رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الشيخ على عبد الباقى: استدعاء الوقائع التاريخية «الشاذة» هدفه تفجير المجتمعات الإسلامية «من الداخل»

الشيخ على عبد الباقى
الشيخ على عبد الباقى


قال الشيخ على عبد الباقي شحاتة، الأمين العام الأسبق لـ«مجمع البحوث الإسلامية»، إن بعض الكارهين للإسلام يستغلون المنطقة السوداء في التاريخ الإسلامي، وهي الفتنة الكبرى التي حدثت في عهد علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، للطعن في الصحابة وتكفيرهم والتشكيك في الثوابت الإسلامية.

ورد «شحاتة» على كل الشبهات التي أثارها البعض عن الصحابة في هذه المنطقة السوداء، والتي من أخطرها، أن الكثير من الصحابة ارتدوا وانقلبوا على الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يكفرون ويلعنون ويسبون بعضهم، وعدم التزامهم بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.. وإلى تفاصيل الحوار.


كيف ترد على الذين يقولون إن الصحابة كانوا يكفرون ويلعنون بعضهم بعضًا؟

هذه الشبهات تدخل في إطار حملة التشويه الممنهجة ضد الدين الإسلامي، تنفيذا للمخطط الغربي الذي وضعه صامويل هنتنجتون الخاص بصدام الحضارات لضرب الدول الإسلامية وتقسيمها وتحويلها إلى «كانتونات»، كما يحدث الآن في العالم العربي والإسلامي، وتحويل الحركات الإسلامية الهدامة في التاريخ الإسلامي إلى حركات إصلاحية، والتشكيك في الثوابت الإسلامية، وهذا التشكيك له أكثر من منهج، منه الهجوم على الأئمة، والهجوم على الصحابة وتشويههم، ويدعون بأن الصحابة كان يشتم بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا، مستغلين ما نطلق عليه بالمنطقة السوداء في التاريخ الإسلامي، التي تمتد من  مقتل عثمان بن عفان وحتى مقتل على بن أبي طالب، ويقومون بتكفير الصحابة، كما يفعل الشيعة، وكما يفعل العلمانيون، ويستغلون ذلك للتشكيك في الثوابت الإسلامية.


لكن هل الصحابة كانوا يكفرون ويلعنون بعضهم بعضًا كما يزعم هؤلاء؟

هذا غير صحيح على الإطلاق، وهذا لم يكن منهج الصحابة، لأنه من ضمن الصفات الثابتة للصحابة، أنهم عدول، لكن البعض يحاول تفسير الأمور على هواه، وهذه قضية خطيرة جدا.


كيف ترد على شبهة أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من المنافقين ولن يدخلوا الجنة؟

هناك سورة في القرآن اسمها المنافقين، وقال تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» وهؤلاء المنافقون لا نستطيع أن نطلق عليهم صحابة، فهل نعتبر عبد الله بن أبيّ بن سلول «رأس المنافقين» والذي كان يهاجم ويسب الإسلام ويهاجم ويسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وقف وراء حادث الإفك وسب عرض الرسول من الصحابة؟ والقرآن قال فيهم « هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ»، ورغم ذلك عندما مات أوصى ابنه أن يكفنه في قميص الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يصلي الرسول عليه، جاء عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول، رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ”يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له”، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام قميصه، وقام ليصلّي عليه، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك أسرع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال له: ”أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟"، فقال له: « إني خُيّرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها»، ثم نزلت الآية القرآنية «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم»، ثم نزل قول الله تعالى «وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ»، وبعدها نزل جبريل على الرسول بأسماء المنافقين جميعا، لعدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى، فجاء الرسول بحذيفة ابن اليمامة وأسر إليه بذلك، حتى يذكره بهم إذا نسي، وسيدنا عمر ابن الخطاب كان يقول «كنت أذهب للجنازة فلا أرى الرسول ولا حذيفة فأعود»، وبالتالي النفاق ليس قاعدة عامة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا شيء مجاف للحقيقة تماما، لكنه التشويه والتشكيك.


كيف ترد على شبهة عدم التزام الصحابة بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

هذه حوادث كلها مذكورة في القرآن، الهدف منها التربية، في ظل مجتمع جاهلي وحديث العهد بالإسلام، وهم أخطئوا وجاء القرآن ليصحح لهم هذا في آيات قرآنية، وهذه الوقائع كلها موجودة في القرآن، والصحابة يعرفونها، فعادوا إلى صوابهم ولم يعودوا إلى هذا الفعل مرة أخرى، وهل يجوز أو يعقل أن نتهم كل الصحابة بهذه الأفعال، والقرآن كله نزل لتربية المجتمع الإسلامي كله وليس الصحابة فقط، وكان القرآن يصحح الأخطاء التي يقع فيها المجتمع الإسلامي بمن فيه الصحابة، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكانوا يعيشون في الجاهلية والعنصرية البغيضة، فجاء القرآن ليربيهم ويعلمهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، لكن البعض يريد خلط الأمور لضرب الإسلام، وتشويه صورة الصحابة.


وماذا عن القول بارتداد الكثير من الصحابة وانقلابهم على الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الكثير من الأحداث وقعت من أجل تنقية المسلمين الجادين، ومعرفة المؤمن الحقيقي من المنافق، والمسلم من غير المسلم، والذي يحب الرسول من الذي لا يحبه، مثل حادثة الإسراء والمعراج، وحادث تحويل القبلة، وحادثة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، الكثير من المسلمين ارتدوا في هذه الأحداث، وكلها قضايا نطلق عليها «قضايا تنقية العالم الإسلامي»، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المرتدين، لكنهم عادوا بعد ذلك، بعد أن قويت شوكة الإسلام، وبعضهم قاد معارك، سراقة تحول إلى قائد في جيش المسلمين ورئيس مدينة، بعد أن كان يطارد الرسول صلى الله عليه وسلم ويريد قتله، عكرمة ابن أبي جهل كان يؤذي الرسول، وبعد أن أسلم تحول إلى قائد في جيش المسلمين لنصرة الإسلام، والذين انقلبوا وارتدوا بعد وفاة الرسول نزل فيهم قرآن يعاتبهم، قال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»، وعمر ابن الخطاب بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم أشهر سيفه وقال: من قال إن محمدا قد مات فسأقطعن رأسه؟، لكن بعد أن نزلت هذه الآيات وتلاها عليه أبو بكر الصديق عاد إلى رشده، وعندما تلا أبو بكر الصديق هذه الآية سمعها عمر والمسلمون كأنهم لم يسمعوها من قبل، ثم قال أبو بكر: «ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، فلما سمع عمر كلام أبي بكر وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات، هوى على ركبتيه يبكي، وقال: «والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات»، ولا ينكر أحد أن الكثير من المسلمين ضعاف الإيمان ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت هناك حروب الردة التي قام بها أبو بكر الصديق، والكثير منهم كانوا من المنافقين، لكن الكثير منهم عادوا، وقادوا الجيوش، وشاركوا في الفتوحات الإسلامية.


رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» وقال «القاتل والمقتول في النار» إلا أن الصحابة قاتلوا بعضهم في موقعتي الجمل وصفين؟

الفتنة بدأت من مقتل عثمان، وموقعة صفين، ثم مقتل سيدنا على، وظهور الخوارج، لكن العلماء عندما درسوا هذه الأحداث قالوا، لا تسبوا أصحاب الرسول، لأن كل واحد منهم كان يقاتل عن عقيدة وتأويل واجتهاد، لكن البعض يحاول لي عنق الحقيقة، والتشكيك في الصحابة الذين نقلوا لنا الإسلام، لأن التشكيك في الصحابة معناه التشكيك في كل ثوابت الإسلام.


رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «من أذى علي فقد أذاني» إلا أن الصحابة أذوه وقاتلوه.. وهذا يمثل مخالفة لتعليمات الرسول؟

هذه الأحاديث واردة، عبد الله ابن الزبير وهو يقاتل سيدنا علي في موقعة صفين، وأحد الصحابة ذكره بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن على، فتوقف عن قتال سيدنا على وانتهت معركة صفين، وهذا يؤكد أن الصحابة لم يخالفوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.


 

كيف ترد على شبهة فرار الصحابة يوم أحد ويوم حنين؟

القرآن الكريم عاتبهم على ذلك، فقال تعالى «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»، فعندما نسوا الله واعتمدوا على قوتهم هزموا، وعندما عادوا انتصروا، وهذه إرادة الله.


كيف يحب المسلمون بني أمية مع أن القرآن الكريم سماهم الشجرة الملعونة؟

هذا تفسير مغرض، الشجرة الملعونة لم يقصد بها بني أمية ولا غيرهم، والتفاسير كلها في الشجرة الملعونة أكدت على ذلك، وقالوا إنها شجرة في جهنم، هذا الكلام يقوله الشيعة لأنهم يكرهون بني أمية ويكفرونهم.


أي فريق من الصحابة تنطبق عليه الفئة الباغية وهم الذين قاتلوا بعضهم في موقعة صفين والجمل؟

عندما قام طه حسين بتخطئة الصحابة، في كتابه الفتنة الكبرى، الكثير من العلماء هاجموا طه حسين، فتم منع الكتاب من التداول، لأنه يثير فتنة، ويخطئ الصحابة، الصحابة جاهدوا وقاتلوا عن اعتقاد وإيمان صحيح منهم في تأويلهم وتفسيرهم، ولا يوجد أحد من المسلمين خطأ الصحابة في هذه المنطقة السوداء إلا الشيعة، وبعض أهل السنة، الذين يروجون للمذهب الشيعي، من أجل تفجير المجتمع الإسلامي من الداخل.


هل خلافات الصحابة كانت على السلطة والحكم أم على حماية الدين وحفظه؟

خلافهم كان من أجل اجتماع راية المسلمين تحت قيادة رجل واحد كما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوحيد كلمة المسلمين، ولم شمل المسلمين تحت راية واحدة، وإنقاذ المجتمع الإسلامي من فتنة قد تعصف به، كما حذرهم الله تعالى فقال «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ»، وبالتالي الهدف من استدعاء هذه الوقائع التاريخية الشاذة الآن هو تفريق وحدة المسلمين، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لتفجير المجتمعات الإسلامية من الداخل.


ما حكم من كفر الصحابة وسبهم؟

هو بإجماع المسلمين مسلم عاصٍ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجـــوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».