رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتور محمد سعيد: قانون «البحوث السريرية» يحتاج لـ«النسف» كاملًا (حوار)

تحليلات طبية - أرشيفية
تحليلات طبية - أرشيفية


ترجع بدايات مشروع قانون «التجارب السريرية» إلى عام 2006، حيث ظهرت أول مسودة له في 18 مادة ثم تأجلت مناقشته وعرضه للحوار المجتمعي، وعاد وظهر في 2009 واعترض المجتمع المدني بشدة حتى تم وضعه في «الأدراج»، وتأجل طرحه مجددًا حتى خرج عام 2014 دون إجراء أي تعديلات عليه أو مراعاة القواعد العلمية الواجب اتباعها والتوافق الاجتماعى حول مواد القانون حتى عاد مشروع القانون إلى الظهور من جديد في آواخر 2017، وقوبل بموجة أخرى من الاعتراضات من قبل الشارع المصري والمتخصصين لوجود عوار بمشروع القانون وعدم توفير أي حماية للمواطن محل التجارب.


من ناحيته، قال الدكتور محمد سعيد، استشاري الأبحاث الإكلينيكية والمناعة بـ«طب الأزهر»، إن مواثيق طبية دولية حددت المعايير التي يجب الالتزام بها أثناء إجراء «التجارب السريرية».


وأضاف «سعيد» فى تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنه من أشهر تلك المواثيق «ميثاق هيلسينكي»، والذي صاغته رابطة الأطباء العالمية عام 1964 وتم تعديله عام 1975، ويشمل معايير مهمة منها:


-أنه لا يجب الشروع فى التجارب إلا بعد اختبار العينات في المعمل وعلى حيوانات التجارب، وعدم البدء في البحث إلاّ بعد أن تعتمد مشروعه لجنة علمية خاصة محايدة يكون من صلاحياتها تقديم المشورة والنصح، والرفض أو الموافقة.


-أن يكون فريق البحث مؤهلًا لرعاية الخاضعين للبحث وتحمّل المسؤولية الطبية المترتبة، وألا يتحمّل الخاضعون للبحث أية مسؤولية حتى إن وافقوا على عكس ذلك مسبقًا، وأن تُجرى دراسة قبل الشروع في البحث لتقييم المخاطر المحتملة ومقارنتها مع الفوائد المرجوّة.


-يجب أن تكون لسلامة الخاضعين للبحث الأولوية فوق اعتبارات مصلحة المجتمع أو التقدم العلمي، وأخذ الاحتياطات للتقليل من الآثار الضارة -إن وجدت- على صحتهم الجسمانية أو النفسية، ويجب علي الطبيب إنهاء التجربة فورًا إذا ما فاقت الخطورة المتوقعة الفائدة المرجوّة.

-يجب على فريق البحث أن يوضح للشخص الفوائد المرجوة والمخاطر الكامنة للتجربة المراد المشاركة فيها، ولا يشرع فيها إلاّ بعد أخذ الموافقة كتابة من الشخص وهو في حرّ إرادته، عن طريق طبيب محايد لا تربطه علاقة بهم، وللمشاركين الحق في سحب موافقته متى شاء والانسحاب من التجربة، وفي حالة المشاركين القُصر أو غير المدركين بسبب عيب في العقل أو الجسم أو معدومي الأهلية القانونية؛ تؤخذ الموافقة من ولي الأمر أو الوصي.


وأضاف الدكتور محمد سعيد، أن  المعهد الوطني للعدالة في الولايات المتحدة عام 2010، ألزم الدولة بتوفير حقوق الأشخاص موضوع البحث والتجارب: وهي الحصول على الموافقة المسبقة من الشخص بمحض إرادته.


-احترام الأشخاص ومعاملتهم كأشخاص مستقلين بذاتهم، حق الانسحاب من البحث في أي وقت كان، حق وجود الأمانة العلمية، أن تكون الفوائد المتوقعة أكبر من الخطر المحتمل، الحماية ضد أي ضرر جسدي، أو عقلي، أو عاطفي، حق الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالبحث، حماية خصوصية الفرد وسلامته.


وأكد «سعيد» أن تلك المعايير والاشتراطات هي الأساس التي يجب عليها وضع القانون المصرى الخاص بـ«التجارب السريرية»؛ لأنه بدونها يتحول القانون لحقل تجارب و«بيزنس»، خاصة أن القانون الحالي فتح الباب أمام الدول الأجنبية التي هي بلد المنشأ للأدوية لتحول المريض المصرى لحقل تجارب، ولم يتطرق إلى نقاط حماية المواطن.


ولفت إلى أن التعديلات الجديدة يجب أن تشمل إلزام الدولة بدفع «دية» للمريض في حال إصابته بشيء أثناء إجراء التجارب عليه، وهذا يحدث في الولايات المتحدة ودول أوروبية، كما يجب أن تشمل تلك التعديلات تقديم التعويض المناسب في حال وجود أي مضاعفات، والتأمين على المبحوثين يجب أن يمتد لفترة زمينة  ضد أي مشاكل صحية ولمدة أكبر ضد أي مشاكل متعلقة بالبحث كما يحدث في بعض الدول الأجنبية.


وقدم خبير الأبحاث الإكلينيكية والمناعة، بعض التوصيات عند النظر في القانون الحالي بعد رفضه من الرئيس، من أبرزها، ضرورة أن تتولى التعديلات لجنة علمية متخصصة من  المبحوثين في كليات الطب وخبراء دوليين في هذا المجال بحيث لا يترك القرار لأعضاء البرلمان فقط، كما يجب أن يكون هناك دور للدولة فى رعاية الباحثين وأبحاثهم وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها وكذا حقوق الملكية الفكرية.


وأضاف أنه من التوصيات أيضًا: دعم شركات الدواء القومية، وتشجيع الاستثمار فى مجالات البحث العلمى تمهيدًا لخلق مناخ مناسب للتصدير، ما يحقق مليارات الدولارات ويدعم موازنة الصحة والدولة، حيث إن الدول الأجنبية تحقق المليارات عن طريق «التجارب السريرية».


وأكد ضرورة أن تكون هناك ميزانية مستقلة للمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، وأن يكون تابعًا للرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وليس لوزارة الصحة كما معمول حاليا مما يعطي الاستقلال للجنة، ويجب أن يراعى فيه التمثيل المتوازن بين وزارة الصحة والجامعات ومراكز البحث العلمى، ورجال الدين.


وأضاف أنه يجب النص في التعديلات الجديدة على ضرورة اعتماد البحث فى دولة المنشأ أولًا حتى لا يتحول المريض المصرى لـ«حقل تجارب»؛ إذ إن الدستور المصري يحرم الاعتداء على جسد الإنسان أو تشويهه وضرورة أن تقام عمليات التدخل البحثي والطبي فى المستشفيات الجامعية الحكومية والمراكز البحثية والتعليمية بصفتها فى الأساس العمل البحثى.


وتابع «سعيد» أنه بالنسبة لرسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات يجب أن تخضع لمراقبة اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث بالجامعة، ويجب نشر كل البروتوكولات التفصيلية للتجارب التي يوافق عليها المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية على موقعها الرسمي، لضمان شفافية الإجراءات والحماية الكافية للمبحوثين، ويجب نشر النتائج السلبية للتجارب.


وقال «سعد» إن القانون الحالي في مجمله جاء بشكل لم تتم عليه موافقة الأغلبية، خاصة اعتراضات عمداء كليات الطب وعلماء البحوث السريرية في مصر، الذين سجلوا اعتراضاتهم وطالبوا بتأجيل إصدار القانون، إلا أن نواب البرلمان تعاملوا مع القانون كأنهم خبراء وعلماء لهم الحق وحدهم في صياغته وبالتالي كان ينتظر الطعن عليه دستوريًا.


وطالب بضرورة تجنب النواب حاليا النظر في القانون وتشكيل لجنة علمية متخصصة من عمداء كليات الطب واستشاري الأبحاث الإكلينيكية والمناعة والاستعانة بتجارب الآخرين لإعداد القانون كاملا حيث إن القانون الحالي يحتاج للنسف كاملا، متوقعا أن يتم الأخذ بملاحظات وتوصيات اللجنة العلمية التي شكلتها رئاسة الجمهورية حول القانون الحالي، وأن القانون الجديد سيتناول التعديلات التي طالبتها «لجنة الرئاسة»، مشددًا على ضرورة خروج القانون بشكل يتوافق مع المواثيق الدولية المنظمة لـ«التجارب السريرية».