رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مصر وإثيوبيا.. تعاون لا يؤدى إلى تنازل

عماد الدين حسين-
عماد الدين حسين- أرشيفية


هل هناك تعارض بين وجود خلافات حادة بين مصر وإثيوبيا، بشأن سد النهضة، وبين أن تستقبل القاهرة رئيس الوزراء الاثيوبى هيلى ماريام ديسالين وترحب به، وتعقد معه لقاءات على مستوى القمة؟!.

الإجابة هى لا بالمطلق، لأن هذا التفكير المريض موجود فقط عند الحالمين والرومانسيين والمراهقين، والذين يتعاملون مع السياسة باعتبارها حربا لا تنتهى، إلا بإبادة أحد الأطراف تماما!!.وهو أمر غير موجود حتى فى المعارك الحديثة، حيث يترك المنتصر بابا للمهزوم ليخرج منه، كى لا يتحول إلى وحش جريح، يتحين الفرصة للانقضاض على خصمه!.

نعم هناك مشاكل حقيقية بيننا وبين إثيوبيا، منذ بدء تحويلها لمياه النيل فى إبريل 2011 لإقامة سد النهضة أو «الألفية»، وزادت المشاكل بعد اكتشافنا أن أديس أبابا تستهلك الوقت لتحول السد إلى أمر واقع، من دون مراعاة القلق المصرى.

قبل ساعات من بدء زيارة ديسالين قابلت دبلوماسيا مصريا مخضرما، وقال لى إن فريق الحالمين فى مصر يتوهم أن الحل الوحيد أن تقوم حكومتنا بغزو إثيوبيا، وتدمير السد، وهكذا تنتهى المشكلة!!. لو أن الأمر بهذه السهولة لكان تم تنفيذه على مدار فترات الخلاف بين البلدين بسبب نفس المشكلة منذ مئات، وربما آلاف السنين.

ويرى الدبلوماسى أن الأمر شديد التعقيد، خصوصا أن إثيوبيا تبنى السد، منذ 2011 حينما امتلكت العديد من عناصر القوة، فى حين أن مصر فقدت العديد من أوراق الضغط المحلية والإقليمية والدولية.

وفى تقديره أيضا فإن الحكومة المصرية حينما استقبلت ديسالين والوفد الكبير المرافق له يومى الأربعاء والخميس الماضيين كانت تنظر للأمر باعتباره فرصة للحديث على أعلى مستوى، وهناك أهمية لسماع ما يقال خلف الأبواب المغلقة، بعيدا عما يقال فى المؤتمرات الصحفية، ويراعى فيه مخاطبة الرأى العام المتحفز فى البلدين.

وهى فرصة أيضا لإعادة المسار الفنى إلى طبيعته. كما أن انعقاد اللجنة العليا المشتركة على المستوى الوزارى أولا، ثم على المستوى الرئاسى فرصة لبدء التعاون وبناء الثقة فى مجالات أخرى إضافة إلى المياه، حتى تكون هناك أواصر متعددة تربط مصالح وعلاقات البلدين، إضافة إلى المياه.

هذا الدبلوماسى، يعتقد أن الزيارة فرصة لنعرف من ديسالين مباشرة رأيه فى اقتراح إدخال البنك الدولى طرفا فى المفاوضات والمباحثات الفنية.


قلت للدبلوماسى ولكن إثيوبيا تجاوزت خطوطا حمراء كثيرة، وكان ينبغى أن نظهر لها العين الحمراء حتى لا تتمادى أكثر؟!

الرجل قال: أتفهم وجهة نظرك، لكن عليك أن تكون حكيما، وأن تدرك أولا، ما هى أوراق الضغط التى تملكها، ثم إننا أولا وأخيرا محكومون بعلاقات متداخلة مع إثيوبيا منذ انشق نهر النيل وحتى تقوم الساعة، وإذا كنا تفاوضنا مع إسرائيل التى احتلت أرضنا، ولا تزال تحتل القدس ــ أليس من باب أولى أن نفاوض إثيوبيا التى يربطنا بها نهر النيل؟!.

هذا الدبلوماسى كان يتمنى أن يتحدث رئيس الوزراء الاثيوبى فى مجلس النواب المصرى، مثلما فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى فى البرلمان الاثيوبى من قبل.

وجهة نظره أن يكون هناك حديث ودى معه فيما سيقوله، ويا حبذا لو تم التوصل إلى صيغة بناءة تقود إلى انفراجة فى الأزمة.

سألت هذا الرجل: ألم نتسرع فى توقيع الإعلان الثلاثى بالخرطوم عام 2015، ومنحنا إثيوبيا بموجبه اعترافا بالسد من دون أن تمنحنا فى المقابل أى شىء ملموس؟!

الدبلوماسى المصرى، قال إن هذا الإعلان ورقة دبلوماسية مهمة فى يدنا، حيث تعهدت أديس أبابا بموجبه بمراعاة الحقوق المصرية، وحينما تم توقيع الإعلان كان السد حقيقة قائمة، وفى رأيه أن الذين يهاجمون الإعلان عليهم أن يقدموا الروشتة البديلة والقابلة للتنفيذ.

قلت له، ولماذا لا ندمج الخيارين معا، أى تكثيف التعاون مع إثيوبيا وفتح مسارات تعاون مختلفة، وفى الوقت نفسه نرسل لها رسالة واضحة، بأننا لن نقبل أى تفريط فى نقطة مياه واحدة من حقوقنا؟!.

أجاب الرجل: هذا ما نفعله والرئيس السيسى قال ذلك فى أكثر من مناسبة. ولكن الدبلوماسى أضاف أن ملف المياه لن يحل بين يوم وليلة، وهو حصيلة تراكم سنوات طويلة، كما أنه انعكاس للقوة الشاملة لكل بلد وما تملكه من أوراق ضغط متنوعة، وبالتالى علينا أن ندير الأمر باكبر حكمة ممكنة مصحوبة بأن يعرف الإثيوبيون خطوطنا الحمراء، وأن نعظم من أوراق قوتنا.

نقلًا عن «الشروق»