رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

نظام التعليم الجديد «يُنعش» بيزنس المدارس الخاصة.. و«يقصم» ظهر «الغلابة»

طارق شوقي - أرشيفية
طارق شوقي - أرشيفية


بعد أيام قليلة من بروز الموضوع على السطح، عقد الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، مؤتمرًا صحفيًا، منتصف الأسبوع الماضي، أعلن خلاله «حزمة» قرارات لتهيئة الأمور؛ لتطبيق النظام التعليمي الجديد، الذي ظلت مناهجه وتفاصيل جزئياته مجهولة حتى الآن.


ومن بين القرارات الصادمة لأولياء الأمور ما أعلنه وزير التعليم، بإلغاء نظام المدارس التجريبي لغات، وتحويلها إلى مدارس حكومية من العام 2019-2020.


وبرّر «شوقي» هذا القرار بأنه لا توجد دولة في العالم تعطي دروسها ومقرراتها التعليمية بلغة غير لغتها، متهما أولياء الأمور الذين استبقوا قراره بالتظاهر احتجاجًا عليه بأنهم يتظاهرون ضد الدولة، مضيفا: «مفيش مدرسة في فرنسا بتدرس مناهجها باليوناني»، مشيرا إلى أن الكتب الدراسية ستكتب باللغة العربية خلال المرحلة الابتدائية من الصف الأول الابتدائي حتى السادس الابتدائي؛ لضمان ترسيخ لغتنا الأم لدى الطفل، ثم سندعم اللغة الثانية بالتزامن مع تطبيق ذلك، وسنجعل الطالب يدرس العلوم والرياضيات بالإنجليزية من الصف الأول الإعدادي.


وأوضح الوزير، أنه من سيلتحق بالتجريبيات في 2019/2010 سيطبق عليه القرار الجديد الخاص بتعريب اللغات بـ«المرحلة الابتدائية»، بينما سيتم استثناء من قدموا لأولادهم لعام 2018/2019 الآن قبل إصدار القرار بحيث يدرسون باللغات مثلما هم.


ويبدو حديث الوزير مقبولًا، فبالفعل تحرص دول العالم على تعليم جميع طلابها اللغة الأم، ثم بعد ذلك تعتمد لغة ثانية عادة ما تكون الإنجليزية؛ لأنها لغة العلوم حاليا، وأن يسير نظام التعليم الجديد على هذا النهج فهو شيء يحسب للوزارة لا شك.


إلا أن ما أثار استياء أولياء الأمور هو أن قرار الوزارة شمل المدارس المملوكة للدولة، والذي ألزمها بالدراسة باللغة العربية وأوقف المدارس التجريبية لغات، التي تعتمد لغات أخرى، في حين أنه قرر ترك المدارس الخاصة وكذا المدارس الدولية للتدريس باللغة الإنجليزية، ما يعني أن القرار لن يطّبق على جميع التلاميذ، وهو ما يشكك في مبرر حرص الوزارة على تعليم العربية أولًا، إذ إن تلك المدارس تحصل على تصريح بمناهجها وامتحاناتها من الوزارة، فكيف لا يتم تضمينها لمشروع التعليم الجديد؟، وإذا كان المشروع الجديد يهدف لوضع منهج موحد ونظام واحد فلماذا استثنيت المدارس الخاصة والدولية منه؟


الأغرب من ذلك أن نهج وزارة التربية والتعليم كان على العكس تماما، فخلال السنوات الماضية،  توسعت الوزارة في إدخال مدارس لغات، حتى بلغ عدد المدارس الرسمية للغات، 2397 مدرسة، يدرس بها 749 ألفا و275 طالبا وطالبة، ووعدت بالمزيد، وبدت تلك المدارس بمثابة الحلم الذي تحقق لأولياء الأمور من الطبقة الوسطى الذين تمكنوا من تعليم أبنائهم اللغات بشكل جيد، ودون تكليفهم نفقات باهظة كما في المدارس الخاصة.


قرار الوزير الجديد سيجعل تلك المدارس التي التحق بها نحو 800 ألف طالب، يهبط مستواها ليتساوى بالمدارس الحكومية، وتنتهي فرص الطلاب في الحصول على تعليم أفضل من المتاح في مدارس الدولة، ومن يريد ذلك فعليه أن يدفع في المدارس الخاصة والدولية مبالغ طائلة وبالدولار والعملات الأخرى.


هذا الخبر جاء بردًا وسلامٌا على أصحاب المدارس الخاصة، التي سيلجأ إليها من يرغب في الحصول على تعليم متميز، وبنظرية العرض والطلب، ومع زيادة الطلب وقلة المعروض، سترتفع أسعار تلك المدارس، وينمو بيزنس المدارس الخاصة، وسيضع أصحابها مزيدًا من الشروط والعوائق الطبقية أمام الأسر الراغبة في إلحاق أبنائها، وتشترط مستوى اجتماعيًا وتعليميًا متميزًا لأولياء الأمور، ما يعني أن العمال والفلاحين وأصحاب المهن، لن يكون أمام أبنائهم فرصة في تلقي تعليم على قدر متميز، ولن يكون أمامهم إلا مدارس الحكومة.


حتى المتعلمون والموظفون والمنتسبون للطبقة الوسطى سيكون عليهم أن يتحملوا مزيدًا من الأعباء للحصول على تعليم مناسب لأبنائهم، فبحسب وزير التعليم من يريد أن يعلم أبناءه لغات أخرى عليه أن يتحمل تكلفة الترجمة وغيرها.


وعن هذا القرار الجديد يرى محمد صلاح، رئيس جمعية أولياء أمور طلاب المدارس الخاصة، أن قرار وزير التعليم  بإلغاء تعليم اللغات في المدارس التجريبية غير منطقي وغير مقبول، مشيرًا إلى أنه إن كان يرى إلغاء تعليم اللغات في صالح منظومة التعليم ولمصلحة الطالب فلماذا لا يتم تعميمه على جميع المدارس بما فيها الخاصة؟، مشيرا إلى أن ما سيحدث هو أن المدارس الخاصة ستزيد الأعباء على أولياء الأمور، والوزارة لا تبالي بذلك، ولكنها تدفع باتجاه اللجوء للمدارس الخاصة.


وأضاف «صلاح» أن أولياء أمور المدارس الخاصة يلجئون للتعليم الخاص ويتحملون مصروفات كبيرة، ويرفعون الأعباء عن كاهل الدولة، فليس مقبولا أن تواجه الدولة ذلك بإضافة مزيد من الأعباء على كاهلهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.


وأوضح رئيس جمعية أولياء أمور طلاب المدارس الخاصة، أن المدارس الخاصة تزيد بشكل كبير في مصروفاتها وتتضاعف كل عام، تحت بنود النشاط وعلاوات المعلمين وبنود أخرى، ومع زيادة البنزين في الفترة المقبلة ستزيد كذلك أسعار «الباص»، فضلًا عن الأسعار التي ستحّملها الوزارة على تلك المدارس، والتي ستحصل على أضعافها من أولياء الأمور سواء فيما يخص التابلت أو  ترجمة المناهج وغيره.


ومن جانبه يرى الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي، والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، أن المؤتمر الذي عقده الوزير وأعلن من خلاله إلغاء المدارس التجريبية لغات، ووقف تدريس اللغات في المرحلة الابتدائية بالمدارس التجريبية، هو مجرد تصريحات إعلامية لا يقف وراءها توجه لحل جذري لأزمات التعليم أو رؤية حقيقية لإصلاحه.


وأضاف «مغيث» أن الوزير برّر توجهه بإلغاء تعليم اللغات في المرحلة الابتدائية وتعليم اللغة العربية بأن هدفه هو الحفاظ على الهوية، فإذا كان يرى التعليم الأجنبي يؤثر على الهوية، فلماذا يسمح به في المدارس الخاصة؟، وهي مدارس ينظمها قرار وزاري منه، ومقرراتها من الوزارة.


وأوضح الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، أن هدف هذا التوجه للوزير هو «تطفيش» أولياء الأمور الذين يبحثون عن تعليم اللغات لأبنائهم، وجعلهم يلجئون إلى المدارس الخاصة ليتخلص من العبء، مشيرا إلى أن ذلك سيزيد من المدارس الخاصة ومصروفاتها وهو ما تهدف له رؤية الوزير في جعل التعليم بأموال للقادرين فقط، وتتخلى الدولة تدريجيا عن رعايته.


وأضاف أن الوزير ترك الأسباب الحقيقية لانهيار منظومة التعليم مثل تدني البنى التحتية للمدارس، وكثافة الفصول وانعدام الخدمات الفنية وتأهيل المعلمين وإعطائهم مقابلًا ماديًا يسمح بمزيد من العطاء، وذهب إلى أفكار بعيدة عن الواقع، مشيرا إلى أن الدولة توسعت في المدارس التجريبية بدعوى تطوير التعليم، والآن تلغيها تحت عنوان تطوير التعليم أيضا، موضحًا أن التعليم سقط من حسابات الدولة وأصبح مرتعا لكل وزير يجرب ثم يفشل ثم يُطاح به ليأتي آخر بتجارب جديدة.


وأوضح أن النظام الحالي لا يتوقع له الاستمرار طويلا، مشيرا إلى أن أي تجربة جديدة لابد أن تخضع للتجربة على نطاق صغير والوقوف على العيوب وإصلاحها وتلافي القصور فيها، وليس تعميمها دون تطبيق أو معرفة من أحد.