رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار خسارة مصر 100 مليار دولار في 10 سنين بسبب قضايا التحكيم الدولى

المحاكم الدولية -
المحاكم الدولية - أرشيفية


رغم خروج قانون الاستثمار، وحديث الحكومة عن تشجيع الاستثمارات الأجنبية، إلا أن الواقع يؤكد غير ذلك؛ فقد ألزمت هيئة تحكيم تابعة للبنك الدولي، منذ أيام، مصر، بدفع ملياري دولار قيمة تسوية نزاع على تصدير الغاز الطبيعى إلى شركة «يونيون فينوسا» الإسبانية، التى رفعت القضية ضد الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»؛ نتيجة وقف إمدادات الغاز الطبيعى لـ«مصنع الإسالة بدمياط»، التابع لهما لمدة عامين منذ يوليو 2012.


هيئة التحكيم أرجعت حكمها إلى اعتبار مصر قد أخفقت فى تقديم «معاملة عادلة ومنصفة» لشركة «فينوسا»، وأنها بهذا خالفت الاتفاقية الثنائية لحماية الاستثمار بين مصر وإسبانيا، ومن ثم كان الحكم بالتعويض لكن الهيئة خففته من 8 مليارات دولار وهى قيمة التعويض الذى طلبته الشركة الإسبانية من الحكومة المصرية، إلى ملياري دولار فقط.


وتدير الشركة الإسبانية، مصنع دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، حيث يخضع لملكية مشتركة بين يونيون فينوسا وإينى الإيطالية، وتمتلك «فينوسا» 80% من المشروع، بينما تمتلك الشركة المصرية 10% والهيئة المصرية العامة للبترول 10%.


ذلك الحكم، أعاد الحديث والنقاش مجددًا، حول قضايا التحكيم الدولي، لا سيما أن مصر خسرت غالبيتها، وبلغت الخسائر التى تكبدتها الحكومة المصرية جراء تلك القضايا نحو 100 مليار دولار خلال 10 سنوات.


وخسرت مصر أكثر من 75 مليار جنيه سددتها خزانة الدولة كتعويضات لدول أجنبية فى قضايا التحكيم الدولى، إسرائيل حصدت النصيب الأكبر برصيد 4 قضايا، بجملة تعويضات بلغت 13 مليار دولار كان آخر هذه القضايا حصول شركة أمبال الإسرائيلية للغاز فى 21 فبراير الماضى على حكم قضائى من مركز "أوكسيد" بتعويض وصل إلى 174 مليون دولار بسبب الأضرار التى لحقت بالشركة بعد وقف تصدير الغاز منذ عام 2012.


الأرقام تقول إن 29 قضية مرفوعة الآن ضد مصر فيما يخص ملف "قضايا التحكيم الدولى".


ومن أشهر القضايا التى خسرتها مصر، تغريمها 1.8 مليار دولار، لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية؛ بسبب «مسئولية الأضرار الناجمة عن الهجمات المتكررة على خط الأنابيب الذى كان يزود إسرائيل بالغاز»، بحسب ما قضت به محكمة سويسرية، فى إبريل 2015.


كذلك، قضية شركة سياج للاستثمارات السياحية مع الحكومة المصرية، وكان النزاع بشأن السيطرة على أرض طابا، حيث باعتها سياج لعدد من المستثمرين تبين بعد ذلك أن من بينهم إسرائيليين، انتهت بأن مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى فى واشنطن، أنهى المرافعات فى الاتجاه إلى خسارة مصر ودفعها تعويض 300 مليون دولار.


علاوة على القضية التى كبدت مصر 530 مليون دولار، التى كانت بين وزارة الطيران المدنى وبين هيئة بريطانية حصلت على أحقية بناء مطار فى مدينة رأس سدر، ولمخالفة الجانب المصرى لبنود العقد تمت إحالة القضية إلى مركز التحكيم الدولى بمدينة مدريد الاسبانية، تم الحجز على ما يوازى 530 مليون دولار من أموال وزارة الطيران بالبنوك الخارجية لصالح الهيئة البريطانية


إضافة إلى قضية جنوب الباسيفيك، والتى كانت بين وزارة السياحة وشركة بريطانية والمكلفة ببناء شاليهات حول هضبة الهرم وبعد أن قامت هذه الشركة بإحضار جميع معداتها والبدء فى إجراءات التنفيذ قام الجانب المصرى بفسخ العقد المبرم ما كبد مصر غرامة قدرها 36 مليون دولار بعد اللجوء لعملية التحكيم وبعد تسوية الأمر تم دفع حوالى 18 مليونًا فعليًا.


في السياق ذاته دخل مجلس النواب على خط الأزمة وتقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة عاجلة لرئيس المجلس بشأن أسرار الخسائر المتتالية في قضايا التحكيم الدولي، حيث تقدم رضا البلتاجي، عضو لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة، ووزراء البترول والمالية والعدل، بشأن خسارة مصر العديد من قضايا التحكيم والتى كان آخرها، الحكم الذى ألزم الدولة بسداد مليارى دولار لصالح إحدى الشركات «الإسبانية – الإيطالية»؛ نتيجة توقف إمدادات الغاز لمصنع تسييل الغاز التابع لهذه الشركة.


وأضاف «البلتاجي»، أن الخسائر المتلاحقة لقضايا التحكيم تشكل قصورًا واضحًا فى الإجراءات المتبعة فى هذا الشأن، بما يحمل موازنة الدولة مبالغ فى أمس الحاجة إليها لتطوير بنيتها التحتية.


ويرى الدكتور سعد الحسيني، الخبير بإدارة القانون الدولى والمعاهدات الدولية، أن مصر مازالت تعانى من أزمة في قضايا التحكيم الدولي؛ بسبب لجوء الحكومة إلى شخصيات، ليس لها علاقة بالتحكيم الدولي، إضافة إلى أن صفة الكفاءة والتميز، لا تتوافر فيهم، ما ينتج عنها خسارتها لمعظم قضايا التحكيم الدولي.


وأضاف أن خسائر القضايا نتيجة نقص في تقديم الحجج والمستندات، أمام المحاكم الدولية، والتى تثبت عدم صحة ما ينسب لمصر من اتهامات، غير أن الجهات المختصة لا تهتم.


وقال خبير القانون الدولي، إن الكارثة الأكبر تتمثل في استعانة مصر فى بعض الأحيان بمكاتب أجنبية للدفاع عنها فى تلك القضايا، وهؤلاء فى الغالب ليس لديهم القدرة على شرح حجج مصر.


وأكد الدكتور محمود الشريف، الخبير الاقتصادي، أن الحكومة تجد نفسها في موقف صعب بين حاجتها للاستثمار الأجنبي وصعوبة اشتراطاته التي من أهمها إمكانية اللجوء لمراكز التحكيم الأجنبية، وقد انعكس ذلك على معظم عقود الاستثمار قبل يناير 2011، والتي كان من أثرها خسارة العديد من القضايا، لكن الأزمة الحقيقية حدثت بعد يناير 2011؛ حيث وُجهت لمصر أكثر من 37 قضية تحكيم بطلب تعويضات تصل لنحو 100 مليار جنيه، ومعظم هذه القضايا بسبب لجوء المستثمرين للتحكيم بطلب التعويض عن ما تم إبطاله بأحكام قضائية من عقود الخصخصة وبيع الغاز وغيرها من التعاقدات الحكومية المبرمة قبل يناير 2011، والصعوبة الكبيرة في هذه القضايا هو عدم تفهم الدول والمستثمرين الأجانب لفكرة إلغاء التعاقدات الاستثمارية حتى لو كان ذلك بناء على أحكام قضائية محلية، الأمر الذي يحتاج لمجهود كبير لتوصيل حيثيات الأحقية في إبطال هذه العقود لما شابها من أوجه فساد وعدم مشروعية قررتها أحكام القضاء المصري.


وقال إن خسائر مصر فى قضايا التحكيم الدولى وصلت إلى ما يقارب 100 مليار دولار تكبدتها خزينة الدولة، ويرجع ذلك لأسباب عدة، أهمها ضعف اللغات الأجنبية، فى صياغة العقود والدفاع أمام لجان التحكيم، مشيرًا إلى أنه بزوال ذلك ستكسب مصر أى نزاع مجددًا.