رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

المعونة الأمريكية والقرار المصري الوطني

مصطفى أبو زيد
مصطفى أبو زيد


منذ زمن وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية ورقة المساعدات المالية فى الضغط على الدول الفقيرة والنامية لتكون وسيلة من وسائل التدخل فى شئون تلك الدول على جميع الأصعدة، فإذا نظرنا إلى تاريخ المساعدات المقدمة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كانت تقدمها فقط من أجل بسط نفوذها وتأثيرها فى منطقة الشرق الأوسط كقوة عظمى ناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، وتريد أن يكون لها مكانًا كبيرًا وسط القوى العظمى وقتها بريطانيا وفرنسا.

 فكانت تحاول مرارًا وتكرارًا مع مصر والزعيم جمال عبد الناصر من أجل التدخل فى شئون مصر الداخلية والتأثير على القرار الوطنى حتى تدور فى فلك السياسية الأمريكية، وبالتالى تحويل مصر إلى دولة تابعة ترسم سياساتها وتوجهاتها بناءً على توجهات ورؤية الإدارة الأمريكية، ولكن الرئيس عبد الناصر رفض هذا التدخل السافر للتأثير على القرار المصرى، وقال كلمته المشهورة إذا كانت المساعدات التى نأخدها من أمريكا على حساب التدخل فى شئون مصر فنحن نستغنى عنها واستخدم وقتها لفظ "على الجزمة"، مشيرًا إلى أن القرار المصرى أهم من المساعدات المالية.

وأوضح أنه يجب أن نوفر فى استهلاكنا فى سبيل بناء بلدنا، ضاربًا عرض الحائط بتلك المساعدات التى كانت مصر فى أمس الحاجة إليها بعد انتهاء العدوان الثلاثى الغاشم.  

وبمرور الوقت تحولت المساعدات المالية لمصر إلى المعونة الأمريكية فى إطار اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية لضمان إستمرار حالة السلام بين الطرفين، وانهاء حالة الحرب نهائيًا.

وكانت مصر فى هذا الوقت تحتاج إلى الكثير من ملايين الدولارات لتستخدم فى إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب على مدار سنوات الحرب الستة، وكذلك بداية توجه الدولة نحو التنمية وعصر الانفتاح الاقتصادى الذى أطلقه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كما صرح من قبل أن حرب أكتوبر المجيدة كانت آخر الحروب ولابد من أن نتجه إلى البناء والتعمير والتنمية الشاملة.

ومن بعده جاء الرئيس الأسبق مبارك وسار على نفس النهج من حيث المحافظة على علاقات هادئة ومتزنة فى أغلب سنوات حكمه إلا أنه فى إدارة باراك أوباما حدث نوع من أنواع الفتور فى العلاقات أدت الى مقاطعة بين الرئيسين وقتها بسبب محاولة التدخل والضغط على مصر فى ملف حقوق الإنسان، وتقديم المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، والذى رفضه مبارك بشدة وهذا الذى أدى إلى تخفيض قيمة المعونة الأمريكية، وفى أوقات أخرى تأجيل صرف تلك المعونة.  

وهاهى تكرر فعلتها وكأنها لا تستوعب دروس الماضى وتحاول الضغط والتأثير على القرار المصرى من خلال تخفيض قيمة المعونة لمصر، ولكن تلك المرة يأتى التخفيض للضغط على مصر سياسيًا وذلك لتوجه مصر فى المضى قدمًا فى مشروع الضبعة النووى التى تتعاون فيه مع روسيا، والتى صرح الرئيس السيسى على ضرورة الانتهاء من إنشاء المفاعل النووى قريبًا.

ومن جانب آخر الضغط على مصر على خلفية الأزمة مع قطر لانهاء المقاطعة المفروضة علىها منذ شهور بسبب دعمها وتمويلها للجماعات الإرهابية المسلحة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية أو بمعنى أدق أعضاء الكونجرس الأمريكى يكتنفهم القلق من زيادة الإنفاق على تسليح وتقوية القوات المسلحة المصرية من خلال تنويع مصادر شراء الأسلحة من فرنسا بشراء الطائرات "الرافال" ومن ألمانيا بشراء أربع غواصات بتكنولوجيا حديثة وحاملتى الطائرات الميسترال وإنشاء القواعد العسكرية وتدشين الأسطول الشمالى والجنوبى فضلًا عن حرص الدولة على تدعيم وإقامة مشروعات قومية ضخمة تهدف إلى دعم الإقتصاد المصرى.  

ولذلك باتت ورقة الضغط بقطع أو تخفيض المعونة الأمريكية ليس لها التأثير قوى كما كان من قبل فصارت وسيلة هزيلة للضغط على مصر؛ لأن القيادة السياسية المصرية وضعت لنفسها أولوية القرار المصرى فوق كل إعتبار ولاتستطيع أن تحيد بالدولة المصرية عن مارسمته لنفسها لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.