رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

داعش جريمة الغرب الكبرى «19»

أحمد عز العرب - أرشيفية
أحمد عز العرب - أرشيفية


كشرت بريطانيا في أوائل فبراير 1942م، عن أنيابها وتطلب من الملك فاروق سرعة التخلص من الحكومة العاجزة عن الحد من نشاط عملاء ألمانيا وإيطاليا، وسرعة تكليف مصطفى النحاس باشا بتشكيل الوزارة؛ فقد كان الزعيم الذي وقع مع بريطانيا معاهدة 1936م، وما تلاها من معاهدة مونترو 1937م، بإلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر. وكان النحاس مثله في ذلك مثل نهرو في الهند يؤمن بأن الاستعمار البريطاني في المتراجع أقل خطرا على مصر من استبداله باستعمار ألماني في مصر وياباني في الهند، ولما تلكأ فاروق في تكليف النحاس بتشكيل الوزارة، وقامت الدبابات البريطانية في مساء 4 فبراير بمحاصرة قصر فاروق ومعاها السير مايلز لاميسون السفير البريطاني، وفي معينة قائد القوات البريطانية في مصر، وتم اقتحام مكتب فاروق ومعها قرار بتنازله عن العرش وكانت هناك طائرة عسكرية بريطانية على أرض مطار القاهرة لحمل فاروق بعد التنازل إلى منفاه.

تراجع فاروق على الفور بنصيحة من رئيس ديوانه ولم يوقع مرسوم التنازل عن العرش، ودعا النحاس لتشكيل الوزارة وانتهت الأزمة وباقي تاريخ الحرب 1942م، معروف وليس موضوع هذا الكتاب، وكما هو معروف قامت معركة العلمية الفاصلة في 24 أكتوبر بين جيش بريطانيا بقيادة مونتجو مروجين، وألمانيا بقيادة روميل، وانتصرت بريطانيا نصرا حاسمًا في المعركة، وبدأ تراجع الجيش الألماني إلى خارج الحدود مصر تدريجيًا إلى خارج حدود لبيبيا حتى تونس.

وفي هذه الأثناء بدأ القلق الشديد يسطر على حسن البنا وإن كان أمله في انتصار ألمانيا في أخر لحظة مازال قائمًا خاصة في ضوء الشائعات التي كانت تؤكد أن ألمانيا على وشك إنتاج قنبلة ذرية تدمر مدنًا كاملة بمن فيها ولا تترك أمام بريطانيا وحلفائها سوى الاستسلام.

كان حسن البنا منذ بداية الثلاثينيات يشكل فرقًا عسكرية تحت شعار أنها فرق جوية لتكون نواة جيش السري الذي يأمل أن يقفز به إلى السلطة عندما تحين اللحظة المناسبة. وخلال باقي سنوات الحرب حتي نهايتها في مايو 1945م، لم تكن هناك معلومات عن هذا الجهاز السري سوى شائعات، وعندما أعلنت أمريكا عن اعتزام تشكيل هيئة أمم دولية بدلًا من عصبة الأمم التي كانت قائمة قبل الحرب، أعلنت أن عضوية الهيئة الدولية الجديدة ستكون قاصرة على الدول التي شاركت في الحرب ضد النازية الفاشية.

وعلى الفور قام رئيس وزراء مصر الذي خلف النحاس في الوزارة بعد أن أقاله الملك في 8 أكتوبر 1944م، وهو أحمد مار باشا بإعلان أن مصر اعتبارًا من يناير 1945م، ستكون في حالة حرب دفاعية ضد ألمانيا، وكان هتلر مازال حيًا في شهور الحرب الأخيرة وتوجه أحمد ماهر إلى البرلمان للحصول على موافقة مجلس إعلان الحرب الدفاعية ضد ألمانيا، أعلن أحمد ماهر الحرب في 24 فبراير في قاعة مجلس النواب وفي طريقه لقاعة مجلس الشيوخ، لاستكمال إعلان الحرب تربص به أحد الإرهابيين من جهاز حسن البنا السري وأطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلًا في الحال، وكان الإرهابي مازال يعتقد أن هتلر سينتصر في النهاية بمعجزة القنبلة الذرية ولم يعرف وقتها بأمر الجهاز السري أو أن القاتل يتبعه فحوكم القاتل وأعدم على أساس أنه متطرف ولم تثبت أي صلة له بحسن البنا.

بدأت بمجرد نهاية الحرب توترات شديدة في الجو السياسي المصري نتيجة سببين رئيسيين، أولهمها الاحتلال البريطاني لمصر وتصاعد المقاومة الوطنية ضده، والثاني ما كان يدور من مناورات دولية تهدف إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين لإنشاء دولة يهودية طبقًا لوعد بلفور السابق الإشارة إليه أعلاه وتكليف بريطانيا بالاقتراب على فلسطين لتنفيذه.

قام محمود فتحي النقراشي الذي خلف أحمد ماهر في رئاسة الوزارة ورئاسة حزب الأقلية الحاكم وقتها بالكتابة للحكومة البريطانية بطلب الدخول في مفاوضات بهدف جلاء الجييش البريطاني عن مصر وتعديل معاهدة 1936م طبقًا لذلك، وبعد أشهر من تبادل المراسلات دون نتيجة حاسمة قررت القوى الوطنية بزعامة حزب الوفد عقد مؤتمر جماهيري شامل في 9 فبراير بساحة قصر عابدين يضم الطلبة والعمال وطلبة الأزهر، وخرجت جامعة القاهرة كلها في طريقها إلى ساحة قصر عابدين وفي طريقها وجدت كوبري الجيزة الذي كان المفروض أن تعتبره لوسط المدينة مفتوحًا، ولما حاول الطلبة التراجع لأخذ طريق آخر وجدوا طريقهم مسدودا من الخلف بقوات بوليس فض المظاهرات المعروفة عندئذ ببلوك الخفراء، إنهال جنود البوليس على آلاف المتظاهرين ضربًا بوحشية بالغة، وفقز المئات من الطلبة في النيل هربًا ومات أكثر من ثلاثين طالبا غرقًا أو ضربًا ولما ذاعت أخبار المذبحة اشتعلت مصر بالثورة ضد الحكومة وهتف طلبة الجامعة لأول مرة بسقوط الملك.

ارتعدت فرائض الملك من هذا العداء القائم لشخصه، وقبل على الفور استقالة النقراشي، ولكن عين بدلًا منه عدو الحركة الشعبية اللورد إسماعيل صدقي الذي سبق له إلغاء الدستور عام 1930م، وزاد الشعب هياجًا ضد صدقي الذي لم يرحب بقدومه في مصر كلها سوى حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين.

ونستأنف في المقال التالي ما حدث من المصريين ومن حسن البنا.