رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

معركة «خصوبة المصريين» من عبد الناصر إلى السيسي

السيسي وجمال عبد
السيسي وجمال عبد الناصر - أرشيفية


عاد من جديد الحديث وبقوة عن موضوع تحديد النسل الذي فشل نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، في تطبيقه طوال ثلاثين عاما، بعد أن أنفق عليه مئات الملايين من الدولارات، وفشل من قبله أيضا الرئيسان جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات.


فقد أعلنت وزارة الصحة والسكان عن التوصل لاتفاق بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بقيمة 19 مليون دولار في تسع محافظات داخل صعيد مصر ومناطق بالقاهرة والإسكندرية على مدار خمس سنوات؛ من أجل تحسين سبل استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخفض معدلات الخصوبة تدريجيا.


وأوضحت الوزارة، أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ستقدم الدعم الفني والتدريب لوزارة الصحة والسكان لتعزيز برنامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، مشيرة إلى أن الوكالة عملت على مدار 40 عامًا مع الشعب المصري لتحسين السلوكيات الصحية من خلال دعم أنشطة صحة الأم والطفل وتنظيم الأسرة والتغذية والتطعيمات والوقاية من الأمراض.


قانون تنظيم النسل

وفي هذا الإطار تواصل لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب، برئاسة النائب عبد الهادي القصبي، سلسلة اجتماعاتها، من أجل مناقشة مشروع قانون مقدم من النائب محمد المسعود لتنظيم الأسرة.


ويهدف مشروع القانون لمواجهة الزيادة السكانية، وذلك من خلال وضع حلول حقيقية لتنظيم الأسرة، بهدف تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة.


حقن الدواجن

وقد ترددت الفترة الماضية تقارير صحفية تتحدث عن أن الحكومة سوف تقوم هذه المرة بتخفيض خصوبة المصريين عن طريق عدة وسائل، منها حقن الدواجن بنوع من الأدوية "الفورمالين" من أجل خفض خصوبة الرجال، كما تحدثت تقارير صحفية عن أن الدكتور على المصيلحي وزير التموين، قال إن الوزارة سوف تقوم بإضافة مادة إلى رغيف العيش؛ لإضعاف خصوبة الرجال؛ بغرض الحد من الزيادة السكانية، كما نقلت عدة مواقع مصرية خبرًا عن وزير الصحة السابق الدكتور أحد عماد الدين يقول إن الوزارة تستهدف تقليل الإنجاب لدى الأسر المصرية، وذلك بالعمل على تقليل خصوبة الرجال.


لكن الحكومة نفت كل هذه التقارير، ووصفتها بالأخبار الكاذبة، ومزاعم لا أساس لها من الصحة.


كما أكدت وزارة الصحة والسكان على لسان الدكتورة  سعاد عبد المجيد، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة، أن ما تم تناوله في بعض وسائل الإعلام عن تخصيص عيادة لطب الذكورة بوحدات طب الأسرة، وتوفير حقن تقتل الحيوانات المنوية بها عار تماما من الصحة، مشيرة إلى أن دور الرجل في برنامج تنظيم الأسرة هو دور داعم للأسرة، بالإضافة إلى الإلمام بجميع وسائل تنظيم الأسرة والوعي بالأمراض المنقولة جنسيا، والمشاركة الفعلية في تنظيم الأسرة، ومشاركة الزوجه في اختيار التوقيت الأمثل للحمل للوصول إلى أفضل مستوى من التفاهم والوئام والارتباط بين الأسرة وتشجيع الزوجة على استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة والطبيعية والاستمرار فيها.


وأضافت سعاد، أن البرنامج القومى لتنظيم الأسرة يعتمد على الاختيار الحر المبنى على المعرفة  للوسائل المؤقتة لتنظيم الأسرة وهى «أقراص وحقن منع الحمل والوسائل الموضعية واللولب النحاسى وكبسولات تحت الجلد للسيدات والواقى الذكرى للرجال»، مع الترويج للوسائل طويلة المفعول من لوالب وكبسولات حسب رغبة المنتفعات، وذلك لما لتلك الوسائل من مميزات، حيث إنها تعطي فعالية لسنوات طويلة، اللولب 12 سنة والكبسولة تحت الجلد 3 سنوات.


دور الأزهر ورجال الدين

يحمل الكثير من المثقفين والخبراء الأزهر الشريف جزءا من فشل الدولة في معركة تنظيم النسل رغم الجهود الكبيرة التي قام بها علماء وشيوخ الأزهر في هذا الصدد، منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وحتى الآن.


ففي عام 2003 أكد مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر أن تنظيم الأسرة لا يعتبر قتلا للجنين؛ لأن التي تستعمل وسائل تنظيم الأسرة لا تكون حاملا في الأصل، مشيرا إلى أن المباعدة بين الولادات وتأخير الحمل جائز شرعا لعدم وجود نصوص تحرمه سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية.


وأوضح مجمع البحوث الإسلامية أن تنظيم النسل لا يتعارض مع التوكل على الله؛ لأن المسلم يجب أن يأخذ بالأسباب في كل الأعمال ثم يتوكل على الله، مؤكدا أنه لم يرد نص في القرآن الكريم يحرم تنظيم النسل أو تحديده، لكنه جعل الحفاظ على النسل والذرية من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية.


وأضاف أن السنة النبوية أباحت العزل كوسيلة لمنع الحمل أو الإقلال منه، وهذا أمر يتفق عليه جميع الفقهاء، موضحا أن إباحة تنظيم النسل جاءت قياسا على العزل الذي كان المسلمون يعملون به على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى عن جابر رضي الله عنه أنه قال: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل».


وأشار المجمع إلى أن تنظيم الأسرة معناه المباعدة بين فترات الحمل بهدف الحفاظ على صحة الأم وجمالها، وحتى تتفرغ لتربية الأبناء وتعطي كل طفل حقه في الرضاعة والتربية والتأديب والتعليم. وقال إن تنظيم الأسرة ليس فيه شبهة قتل الجنين؛ لأن المرأة تستعمل تلك الوسائل في غير أوقات الحمل، كما إن العلماء أباحوا العزل سواء كان بهدف تأخير الحمل أو غير ذلك، بالإضافة إلى إن تنظيم الأسرة لا ينطبق عليه قول الله تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم».


وفي 2009 أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف "أن تحديد النسل بمعنى منعه مطلقًا ودائمًا حرام شرعا، وكذلك التعقيم الذى هو بمعنى القضاء على أسباب النسل نهائيا".


وقال شيخ الأزهر إن هناك فرقًا بين تنظيم الأسرة وبين التحديد والتعقيم لأن التنظيم يعنى أن يأخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل الكفيلة بتباعد فترات الحمل أو إيقافه لفترة معينة من الزمن لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين قادرين على رعاية أبنائهم الرعاية الكاملة بدون عسر أو احتياج غير كريم.


وفي 2009 أيضا رفض عدد من علماء الأزهر الشريف، على رأسهم الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور محمد أبو ليلة عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور محمد الدسوقي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، رفضوا اقتراحا لوزيرة الأسرة والسكان المصرية مشيرة خطاب بإصدار قانون لتحديد النسل بهدف الحد من الزيادة السكانية وتخفيض نسبة البطالة، واعتبروه مخالفا للشريعة، بعد أن أعلنت وزارة الصحة والسكان أنها تعتزم تنفيذ خطة تهدف إلى تحديد النسل وليس تنظيمه، بواقع طفلين فقط لكل أسرة، من أجل مواجهة مشكلة التزايد السكاني وما يترتب عليها من مشكلات البطالة والغذاء.


فقد أكد الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أنه: «لا يجوز شرعا إصدار قانون لإجبار المواطنين على تنظيم الأسرة أو تحديد عدد معين لأفراد كل أسرة»، لافتا إلى حرمة تحديد النسل، وأضاف أن التنظيم جائز والتحديد مرفوض شرعا، مؤكدا أن عملية التنظيم من الأمور الشخصية التي يقررها الزوجان وحدهما، وفقا لظروفهما وأحوالهما، وبالتالي فإن الأمور الخاصة بين الزوجين يجب ألا تعالج بقوانين، لكن تعالج عن طريق التوعية الدينية الصحيحة.


وهناك إجماع من علماء الأزهر الشريف قديما وحديثا على أن تنظيم النسل جائز شرعًا والتحديد حرام.


فقد أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب‏،‏ شيخ الأزهر‏،‏ ضرورة السعي نحو تنظيم النسل وليس تحديده، وأن نصبو إلى أمة مسلمة قوية، تتمتع بصحة عالية، وكفاءة من التعليم.


ومنذ أسابيع قليلة انتقدت دار الإفتاء، حديث رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، الشيخ جابر طايع، حول تحديد النسل، الذي وصفه أمام جلسة البرلمان، حول الزيادة السكانية، عندما أكد على أن تحديد النسل مطلب شرعي، وعلى الإنسان أن يفكر في مصير طفله قبل أن يفكر في الإنجاب.


حيث انتقد الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، حديث القطاع الديني، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يعرف مصطلحًا يدور حول التحديد، وإنما جاء النبي بالتنظيم فقط، حيث أجاز الإسلام ذلك رغبة في حماية وحفظ الأنسال من خلال العزلة وليس بقطعها كما يقول المحددون بطفل أو طفلتين، مشددا على أن الإسلام حرم التحديد لأنه يؤدي إلى القضاء على الأمة والنسل.


وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن القضية السكانية هي قضية غاية في الأهمية إذا أردنا تحقيق التنمية المنشودة، داعيا إلى ضرورة الأخذ بكل وسائل العلم لتحقيق الصالح العام.


وأوضح مفتى الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية قد استقرت في فتواها على أن تنظيم الأسرة هو من الأمور المشروعة والجائزة شرعا، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس الفقر، ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة.


من مبارك للسيسي

كل رؤساء مصر السابقين كانوا يعتبرون أن الزيادة السكانية هي التحدى الأكبر لمسيرة العمل الوطني.


وقد بدأت معركة الزيادة السكانية في مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما تبنت الدولة وقتها مشروعات «تنظيم الأسرة»، بعد اعتراض الأزهر على مصطلح «تحديد النسل»، لكن الحملات روجت للاكتفاء بطفلين أو ثلاثة من أجل أسرة سعيدة.


وقد أنشأ جمال عبد الناصر المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة عام 1965، وفى خطابه فى الذكرى الرابعة عشرة لثورة يوليو 1952 قال: «إذا كنا وصلنا فى زيادة السكان إلى أكبر نسبة فى العالم، والإحصاء الأخير قال إن مصر زاد تعدادها على ٣٠ مليونا، ومعنى هذا إن إحنا كل سنة حنزيد مليون، طب حنوكل المليون دول منين إذا لم نعمل؟ يعنى لازم نعتمد على نفسنا».


أما الرئيس محمد أنور السادات فلم يتخذ خطوات عملية، لكن اكتفى بالبحث عن حلول لهذه الزيادة السكانية، وحاول تخفيف الضغط عن القاهرة، من خلال إنشاء عاصمة جديدة وجد فيها حلا لمشكلة التكدس السكانى، فوقع اختياره على منطقة صحراوية قريبة من مسقط رأس السادات فى المنوفية، لتقام عليها «مدينة السادات» التى كان ينوى الرئيس الراحل جعلها عاصمة إدارية جديدة، وقال فى أحد خطاباته: «زيادة السكان عندنا مازالت تسجل معدلا شديد الارتفاع، وحين نقول إننا نستقبل كل سنة مليون نسمة زيادة، فإننا نستقبل تلك الزيادة بالطبع فى استخدام المرافق، وفى مصاريف الدراسة، وفى تشغيل الخريجين من المدارس والمعاهد والجامعات».


لكن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، كان أكثر ضراوة في محاربة الزيادة السكانية، وبذلت حكوماته المتعاقبة جهود جبارة لوقف هذا الغول الذي يبتلع خطط التنمية ويهدد كيان الدولة المصرية، وظهرت العديد من المبادرات للتصدى للزيادة السكانية، طوال فترة حكمه، حيث قام بعقد المؤتمر الدولي للسكان في مصر، وبعده قام بتدشين حملة إعلامية ضخمة لحث المجتمع المصري على مواجهة الانفجار السكاني وتحديد النسل، وقد خصصت وزارة المالية ما يعادل 42 مليون دولار أميركي للإنفاق على الحملة الإعلامية والتجهيزات الطبية وتوفير وسائل منع الحمل للرجال والنساء، ولكن كل هذه الجهود فشلت، ووصل عدد سكان مصر من 40 مليونًا إلى أكثر من 80 مليونًا.


لكن صحيفة «يو إس أيه توداي الأمريكية»، نقلت عن مديرة بعثة الوكالة الأمريكية، شيري كارلين، قولها: "برامج تنظيم الأسرة التابعة للوكالة أحدثت تأثيرا هائلا في الماضي"، وأشارت إلى انخفاض معدلات الخصوبة من 5.8 طفل لكل أم إلى ثلاثة خلال فترة حكم مبارك، وأكدت: "مستعدون مرة أخرى لنكون جزءا من الحل للنمو السريع في معدل الخصوبة".


أما الرئيس المعزول محمد مرسي فقد اعتبر ارتفاع عدد السكان فى مصر قيمة مضافة، وثروة قومية، مؤكدًا أن العالم «يفرح» بزيادة عدد السكان، وأن الله موكل بالرزق للجميع، «وعليه فسيطعم هذه الزيادات، هكذا إلى ما لا نهاية»، وربط الرزق بالتقوى، وذكر الآية القرآنية «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء».


 ثم جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليؤكد من جديد على أن أكبر خطرين تواجههما مصر هما الإرهاب والنمو السكاني، وهذا التحدي يقلل من فرص مصر في المضي قدما، كما اعتبر الزيادة السكانية أكبر تحد يواجه الدولة الفترة القادمة.


وحذر الرئيس في أحد لقاءاته أنه «فى حالة الاستمرار فى هذه الزيادة هتلاقى نفسكم دخلتوا فى رقم سكانى كبير جدا وهيبقى عبء عليكم ومش هتحسوا ولا تشوفوا آثار كل الجهد اللى بنعمله».


كما وضع قضية الزيادة السكانية على رأس أولويات حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، حيث حظيت هذه القضية بأهمية كبرى في برنامج الحكومة، من خلال تطبيق سياسات تحفيزية للحد من الزيادة السكانية التي تقلل من فرص الاستفادة من ثمار التنمية، وزيادة نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 59،5% حاليًا إلى 64%، وإتاحة خدمات تنظيم الأسرة وخاصة بالمناطق النائية والمحرومة، وورفع الوعي المجتمعي بخطورة الزيادة السكانية بمحافظات الجمهورية، ومنها مشروع "إثنين كفاية" والذي يستهدف 1،1 مليون أسرة من مستفيدي برنامج كرامة.


يقول الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع، إن فشل الحكومات المتعاقبة في الحد من الزيادة السكانية يعود إلى عدة أسباب منها، عدم جدية هذه الحكومات، وشماعة الدين، مؤكدا على أن نجاح النظام الحالى في الحد من هذه الزيادة يتطلب وقفة قوية وإصدار تشريعات شديدة وتوقيع عقوبات قاسية على أي مواطن يخالف هذه القوانين والتشريعات، مشيرا إلى أن الزيادة السكانية هي أكبر خطر يواجه الدولة المصرية، محملا هذه الزيادة السبب في مشكلة البطالة والإرهاب وارتفاع معدل الجريمة في المجتمع، لافتا إلى أن الأزهر ورجال الدين لعبوا دورا سلبيا في هذا الموضوع بسبب تفسيرهم الخاطئ للنصوص الدينية، موضحا أن الإسلام لا يريد إنسانا ضعيفا وإنما يريد إنسانا قويا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، منوها إلى أن رجال الدين يستخدمون النصوص الدينية والأحاديث النبوية في غير محلها، مثل «تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، متسائلا: هل الرسول صلى الله عليه وسلم سيتباهى بنا يوم القيامة ونحن على هذا الوضع وهذا التخلف الحضاري؟

 

وأوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، أن هناك فرقا بين التحديد والتنظيم، فالتحديد معناه المنع، والمنع يعني القتل، والقتل حرام، قال تعالى «وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، أما التنظيم فالإسلام دين نظام، والتنظيم هو عمل من قول الله تعالى «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»، فالمرأة تظيم حملها، فإن في ذلك مصلحة لها ولأطفالها، أما المنع أو التحديد فالله يقول «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ »، والله تعالى ضمن الرزق للإنسان وهو جنين في بطن أمه، فقال في محكم آياته «وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا»، وإذا نظرنا للتنظيم على أنه حالة صحية للمرأة وأولادها بعيدا عن الرزق فهذا أمر لا بأس به، لأن الإسلام دين نظام.


وعن القانون الذي يتم إعداده في مجلس النواب قال «الأطرش»، «إذا كان الإنجاب والمعاشرة الزوجية والحمل والوضع بقانون فليفعلوا ما يشاءون، كل هذه أمور بيد الله سبحانه، ولقد قرأنا وسمعنا ورأينا أن نساء كثيرات كنا يستخدمن وسائل منع الحمل، وكن يلدن بالثلاث والأربع توائم، وفي المقابل هناك المئات يتمنين طفلا فلا يجدونه، لذا لجأ الكثير منهم إلى الحقن المجهري وأطفال الأنابيب وغيرها من الوسائل».


وأضاف رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، أن حملات تنظيم الأسرة التي كانت في السابق كانت تمولها دول غربية،  وهذه الدول عدوة لمصر ولا تتمنى الخير لها، بل تريد إضعافها.


وعن تحميل الأزهر ورجال الدين مسئولية فشل جهود تخفيض الكثافة السكانية عبر العصور قال «الأطرش»، «دائما وأبدا الأزهر هو الشماعة التي تعلق عليها جميع الأخطاء، رغم أن رجال الأزهر يقومون برسالتهم بأحسن ما يكون، ثم يأتي الإعلام ويدمر هذه الرسالة».   

 

ويقول حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن القانون الذي تتم مناقشته في مجلس النواب والخاص بتنظيم الأسرة مخالف للدستور، ولحقوق الإنسان الأساسية في العالم كله، وعلى رأسها العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لأن حق حرية الزواج والإنجاب من حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن تنظيم الأسرة قضية وعي وليس قضية تطبيق قانون، من خلال رفع وعي الناس بأهمية تنظيم الأسرة، لافتا إلى أن الدولة والحكومات المتعاقبة لم تفشل في هذا الموضوع، ولكنها نجحت وفشلت بدرجات متفاوتة، ففي فترات كثيرة كانت الدولة تقدم وسائل تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية مجانا، لذلك حققت مصر في بعض الفترات تقدما في هذا الموضوع، ووصل معدل الإنجاب 1.8 في ثمانينيات القرن الماضي، وهذا كان إنجازا كبيرا، وبعد أن تراجعت الدولة عن تقديم هذه الخدمات أصبحت تمثل عبئا كبيرا جدا على الأسرة المصرية، وبالتالي الكثير من الأسر عجزت عن شراء وسائل منع الحمل أو تحمل تكاليف العلاج، مما أدى إلى زيادة معدلات الإنجاب، وبالتالي الأمر يحتاج إلى أن تقوم الدولة مرة أخرى بتمويل هذا الموضوع، وترصد له إمكانيات مالية مطلقة، والاهتمام بالمناطق الريفية التي ترتفع فيها معدلات الإنجاب، وتقديم الخدمات الصحية لها مجانا، وكذلك وجود حملات توعية ضخمة، مشددا على أهمية دور الأزهر والكنيسة والمؤسسات الدينية في هذا الموضوع، مشيرا إلى أن الأزهر مطلوب منه الرد على الكثير من التساؤلات مثل حديث «تكاثروا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، ومطلوب وضع مثل هذه الأحاديث في سياقها، وفي إطار الإمكانيات المتاحة للدولة والأسرة، وبالتالي دور الأزهر مهم جدا لمواجهة الآراء المتشددة التي تصدر من الجماعات المتطرفة، مشددا على أن التوعية والتثقيف والإنفاق على الرعايا الصحية للمرأة أثناء تنظيم الأسرة هو الحل للحد من الزيادة السكانية وليس القوانين أو التشريعات أو اجبار الناس.