رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالتفاصيل.. تعرف على معجزات "الرسول" من القرآن والسنة

النبأ


يدعي بعض شباب المسلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس له معجزات حسية سوى القرآن الكريم، وأنهم يتصدون للدعوة ويتقدمون لإمامة المصلين بالمساجد.،وردا على هؤلاء قالت دار الإفتاء في بحث طويل ، أن الله تعالي اصطفى أنبياءه ورسله من صفوة خلقه ليبلغوا الناس شريعة ربهم وليعلموهم أمور دينهم تزكية لنفوسهم وتطهيرًا لقلوبهم وفوزًا وصلاحًا لهم في الدنيا والآخرة، وقد أيَّد الله رسله عليهم الصلاة والسلام بالآيات والمعجزات التي تؤيد رسالتهم، وأن تلك المعجزات ليس في مقدور البشر الإتيان بها، ولذلك سمى العلماء المعجزات بأنها الأمر الخارق للعادة الذي يجريه الله تعالى على يد نبي مرسل ليقيم به الدليل القاطع على صدق نبوته، ومن تلك المعجزات التي ظهرت على أيدي الأنبياء والمرسلين سلب خاصية الإحراق للنار حين ألقي إبراهيم عليه السلام في النار فلم يحترق؛ قال تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: 69] وضرب سيدنا موسى عليه السلام البحر بعصاه فتجمع الماء على طرفيه حتى صار كالجبل وصار البحر يبسًا في طريق موسى ومن آمن معه؛ قال تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: 63]، إلى أن قال تعالى: ﴿وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ۞ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ [الشعراء: 66]، فنَجَّا اللهُ سيدَنا موسى والمؤمنين، وأغرق فرعون وقومه بإعادة مياه البحر كما كان، وغير ذلك من المعجزات لسائر الأنبياء والمرسلين.

وحينما نتعرض للسؤال المتعلق بمعجزات سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وأن بعض الشباب لا يعترف إلا بمعجزة القرآن الكريم ولا يعترفون بمعجزات حسية سواه؛ نقول: إنه قد غاب عن أذهان هؤلاء الشباب أن بعض المعجزات الحسية وردت في القرآن الكريم كمعجزة الإسراء والمعراج، على أن معجزة الإسراء وردت صريحة فيه، وأما معجزة المعراج فقد أثبتتها الأحاديث الصحيحة وورد فيها فرض الصلوات الخمس أثناء معراجه صلى الله عليه وآله وسلم من تفضيل في فريضة الصلاة وأنها خمس صلوات بالصفة والكيفية المعروفة لنا جميعًا، وأن الله تعالى أمره صلى الله عليه وآله وسلم بأن يوضح للناس ما أجمل في القرآن؛ فقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44].
ومن المعجزات الحسية: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ؛ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» رواه مسلم.

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الشيخان.
وعن علي رضي الله عنه قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجرٌ ولا جبلٌ إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" رواه الترمذي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: «إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ -أي: الغصن- مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ؛ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟»، فدعاه، فجعل العذقُ ينزل من النخلة حتى سقط إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ارْجِعْ إِلَى مَوضِعِك»، فعاد إلى موضعه والتأم، فأسلم الأعرابي. رواه الترمذي.
وعن أنس رضي الله عنه قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جذع، فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حنَّ الجذع حنين الناقة، فنزل صلى الله عليه وآله وسلم فمسه، فسكن" رواه الترمذي.

وعن جابر رضي الله عنه قال: "عطش الناس يوم الحديبية، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يديه ركوة -إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء-، وقالوا: ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فتوضأنا وشربنا". قيل لجابر رضي الله عنه: كم كنتم يومئذ؟ قال: "لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة" رواه الشيخان.
ومن معجزاته أيضًا صلى الله عليه وآله وسلم انشقاق القمر؛ قال الله تعالى في سورة القمر: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ ۞ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: 1-2].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اشْهَدُوا» رواه الشيخان.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين؛ حتى رأوا حراء بينهما" رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.
ومن الواضح أن انشقاق القمر إنما حصل بقدرة الله عز وجل إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأييدًا لنبوته، وقد جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ فلا ينبغي أن يرتاب فيه من يؤمن بقدرة الله عز وجل.
وبعد هذا البيان نقول لهؤلاء الشباب:
أنتم ولا شك ممن يؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، إن كنتم ترون أن النواميس مقدسة لا يجوز خرقها رضاءً بما قال به الطبيعيون أو تقليدًا لهم، فالقرآن الذي تؤمنون به يرد عليكم في مثل تلك الآيات؛ فيقول الله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة: 60]، ويقول تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ [الأعراف: 107]، ويقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ﴾ [سبأ: 10]، ويقول لعيسى عليه السلام: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ [المائدة: 110]، إلى غير ذلك مما هو معلومٌ لكم، فإن أنكرتموه فقد أنكرتم صريح القرآن، وإن اعترفتم به وقلتم إن ذلك جائزٌ في نفسه ولكن لم يقع لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وفرقتم بينه وبين الأنبياء وهو أفضلهم، على غير معنًى معقول ولا نصٍّ منقول؛ قلنا لكم: إن معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم ثابتةٌ بالتواتر الحقيقي أو المعنوي في مجموعها، بل في كثيرٍ من آحادها، ولا معنى لأن تسلِّموا ذلك في حق الأنبياء ثم تتوقفوا فيه بالنسبة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا رددتم ما في صحاح كتب السنة من ذلك بعد اعترافكم بجواز الوقوع وبحصوله للأنبياء السابقين على ما ينطق به القرآن، وهو فرق لا نعقله؛ قلنا لكم: إن تلك النزعة توجب عدم الثقة بما رواه أولئك الأكابر، وذلك يفتح باب فساد كبير، بل يوجب الخروجَ من الشريعة جمعاء، وإبطالَ كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأوامر والنواهي، وهو انفلاتٌ من الدين كله، فإننا إذا طَعَنَّا في البخاري مثلًا ولم نثق بمروياته وهو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل لزم ألا نثق بمن هو أقل منه، وما وصلتنا الشريعة إلا على يد هؤلاء، حتى عدد الركعات وكيفية الصلوات، فيكون الدين كله غير موثوق به، وهي نزعةٌ من شر النزعات وبلبلةٌ لأفكار المسلمين، فليحذر هؤلاء الشباب من تلك الأفكار، وليعتقدوا في المعجزات الحسية التي حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم ووردت بها الأحاديث الصحيحة، ففي ردهم لتلك المعجزات ردٌّ للشريعة في نصوصها، ومَنْ هذا شأنه لا تصح الصلاة خلفه كإمام للمسلمين؛ حيث فرَّق بين الكتاب والسنة، وكلاهما مكملٌ لبعض. هدانا الله جميعًا لما فيه الرشاد.