رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

وثيقة الخشت..

حمدي رزق- أرشيفية
حمدي رزق- أرشيفية


لا يستحب تمرير وثيقة جامعة القاهرة للثقافة والتنوير بين أيدينا دون توقف لبيان رقى هذه الوثيقة، ورقى أهدافها، والتنوير الذى يشع من بين سطورها، واعتبارها نموذجا ومثالا لما يستحب لمصرنا الحبيبة، وثيقة وإن صلحت لتنوير جامعة القاهرة فليشع نورها على ربوع المؤسسات التعليمية جميعا، جامعات وأكاديميات ومعاهد ومدارس، ويستوجب اعتمادها من المجلس الأعلى للجامعات دستورا لمهمته المقدسة فى تنشئة أجيالنا على معنى التنوير والمدنية والمواطنة الحقة.

بنود الوثيقة الاثنا عشر كل بند منها يؤطر لمجتمع خال من التمييز والإقصاء، وفى معنى آخر تؤسس لفقه المواطنة، وفى ثالث المعانى تستهدف حياة جامعية مدنية حديثة، تنص الوثيقة التى صاغها 17 من خيرة العقول المصرية برعاية مستنيرة من الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة على «عدم التمييز على أساس عرقى أو دينى أو سياسى، فالجميع محكوم بمبدأ المواطنة والجميع سواء أمام القانون..».

لو تم تجسيد هذا المعنى فى الأرض المصرية المضروبة بفيروسات التمييز والتعصب لكان غرثا طيبا، لن يتقدم المجتمع المصرى خطوة إلا بهذا المبدأ الدستورى، جل معاناة المصريين من التمييز، وشكاية المصريين المزمنة من التمييز، محزن التمييز يلتهم إنسانية البشر، صرنا ننتحر تمييزا متوالية تمييزية تلفنا برداء ثقيل.

جامعة القاهرة مدنية عقلانية، والحرية مكون أصيل من مكوناتها، وتأكيد حق الاختلاف، وتنوع الفكر الخلاق؛ ومن ثم عدم التعصب، آه لو أفسحنا الطريق لتيار أكاديمى عقلانى يؤسس لمدنية الدولة المصرية، الحرية مكون أصيل من مكوناتها، بل هو إن شئنا الدقة وإضافة على متن الوثيقة مكون رئيس من مكوناتها، أو الرئيس بإضافة «ال» لتأكيد المعنى وغرسه فى التربة المصرية الموبوءة بأمراض المصادرة على الحريات فى ظل إفراط تشريعى جعل عينه على التضييق على الحريات باسم الوطنية والوطنية منه براء.

أن يسرى التيار العقلانى كالكهرباء من مصدره المعتبر جامعة القاهرة أكبر مصانع العقول المصرية لهو أمر يستحق الثناء، وتبقى الممارسة العلمية والأكاديمية على الأرض، فنختبر سريان التيار فى أوصال الجامعة، ونتيقن من سلامة التوصيلات لمرور التيار، أعلم أن هناك محاولات عقورة لقطع التيار، والوثيقة أمانة فى أيدى مجلس الجامعات فليبرهن على أنها وثيقة للتطبيق وليس حلية يتزينون بها فى المحافل الأكاديمية.

أختلف مع ذهاب الوثيقة لتحديد مفهوم التنوير بوصفه ممارسة عقلانية تقترن بالجرأة على استخدام التفكير العقلانى النقدى، فالتنوير معرف قبلاً ومعترف به وصفاً، ومستقر فى الأدبيات العالمية والمصرية ولا حاجة لتحديد مفهوم جديد للتنوير، أو قرنه بممارسة عقلانية تقترن بالجرأة، التنوير فى مجتمعاتنا يحتاج إلى ما هو أكثر من الجرأة التى تتحدث عنها الوثيقة المعتبرة بجرأة يحسدون عليها فى مجتمع يقرن التنوير عسفا بالكفر البواح، ويصفه دعاة التنوير بالخوارج، ويكفرهم دينيا، التنوير يحتاج إلى ثورة فكرية، جامعة القاهرة أولى بها، على أن تصدر منتجات التنوير إلى المجتمع، وفى هذا يجتهد المجتهدون، كما اجتهدوا فى تصدير النص الرائع فى الوثيقة الذى يقول بتأسيس تيار عقلانى عربى مقاوم للإرهاب الرجعية.

هذا قليل من كثير تحفل به الوثيقة وهذه المرة لا يصح القول أفلح الخشت إن صدق، بل أفلحنا جميعا لو صدقنا فى الوقوف وراء هذه الوثيقة التى أصدرتها الجامعة العريقة التى أشرف بالانتساب إليها، ولن نقول للخشت اذهب أنت ومجلسك فقاتلا الظلامية والجهالة، لن نقعد هنا وأنتم تقاتلون.

نقلًا عن "المصري اليوم"