رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالصور| الإمام الشافعي يجيب على أسئلة زائريه.. وسيدي الحناوي «يحقق اللي نفسك فيه»

ضريح الإمام الشافعي
ضريح الإمام الشافعي

أغرب طقوس المصريين فى مساجد آل البيت والأولياء الصالحين
تضم مصر عددًا كبيرًا من أضرحة آل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأولياء الله الصالحين، أشهرها مسجد «الحسين» - رضي الله عنه، و« السيدة نفيسة»، و«السيدة زينب»، و«الإمام الشافعي»، وغيرها، التي يقدس المصريون زيارتها حبًا وتبركًا بهم حتى أن بعضهم يغالي في ذلك، فتجد سيدة تتوسل أمام الضريح من أجل الإنجاب وآخر يبكي راجيًا الشفاء.

يرجع ذلك بسبب أساطير تدور حول كرامات أولياء الله تناقلتها الأجيال وتوارثوها حتى أصبحت راسخة في أذهان الكثيرين على أنها معلومات مؤكدة وهو ما جسده فيلم «قنديل أم هاشم» للمؤلف يحيى حقي.

ورغم تنبيه المشايخ وعلماء الدين بأن الاعتقاد في قدرة الأولياء على تحقيق حاجات البشر يعد من الشرك، وما نعيشه من تقدم علمي وتكنولوجي، إلا أنه لايزال هناك أشخاص يصدقون هذه الأساطير التي وجدت من يروج لها؛ لتحقيق مصالح شخصية.

من جانبها، تجولت «النبأ» بين بعض الأضرحة ومنها:

الإمام الشافعى «يجيب على الأسئلة» ويحقق الأمانى المستحيلة

الإمام الشافعي هو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي، ولد في عام 150 هجريًا، وهو أحد الأئمة الأربعة المهمين لدى أهل السنة والجماعة، فهو صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، كما أنّه أسس أصول الفقه.

جاء مصر عام 199 هجريًا وظل فيها حتى توفي عام 204 هجريًا ودفن في مقابر قريش في تربة بني عبد الحكم، وعندما قضى صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية اهتم بالتربة المدفون فيها الإمام وعمل التابوت المتواجد في الضريح، وهو أحد أجمل التوابيت الخشبية في العالم وعليه توقيع صانعه ويدعى «عبيد النجار» المعروف بـ« ابن معالي»عام 574 ه، وعندما جاء السلطان الكامل محمد الأيوبي ودفنت والدته بجوار الإمام الشافعي فأقام على قبره القبة الموجودة حاليا عام 608ه، وتم غلق الضريح نظرًا لأنه يخضع الآن لأعمال الترميم.

ومن شدة حب المصريين للإمام الشافعي وتعلقهم به فإنهم يزورنه، ويمارس بعضهم طقوسًا لا تخضع للعقل فبعضهم يكتب ورقة فيها أسئلة ويلقيها داخل الضريح وذلك بعد قراءة الفاتحة والدعاء له منتظرًا من الإمام أن يرد على سؤاله، وقد يضع بعضهم عملة معدنية أو ورقية داخل هذه الورقة.

والتقت «النبأ» أحد موظفي شركة الترميم، وطلبنا منه دخول الضريح لقراءة الفاتحة ووضع هذه الورقة والعملة داخله، فجاء رده:«يا أستاذة شكلك متعلمة الحاجات دي شرك لو عاوزة حاجة اطلبيها من ربنا، احنا بنلاقى الورق والفلوس وبنديها للناس اللي برة- قاصدًا عمال المسجد وبعض المتسولين- وممنوع أصلًا تدخلي لأن الضريح تحت الترميم»، وأكد حارس المسجد على كلام موظف شركة الترميم، موضحًا: «احنا بنلاقي جوة طُرح وورق وفلوس وصدقيني الكلام ده ملوش لازمة احنا بنرمي الورق ده في الآخر».



السيدة نفيسة.. العلاج بالرقية و«فك الأعمال» وإبطال السحر والحسد
في وسط القاهرة وفي منطقة تحمل اسم «نفيسة العلم»، كان يطلق عليها قديمًا درب السباع، يقع مسجد السيدة نفيسة وهو بداية الطريق المسمى بطريق أهل البيت، حيث يصبح المشهد النفيسي هو المحطة الثانية في هذا الطريق بعد مشهد الإمام علي زين العابدين.

وهو أحد مساجد أهل البيت التي يعشقها المصريون ويقبلون على زيارتها، وقد روى أنه بعد وفاتها، أراد زوجها أن يحملها إلى المدينة المنورة كي يدفنها بالبقيع، فعرف المصريون بذلك فهرعوا إلى الوالي عبد الله بن السري بن الحكم، واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد فأبى، فجمعوا له مالا وفيرا وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى أيضا، فباتوا منه في ألم عظيم، لكنهم عند الصباح في اليوم التالي وجدوه مستجيبا لرغبتهم، فلما سألوه عن السبب قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم.

ويستغل بعض الدجالين والنصابين حب الناس لزيارة ضريح «نفيسة العلم»، من خلال الترويج لأنفسهم على أنهم متخصصون في الرقية الشرعية وفك الأعمال والسحر، حيث يجلس أحدهم في أحد جوانب المسجد مرتديًا جلبابًا أبيض وفي يديه سبحة متصنعًا الورع والخشوع فيرتاح له بعض البسطاء الذين اعتادوا على الزيارة فتأتي إحداهن تروي له مشكلتها آملة أن يساعدها في إيجاد حل لها وتشكي أخرى من آلام المرض فتطلب منه أن يرقيها، ويتقاضى على ذلك مقابلا ماديًا.

وداخل المسجد التقت «محررة النبأ» بسيدة تدعى «مرفت» تجلس بجوار ابنتها وأحفادها فسألتها عن سبب مكوثها في المسجد فأجابت قائلة: 
«مستنية الشيخ يرقيني.. تعبانة يا بنتي وعندي جلطة وابني مبيسألش عليه بسبب مراته»، اسمه إيه الشيخ؟ «معرفش والله أنا جيت مرة لقيته قاعد هنا جتله عشان بنتي اتخطبت 4 مرات وكل مرة مبتكملش وكان معمولها عمل وفكه، واهي اتجوزت الحمدلله»، هل أخذ منك مقابل؟ «أيوة» ورفضت أن تذكر المبلغ.

من جانبها، علقت إدارة المسجد تحذيرًا على الحوائط والأبواب جاء نصه: « تنبيه هام جدًا.. ممنوع التعامل مع أي شخص يمارس الرقية أو العلاج بالقرآن، إدارة المسجد لا تمارس أعمال الرقية أو العلاج بالقرآن، إدارة المسجد تحذركم من الاستغلال والخداع باسم الرقية والعلاج».




سيدى الحناوى.. حط إيدك في الحنة وولع شمعة وادعى باللى نفسك فيه

في نهاية ممر أثري طويل بجوار حارة يوجد بها مدخل النساء لمقام السيدة نفيسة، يقع مقام الشيخ «أحمد الحناوي»، حيث يقبل عليه زوار «السيدة»، ظنًا منهم أنه «يفك النحس»، و«يجلب الحبيب»، و«يحقق الأمنيات».

ويروى أن «الحناوي» جاء من القليوبية مع السيدة نفيسة وبعد موته أقيم له مقام بجانبه الحنة التى سميت بعد ذلك باسمه، وشاع بين الناس بأن كل من فاته قطار الزواج، أو يتمنى الزواج بشخص ما، أو يحلم بشيء يريد تحقيقه، أن يأخد حنة من المقام ويضعها على يديه، ثم يشعل شمعة، وينذر أنه في حال تحقيق ما تتمناه يأتي مرة أخرى ويقوم بوضع حنة على المقام».



ضريح الإمام الحسين
للإمام الحسين بن علي -رضي الله عنهما- مكانة خاصة عند المصريين لأنه حفيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما يفسر الإقبال الكبير على المسجد حتى في غير المناسبات الدينية.

تأسس مسجد الحسين بالقاهرة في عهد الفاطميين عام 1154م، وتوجد به رأس الإمام الحسين، والروايات المتداولة تشير إلى أنه مع بداية الحروب الصليبية، خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي على الرأس الشريف من أن يلحق به الأذى في فلسطين، فأرسل يطلب قدوم الرأس إلى مصر ويقال إن الرأس حمل إلى مصر ودفن في مكانه الحالي وبني فوقه المسجد.

واعتاد الكثير من المصريين على الوجود في مسجد الحسين، حيث يفترشون الأرض داخل المسجد وخارجه، أما عن الضريح فستحتاج لوقت حتى يتسنى لك الدخول والوقوف أمامه، فتشاهد من يتوسل ويبكي بشدة، وآخر يجلس على الأرض رافضا القيام ظنًا منهم أن ذلك سيحقق مرادهم ويحل مشاكلهم.



جامع البنات لـ«تأخر الزواج» وجلب الحبيب والإنجاب 

يقع في شارع بورسعيد بمنطقة العتبة وسط القاهرة، شيده الأمير فخر الدين عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا بن الوزير تاج الدين الأرمني الأصل، وذلك في أيام السلطان المؤيد شيخ ليكون مدرسة تلقى به دروس التصوف والفقه على المذهب الحنفي والمالكي والشافعي. 

ووراء تسميته بـ«جامع البنات» قصة تقول إن الأمير المملوكى عبد الغنى الفخرى صاحب المسجد، كان له سبع بنات أصابهن الطاعون وهن عذارى، واشتد بهن المرض وتدهورت حالتهن للغاية، ما أدى لوفاتهن مرة واحدة، وتم دفنهن فى صحن المسجد، وحزن عليهن الناس جميعًا، وراحوا يتبركون بالمكان ويتزاورون عليه.

ونسجت أساطير حول المسجد، منها أنه يفك عقدة العنوسة وتأخر الإنجاب لمن يدعى فى المكان، وللسبع بنات، حيث قيل إن من تأخر سن زواجها تقوم بزيارة المسجد يوم الجمعة وأثناء الصلاة تمر بين المصلين وهم ساجدون وهي تدعي بحاجتها فيستجاب لها.



محمد حمزة: تقديس الأولياء وتقديم النذور للموتى يرجع لتأثر المصريين بالمعتقدات اليهودية والمسيحية

من جانبه، قال الدكتور محمد حمزة، عميد كية آثار جامعة القاهرة السابق وأستاذ الآثار الإسلامية، إن المصريين تأثروا بفكرة الكرامة وتقديم النذور للموتى بحكم الموروث الحضاري وتأثير المعتقدات اليهودية والمسيحية.

وأوضح عميد كلية آثار جامعة القاهرة السابق، لـ«النبأ» أن مصر لها خصوصية متفردة فكل مدينة وقرية في مصر القديمة كان لها معبود، وعندما انتشرت المسيحية حل محل المعبود قديس، وبدخول الإسلام حل مكان المعبود والقديس «ولي»، لافتًا إلى أن فكرة الموالد مأخوذة من اليهودية والمسيحية مثل «مولد العذرا»، و«مولد أبو حصيرة» في دمنهور قبل أن توقفه الدولة.

وأضاف أن بعض الناس استغلوا فترات الفقر والجهل والمرض وانتشار الدروشة، وأقنعوا البسطاء أن أولياء الله يجيبون على أسئلتهم ويزورونهم في المنام، كما روجوا إلى أن زيارة مقابر الصالحين وأولياء الله والتبرك بهم تشفي المرضى، لافتًا إلى أن هذا الأمر كان له شأن خاص مع الإمام الشافعي، بعدما أطلق عليه أنه «قاد الحقيقة والشريعة»، وهو ما جعل البسطاء يكتبون له جوابات ظنًا منهم أنه يجيب عليها، ورسخ هذا المعتقد خدام المسجد والضريح قديمًا لأنهم كانوا يردون على رسائلهم.

أما بخصوص انتشار العلاج بالرقية الشرعية وفك السحر داخل مسجد السيدة نفيسة، عقب أستاذ الآثار الإسلامية بأن هذا يعد امتدادًا لهذه الموروثات، لافتًا إلى أنه يتم الترويج للعلاج بالرقية في التلفزيون الآن وليس في المسجد فقط.

وبشأن مكوث المصريين في مسجد الحسين باستمرار، أوضح أن الحسين له مكانة خاصة لأنه من نسل الرسول وسبطه من ابنته الأسيرة فاطمة والإمام علي، مؤكدا أن المصريين ليسوا شيعة ولكنهم متعاطفون معه لأنه قتل غدرًا في العصر الأموي.

ونفى الدكتور محمد حمزة، وجود أي رفات داخل «جامع البنات» كما هو شائع، موضحًا أنه مجرد مدرسة مملوكية أنشأها الأمير عبد الغنى الفخرى من أمراء السلطان مؤيد شيخ، وتم إلحاق قاعة به دفن بها، موضحًا أن القصة التي ارتبطت به بخصوص أنه «يفك عقدة العانس» أول من أشار لها رحالة وشيخ صوفي اسمه «عبد الغني النابلسي» في كتاب «الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز» في القرن الـ17.

واختتم أستاذ الآثار الإسلامية حديثه، موضحًا أن كل هذه المعتقدات غير صحيحة، وأنها مجرد موروث في مصر، ودائما ما يغلف هذا الموروث بأساطير وخلفيات فلكلورية.