رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

من «ناصر» لـ«السيسي».. الفن على موائد الأنظمة الحاكمة

أحمد السقا ويسرا
أحمد السقا ويسرا وهالة صدقي


حبس سعيد صالح بتهمة «إهانة الرئيس».. وتهديد هاني رمزي بـ«الاغتيال» لمهاجمته «الإخوان»  

آيات عرابي: «سرى للغاية» محاولة لإعادة تدوير نظام «السيسي».. وصناعه تعمدوا حذف أحداث «رابعة العدوية»  

محمود قاسم: ارتباط الفن بالسياسة منذ أيام الملك فاروق.. والسلطة اعتادت استخدام الفنانين لتحقيق أهدافها



شهدت الساحة الفنية والإعلامية، خلال الفترة الماضية، حالة واسعة من الجدل؛ بسبب تداول عدد من التسريبات الصوتية لمجموعة من النجوم والإعلاميين عبر "السوشيال ميديا"، تفيد بتلقيهم تعليمات من أحد الضباط بالمخابرات المصرية، بتوجيه الرأي العام نحو قضايا سياسية شغلت الجميع في الآونة الأخيرة.

البداية كانت مع صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي نشرت تقريرًا يوضح تلقي كل من "الإعلامي مفيد فوزي، وسعيد حساسين، وعزمي مجاهد، والفنانة يسرا"، أوامر من ضابط بالمخابرات يُدعى "أشرف الخولي"، بالتعاطف مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

وفور علم "يسرا" بالأمر، نفت كل ذلك تمامًا، مؤكدة أنها تسريبات مفبركة، وأنها لا تعرف من هو هذا الضابط، الذي تدعي الصحيفة أنه اتصل بها وأملى عليها تعليماته، مشيرة إلى أنها ليس لها أية علاقة بالتحليلات السياسية من قريب أو بعيد.

ولم تكتف "يسرا" بذلك؛ لكنها قررت مقاضاة الصحيفة في أمريكا، موضحة أنها تسعى للإساءة لسمعة الفن والإعلام في مصر.

الحال لم يختلف كثيرًا بالنسبة للفنانة هالة صدقي، والتي ضج موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، بتسجيل صوتي لها، تتحدث فيه مع الضابط نفسه، ويطالبها بعمل مداخلة مع قناة "DMC"؛ للكشف عن دعمها لتجديد الثقة في الرئيس عبد الفتاح السيسي ورفض تصرفات أحمد شفيق.

"هالة" وصفت هذا التسريب بـ"الساذج"، مؤكدة أنه ليس صوتها، وأن الشخص الذي يتحدث في التسجيل صوته غير مصري، مؤكدة أن مواقفها السياسية معروفة منذ ثورة يناير، وأن دعمها للدولة لا يحتاج تكليفًا من أحد، وأنها لا تنتظر تعلميات من جهات عُليا للتأكيد على حبها لمصر.

في سياق متصل، أذاع الإعلامي معتز مطر، خلال برنامجه الذي يُقدمه على شاشة قناة "الشرق"، مقطعًا لتسجيل صوتي عبارة عن مكالمة بين شخص يُدعى "النقيب أشرف" والإعلامي جابر القرموطي؛ طلب الأول فيها من "جابر"، أن يستنكر في برنامجه، طريقة قتل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، مبررًا ذلك بأن الوضع في اليمن "مربك للغاية" ويجب تهدئته.

وبعيدًا عن مدى صحة أو كذب هذه التسريبات، إلا أنها تفتح لنا ملف "علاقة الفن والإعلام بالسلطة"؛ فـالأمر ليس وليد اللحظة؛ لكنه يمتد إلى عهد الملك فاروق، الذي كان مهتمًا بالفنون ويقيم العديد من الحفلات الغنائية في قصره، مرورًا بالزعيم جمال عبد الناصر، وأنور السادات، الذي كان أول من أقام "عيد للفن"، وأدى التحية العسكرية لـ"أم كلثوم" خلال وداعها، وصولًا إلى محمد حسني مبارك، الذي كان يتعامل مع الفنانين بطريقة مختلفة يغلب عليها الطابع الإنساني؛ مثلما فعل مع طلعت زكريا، وأمر بسفره لتلقي العلاج خارج مصر على نفقة الدولة في فترة مرضه.

أما في عهد محمد مرسي؛ تحول الحال إلى النقيض؛ إذ قاد حملة هجومية شرسة على عدد كبير من الفنانين؛ منهم: "عادل إمام وإلهام شاهين"، ولم يحاول إصلاح موقفه نحوهم إلا بعد وقت طويل، حينما أدرك أنه بهذه الطريقة ربما يخسر شعبيته.

كما برز عدد كبير من الفنانين الداعمين للسلطة الحاكمة، في الفترة الناصرية؛ إذ كانوا يعملون لحسابها؛ ومنهم الفنانة برلنتي عبد الحميد زوجة المشير عبد الحكيم عامر.

كان ذلك بالإضافة إلى مشاركة العديد من النجمات في جمع التبرعات للجنود والهلال الأحمر وقت ثورة 1952؛ وعلى رأسهم: نادية لطفي، وفاتن حمامة، والفنان محمد فوزي، الذي كان مسئولًا عن جمع التبرعات من كل المحافظات لصالح الجيش المصري ضمن أعمال "قطار الرحمة"، فضلًا عن تقديمه عدة أغان وطنية؛ منها "بلدي أحببتك يا بلدي"، وغيرها.

إلا أنه بعد ذلك، انقلب الوضع على "فوزي"؛ عقب صدور القوانين الاشتراكية، والتي أدت إلى تأميم شركته "مصر فون" وضمها للدولة، بعدما أنفق كل ما يملك على تأسيسها، الأمر الذي نتج عنه تأزمه بشدة، ثم تدهور حالته الصحية ودخوله دوامة المرض، حتى وفاته عام 1966 عن عمر ناهز الـ48 عامًا.

كذلك شارك مجموعة من النجوم في دعم السلطة من خلال الأغاني والأعمال الفنية؛ ومنهم: عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وآخرون دعموا السلطة الحاكمة في أفلامهم؛ مثل فيلم "رد قلبي" لـ"حسين رياض".

على الجانب الآخر، كان هناك عددًا من الفنانين ضد الحكومة؛ أبرزهم الفنانة تحية كاريوكا، والتي كانت معروفة بمعارضتها للزعيم جمال عبد الناصر؛ إذ كانت كثيرًا ما تنتقد سياساته، وهو ما نتج عنه اعتقالها مع بعض أعضاء الحزب الشيوعي في الحقبة الناصرية.

وأيضًا الفنان سعيد صالح؛ والذي كون، في بداية الثمانينيات، فرقة مسرحية، كان همها هو المسرح السياسي؛ ليخرج في إحدى مسرحياته عام 1983 عن النص، ويقول: "أمي اتجوزت 3 مرات، الأول أكّلنا المشّ، والتانى علّمنا الغشّ، والتالت لا بيهشّ ولا بينشّ"، وكان يقصد بالأزواج الثلاثة لأمه رؤساء مصر الثلاثة جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك على التوالي، وأصدر نظام "مبارك" وقتها قرارًا بحبس "سعيد" لمدة 6 أشهر؛ بتهمة الإهانة لرئيس الجمهورية.

وتكرر الأمر عند قيام ثورة يناير؛ إذ انقسم الفنانون ما بين مؤيد ومعارض للثورة والسلطة بشكل عام؛ وجاء الفنان طلعت زكريا على قائمة النجوم الذين تعرضوا لحملات شرسة وانتقادات واسعة نتيجة معارضته للثورة، وتعبيره عن دعمه للرئيس "مبارك"، وهو ما أدى إلى فشل فيلمه "الفيل في المنديل"، الذي عُرض عقب الثورة مباشرة؛ بسبب إصراره على موقفه.

كذلك عُرفت كل من "الفنانة إلهام شاهين وسماح أنور وغادة عبد الرازق وحسن يوسف والملحن عمرو مصطفى وأحمد بدير وزينة" بتأييد نظام "مبارك" وقتها، كما أعربوا عن غضبهم الشديد من مطالب الثوار بتخليه عن الحكم، بل وطالب بعضهم بإعدامهم.

وعلى صعيد آخر، كانت هناك نخبة من الفنانين المؤيدين للثورة منذ بدايتها؛ إذ كانوا بين الصفوف الأولى للمتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير، مندمجين مع الشعب البسيط، يرددون هتافاتهم ويعلنون عن مطالبهم الثلاثة "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".

ومن هؤلاء الفنانين "شريهان، وعمرو واكد، وخالد أبو النجا، وآسر ياسين، وجيهان فاضل، وبسمة، وخالد الصاوي، وتيسير فهمي، وخالد النبوي والمخرج خالد يوسف"، وغيرهم.

وأثناء تولي جماعة الإخوان شئون البلاد، عارضهم الكثير من الفنانين؛ أبرزهم هاني رمزي، حتى وصل الأمر إلى تلقيه تهديدًا صريحًا بالاغتيال، كما توقف برنامجه "الليلة مع هاني"، الذي كان يعُرض على شاشة "Mbc مصر" على خلفية إهانته لـ"الإخوان" في بعض حلقاته.

كذلك هناك مجموعة من الأعمال الفنية التي تؤكد أن السُلطة لم تكن بعيدة عن الفن يومًا؛ إذ جاءت بأوامر سياسية مباشرة، بل أن بعضها لم يخرج للنور إلا بعد مروره على الأجهزة السيادية؛ نظرًا لحساسية الموضوعات التي تناقشها ومدى تأثيرها على الأنظمة الحاكمة.

فيلم "سري للغاية" هو الأحدث؛ إذ يفرض صناعه حالة شديدة من السرية والتكتم المريب على تفاصيله؛ وذلك لأنه يرصد حال المجتمع في الفترة من ثورة 25 يناير وحتى ثورة 30 يوينو، وهو ما دفع الكثيرون إلى القول بإنه سيتم تنفيذه لغرض سياسي وليس مجرد فني.

من جانبها، شنت الإعلامية آيات عرابي هجومًا عنيفًا على الفيلم، عبر حسابها الرسمي على "فيس بوك"، موضحة أنه محاولة لإعادة تدوير نظام "السيسي" بعدما وصلت شعبيته لـ"الحضيض"، مشيرة إلى أنه يتم تجهيزه بالذات في الوقت الحالي، ليكون تزامنًا مع انتخابات الرئاسة؛ إذ يهدف للتأكيد على فكرة دعم الرئيس الحالي لفترة رئاسية جديدة.

كما كشفت "آيات" أن صناع الفيلم تعمدوا حذف أحداث رابعة العدوية من أحداثه؛ حتى يسهل عليهم تحقيق هدفهم الأساسي، وهو التركيز على التفخيم في "السيسي" وإظهاره "البطل الوحيد" الذي يملك إنقاذ البلاد.


أيضًا من هذه الأعمال: فيلم "رد قلبي"، الذي يؤرخ لثورة الضباط الأحرار من جانب إنساني، وفيلم "الطريق إلى إيلات"، وأفلام الفنان محمود ياسين عن بطولات حرب أكتوبر، وأفلام نادية الجندي حول الجاسوسية، بجانب بعض المسلسلات التي خرجت بالفعل من أدراج "المخابرات"، ومنها: "رأفت الهجان" و"حرب الجواسيس" و"الزيبق"، وغيرها من أعمال مرتبطة بشكل مباشر بالنظام الحاكم.

كل ما سبق، وخاصة قصة التسريبات الأخيرة، تؤكد بوضوح أن السلطات ما زالت تستعين بـ"القوى الناعمة"؛ المُمثلة في "الفنانين والإعلاميين"، في دعم قراراتهم وتوصيلها للشعوب وإقناعهم بها، بل والتحكم في الرأي العام، وهو ما يطرح تساؤلات حول إذا كانت الحكومة تسعى لفرض سيطرتها ونفوذها على الإعلام بشكل فج، أم أن توجيه الفنان للجمهور في اتجاه سياسي معين، تراه السلطات العُليا في المصلحة العامة، يعد واجبًا وطنيًا وفرضًا عليهم، وذلك من منطلق أن الفنانين يمتلكون قدرة التأثير على الجماهير!

في هذا الصدد، قال الناقد الفني محمود قاسم لـ"النبأ" إن السياسة عادة تتدخل في الفن بشكل كبير، حتى في أكثر الدول ديمقراطية، مشيرًا إلى أن الفنان يحتاج إلى السلطة مثلما تحتاج السلطة إليه.

وتابع أن نجومية الفنان تنجح في جذب الناس وتوجيه آرائهم وأفكارهم، خاصة بين الشعوب البسيطة التي لا تدرك جيدًا خفايا لعبة السياسة، وتصدق كل ما يُقال في الإعلام بشكل عام.

وأكمل "قاسم" أن ارتباط الفن بالسياسة في مصر عملية قديمة جدًا منذ أيام الملك فاروق؛ لافتًا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من النجوم كانوا يغنون للملك ويتوددون له لكسب رضاه؛ ومنهم الفنان أنور وجدي.

ونوه إلى أن السلطة اعتادت أن تستخدم الفن كـ"وسيلة" لتسهيل أمور لها بعد ذلك، لاسيما الفنانين الذين يتمتعون بقاعدة جماهيرة عريضة وشعبية واسعة بين الناس، مضيفًا أن أي فنان يعي تمامًا أنه في حالة معارضته للدولة، سوف يؤثر ذلك عليه وعلى عمله بشدة.