونجرس بعد تصريح ولى عهد السعودية حيث طالب الأعضاء بمنع السلاح عن السعودية، لكن ترامب رد أن هناك ١١٠ مليارات دولار مشتريات أسلحة مسددة مقدما، وأنها تساعد على خلق ملايين الوظائف للأمريكيين.

ولك أن تسأل هنا لماذا كانت إسرائيل هى التى لوحت بالتسجيلات الصوتية والمرئية أولا ثم تبعتها تركيا؟

والآن قبل الانتهاء من هذا الموضوع لماذا لم نسمع عن الاعتقالات التركية للآلاف من الأتراك لمجرد الاشتباه؟

ولماذا لا يتحدث أحد عن القتل بالجملة على حدود قطاع غزة، بل داخل الأراضى الفلسطينية بالكامل.. أم أن المبادئ تتجزأ، وتتفتت، ويتم تفعيلها بحسب الأحوال؟.. هذه ليست سياسة لكنها- عذراً للفظ- «كيد نسوان».

ما حدث لخاشقجى يحدث مثله يوميا لآلاف البشر فى كل الدول العربية.. الجديد فى الأمر أنه حدث فى دولة أوروبية.. ببساطة قيمة الإنسان تختلف فى الغرب وعند العرب.. ولذلك من الطبيعى أن تستغل كل الأطراف الفعل المشين لتحقيق أقصى مصلحة.

ورغم كراهيتى لسياسة ترامب وبلطجته ومؤمرات أردوغان، فإننا لا بد أن نعترف بقيمة العمل الحزبى والممارسة السياسية التى تخرج كادرا سياسيا قادرا على اللعب مع الكبار بحساب.. فتركيا هى التى أسقطت السوخوى الروسية، وهى التى منعت طيران الناتو رغم عضويتها فيه من ضرب العراق من قاعدة إنجليرك فى تركيا على عكس قطر مثلا.. وهى أنقرة التى ستدفع لها السعودية مليارات لإنقاذ اقتصادها وعدم إذاعة شرائط التسجيلات الصوتية والمرئية، وسيرفع عنها ترامب العقوبات، وتعود الليرة التركية لقوتها.. أنا شخصيا أسمّيه ابتزازا رخيصا.. لكن للأسف اللعب أصبح على المكشوف، و«اللى تكسب به العب به»..!

نقلًا عن "المصري اليوم"

السياسة لا تعرف عدوًا دائما أو حليفاً لصيقاً.. الجميع يلعبون أدوارهم حسب سيناريو متقن فى يد محترفين أهمهم أمريكا وروسيا.. والمتأمل لحادث خاشقجى، سواء كان قتلا أو اختطافا أو اختاروا له نهاية أخرى يتأكد أن واشنطن تحرك العالم، طبقاً لمصالحها على رقعة شطرنج يتغير فيها البيادق والفيلة والأحصنة ويظل الملك والوزير سالمين.. أو واشنطن وموسكو.. الفخ نصب للسعودية، واستفادت منه تركيا عضو حلف الناتو وصديقة أمريكا رغم الجفوة الطارئة بينهما.

المصيدة تم نصبها مئات المرات، ولم يتعلم العرب.. وضعوا بها قطعة جبن لصدام حسين، فالتهمها معتقدا أنهم حلفاؤه، فغزوا بلده، واحتلوها، وقسموها، لأنه لم يدرك أن دوره انتهى بهزيمة إيران «الصورية» فى حرب الأعوام الثمانية.. وكرروها مع البشير، وكادوا يقدمونه لمحكمة العدل الدولية بتهمة جرائم إبادة شعب دارفور، وأصروا على محاكمته كمجرم حرب، مثل الصربى ميلو سوفيتش.. وعندما وافق وساعد وسهل انقسام السودان لدولتين يتحكم جنوبه فى مياه النيل أسقطوا عنه العقوبات.

أنقرة وواشنطن وإسرائيل حلف لمحاصرة العرب.. فرغم ادعاء أنقرة أنها تعادى تل أبيب، فمازال السلاح الجوى الإسرائيلى يقوم بتدريباته فى المجال الجوى التركى.. والتمثيلية التى أخرجوها حول خلاف ترامب وأردوغان «مفقوسة» فعند هروب الأخير عقب الانقلاب قبل عامين ذهب للقاعدة الأمريكية فى إنجليرك طلبا للحماية والمارينز هم من أعادوه.

حادث خاشقجى وجدت فيه أمريكا وتركيا وإسرائيل بغيتهم.. فأنقرة نجحت فى حشد العالم إعلاميا ضد السعودية ومحمد بن سلمان، وتغير الخطاب الرسمى السعودى فأصبح يطلق على أردوغان فخامة الرئيس التركى.

واشنطن أوضحت للرياض بشكل مهذب أن أموالها لن تغنى عنها شيئاً إذا ما تم فرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها وتقديم مسؤوليها لمحاكمة جنائية دولية.

تركيا استغلت الحادث لمصلحتها، ووافقت على إنهاء احتجاز القس الأمريكى أندرو برونسون المعتقل منذ ١٦ يوليو ٢٠١٦ ولرفع الحرج عن ترامب قبل انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، وذلك نظير إلغاء ترامب العقوبات الاقتصادية على أنقرة ودعم عملتها المحلية.. اللاعب الأمريكى إذا دخل مرماه هدف فلا بد أن يدخل ثلاثة أهداف فى مرمى الخصم.. فبعد أن وضعوا الرياض فى خانة «اليك» وجدوا لها المخرج وهو تقديم استثمارات سعودية لتركيا لإنقاذ اقتصادها.

لكن هذه هى العصا! فماذا عن الجزرة؟ الزعم بأن خاشقجى خرج من القنصلية ولقى مصرعه على يد «قتلة مارقين» كما أعلن ترامب بنفسه، وأن الملك سلمان وولى عهده ليس لهما علاقة بالقضية.. ثم يحدث تحقيق صورى فى الجريمة من قبل المملكة يتم فيه إعفاء مسؤولين كبار وسجن آخرين.. السعودية ستأكل الجزرة إذا وافقت.. ساعتها سيعود كل المستثمرين الذين انسحبوا من مؤتمر استثمار الرياض. المفاوضات بين تركيا والسعودية يقودها الأمير خالد الفيصل ابن الراحل العظيم الملك فيصل وعلاقة الأمير بتركيا وأمريكا ممتازة.. وأعتقد أن السعودية ستنحنى للعاصفة ولكن إلى حين.

والحقيقة أنه حتى هذه اللحظة ليس هناك دليل قاطع على أن السعودية اقترفت هذا الجرم بأوامر ملكية مباشرة، ولكنه فى رأيى عربون محبة قدمه أردوغان لترامب لرفع العقوبات التى أطاحت باقتصاد بلاده، وأفرج الأغا التركى عن القس الأمريكى أندرو برونسون المتهم بالتجسس والتحالف مع عبدالله جولن، خصم أردوغان، المقيم فى أمريكا الذى طلبت أنقرة تسليمه، ورفضت واشنطن.

ورغم أن السعودية ربما تبدو خاسرة فى هذه الصفقات، فإنك لو دققت النظر ستجد أن كل ما حدث تم بعد تصريحين.. الأول من ترامب عندما قال للملك سلمان «إنك لن تجلس فى الحكم أسبوعين بدون مساندتنا وعليكم دفع فاتورة منع أى عدوان إيرانى عليكم».. ورد محمد بن سلمان قائلا: نحن نشترى السلاح بأموالنا وندفع لكم مقدما.. هنا واجه ترامب أزمة مع الكونجرس بعد تصريح ولى عهد السعودية حيث طالب الأعضاء بمنع السلاح عن السعودية، لكن ترامب رد أن هناك ١١٠ مليارات دولار مشتريات أسلحة مسددة مقدما، وأنها تساعد على خلق ملايين الوظائف للأمريكيين.

ولك أن تسأل هنا لماذا كانت إسرائيل هى التى لوحت بالتسجيلات الصوتية والمرئية أولا ثم تبعتها تركيا؟

والآن قبل الانتهاء من هذا الموضوع لماذا لم نسمع عن الاعتقالات التركية للآلاف من الأتراك لمجرد الاشتباه؟

ولماذا لا يتحدث أحد عن القتل بالجملة على حدود قطاع غزة، بل داخل الأراضى الفلسطينية بالكامل.. أم أن المبادئ تتجزأ، وتتفتت، ويتم تفعيلها بحسب الأحوال؟.. هذه ليست سياسة لكنها- عذراً للفظ- «كيد نسوان».

ما حدث لخاشقجى يحدث مثله يوميا لآلاف البشر فى كل الدول العربية.. الجديد فى الأمر أنه حدث فى دولة أوروبية.. ببساطة قيمة الإنسان تختلف فى الغرب وعند العرب.. ولذلك من الطبيعى أن تستغل كل الأطراف الفعل المشين لتحقيق أقصى مصلحة.

ورغم كراهيتى لسياسة ترامب وبلطجته ومؤمرات أردوغان، فإننا لا بد أن نعترف بقيمة العمل الحزبى والممارسة السياسية التى تخرج كادرا سياسيا قادرا على اللعب مع الكبار بحساب.. فتركيا هى التى أسقطت السوخوى الروسية، وهى التى منعت طيران الناتو رغم عضويتها فيه من ضرب العراق من قاعدة إنجليرك فى تركيا على عكس قطر مثلا.. وهى أنقرة التى ستدفع لها السعودية مليارات لإنقاذ اقتصادها وعدم إذاعة شرائط التسجيلات الصوتية والمرئية، وسيرفع عنها ترامب العقوبات، وتعود الليرة التركية لقوتها.. أنا شخصيا أسمّيه ابتزازا رخيصا.. لكن للأسف اللعب أصبح على المكشوف، و«اللى تكسب به العب به»..!

نقلًا عن "المصري اليوم"