رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عملوا في «السباكة والنجارة».. أئمة يبحثون عن «لقمة العيش» بعيدًا عن تجديد الخطاب الديني

خطباء الأوقاف
خطباء الأوقاف


فشلت المؤسسات الدينية في فك لغز تجديد الخطاب الديني الذي دعى إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في عام 2015، ورغم تسابق تلك المؤسسات في إعلان خارطة الطرق لهذا الملف إلا أنها باءت بالفشل، ويرجع ذلك إلى عدم اهتمام المؤسسات الدينية بالنهوض بالعنصر البشري ورفع كفاءته ماليا وفنيا، لكونه العنصر الأهم في ملف تجديد الخطاب الديني، وخلال التقرير التالي تكشف "النبأ" عن أخطر الأسباب التي كانت سببا مباشر في عدم نجاح ملف تجديد الخطاب الديني حتى الآن، خاصة أن رجال الدين الموكلين بتجديد الخطاب الديني منشغلون بممارسة مهن دنياوية أخرى، الكارثة تتمثل في قيام عدد من أئمة المساجد بممارسة مهن الحلاقة والمحارة وقيادة الـ«توك توك»، والزراعة وتربية المواشي في حين يأخذ الملف الديني جزءا بسيطا من حياتهم وفكرهم. 

"النبأ" تستعرض في التقرير التالي أبرز تلك القصص المثيرة، يقول الشيخ" سعيد.م"، إنه تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر في عام1988 والتحق للعمل إماما بوزارة الأوقاف بعد تخرجه بأربع أعوام، وله من الأبناء ثلاثة، ويعمل مغتربا في محافظة القاهرة، رغم أنه من القليوبية، وأصبح جميع أئمة الأوقاف المغتربين يتعرضون للكثير من المعاناة نتيجة لذلك فلا توجد استراحات كافية للأئمة؛ ولذلك يضطر الإمام للحصول على سكن في حدود 700 جنيه تقريبا في الوقت الذي يصل إجمالي دخل الإمام بالبدلات والحوافر لنحو2000 جنيه تقريبا، فإذا كان نصف الدخل يوجه للإيجار فكيف يعيش الإمام وأسرته بمبلغ 1000 جنيه، هذه مأساة حقيقية يضطر معها الإمام لمزاولة إحدى المهن الأخرى حتى يستطيع مواجهة ظروف الحياة الصعبة، لذلك عمل بأحد متاجر بيع الحديد والأسمنت بالقاهرة.

كما قال الشيخ "تامر.ص"، أحد خطباء المكافأة بوزارة الأوقاف، إنه يعمل خطيبًا بالمكافأة منذ ست سنوات، ولم يتقاض سوى راتب شهري 143 جنيهًا. 

الشيخ تامر متزوج ومعه أربعة أولاد، وينفق على والدته المسنة، مشيرا إلى عمله بعديد من المهن، منها نجار مسلح، ومساعد مبيض محارة، كما عمل في مقهى لتقديم الشيشة، وذلك لكي يستطيع الإنفاق على الأسرة.. وطالب الشيخ تامر الرئيس السيسى بالتدخل من أجل إنقاذ الخطباء من التشرد وتحقيق دعوته التي قوبلت بالتهميش من قبل الأوقاف بتحسين أحوال الأئمة، مشيرا إلي أنه تقدم في العديد من مسابقات الأوقاف من أجل التثبيت.. "ولكن يتم رسوبي رغم كوني أعمل خطيبا مكافأة بالوازرة فكيف يحدث ذلك؟!".

وأشار إلي أن هناك الكثير من الأئمة تعمل في وظائف دنياوية للغاية، ولا يذهبون للمساجد إلا وقت الخطبة فقط، نظرا للبحث عن لقمة العيش الخارجية 

من جانبه يقول الشيخ محمد.س، "إمام بأوقاف القليوبية إن الظروف الصعبة التي يمر بها الأئمة والدعاة جعلتهم يتركون مساجدهم ليعملوا في مهن أخرى لزيادة دخلهم ومواجهة ظروف الحياة الصعبة فمرتب الإمام بالبدلات والحوافز لا يكفي عدة أيام في ظل وجود أبناء في مراحل التعليم المختلفة بالإضافة لكثير من الالتزامات الأخرى التي تفرض على الإمام نتيجة طبيعة عمله، وهناك عدد كبير من الأئمة والدعاة يعملون في مهن أخرى كالنجارة والسباكة، وهناك سائق التوك توك والميكروباص والبعض الآخر يعمل في مطاعم ومحال والمؤكد أنه لا يصح أن يعمل الداعية في تلك المهن لكن في الوقت نفسه كيف يعيش الداعية وأسرته في ظل ظروف الحياة الصعبة.

وأشار إلى أن هذا العمل الإضافي الذي لجأ إليه أئمة مساجد مصر لتحسين ظروفهم المعيشة وتلبية متطلبات العيشة كان سببا رئيسيا في ضعف مستوى الأئمة والتقصير تجاه مساجدهم؛ وهذا ما أعطى الفرصة للجماعات الدينية للانتشار في مساجد وزارة الأوقاف وهذا بالطبع يحزن الإمام ولكنه بين نارين نار الغلاء ونار إهمال الدعوة. والحل طالب به الأئمة كثيرا وهو في يد الحكومة، ألا وهو إقرار كادر مالي مناسب يحفظ للإمام كرامته وهيبته ويوفر له حياة كريمة محترمة.

كما يكشف الشيخ "أحمد.ط"، أحد خطباء المكافأة الذين يتجاوز عددهم قرابة العشرين ألف إمام، أن أوضاعهم المالية والاجتماعية سيئة. مشيرا إلى أنه يعمل تاجر مستحضرات تجميل، إلى جانب عمله كخطيب بالمكافأة، منوها بأن أغلب خطباء المكافأة يعملون سائقي توك توك، وبائعي خضراوات وفاكهة، ومربي مواشي وفي الأجرة والعمل اليومي بمهنة الزراعة واحيانا هناك البعض يعمل فعولية يوميا.

موضحا، أن الوزارة رفعت قيمة راتب خطيب المكافئة مؤخرا إلى 700 جنيه فكيف يعمل ذلك في الظروف الصعبة الحالية.

ويقول الشيخ سالم.ر" أحد أئمة الأوقاف المعينين، إن الأئمة بوزارة الأوقاف سواء المعينين أو العاملين بنظام الخطابة بالمكافأة يعيشون مأساة كبيرة، ويؤكد، أنه يعمل في مبيض محارة، وفي أحد محلات بيع الخطروات بسوق العبور، وذلك لأن مرتب الخطيب المعين ألف جنيه، وبدل صعود المنبر يتقاضاه الخطيب بعد الخصومات 700 جنيه، ولو وقع له أي جزاءات لا يتقاضى بدل صعود المنبر، ليصبح إجمالي راتب خطيب الأوقاف 1700 جنيه، في حين أن سعر الكتاب يصل إلى 50 جنيها، متسائلا: كيف يتسنى للإمام قراءة الكتب والمراجع حتى يكون على قدر عال من الثقافة؟

مطالبا الرئيس بالتدخل ورفع دخل الأمام من أجل تحقيق تقدم في ملف تجديد الخطاب الديني خاصة وأن الكثير من الأئمة لا يستطيعون شراء اللبس الأزهري ولا الكتب الدينية لذلك أغلبهم غير مثقف ويكرر الخطب التي تلزم بها الوزارة جميع الأئمة.

من جانبه يقول الشيخ عبد الرحيم أحمد عضو نقابة الأئمة المستقلة، إن أوضاع الأئمة المالية تحتاج إلى تحسين، ولا يستطيع أي إمام أن يلبي احتياجات الأسرة، خاصة مع ارتفاع الأسعار بالاعتماد فقط على راتب عمله كإمام وخطيب بالأوقاف، لذلك فالإمام يمتهن مهنا أخرى إلى جوار عمله. ويؤكد، أن الإمام يعمل حلاقا وسائق توك توك، وعاملا في مطعم ونجارا، الأمر الذى يجعل نظرة الناس للأئمة غير لائقة، فيتحدث عن الإسلام وتعاليم الشريعة، ويذهب بالمصلين كسائق توك توك بعد الصلاة، الأمر الذي يتنافى مع طبيعة رسالة الإمام.

وطالب الحكومة بضرورة عمل كادر خاص للأئمة مثل القضاة، لكونهم يحملون أخطر الملفات المتعلقة بمواجهة الجماعات الإرهابية، ملف تجديد الخطاب الديني لن يتم في ظل الأوضاع السئية للأئمة وخاصة خطباء المكافأة.

وفي تقرير صادر عن وزارة الأوقاف بشان أزمة مرتبات الأئمة، فقد أعلن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، عن زيادة رواتب أئمة الدرجة الأولى والثانية والثالثة بمتوسط زيادة قدرها 1750 جنيها، موضحا بأنه، تمت زيادة رواتب الأئمة خلال الفترة السابقة بنسبة ١٣٧٪، حيث كان إمام الدرجة الثالثة يتقاضى أول راتب له بقيمة ١١٦٠ جنيها وأصبح في الوقت الحالي ٢٧٤٩ جنيها بزيادة تصل إلى ١٣٧٪.

وقال الوزير إنه تقرر رفع راتب الخطيب بالمكافأة من ١٤٠ إلى ٧٠٠ جنيه، وإذا قام الخطيب بإقامة الصلوات، وإلقاء الخطبة بعيدًا عن مسكنه يصل راتبه إلى ١٢٠٠ جنيه، وهو الحد الأدنى للأجور".

وأوضح بأن وزارة الأوقاف لا تدخر جهدًا من أجل النهوض بأحوال الأئمة المادية، بتنفيذ كادر الأئمة بعد وأن هناك أكثر من 60 ألف إمام وخطيب، فضلا عن خطباء المكافأة، وأن الوزارة تعمل بشكل دوري ومنتظم فى تنمية قدرات الأئمة من خلال الورش والتدريب، وأن مسألة قيامهم بمهن أخرى أمر غير مقبول، ولا بد لهم من التفرغ التام للإمامة والخطابة.