رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«هدايا الكبار».. كنز مدفون في «بطون» أصحاب الثروة والسلطة

متهمون في القضية
متهمون في القضية - أرشيفية


يُعد استمرار فتح ملف قضية «هدايا الأهرام» تأكيدًا على أن الدولة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي عازمة على اجتثاث الفساد من جذوره، وأنها ماضية في معالجة كل الثغرات القانونية والسياسية التي كانت موجودة في العهود السابقة، والتي أدت إلى وصول الفساد في مصر إلى «الركب»، كما قال الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مبارك.


وتفتح «النبأ» ملف هدايا المسئولين في الدولة، لمعرفة كيف تم التعامل معها في السابق، وكيف يتم التعامل معها الآن، وهل هناك هدايا ما زال لم يتم استردادها لخزانة الدولة؟


هدايا الأهرام

بدأت قضية «هدايا الأهرام» عام 2011، عندما قام أحمد السيد أحمد محمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، بتقديم بلاغ للنائب العام ضد كل من إبراهيم نافع، وحسن حمدى، وآخرين من مسئولى مؤسسة الأهرام بارتكاب العديد من المخالفات المالية، كما ضمت القضية الكثير من المتهمين، على رأسهم، محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية الأسبق ونجليه علاء وجمال، والدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، وفاروق العقدة، محافظ البنك المركزى الأسبق، وزكريا عزمى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وصفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق، وفتحى سرور رئيس مجلس الشعب، وبدأ التحقيق في القضية عام 2012 وحملت رقم 576 لسنة 2012 حصر أموال عامة.


وتمثلت الاتهامات الموجهة للمسئولين الكبار في تلقي هدايا قيمة من مؤسسة الأهرام، وشملت ساعات ماركات «أوديمار ولانج، وشوبار، وروجيه دبويه، وهارى ونستون، وباتيك، وبارميجانى، وجيراريدجر، وفاشيرون، وفستيا، ومونادو، ونبرونى، وموفادو، وروكس، وغيرها من الماركات العالمية، بجانب جميع أنواع البرفانات، ورابطات العنق، والأقلام، والشنط، والمحافظ، والأحزمة العالمية.


وفي يناير 2013 بدأت جهات التحقيق المختصة بالتحقيقات في القضية، حيث تم استرداد ملايين الجنيهات وردها لمؤسسة الأهرام.


وفي 25 فبراير 2015، تم إخلاء سبيل الدكتور أحمد نظيف، بعد قيامه بسداد مبلغ قدره مليون و147 ألف جنيه و850 جنيهًا، تمثل قيمة الهدايا التي تحصل عليها من مؤسسة الأهرام هو وحرمه.


وفي أغسطس 2017، استبعدت النيابة العامة، 18 متهمًا من القضية وهم، محمد حسنى مبارك، ونجلاه جمال وعلاء، وحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، وفتحى سرور، وصفوت الشريف، وأحمد نظيف، وحسن حمدى رئيس مجلس إدارة النادى الأهلى السابق، وحاتم الجبلى وزير الصحة الأسبق، وعلى هاشم، وسامى مهران، ومفيد شهاب، وعبد الله كمال رئيس تحرير مؤسسة روز اليوسف الأسبق، وأبو الوفا رشوان، وأبو طالب محمود، ويسرى الجمل.


وفي أكتوبر 2017 أمر النائب العام بإحالة 4 من الرؤساء السابقين لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام، إلى محكمة جنايات القاهرة، لاتهامهم بارتكاب وقائع تمثل إضرارا بأموال المؤسسة بقيمة 268 مليونا و121 ألف جنيه، والتي تعد أموالها في حكم المال العام، بتقديم هدايا باهظة الثمن على حساب المؤسسة، لعدد من المسئولين السابقين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وشملت قائمة الاتهام كلا من إبراهيم نافع، ومرسي عطا الله، وصلاح الغمري، والدكتور عبد المنعم سعيد، وجميعهم شغلوا منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية القومية خلال فترات متلاحقة، وفي يونيو 2018 قررت محكمة جنايات القاهرة، تأجيل القضية لجلسة 28 أكتوبر القادم.


حقيقة تلقى كبار المسئولين «هدايا ملكية»

وفي إبريل 2016 زعم موقع موقع "ميدل إيست أوبزرفر"، نقلا عن أيمن نور زعيم حزب غد الثورة الهارب لتركيا، تلقي كبار المسئولين المصريين "هدايا ملكية" خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة.


وزعم الموقع الذي يقع مقره في تركيا، في تقريرٍ له، أن أيمن نور سرب له ما سماها "وثائق رسمية مُوقّعة ومختومة بالختم الملكي" توضّح الهدايا المالية المقدمة للمسئولين المصريين خلال زيارة العاهل السعودي لمصر.


كما جاء في الوثائق المزعومة حصول 508 من النواب على ساعات تبلغ قيمة الواحدة منها 1500 دولار، وحصلت 87 برلمانية على ساعات تبلغ قيمتها 4500 ريال سعودي.


ضوابط الحصول على الهدايا

لم يكن هناك أي ذكر لموضوع تلقى الهدايا في دستور 1971، لكن دستور 2014 وضع الكثير من الضوابط والشروط لحصول المسئولين الكبار في الدولة على الهدايا.


فقد نصت المادة 145 من الدستور المصري الحالي على: «يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية، ولا يجوز له أن يتقاضى أي مرتب أو مكافأة أخرى، ولا يسري أي تعديل في المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملًا تجاريًا، أو ماليًا، أو صناعيًا، ولا أن يشترى، أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها. ويقع باطلا أى من هذه التصرفات. ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفى نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يمنح نفسه أى أوسمة، أو نياشين، أو أنواط. وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدية نقدية، أو عينية، بسبب المنصب أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة».


كما نصت المادة 166 من الدستور على: «يحدد القانون مرتب رئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة، ولا يجوز لأى منهم أن يتقاضى أى مرتب، أو مكافأة أخرى، ولا أن يزاول طوال مدة توليه منصبه، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملًا تجاريًا، أو ماليًا، أو صناعيًا، ولا أن يشتري، أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو أى من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها ويقع باطلا أى من هذه التصرفات. ويتعين على رئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة تقديم إقرار ذمة مالية عند توليهم وعند تركهم مناصبهم، وفى نهاية كل عام، وينشر فى الجريدة الرسمية. وإذا تلقى أى منهم، بالذات أو بالواسطة، هدية نقدية، أو عينية بسبب منصبه، أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون».


ونصت المادة 109 من الدستور على: «لا يجوز لعضو المجلس طوال مدة العضوية، أن يشترى، أو يستأجر، بالذات أو بالواسطة، شيئًا من أموال الدولة، أو أى من أشخاص القانون العام أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا يؤجرها أو يبيعها شيئًا من أمواله، أو يقايضها عليه، ولا يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها، ويقع باطلًا أى من هذه التصرفات. ويتعين على العضو تقديم إقرار ذمة مالية، عند شغل العضوية، وعند تركها، وفى نهاية كل عام. وإذا تلقى هدية نقدية أو عينية، بسبب العضوية أو بمناسبتها، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون.


قانون الخدمة المدنية والهدايا

نفت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، ما أثير حول قانون الخدمة المدنية، وسماحه للموظف العام بتلقي الهدايا، وتقنينه للرشوة.


وقالت الوزارة في بيان أصدرته، إن بعض وسائل الإعلام تناقلت أخبارًا غير صحيحة حول قانون الخدمة المدنية الجديد، خاصة ما أثير حول أن القانون يجيز ويسمح للموظف العام أن يتلقى الهدايا وأن هذا القانون يقنن الرشوة في المصالح الحكومية بما يسمح بتفشي الفساد.


وأوضحت الوزارة أن قانون الخدمة المدنية لم يتضمن نصا بهذا المعني وإنما أشار العرض الخاص بمشروع القانون إلى نص المادة 14 الواردة بقانون رقم 106 لسنة 2013 فى شأن حظر تعارض مصالح المسئولين فى الدولة والذي ينص على أن "مع عدم الإخلال بالنصوص المنظمة لجريمة الرشوة والتربح واستغلال النفوذ المنصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى أى قانون آخر، يُحظر على المسئول الحكومي تلقي أو قبول هدايا أو أي أشكال أخرى من المجاملة من أي جهة سواء كانت عامة أو خاصة باستثناء الهدايا الرمزية التي يجرى العرف على تقديمها فى الأعياد والمناسبات والتي لا تجاوز قيمتها ثلاثمائة جنيه، والهدايا التي تقدم من زائرين أو مسئولين مصريين أو أجانب في مناسبات رسمية وفقًا للأعراف الجارية واعتبارات المجاملة، على أن يتم تسليمها إلى جهة العمل وتسجيل ذلك بسجلات تلك الجهة".


وأضافت أن هذا النص ليس جديدا ولم يدرج في مشروع قانون الخدمة المدنية إنما ورد بالقانون رقم 106 لسنة 2013.


الفرق بين الرشوة والهدية

يحلو للكثير من الموظفين إطلاق اسم الهدية على المبالغ التي يتقاضونها من الناس لتسيير مصالحهم؛ لإضفاء نوع من الشرعية على ما يتقاضونه من أموال خارج إطار عملهم، والهروب من تهمة الرشوة، فهل هناك فرق بين الرشوة والهدية في الشريعة الإسلامية؟

يقول الكثير من علماء الدين إن هناك فرقًا ظاهرًا بين الهدية والرشوة، فالرشوة هي ما يتوصل به إلى إحقاق باطل أو إلى إبطال حق ونحو ذلك من المقاصد السيئة، سواء صرح بها الراشي أو أضمر ذلك في نفسه، وسواء أراد غرضه الفاسد الآن أو في المستقبل فهي والحال هذه رشوة في حقه، ويندرج عمله تحت الوعيد الوارد في لعن الراشي، ومن فعل ذلك فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، ويعزم على عدم العود لمثل هذا الذنب، وأن لا يسعى وراء مراده الفاسد الذي بذل في سبيله رشوته تلك.


جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: قال العلماء: إن من أهدى هدية لولي الأمر ليفعل معه ما لا يجوز كان حرامًا على المهدي والمهدى إليه وهذه من الرشوة.


وأما الهدية فيقصد بها إكرام الشخص إما لمحبة أو لصداقة أو لعلم أو صلاح أو لطلب حاجة مباحة ليست واجبة البذل على المهدى إليه وهي مستحبة إذا كانت على الصفة الشرعية.


تقنين الرشوة أو الهدية

قال الدكتور سعيد الفقي، الخبير الاقتصادي، إن الرشوة أصبحت أمرًا معتادًا بالنسبة للمواطنين، ولابد من تقنينها ودفعها بطرق رسمية، وتحصيلها كرسوم للدولة.


مزاد لبيع الهدايا

فى منتصف يونيو 2013، أعلنت الحكومة المصرية، برئاسة هشام قنديل، وقتها أنها ستقيم مزادًا لبيع هدايا ثمينة تلقاها مسئولون كبار بالحكومة المصرية، بينها ساعات فاخرة وسيف من الفضة الخالصة.


وقال فياض عبد المنعم وزير المالية، في ذلك الوقت، إن رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومسئولين آخرين سلموا وزارة المالية 42 هدية منذ يوليو 2012 حتى بداية شهر يونيو 2013.


وأشار البيان إلى أن هذه الهدايا تلقاها المسئولون من "كبار المسئولين العرب وزعماء الدول الأجنبية"، موضحا أن المزاد سيقام "إرساءً لمبادئ الشفافية والمسئولية وحماية للمال العام باعتبار تلك الهدايا إنما تقدم لمصر وليس لشخص المسئول".


واعتبر الخبراء هذا الأمر سابقة من نوعه، فقد كان المسئولون في عهد نظام مبارك، يستولون على هذه الهدايا ولا يبلغون بها أجهزة الدولة.


في إبريل 2011 كتب محمود سعد الدين في جريدة اليوم السابع مقالًا بعنوان: «أسرار هدايا العرب لمبارك وخفاياها.. حصل على طائرة خاصة من القذافى وسيارات تويوتا كريسيدا من صدام حسين وسيف ذهبى من العاهل السعودى وخنجر مرصع بالأحجار الكريمة من السلطان قابوس».


وقال فيه: «هدايا الأمراء والملوك والرؤساء العرب للرئيس السابق حسنى مبارك وأسرته تقدر بالمليارات من المجوهرات، والماس، والأحجار الكريمة والتى تمثل كنزا، لاشك أن مبارك وزوجته سوزان يحتفظان فى مكان ما بهذا الكنز الذى لم يسجل فى الوقائع الرسمية حسب القانون، وتشير وقائع الأحداث إلى أن قائمة الهدايا تم اخفاؤها عمدا فى مكان ما خارج مصر أو داخلها».


«فهل يمكن الكشف عن هذا الكنز، مثلما حدث مع الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على يوم 20 يناير الماضى، عندما اكتشفت لجان التفتيش قصرا يضم كنوزا من الذهب والمجوهرات وقطعا من الحلى النادرة، والساعات الثمينة، وخزانة ممتلئة بالأموال. يومها كانت الثورة مجرد فكرة فى عقول شباب مصر، والآن لايزال السؤال: أين يخفى مبارك وزوجته تلك الكنوز».


وفي يونيو 2011 نشرت جريدة الأهرام تحقيقا بعنوان «الهدايا البروتوكولية سبب لثروات غيـــر مشروعـــة»‏.


جاء فيه «كل مسئول في مصر‏..‏ وزيرا كان أو رئيسا للجمهورية أو شيخا للأزهر أو مفتيا للديار المصرية يتعرض لما يسمي بـ الهدايا البروتوكولية التي قد تكون أوسمة أو نياشين أو مجوهرات أوساعات من أغلى الماركات‏، ‏أومقتنيات نادرة وتحفا فنية، قبولها ليس رشوة ولا عيبا بل بالعكس واجب تقتضيه الأعراف الدولية، ولكن هذا القبول لا يضفي على الهدية أبدا صفة الملكية الشخصية له، فالحقيقة أنها مهداة إليه بصفته «الوظيفية» لا «الشخصية» ولو لم يكن مسئولا لما وصلته الهدية.. هذا المبدأ يتعامل معه الغرب بمنتهى الشفافية أما في مصر فقد كشفت الأحداث أن كثيرا من المسئولين اعتبروا ما تسلموه في مهماتهم وأسفارهم ومقابلاتهم الرسمية حقا خالصا لهم وبالتالي عندما رحلوا عن مناصبهم رحلت معهم هدايا وثروات ملك للوطن».


لعنة المادة 115

هذا هو عنوان مقال للإعلامية لميس الحديدي في صحيفة المصري اليوم بتاريخ 1 أكتوبر 2013، قالت فيه «وتلك هى المادة من قانون العقوبات- باب إهدار المال العام- التى تهدد كل مسئول وكل موظف عام يفكر أو يتجرأ أن يتخذ قرارًا.. تلك هى المادة التى تكاد تشل حركة الحياة داخل أروقة الحكومة، وتمنع العديد من أصحاب الكفاءات- إلا المنتحرين- من قبول مناصب حكومية، خشية بلاغات مجهولة تودى بهم بعد الخروج من المنصب إلى غياهب السجون بتهم إهدار المال العام.. ونص المادة يقول: "كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه، أو حصل أو حاول أن يحصل لغيره بدون حق، على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة".. تلك المادة، بل كل باب إهدار المال العام يحتاج لتعديل فورى وجذرى. فهناك فارق كبير بين مسئول فاسد ومسئول فاشل أو مخطئ، وهناك فارق كبير بين مسئول فاسد ومسئول جرىء يريد أن يتخطى عقبات البيروقراطية لتحريك عملية الاقتصاد.. وهو ما نحتاجه الآن. فالإدارة العقيمة هى الإدارة التى لا تتحرك فى انتظار الأوامر، وإذا كنا نطالب المسئولين فى الحكومة بالتحرك السريع، فهم أيضًا يطالبون بألا يوضعوا فى الزنازين إذا ما اتخذوا قرارات- طبقًا لهذه المادة تكون جريمة».

يقول الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، إن هناك فرقًا بين الرشوة وبين الهدية في الشريعة الإسلامية، فالرشوة هي ما ترتب عليها أخذ حق الآخرين، كما قال الله تعالى «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، أما الهدية فتكون بلا مقابل، والإسلام اعتبر أن ضياع حق الآخر من أكبر الجرائم، حتى أنه كره أن يتم إهداء الحكام، فكما جاء في حديث على رضى الله عنه «الرشوة للحاكم كفر والهدية فجور»، من أجل صيانة حقوق الناس، لكن إذا لم يترتب على الرشوة الضرر بالآخرين فلا تعتبر رشوة، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وقال «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ، فَلْيُجِبْ، وإذا هدى إلى أحدكم هدية فليأخذها»، وقال صلى الله عليه وسلم «لو دُعِيتُ إلى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أو كراع لَقَبِلْتُ»، مؤكدا على أن كل الهدايا التي يحصل عليها المسئولون الكبار في الدولة يجب أن تئول إلى خزينة الدولة، فعن أبى حُمَيْد الساعدى رضي الله عنه قال: «استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللُّتْبِيَّة، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلَّا جلستَ في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كُنْتَ صادقا؟! ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقِيَ الله يحمله يوم القيامة، فلَأعرِفَنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت»، وبالتالي كل الهدايا التي تقدم للوزراء وللحكام يجب أن ترد إلى بيت مال المسلمين ولا حق لهم فيها.


ويقول الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستور بـ«جامعة حلوان»، إن القانون المصري نظم موضوع تلقى الهداية، وألزم المسئول الذي يحصل عليها بأن يقوم بتسليمها للدولة، مشيرا إلى أن النصوص الدستورية نصوص ومبادئ عامة، والقانون هو الذي نظم هذه المسألة.


ويضيف محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء، أن هناك توجسًا وريبة عند معظم المسئولين في الدولة المصرية، بسبب المادة 115 من قانون العقوبات، التي تنص على معاقبة كل موظف عام تربح أو حاول أن يتربح بالحبس والغرامة، وهذه المادة تضع معظم المسئولين تحت طائلة القانون، وقد وجرى تفعيل هذه المادة عقب ثورة 25 يناير مباشرة لمحاكمة معظم الوزراء، مطالبا الدولة بغلق باب الفساد والرشوة، من خلال إعطاء مرتب مناسب للموظف، وأن تفعل كما فعل عمر بن الخطاب عندما عطل حد السرقة في عام المجاعة، مؤكدا على أن الهدايا التي يحصل عليها الوزراء والمسئولون الكبار من حق الدولة، ويجب أن ترد إلى خزينة الدولة، لأن المسئول ما كان له أن يحصل عليها لو كان مواطنًا عاديًا، لأن الهدايا مال عام ويجب أن ترد إلى الدولة وخاصة لو كانت ثمينة وغالية الثمن مثل الذهب وغيره، مشيرا إلى أن كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة السابق أعاد للدولة كل الهدايا التي حصل عليها وهو في منصبه.


ويقول الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الهدية للموظف العام محرمة شرعا ومجرمة قانونا، والتجربة أثبتت أنه بعد 2011 عندما حدثت المحاكمات لرموز نظام مبارك، كانت هناك مؤسسات كبرى في الدولة تستقطع من إيراداتها مبالغ كبيرة لاسترضاء المسئولين أو للتقرب، وهذا الكلام معناه أن هناك فسادًا كبيرًا كان موجودًا في الدولة، مشيرا إلى أن معم الرشاوى التي يحصل عليها المسئولون، عندما يسألون عنها أمام جهات التحقيق يقولون إنها هدايا، حتى مخالفة شرع ربنا في الحج والعمرة صارت هدايا.


وتابع: وبالتالي هذا الموضوع يحتاج إلى ردع، وعلى الدولة نشر ثقافة التطهر، حتى يفهم الناس أن هذه الهدايا جزء من الفساد، مؤكدا أن تقنين الرشوة كما يطالب البعض مرفوض، لأنه يتعارض مع الدين ومع القانون ومع القيم الاجتماعية للشعب المصري، لأنها تؤدي إلى تخريب ذمم الناس، مطالبا بإعادة كل الهدايا التي حصل عليها الرؤساء السابقون إلى خزينة الدولة، لافتا إلى أن هناك نصوصًا قانونية في القانون الجنائي تجرم منح العطايا والهدايا للموظف العام.