رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هدايا «الحوت الأزرق»!!

محمد صلاح البدرى
محمد صلاح البدرى


منذ البداية.. ومنذ أن بدأت فى دراسة الطب بعد خلفية لا بأس بها من روايات الخيال العلمى السوداوية -مثل ما كتبه أورويل فى «١٩٨٤» عن ذلك الأخ الأكبر الذى يحكم العالم-.. وأنا على يقين أن الأمر لا يحتاج إلى جيوش أو أسلحة.. ولا يتطلب عدداً كبيراً من الجنود والعتاد.. فقط البعض من علم النفس.. والكثير من الذكاء الذى ننساه كثيراً.. وتحكم العالم!!

إنها لعبة إلكترونية أخرى من تلك الألعاب التى تداعب اليقين الكامن بداخلك أن هناك قوى خفية تتلاعب بمصيرك.. التى تستغل ذلك البرزخ بين التأثير النفسى والاستحواذ الشيطانى.. لعبة تنكرت فى اسم يحمل براءة مصطنعة من شكل الحوت الأزرق المسالم.. الذى ينتمى لأفلام الكرتون أكثر من انتمائه للحقيقة!!

كلنا يحمل بداخله ذلك الإيمان بأن هناك من يتربص بك.. ويسخّر الجن، ليضرك بينما أنت لا تعرف شيئاً عن ذلك.. إنه الموروث الشعبى العالمى الذى يجعلك تبسمل وتحوقل عندما تفزعك تلك القطة السوداء البائسة فى الطريق.. أو يجعل الإنجليز يلقون بالملح تحت أقدام الأطفال الرضع لحمايتهم من المس الشيطانى..

لقد التقط ذلك الشاب الروسى مخترع اللعبة طرف الخيط.. لا أظن أنه مختل عقلياً كما يشاع عنه.. بل إننى أعتقد أنه حاد الذكاء إلى الدرجة التى يتأرجح بينه وبين الجنون المطبق!! ليبدأ فى شن حرب نفسية على مستخدمى اللعبة.. ويسيطر عليهم سيطرة شبه كاملة.. تجعلهم يطيعونه فى أوامر الانتحار التى يصدرها لهم فى مراحل اللعبة الأخيرة!!

لقد استهدفت تلك اللعبة اللعينة فئة عمرية تتعمد الانعزال عن الأسرة لتخفى ما تظنه سراً حربياً شديد الخطورة.. بينما لا تدرك أن كل الكبار يعرفونه.. لأنهم ببساطة كانوا مثلهم يوماً ما!!

اللعبة متهمة بإزهاق أرواح الكثيرين حول العالم.. ولكننى أعتقد أن خطورتها لا تكمن فى هذا الأمر وحده.. الخطورة الحقيقية أتت من أنها تثبت بانتشارها كالنار فى الهشيم بين المراهقين والشباب مجموعة من الحقائق التى نعرفها جيداً.. والسلبيات التى ندركها بكل وضوح.. ولكننا ننكرها خوفاً من أن نطالب بالبحث عن حلول لها!!

لقد أثبتت اللعبة أننا بعيدون عن أولادنا بشكل أكبر بكثير مما كنا نظن.. أن هناك جيلاً -بل هناك أجيال كاملة- لا نعرف شيئاً عن اهتماماتها وثقافتها وأحلامها.

الأمر لا يتعلق بحسن التربية فحسب.. ففى عصر السماوات المفتوحة لا يمكنك أبداً السيطرة على ما يقدَّم إلى أبنائك على موائد التواصل الاجتماعى.. ولا تستطيع إحكام الرقابة على ما يرونه أو يسمعونه أو حتى ما يتحدثون فيه.. صديق السوء الذى تنصح أولادك باجتنابه سيتمكن من التواصل معه عبر الفيس بوك بكل سهولة.. وأفلام العنف والرعب والجنس لن تتمكن من حجبها بشكل كامل طالما يمتلك أولادك حساباً على موقع اليوتيوب!!

الأزمة هذه المرة ربما تستحضر حلولاً غير تقليدية.. حلولاً من نوعية خلق مشروع قومى ثقافى يتخذ من أدوات العصر سبيلاً للشباب.. مشروع يشبه مشروع القراءة للجميع -حسنة سوزان مبارك الوحيدة تقريباً- ولكن بمعايير العصر..

لِمَ لا يكون الحوت الأزرق هو الحافز الأول لإنشاء مشروع رقمى للقراءة؟!.. أو حتى استحضار فكرة مكتبات الطفل بشكل عصرى.. وبعوامل جذب لتلك الفئات العمرية المستهدفة؟!

الأمر بين يدى سيادة الوزيرة الرائعة إيناس عبدالدايم.. فقد كان اختيارها نافذة أمل جديدة لنا جميعاً.. فهل يصبح الحوت الأزرق هو بداية الطريق الصحيح للوصول لأبنائنا؟!

هل تتمكن سيادة الوزيرة من التقاط طرف الخيط الذى قدمه إلينا ذلك «الحوت الأزرق»؟!

نقلًا عن «الوطن»