رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«سبع عجاف».. كشف حساب ثورة «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»

النبأ



بعد 7 سنوات على ثورة 25 يناير، لم يكن يتصور أحد أن «يترحم» المصريون على أيام الرئيس «المخلوع»، وأن تتردد بقوة مقولة: «ولا يوم من أيامك يا مبارك»؛ في دراما وكوميديا سوداء تكشف الحالة السيئة، والأوضاع السياسية المتردية التي وصلت لها البلاد رغم التضحيات التي بذلها الشباب، والدماء التي سالت، في ثورة اندلعت في الأصل لـ«تكنس» نظامًا فاسدًا ظل جاثمًا على قلوب المواطنين لـ30 عامًا متواصلة.

لكن عودة الحنين بين المصريين لـ«العهد المباركي» لها أسبابها التي قد تكون منطقية؛ ومنها «غول الغلاء» الذي يُفرغ جيوب المواطنين أولًا بأول، واستمرار التصاعد في أسعار السلع والمنتجات، وانهيار قيمة الجنيه، وتردي الحالة الاقتصادية في دولة «أفلست» أو قاربت.

أما «الحرية» التي كانت جزءًا من شعار ثورة يناير، فإن هناك كثيرًا من الشواهد التي تدل على احتضارها، ومن هذه الشواهد سن قوانين كانت سببًا في «تقويض» تلك الحرية، وتلاشي التظاهرات والاحتجاجات المشروعة ضد بعض سياسات النظام، واستمرار العمل والتمديد المستمر لـ«الطوارئ»، فضلًا عن السيطرة الكاملة على الوسائل الإعلامية، وإدخالها «بيت الطاعة» كرهًا أو طواعية برعاية «أجهزة سيادية» تتصور أنها بتلك الطريقة تحفظ للنظام بقاءه.

وكانت «العدالة الاجتماعية» أيضًا مطلبًا هامًا من مطالب «ثورة يناير»، لكن يبدو أن هذا المطلب لم يتحقق منه الكثير؛ لاسيما مع انهيار العملية التعليمية رغم تعاقب الحكومات بعد الثورة، ثم استمرار تدهور الخدمات الصحية التي تُقدم للمواطنين، وفشل برامج الحماية الاجتماعية التي كانت «طوق النجاة» الوحيد للمصريين للخروج من تدني الدخول الشهرية.

في السطور التالية تقدم «النبأ» كشف حساب لـ«ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» بعد مرور 7 سنوات على اندلاعها.





العيش




اختفت ظاهرة طوابير الخبز، التي كانت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين في عهد الرئيس الأسبق «مبارك»، إلا أن جهود الدولة في العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة من خلال المشروعات القومية الكبرى، لم تتمكن من سد جوع المصريين، إذ تأثر المواطنون على مختلف المستويات بتراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية وانخفاضها في ظل تزايد أزمة النقد الأجنبي، والغلاء الكبير في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتصاعد سعر الدولار مقابل الجنيه، وتحرير سعر صرف العملة الوطنية، وخفض وتيرة الدعم السلعي ودعم الطاقة، وارتفاع أسعار خدمات الماء والكهرباء والغاز و«البوتجاز»، وارتفاع أسعار الدواء، وفرض المزيد من الضرائب التي تلقي العبء كاملًا على المواطنين.


الحق في العيش الكريم:

أكد أحدث تقرير صادر عن المركز القومي لحقوق الإنسان، أن تطور الأوضاع الاقتصادية، أدى إلى تدني مستويات المعيشة متمثلة في الغلاء الكبير بأسعار السلع والخدمات الأساسية، في ظل استمرار أزمة النقد الأجنبي وتراجع مصادره الرئيسية المتمثلة في تحويلات المصريين بالخارج، كما تسبب تراجع السياحة في تزايد خسائر القطاعات التي تعتمد على النقد الأجنبي مثل الطيران والنقل البحري، كما أدت أزمات الدول العربية المحيطة إلى تراجع الدعم المقدم من بعض البلدان الشقيقة لمصر، وتراجع استيراد الاحتياجات الأساسية لسلع مستهلكة أو لتوفير مستلزمات الإنتاج المحلي، وتراجعت القدرة والكفاءة لدى مؤسسات الدولة، كما تراجع التصنيف الائتماني لمصر في قوائم المؤسسات الدولية، وشهدت مصر تصاعدًا كبيرًا في سعر الدولار مقابل الجنيه، كما لجأت الحكومة إلى تحرير سعر العملة الوطنية واتخاذ إجراءات تقشفية بما في ذلك تسريع وتيرة خفض فاتورة الدعم، وتفاقمت معدلات التضخم على نحو غير مسبوق، وخلال العام الماضي فقط ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 100 %، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية لنحو 70% على أقل تقدير، وأدى تحرير سعر الصرف لزيادة حجم الدين العام ليصل إلى 91% من الناتج القومي، كما تسبب فرض ضريبة القيمة المضافة في إلقاء عبء كبير على جمهور المستهلكين، كما شهد قطاع صناعة الدواء أزمة كبيرة تسببت في رفع أسعار الدواء، وتدهور توافر بعض الأدوية الأساسية محليا.

رفع الدعم عن الوقود والطاقة:

خفضت الدولة الدعم المقدم للطاقة، وارتفعت أسعار وقود السيارات بمقدار 30%، بينما زادت أسعار أسطوانات البوتاجاز بنسبة 100%، وتضررت الشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقيرة بشكل كبير من الإجراءات التقشفية للدولة، كما تسببت تلك الإجراءات في تراجع الاستهلاك المحلي بما يضر بالإنتاج الوطني، وتراجع الدعم المخصص للطاقة ومياه الشرب.





الدعم السلعي:

أطلقت الدولة برنامج تكافل وكرامة الذي يستفيد منه نحو 1.7 مليون أسرة، واستهدفت وزارة التضامن شريحة النساء المعيلات من الأرامل والمطلقات من خلال البرنامج، علاوة على استيعاب الحالات الاجتماعية الحرجة من الأطفال وكبار السن، كما يستفيد نحو 65 مليون مواطن من دعم رغيف الخبز والدعم السلعي من خلال بطاقات التموين، إلا أن إجراءات ارتفاع أسعار الوقود أدت إلى ارتفاع الأسعار في البلاد بما في ذلك السلع التموينية، وهو ما أضعف الفائدة التي تحققت من رفع مخصصات الدعم التمويني، كما لا يزال العديد من المواطنين يعانون من «عرقلة» الإدارات لبعض إجراءات التحديث والفصل الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة.

الأوضاع المالية:

على جانب آخر كشفت تقارير اقتصادية أن مصر تعاني حالة من الإنهاك المالي، إذ يسجل العجز والدين العام ارتفاعا شديدا منذ ثلاث سنوات، مع اقتراب العجز المالي من نسبة 14% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تناهز نسبة الدين العام المئة في المئة، ووفق مركز كارنيجي للشرق الأوسط يعيش أكثر من ربع المصريين تحت خط الفقر، ويعيش الربع الآخر عند حدود الفقر.





الحرية




حسب تقارير رسمية لمنظمات حقوقية حكومية، تدهورت الحريات في مصر بشكل كبير، وسارت في طريق معاكس تماما لأهداف الثورة، فحسب آخر تقرير رسمي صادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، أبدى التقرير قلقا شديدا من استمرار الانتهاكات الأمنية والاختفاء القسري وتزايد المحاكمات العسكرية للمدنيين، والاحتجاز غير القانوني للمشتبه بهم، والحبس الاحتياطي غير المبرر، واستمرار ظاهرة التعذيب في السجون، وندد التقرير بتمرير البرلمان للعديد من القوانين التي تضيق الخناق على الحريات وحقوق الإنسان أو التي مررت دون الرجوع للجهات المعنية، وأبرزها "قانون الطوارئ، والجمعيات الأهلية، والسلطة القضائية، والإجراءات الجنائية، وقانون التظاهر"، وبالرغم من احتجاج بعض الجماعات الحقوقية على تلك الممارسات إلا أن أغلبها شهد قبولا شعبيا في ضوء تنامي التهديدات الإرهابية، كما تلقى المجلس العديد من الشكاوى المتعلقة بانتهاك الحق في الحياة، والقتل والتعذيب داخل أماكن الحجز والسجون، وانتهاك الحرية والأمان الشخصي، والحق في السلامة الجسدية، والتعسف في استخدام السلطة واستغلال النفوذ وانتهاك حرمة المسكن وترويع المواطنين، وسوء معاملة السجناء والمحتجزين، وغيرها من تجاوزات.

الحقوق الأساسية:

ذكر المجلس أن ضغوط الجرائم الإرهابية تسببت في مواصلة الدولة لتشديد إجراءتها الأمنية، والتي لا يزال بعضها يشكل انتهاكا للحقوق الأساسية، مثل الارتفاع المتكرر للدعوات لتنفيذ الإعدام بحق المحكوم عليهم، وإحالة المتهمين للقضاء العسكري، وصدور أحكام  بالإعدام على العشرات من المتهمين أمام المحاكم المدنية والعسكرية، وتَواصل أزمة الحبس الاحتياطي، والتعذيب في السجون، والاختفاء القسري بمعزل عن الضمانات القانونية، علاوة على استمرار وتطور الجرائم الإرهابية التي تستهدف العسكريين والمدنيين في أماكن عملهم ومعيشتهم ودور عبادتهم وتهدد الحق في الحياة.

الحرية والآمان الشخصي:

وأضاف أن التوسع في الحبس الاحتياطي يشكل باعثاً رئيسياً على القلق، إذ إنه بات يشكل أحد التدابير الأساسية لا الاستثنائية الاحترازية في سياق التحقيقات، كما إنه يؤدي إلى اكتظاظ مراكز الاحتجاز الأولية بما يفوق طاقتها، ويقود إلى مخاطر صحية متراكمة، وانتشار الأمراض وتدهور صحة المحتجزين، كما تتركز الشكوى في السجون من الانتقاص من حقوق زيارة الأسر لذويهم، والاحتجاز غير القانوني للمشتبه بهم دون الإفصاح عن أسباب توقيفهم، ما تسبب في توجيه الاتهامات للبلاد بممارسة جريمة الاختفاء القسري التي تعد واحدة من أبرز الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي.





الحريات العامة:

وفيما يتعل بالحريات العامة فقد تأثرت سلبا بالأحداث الجارية، وتواصلت الضغوط على وسائل الإعلام، وفاقمت أزمة نقابة الصحفيين من المشهد السلبي للحريات الصحفية والنقابية، والتي انتهت بالحكم بحبس نقيب الصحفيين  وأثنين من أعضاء المجلس عامين مع وقف التنفيذ، واستمرت قضايا الحسبة السياسية والدينية التي تسببت في حبس صحفيين وإعلاميين وأدباء، وكذلك قرارات حظر النشر، واستمر التضييق على الحق في التجمع السلمي، والعمل بقانون التظاهر المعيب، الذي يقوم على المنع والتقييد لا الإباحة، واستمرت سلطات الأمن في إتاحة التظاهر المرخص وغير المرخص لتأييد الدولة، بينما قوبلت التجمعات الاحتجاجية على سياسات الدولة بالمنع والتقييد والحبس والغرامات، كما تزايدت وتيرة الإشكاليات بين الدولة وجماعات حقوق الإنسان، والنقابات العمالية المستقلة.

التشريعات والقوانين:
حسب تقرير "القومي لحقوق الإنسان" شهدت الفترة الأخيرة تمرير العديد من القوانين بوتيرة سريعة، ودون الرجوع للجهات المختصة، فوافق مجلس النواب على استمرار العمل بقانون "الطواريء"، مدتين متتاليتين، وقوبل القرار بقلق من الجماعات الحقوقية من استغلال العمل به في غير تدابير مكافحة الإرهاب، كما أجرى مجلس النواب تعديلات على قانوني "الإجراءات الجنائية" و"الطواريء"، أما الأولى فتنتقص من ضمانات المحاكمة العادلة، وتحرم المتهمين من إجراءات عادلة تتساوى مع إجراءات المحاكمة الجنائية، والثانية تنتقص من الحق في الحرية والأمان الشخصي وتعطي مزيدا من السلطات لمأموري الضبط  القضائي.

كما أصدر مجلس النواب قانون "السلطة القضائية"، الذي أثار حفيظة بعض الهيئات القضائية، والتي أحاطت البرلمان برفضها لهذا التعديل قبل إقراره، واعتبرته مساسا باستقلال القضاء، كما شكل إصدار قانون "الجمعيات الأهلية" باعثا على القلق بشأن مدى احترام السلطات لحرية المجتمع المدني في ضوء الضمانات التي وفرها الدستور، وبالرغم من تحفظ جماعات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية والخبراء عليه، لم يستجب المجلس لهم، أما قانون "التظاهر" الذي وجهت له الكثير من الانتقادات كان سببا مستمرا في إدانة ومعاقبة المتهمين بمخالفته، وتنامت هذه الظاهرة في سياق الاحتجاجات التي وقعت خلال إبريل 2016 بسبب اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، حيث تم احتجاز العشرات في المسيرات باعتبارها مسيرات غير مرخصة، كما تمت ملاحقة العشرات من الداعين إلى تظاهرات جديدة، واعتقال المزيد خلال مسيرات متجددة.





العدالة الاجتماعية




تتمثل العدالة الاجتماعية في التكافؤ بين الطبقات وليس التساو بينها، ولعل أبرز مظاهر العدالة الاجتماعية هي الحق في التعليم والعمل والصحة والسكن، وأطلقت الدولة العديد من المشروعات على مختلف المحاور لحل مشكلات التعليم والعمل والصحة والسكن في مصر، إلا أن النتائج جاءت دون المستوى المأمول في جميع القطاعات.

الحق في الصحة:

حدثت تطورات إيجابيية في مجال مكافحة الأمراض الفيروسية وخاصة فيروس سي،  وقوبل مشروع التأمين الصحي الجديد بترحاب شديد من القطاعات المتخصصة، إلا إنه ما زال معطلا ولم يتم إقراره، بينما يشهد قطاع الدواء أزمات كبيرة، إذ أغلقت العشرات من المصانع المنتجة للأدوية، وانتخفض الإنتاج الوطني من العقارات الدوائية، وارتفعت أسعار الدوواء بشكل كبير، خاصة أدوية الأمراض المزمنة، وتدهور توافر الدواء محليا.

ومازالت المستشفيات الحكومية تعاني من تدهو كبيير، سواء في توفير الرعاية الصحية أو توافر الكوادر الطبيية والالتزام بواجبتها، وتوفير الاحتياجات الصحية الضرورية والأسرة، ويعاني القطاع الطبي الحكومي والخاص والاستثماري في مصر من غياب الإدارة الناجحة وتقديم الخدمات.

الحق في السكن:

لا تزال مشكلة الإسكان واحدة من أكبر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها ملايين المصريين، ولا تزال أسعار السكن في مصر تشهد ارتفاعا كبيرا، لا سيما إذا ما قورنت بمتوسط الدول، علاوة على ارتفاع أسعار البناء متأثرة بتحرير صرف العملة، وواجهت الدولة ذلك من خلال العودة للاستثمار السكني بمشروعات الإسكان الاجتماعي المختلفة، التي تشكل أحد أهم أدوات معالجة أزمة الإسكان، فوفرت وحدات سكنية مختلفة المساحات، ومشطبة بالكامل، بأسعار مناسبة، ونظم دفع مختلفة، وفق منظومة إدارية ومصرفية معينة، تناسب جميع الفئات المجتمعية، وتمكنت السلطات من استيعاب مئات الأسر التي واجهت حالات حرجة وخطر التشرد بعد سقوط عقارتها وفقدانها للمأوى، وكذلك توفير الإسكان البديل للمناطق العشوائية الأكثر خطورة، وصيانة خطوط الخدمات للمرافق الأساسية، وتجديد وصيانة شبكات مياه الشرب واستكمال شبكات الصرف الصحي، واستكمال البنية الأساسية في الطرق سواء بالصيانة أو عمل طرق ومحاور جديدة، وبالرغم من تلك الجهود الكبيرة فميراث أربعة عقود من التدهور في مجال الإسكان وتخلي الدولة عن مسئوليتها يثقل عاتق الحكومة الحالية، ولا تزال العديد من الأسر تسكن القبور والجراجات والمراكب والعشش، ومازالت مشكلات العشوائيات قائمة.






الحق في التعليم:

لم تتمكن الدولة بعد من الانتهاء من إرساء ملامح الاستراتيجية الوطنية للتعليم ومعالجة مشكلات تراجع العملية التعليمية، وتواجه العديد من المشكلات المتعلقة بالمناهج المعتمدة على الحفظ والتلقين والحشو وعدم ملائمتها للتطور العلمي المستمر، والفجوة بين محتويات المناهج ومتطلبات سوق العمل، ونظام التقويم والامتحانات، وأماكن التعليم والأبنية التعليمية وضعف الإمكانيات والوسائل التعليمية والتكدس الطلابي الكبير، ومشكلات المعلمين المتمثلة في ضعف الإعداد التربوي والتعليمي لهم وقلة العائد المادي الذي يكفل حياة كريمة للمعلم، ومشكلات الطلاب ومنها فقدان الثقة في قيمة التعليم ودفن المواهب والقدرات الخلاقة، وتشكل أزمة الدروس الخصوصية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي دليلا قويا على تدني العملية التعليمية وانخفاض مستويات التحصيل العلمي، علاوة على ما تمثله من أعباء إضافية على كاهل الأسر المتوسطة والفقيرة، كما ترسي التمييز والإخلال بتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة، لربطها مخرجات التعليم بقدرة الأسرة على تحمل التكلفة المالية الباهظة للدروس، كما يواصل التعليم الفني تراجعه، ومازالت ميزانية التعليم بشكل عام دون حجم الموارد المأمولة لتطوير التعليم.

الحق في العمل:

استمرت معدلات البطالة تراوح متوسط 12.5%، طبقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، بما يقدر بنحو 3.5 ميون عامل، 80% منهم من حاملي الشهادات الفنية والمتوسطة والجامعية، في الشريحة العمرية من 22 إلى 30 عاما، كما أن العمالة لا تزال تعتمد على القطاع الخاص، إذ يعمل في القطاع الخاص نحو 18 مليون عامل من قوة العمل البالغة أكثر من 25 مليون عامل وفق إحصاءات رسمية، وأغلبهم يعملون في ظل غياب إجراءات حماية تأمينية واجتماعية مناسبة.

وفي تطور سلبي أدرجت منظمة العمل الدولية مصر على القائمة السوداء على صلة بعدم اتساق تشريعاتها مع مبادديء الحريات النقابية، وتأخرها في إقرار قانون يدعم حرية العمل النقابي، كما أن بعض جوانب مشروع القانون الجديد كانت موضع تحفظات متجددة من قبل منظمة العمل الدولية.

أما  الرواتب والأجور، فقد شهدت الفترة الماضية زيادات طفيفة في أجور أغلب فئات المجتمع، لم يستفد منها المواطنون كثيرا في ظل الغلاء المستمر للأسعار، مقارنة بارتفاع كبير في رواتب بعض الفئات المجتمعية، وهو ما أدى إلى تجلي التفاوت الاجتماعي وغياب العدالة في توزيع الأجور.





أيام مبارك




قد يبدو الوضع مأساويا، فما نعيشه اليوم لم يخطر على قلب بشر عقب نجاح ثورة يناير في اقتلاع رءوس النظام الحاكم، إذ كان الجميع في انتظار مستقبل تنافس فيه مصر الدول العظمى والمتقدمة، وظهرت اليوم أصوات تتمنى عودة مصر لما كانت عليه في العهد البائد، وأصبح كثيرون يرددون عبارة "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، لذا فإن التذكرة واجبة، خاصة أن الأمور لم تكن وردية آنذاك، ففي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، استفحل الفساد في مصر، وشهدت البلاد أسوأ الأوضاع المعيشية، والفقر المدقع، والتعذيب، واحتلت مصر المركز 115 على مؤشر الفساد ضمن قائمة شملت 180 دولة في العالم، قبل قيام الثورة، كما شهدت البلاد قضايا فساد كبرى تورط فيها وزراء ومسئولون  حكوميون.

وكشفت تقارير منظمة الصحة العالمية وقتها أن مصر ثالث دولة في العالم كأكبر سوق لتجارة الأعضاء البشرية، كما كشفت تقارير دولية أنه في بداية عام 2011 وصل عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 21 مليون مواطن، بنسبة تصل إلى 25.2% من المصريين، وأن 1% من الأغنياء يسيطرون على نصف الثروات، كما وصلت نسبة الفقراء إلى نحو 55% من الشعب المصري، وحذرت تقارير دولية من تلاشي الطبقة الوسطى في ظل انخفاض معدل الأجور وعدم وجود سياسات فاعلة للحد من نسبة الفقر.

وكشفت تقارير حكومية مصرية أن 12 مليون نسمة يعيشون بلا مأوى، ما دفعهم للعيش في المقابر والعشش والجراجات والسلالم والمساجد، معظمهم جوعى ومرضى مصابون بأمراض الصدر والحساسية والأنيميا والأمراض الجلدية، وانعدمت فرص العمل وزادت البطالة.







كما شهد عصر مبارك العديد من قضايا الفساد تسببت في خسائر فادحة لخزانة الدولة، تخطت 39 مليار جنيه في عام 2010، وخسائر هائلة في الأرواح بسبب تكرار حوادث القطارات والحرائق الكبرى، إذ تخطت 120 ألف حادث سنويا، راح ضحيتها آلاف المواطنين، وشهدت البلاد موجة عارمة في تنامي تهريب الأموال غير المشروع، قدرت وقتها بنحو 132 مليار دولار حولت للخارج بطريقة غير قانونية إبان فترة حكم مبارك، علاوة على 231 مليون دولار خسائر بسبب تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل.

ولم يتوقف التعذيب يوما واحدا في عهد مبارك، وارتفعت أعداد حالات الاختفاء القسري، واستمر العمل بقانون الطوارئ طوال سنوات حكمه، باستثناء الفترة ما بين مايو 1980 وأكتوبر 1981، وأطلقت يد الشرطة وأمن الدولة في تعذيب المواطنين، وألقي القبض على آلاف المواطنين وتعرضوا للتعذيب والمحاكمات العسكرية، ووصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 12 ألف معتقل دون اتهامات أو محاكمات بالرغم من حصول بعضهم على قرارات إفراج لم تنفذ، ووثقت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان 167 حالة وفاة نتيجة التعذيب حتى 2009، و9 نساء اغتصب بعضهن واحتجزن دون سبب واضح، واشترك 245 ضابطا في التعذيب لأسر كاملة في بعض الحالات.





أما عن حرية التعبير فقد شهدت الصحافة أسوأ عهودها، وتمت محاكمة عشرات الصحفيين والمدونين، وانتهاك حرية الرأي والتعبير، ومصادرة المطبوعات والمؤلفات، وحبس الإعلاميين وإغلاق الفضائيات.

وفيما يتعلق بالصحة، لم يتمتع نصف سكان البلاد بأى تغطية تأمينية علاجية، ومستوى الإنفاق على الصحة كان متدنيا للغاية، لم يتجاوز 3.6% من الإنفاق العام فى موازنة الدولة، ووصل متوسط الآسرة في المستشفيات إلى 16 سريرًا لكل 10 آلاف أسرة في 2008، وانخفض عدد الوحدات الصحية الحكومية إلى 637 وحدة فقط، كما انتشرت عشرات الأمراض المزمنة بسبب التلوث والفساد، أبرزها فيروس سي الذي هدد حياة ملايين المصريين، وتدهورت الأوضاع الصحية بشكل كبير.

وزادت حصيلة الضرائب بنسبة 250%، وفي عام 2010 اختفى تريليون و272 مليار جنيه من ميزانية الدولة دون معرفة أين تذهب، وهو ما يساوي 14 ضعف العجز الموجود وقتها، ولو وزع على كل مواطن من 80 مليون لأصبح نصيب الفرد 16 ألف جنيه، وأهدرت ملايين الجنيهات من صناديق المعاشات، وتعرض المواطنون لكل أنواع الحرمان.

وفي عام 2010 أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا جاء فيه أن "مصر تخسر المعركة ضد الفساد"، وانتقد التقرير الأوضاع في مصر على جميع الأصعدة، فلم يعمل نظام «مبارك» نهائيًا لأجل الإصلاح الاقتصادي، أو يأخذ في اعتباره مصلحة الوطن والمواطن، بل كان نمطا رأسماليًا مافياويًا لا ضوابط له ولا مساءلة عن نتائجه التي كانت جميعها تصب في مصلحة فئة رجال الأعمال المرتبطين عضويًا بالنظام وحزبه الحاكم، بينما كانت الأوضاع المعيشية تسير من سيئ إلى أسوأ، فأصبح المواطن المصري عاجزا عن توفير الخبز أو السكن أو العلاج أو التعليم أو شيء من متطلبات الحياة الأساسية.






كشف حساب ثورة يناير




من جانبه يرى الدكتور حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الثورة حققت جزءًا من أهدافها، قائلا: نجحنا في تحقيق الحرية، ولدينا الآن برلمان ودستور وانتخابات ورئيس وفترة محددة للرئاسة، أما المشكلة فتتمثل في "العيش" إذ تشهد الأوضاع الاقتصادية أزمة كبيرة، وهي امتداد للأزمة الاقتصادية التي كانت موجودة بالفعل قبل الثورة واستمرت حتى الآن، فالإصلاح المالي الاقتصادي الذي تتبناه الحكومية الحالية هو امتداد لمشكلات اقتصادية كانت موجودة من قبل، بالطبع كانت الأسعار أقل، لكن سياسة الإصلاح أدت إلى التضخم وارتفاع سعر الدولار وغيرها من مشكلات، كما أن من الأثار السلبية للثورة تعطل الاقتصاد لفترة مما آدى إلى استهلاك الاحتياطي النقدي، لكن في الأساس مشكلتنا كانت في التوريث، وقضائنا عليه يعد انتصارا كبيرا للثورة، ثم عملنا برلمان ودستور يحدد الحريات الأساسية وفيه تداول سلمي للسلطة، وانتخاباات دورية وتحديدة لمدة الرئاسة، فكل ذلك يحسب للثورة.

وأضاف: "الثورة لم تحقق كل أهدافها لكنها حققت جزءا منها، ولا زالت مستمرة في تحقيق الأهداف، الأمر ليس خطا مستقيما، هناك تراجع في أمور وتقدم في أمور أخرى، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي من أسوأ الأوضاع نتيجة تحرير سعر الصرف والسياسة المالية والنقدية الجديدة، لكن الخبراء يقولون إنه خلال سنة أو اثنين من تحقق الإصلاح الاقتصادي سيتمكن المواطنون من الشعور بالراحة الاقتصادية، فالأسعار لن تتراجع أو تقل، لكن المهم أن ترتفع القدرة الشرائية وتزداد المرتبات ليتمكن المواطنون من مواجهة ارتفاع الأسعار.






ويقول كمال عباس، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: "إن شعار ثورة يناير (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية) هو شعار عام وأدبي يصلح لكل زمان ومكان، ويصلح لكل ثورات دول العالم الثالث، فقد كان تعبيرا عن طموح المصريين منذ إقامة الدولة الحديثة، في الحصول على دولة تتمتع بالعدل والحريات، لكن للأسف لم يتحقق شيئًا من أهداف الثورة بل على العكس إزدادت الأوضاع سوءًا على المستوى الاقتصادي والحريات العامة، ولم يكن ذلك نتاجا للثورة، بل هو نتاج للتآمر عليها وإحباط إكمال مسيرتها، فقد تآمر الجميع على الثورة، حتى من ادعوا المشاركة فيها أو تبنيهم لهذا الشعار، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين".

وأضاف: "الشيء الوحيد الذي أنجزته الثورة هو الدستور، وبغض النظر عن كونه معطل أو غير معطل، فهو يعبر عن دولة حديثة تتمتع بحرية في التعبير وعدالة في توزيع الثورة، وهو ترجمة لشعار الثورة وضع هذا الحلم في مواد محددة وملزمة، لكن المشكلة أن القوى التي تحكم غير منتمية للثورة، وبالتالي تجاهلت كل ما ينص عليه الدستور، فالسلطة الحاكمة غير مؤمنة بثورة يناير، بل بالعكس معادية لها، ويتجلى ذلك في كل الممارسات التي تجريها ضد الشباب الذين يفترض أن يكونوا رموزا للثورة، من تنكيل بهم وأحكام قاسية جدا وعدم تنفيذ أحكام قضائية، وممارساتها مع المنظمات غير الحكومية، والتضييق على الحريات، وسيطرة الدولة على الإعلام المملوك لها والخاص، وبالتالي من الصعب القول إن الأوضاع تحسنت".


ويقول المحامي والناشط الحقوقي أمير سالم: لم يتحقق شيئا من أهداف الثورة، بسبب نظام الحكم السياسي الأمني الذي كان ومازال قضيته الرئيسية القضاء على الثورة ومطالبها، وعدم عودة الشعب المصري لممارسة أي شكل من أشكال الاحتجاج أو الحلم في التغيير، ونجح النظام في القضاء على كل الحريات السياسية بتشريعات قمعية على شاكلة قانون الطواري والتظاهر وغيرها والسيطرة الكاملة على الإعلام، لاستمرار تشويه حلم الثورة وفكرها، وبالتالي أصبحنا مثل إيران وكوريا الشمالية، وقضي هذا النظام بكل قسوة وعنف، سواء بالقمع أو السجون أو التشريعات أو الأحكام القضائية على هذه الثورة، لكن لا يمكنه القضاء على الشعب، فالحياة مستمرة والمستقبل مقبل.





و من الناحية الاقتصاية يرى الدكتور عوض الترساوي أن الاقتصاد يتقدم ولكنه يتقدم ببطء، وأضاف أن أي دولة في العالم يحدث فيها ثورات يعقبها انهيارات اقتصادية، وحتى أعتى وأقوى الدول في العالم يعقب الثورات فيها انتكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وهذا الأمر معروف في عواقب الثورات، والأمر هنا لا يتعلق بثورة بعينها أو حدث معين، وأضاف أن المنظومة الإدارية والتشريعية للدولة بحاجة لإعادة صياغة حتى يتمكن المواطن من لمس تقدم الاقتصاد، لأن مشكلة مصر في جهازها الإداري.

ومن جانبه قال الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي: إن ثورة 25 يناير لم تكن ثورة جوعى، بل خرج المصريون ضد ممارسات الشرطة، وتحول الشعار بعد مشاركة الإخوان في 28 يناير إلى المطالبة بالعيش، فحولوها من ثورة غضب ضد ممارسات الداخلية إلى ثورة ضد كل شيء، فلم يخرج الشعب المصري للشوارع على مدار التاريخ من أجل الجوع، بل ضد القهر والظلم، وأضاف أن صراع الطبقات المصرية في عهد مبارك كان حول الرفاهية وليس الجوع.

وأضاف: تراجعنا اقتصاديا بشكل كبير، وأصبحنا نعاني من التضخم وارتفاع الدين الخارجي والدين المحلي وتراجع قيمة العملة المحلية، ولم ننجح في تحقيق الإصلاح الاقتصادي، وعدنا 30 سنة للخلف، المنطقة العربية بأكملها ترجع إلى الخلف، ويبدو إننا سنترك أوبك ونعود إلى الإبل.

وحذر النحاس من أن ما يحدث تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي في المنطقة العربية يهدف إلى إفشالها اقتصاديا وإسقاطها، والخروج من الكتلة التنافسية، خاصة مع رفع الدعم عن الطاقة وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب وتحرير الصرف، فالإصلاح الاقتصادي مخطط وقعنا فيه، وأشار إلى أن ما يحدث في إيران اليوم كأوضاع اقتصادية هو بروفة لما سيحدث لنا في يناير 2019، وهو الطريق الذي يسعى صندوق النقد الدولي لأخذنا فيه.





ويقول الدكتور خالد عبد الفتاح الخبير الاقتصادي: شعارات الثورة تعكس قواعد عامة متعارف عليها علميا، أولها أن "المنظمة دالة في كفاءة مستوى الإدارة"، أي إنه إذا كانت الموارد قليلة والإدارة كفاءتها عالية ترتفع الموارد لمستوى الإدارة، وإذا كانت الإدارة ضعيفة والموارد 100% ستنخفض الموارد لمستوى كفاءة الإدارة، وبالتالي مشكلتنا في الإدارة وليس في الموارد، وثانيها أن "العقلية التبريرية عقلية متخلفة" فإذا لم تكن قادرا على العمل اتركه لأن المشكلة فيك ولا تقدم تبريرات، وثالثها أن الشعارات كان هدفها توليد أفضل العناصر من حيث المعرفة والمصداقية والكفاءة والقدرة على الإدارة والسيطرة وصنع القرار الاقتصادي والسياسي والإداري للدولة، وبالطبع لم يتحقق أيا من ذلك.

وأضاف عبد الفتاح: إذا كان مبارك موجود حاليا سيصل بنا إلى أسوأ وضع اقتصادي يمكن أن نصل إليه، وإذا كان الإخوان يحكمون كانوا سيصلوا بنا إلى نفس النتيجة، لأنهم يفتقدون للرؤية والمصداقية وأسلوب الإدارة الرشيد، فالنظام الحالي والإخوان وما قبلهم لم يغيروا الفكر أو الأدوات والعناصر، والتغيير فقط في الأشخاص، وبالتالي حصلنا على نفس النتائج، لأن الأنظمة التي تحكم مصر تسير في نفس الخطى لإهدار موارد الدولة، فبناء الدولة يجب أن يعتمد على البحث العلمي والتكنولوجيا والصناعة والزراعة، وبدون تلك العناصر المهملة حاليا لا يمكن بناء دولة قوية.