رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أزمة داخل السكة الحديد بعد مقتل مهندس على يد سائق

المجني عليه
المجني عليه

بين الحين والآخر تستيقظ مصر على كارثة تخص حوادث القطارات وتنتشر مشاهد الدماء والأشلاء، ثم نبدأ في التحدث عن التطوير والقضاء على الفساد والإهمال داخل هيئة السكة الحديد، ولكن الأمر هذه المرة يختلف كثيرًا فنحن اليوم أمام رواية دامية بطلها راح ضحية الواجب المهني والتصدي للإهمال والتسيب داخل الهيئة القومية لسكك حديد مصر.

فلم يكن يتوقع قط ابن قرية سمنود مركز أجا بالدقهلية المهندس علاء هاشم نصر مسعود، في العقد الثالث من عمره، مدير الوردية المسائية للصيانة في القسم الإسباني لتجهيز العربات المكيفة بالمنطقة المركزية للسكك الحديدة بالقاهرة، أن تفانيه في عمله ومراعاة ضميره المهني سيكون سببا في حرمانه من أطفاله الثلاثة، فالمجني عليه متزوج منذ أربع سنوات ولديه كريم سنتين، ونغم وأنس توءم عمرهما 6 شهور.

البداية بدخول المتهم محمد مصطفى السيد منصور، 51 سنة، سائق القطار رقم 987 إلى ورش الفرز محل عمل المجني عليه قادمًا من محطة مصر؛ لترك عربات القطار في المكان المخصص لفرزها وتجهيزها، وما إن وصل للورش قام بفصل العربات عن الجرار الخاص بالقطار واستقل جرار القطار ليعود لمحطة مصر وتخزين الجرار والانصراف إلى منزله؛ إلا أن المهندس علاء حضر طلب منه الدخول إلى الورشة لتجهيز العربات وفصلها وعدم التوجه إلى محطة مصر قبل إخراج القطار رقم 2006 أولًا؛ إلا أن السائق رفض تنفيذ أوامر المهندس وكان وقتها يستقل الجرار رقم 3040 على سكة الورشة ونزل السائق وقام بتحويل السكة لنفسه دون انتظار عامل المناورة ولم يأخذ تصريحا من برج المراقبة ليدخل المحطة، فهدده المهندس علاء بالاتصال تليفونيًا بالمهندس محمود البطل، مدير عام تشغيل السائقين، حتى ينصاع له السائق لكونه رئيسه المباشر في العمل، إلا أنه رد عليه قائلًا «أنا مبكلمش حد» وحاول المهندس علاء منعه من التحرك بالقطار إلا بعد إتمام عمله، فحدثت مشادة كلامية بينهما ووقف المهندس أمام الجرار، فهدده السائق بالابتعاد من أمام الجرار، ولم يستجب المهندس، فقام السائق برفع يد السرعات والتحرك بسرعة كبيرة ودهس المهندس والمرور على جسده وهو ما أدى إلى انشطار جسده وتهشم رأسه.

وبحضور الشرطة حُرر المحضر رقم 2130 لسنة 2018 جنح الشرابية، وتم التحفظ على المتهم.

اعترافات المتهم

وبالتحقيق معه بمعرفة الرائد وائل محمود، ضابط نقطة الفرز، قال إنه يعمل كقائد للجرار رقم 3040 المستخدم في الجريمة، وأنه وصل بالقطار رقم 987 إلى ورشة الفرز قادمًا من محطة مصر، وأضاف بأنه لديه تعليمات من رؤسائه في العمل بأنه بوصوله بالقطار في الورشة وفي حالة عدم وجود سكة خالية يقوم بالمغادرة والرجوع إلى محطة مصر مرة أخرى، وأنه حال تنفيذه لتلك التعليمات حضر إليه المهندس علاء ووقف أمام الجرار فقام المتهم بتجميع سرعاته ولم يلحق الرجوع فيها واصطدم بالمجني عليه وتوفى في الحال.

وأنكر المتهم قيامه بقتل المجني عليه عمدًا، مبررًا ذلك بأنه لم يستطع التحكم في سرعاته لإنقاذ المجني عليه، وأضاف بأنه من المفترض أن يكون لديه مساعد لتفوير الجرار إلا أنه لم يكن معه أي مساعدين فقام هو بتفويره بنفسه لمغادرة الورشة.

وبطلب النيابة العامة الإطلاع على تسجيل جهاز سرعة القطار، تبين أن سرعة القطار بلغت 23 كيلو مترا في الساعة وهي سرعة كبيرة جدًا خاصة وأن القطار كان في وضع الوقوف قبلها، وعليه تقرر حبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق.

مسرح الجريمة

من جانبها قامت «النبأ» بالانتقال إلى مسرح الجريمة في ورش صيانة عربات الأسباني بفرز القاهرة، وبالدلوف تقابلنا مع العديد من زملاء المهندس علاء الذين كشفوا عن العديد من التفاصيل الخطيرة عن الحادث خلال السطور التالية: فيقول أحد الفنيين بورشة فرز الإسباني، إن المهندس علاء كان شخص دمث الخلق يحترم الجميع محبوب من زملائه، يعشق عمله ولكنه منصرم جدًا في الالتزام بواجبات العمل متابعًا: «يعشق عمله ومبيرضاش بالغلط وبيوقف على أي حاجة بيحس أنها مش مظبوطة فهو شخص لا يعرف المجاملات في العمل».

فيما يقول أحد شهود الواقعة إيهاب سيد خميس، 46 سنة، فني بالهيئة القومية لسكك حديد مصر: «السواق وصل الورشة وقام بالنزول من الجرار رقم 3040 وفصله من تلقاء نفسه دون وجود عامل التحويلة المسئول عن ذلك، وقام بالتحرك بالجرار دون الاهتمام بمطالبات المهندس علاء متحديًا أوامره مصرًا على التحرك وقام بتزويد السرعة والاصطدام بالمتوفى ودهسه تحت عجلات الجرار».

وأضاف بأن سائق الجرار كان في إمكانه تفادي وقوع التصادم بالمتوفى لأنه كان يتحدث مع المتوفي، متابعًا: كان المهندس علاء بيحاول يقنعه بعدم السير بالجرار حتى يقوم بإخراج القطار رقم 2006 إلى المحطة إلا أنه لم يمتثل إلى كلامه واصطدم به ودهسه أسفل عجلات الجرار، مبررًا ذلك بأن المتهم كان يرغب في مغادرة الورشة والوصول للمحطة بسرعة.

مؤكدًا أن سائق القرار تعمد قتل المجني عليه وإزهاق روحه، مقررًا أنه شاهد بنفسه عجلات الجرار وهي تدهس المتوفي.

وحصلت «النبأ» على معلومات من داخل ورشة فرز الإسباني، تفيد أن السائق المتهم معروف عنه شخص متهور ومعروف بالتمرد على العمل وله حادث شهير منذ سبع سنوات عندما خرج بالقطار عن مزلقان كفر الدوار ودهس 16 شخصا ودخل في سوبر ماركت بإحدى الأسواق المزدحمة بجوار المزلقان، وأرجعت التحقيقات وقتها سبب الحادث إلى عبث أحد الركاب المخالفين في الركوب بفرامل الهواء بالقطار.

غضب داخل الهيئة

والغريب في الأمر أنه بعد ساعات من الحادث الأليم، خرج المهندس سيد سالم، رئيس هيئة السكك الحديدة، بتصريحات صحيفة يقول فيها إنه أثناء عمل مناورة لتجهيز القطارات بورش صيانة العربات بفرز القاهرة احتك الجرار رقم 3040 بمهندس الصيانة مما أدى إلى وفاته.

ليعلن بذلك براءة سائق القطار قبل بدء التحقيقات، مبررًا بأن الحادث خطأ غير مقصود عن عمد؛ وهو ما أثار غضب العديد من العاملين بالورشة من المهندسين زملاء للمجني عليه والفنيين وسائقى القطارات، وهو ما اعتبروه إهدارًا لدماء صديقهم.
ويقول في هذا الشأن، أحد الفنيين بأن هذا البيان البائس أشعل النيران في صدورهم وأشعرهم بأنهم ليست لهم أي قيمة فإذا تعرض أحدهم لمثل هذه الواقعة ستخرج الهيئة بنفس البيان المخزي.

بلدة الشهيد

وبمجرد الوصول إلى بلدة المهندس علاء بقرية سمنود مركز أجا بالدقهلية، اتشحت المنازل بالسواد والتف الحزن بجميع أركان هذه القرية البسيطة، ويقول الحج محمد أحد جيران المجني عليه: «علاء كان شاب مجتهد ومكافح كان متحمل مسئولية بيته كاملًا عاش وسطنا ولم نسمع عنه يوم أي شيء سيئ ولا نتذكر له مشكلة تسبب فيها».

متابعًا: «والد المهندس علاء لم يجد شيئا في رأسه سليم ليعطيه "قبلة الوداع" حال دفنه».

كما علمنا أن والده أصيب بحالة غيبوبة تامة لم يفق منها حتى كتابة هذه السطور، كما أصيبت والدته بغيبوبة دامت لست ساعات ثم أخذت تهذي بعد اليقظة قائلة: «أنت فين يا علاء.. دفنوه خلاص.. يا زهرة الشباب.. يا ابن عمري».

ويقول المهندس محمد حجاب، الصديق المقرب للمجني عليه، إنه كان دائم الجلوس مع المتوفى بشكل أسبوعي، وأنه معروف في البلد بأخلاقه الطيبة وتعاملاته مع الجميع، فهو شخص غير مشاغب، تخرج من كليته وبنى مستقبله بيده.

مضيفًا أنه كان أمل أسرته فهو من أسرة بسيطة، وأنه كان بمثابة «عمود المنزل» ولكن بالرغم من احترامه للجميع وطيبته إلا أنه شخص لا يعرف المجاملات وحاد في رأيه وعمله ولا يرضى أبدًا بأي خطأ، وكان لا يعرف الأذى».

ويقول الدكتور مصطفى رزق، طبيب أسنان نجل خال المتوفى، أن علاء شاب من أسرة بسيطة معروف عن علاء أنه شاب مكافح وعصامي دمث الخلق ومحبوب من كل أهل قريته، حصل على دبلوم سكة حديد لعدم قدره والده على التحاقه بالثانوية العامة، ولكن لطموحه في المزيد، التحق بالمعهد وحصل على الترتيب الأول فيه ثم التحق بكلية الهندسة جامعة المنصورة قسم الميكانيكا وحصل على تقدير عام جيد مرتفع وتم تعيين بهيئة السكة الحديد كفني في البداية ثم قام بعمل تسوية بعد مرور ثلاثة أشهر وتمت ترقيته كمهندس صيانة عقب حصوله على بكالوريوس الهندسة جامعة المنصورة.

ويضيف الدكتور مصطفى: «كان يفكر في شراء قطعة أرض لبناء منزل مناسب ولم شمل الأسرة بالكامل»
متابعًا «علاء دفعتي وكنا بنذاكر دايمًا مع بعض، الموقف صعب علينا كلنا ومش بنطالب غير بأن حقه يرجع».

مشيرًا إلا أن بعد مرور عام من تعيين علاء بعد بالسكة الحديد، تم اختياره ومنحه بعثة مجانية للسفر إلى إسبانيا لتفوقه في العمل.

ناهيًا حديثه بنبرة حزينة تغمرها الدموع، «علاء راح وساب 3 أطفال لزوجته.. حمل كبير أوي ربنا يرحمه ومش عاوزين غير حقه».