رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لقبَّـلتم الأرض من تحت أقدامهم

حمدي رزق- أرشيفية
حمدي رزق- أرشيفية


وسرعان ما بردت الدماء فى العروق، وجفت الدموع فى العيون، وانفض السامر من حول الشهيد، وعادت ريمة لعادتها الكريهة فى الفسفسة والتغريد والشكاية والنكاية والمكايدة.

ثلاثة أشهر زمن المهمة التى كلف بها رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الأركان، الفريق محمد فريد حجازى، باستعادة الأمن فى سيناء، بالتعاون مع وزير الداخلية، نصاً: «أنت مسؤول أمامى عن استعادة الأمن فى سيناء خلال 3 أشهر، باستخدام كل القوة الغاشمة».

وذهب رئيس الأركان ورجاله الأكفاء جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف مع رجال وزارة الداخلية الأشداء، يقاتلون عصابات الإرهاب فى صحراء سيناء، ونحن ها هنا قاعدون نتلهى عن دعمهم حتى المعنوى بقيل وقال ومعارك فيسبوكية عدمية، وثرثرات على المقاهى، ونضالات فى بوستات، والجنود على الحدود يواجهون كلاب النار العقورة، ويتقفون آثارهم فى زمهرير شتاء الصحراء.

ونحن عنهم غافلون، وهم قائمون على الحدود، عيون ساهرة، عين باتت تحرس فى سبيل الله، لا نتذكر تضحياتهم إلا فى المناسبات الحزينة، أحياء عند ربهم يُرزقون، لو تعلمون حجم التضحيات الجسام لقبّلتم الأرض من تحت أقدامهم، ولكن نجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه؟!.

بطول الحدود وعرض البلاد هناك جند مجندة من خيرة الأجناد، ينتظرون منكم الدعاء فى صلاة الفجر، ادعوا لهم فى العشى والإبكار، ادعوا لهم بالنصر أو الشهادة، إنا استودعناهم عند ربهم أمانة، وسبحانك خير مؤتمن، سبحانك الصاحب والسند، تلهمهم صبراً، وتؤتيهم عزماً، اشدد من أزرهم، سبحانك خير معين يا أرحم الراحمين.

مَن لم يَجُلْ فى صحراء سيناء لا يعرف حجم تضحيات هؤلاء، مناخ قارى يقطم المسمار برداً، وشتاء سيبيرى يجمد الدماء فى العروق، وحشة صحراء قفارها مكتوبة على جبين الرجال واقفين زنهار ليل نهار.

فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات الجند المجندة وكأنها أساطير، كل ضابط وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام إلا لماماً، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة فى بطن الجبل ينفر إليها الأبطال خفافاً سراعاً فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون بالجنة.

عشت أياماً وليالى وسنوات فخارا فى معية الأبطال مراسلاً حربياً، وسجلت شهادات فاخرة، وكان مَن التقيته أمس، وكأنى أودعه اليوم، مفكرتى الصغيرة لاتزال تحوى أسماء أحياء شهداء، أو شهداء أحياء، أعزهم الله بالشهادة، وكتب لجيشنا النصر.

حزين على فراق الأحبة منهم، إن العين لتدمع والقلب ليحزن، مواكب الشهداء تتقاطع فى الكفور والقرى والمدن، وحزين على حالنا، نتلهى بالأعياد والاجتماعيات ودربيات كرة القدم، نتلهى عن بطولات الجند المجندة ببطولات الملاعب الخضراء، وبطولات الجند فى الصحراء هى أولى بالحكى.

ننتحر اختلافاً وهم فى رباط، على قلب رجل واحد، ننهزم داخلياً وهم منتصرون، نتباكى على علاوات وبورصات، وهم مرابطون على الحدود، لا يلهيهم بيع ولا تجارة، أخشى أننا صرنا لا نعتبر لشهادة، ولا تهزنا تضحيات، ولا نقف إجلالاً للموت، الموت مثل الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع، الحزن زى البرد.. زى الصداع، التفاهات صار لها سعر فى السوق، والإعلانات تغرق الشاشات، ونجوم الشباك ليسوا الشهداء، الشهداء صاروا غرباء، طوبى للغرباء فى أوطانهم.

نقلًا عن "المصري اليوم"