رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لا يكفى أن يكون الوزير شجاعاً!

حمدي رزق
حمدي رزق


تلقيت رسالة من الخبير الإعلانى «طارق نور»، معقبًا على ما كتبت تحت عنوان «سكك حديد مصر» يتفق، ويذكّر بتجربة وزير النقل الأسبق محمد لطفى منصور، الذى يعتبره وزيرًا إصلاحيًا شجاعًا، ولكن الشجاعة وحدها لا تكفى لإنقاذ السكك الحديدية فى ظل غياب الوعى بحجم الكارثة التى تتحرك على القضبان.. وإلى نص التعقيب.

دعنى أتفق مع جوهر ما كتبت، إقالة وزير النقل لن تغير من الأمر شيئًا، ذلك أن العطب فى المنظومة، فالإدارة تعمل بأفكار بالية، لن تُغير لأنها لن تتغير. وهنا تحديدًا، عندى ما أضيفه.

إن وزير النقل الأسبق محمد لطفى منصور هو صاحب أول رؤية شاملة لتطوير منظومة السكة الحديد فى مصر، سواء على مستوى تحديث البنية الأساسية وتطوير المزلقانات، أو تدريب الكوادر البشرية، والأهم من ذلك كله أن إنفاق المليارات فى التحديث يقابله سلوكُ المواطن نفسه، فلا يُعقل أن تُحدِّث الخدمة والمرافق ثم تجد من يخربون مقاعد القطار ومنافعه، ويعمدون إلى نشر الفوضى فى محطاته وقضبانه، ويسرقون أى أدوات أو معدات فى القطارات والعربات والقضبان أنفسها، دون أى وازع من ضمير.

نجح الوزير محمد منصور فى الحصول على 5.5 مليار جنيه من عملية بيع ترخيص شركة المحمول الثالثة وتخصيصها لتطوير السكة الحديد. ونجحت الوزارة فى تنفيذ خطط طموحة تضمنت شراء عربات وجرارات من مختلف الشركات المتخصصة، مثل شركتى «كاتيك» و«زيانغ» الصينيتين، و«جنرال- إليكتريك» و«إى. إم. دى» الأمريكيتين. على خطٍ موازٍ، شرعت الوزارة فى إعادة الهيكلة وتقسيم هيئة السكة الحديد إلى عدة شركات، وتدريب الكوادر البشرية بهدف الرفع من كفاءتها. ونظمت حملة ضخمة وفعالة، بهدف توعية المصريين بأهمية هذا المرفق الحيوى، والسلوكيات اللازمة للحفاظ عليه.

.. ولكن وقع حادث قطار قبل الانتهاء من مشروع الإصلاح، وطُلِب من الوزير الاستقالة، كالعادة ككبش فداء.

وجاء محامى مجلس الدولة ورفض دفع مبلغ الحملة الإعلانية (15 مليون جنيه)، وتم تصوير الوزير الإصلاحى على أنه «حرامى»، وادعوا أن له مصلحة، والوكالة الإعلانية «حرامية»- لسببٍ لا نعلمه!.

وثبت لاحقـًا أنه كان أحسن مشروع للسكة الحديد وتحديثها، كما أصدر القضاء النزيه حُكمـًا منصفـًا لصالح الوكالة الإعلانية، وهنا تدخل محامى مجلس الدولة لمنع صرف المستحقات إلى يومنا هذا.. فراحت سمعة الوزير وضاعت حقوق الناس، وراح مشروع الإصلاح والمليارات التى أُنفقت عليه، ورجعت الكوارث إلى ما كانت عليه.

تحالف البيروقراطية مع الإهمال أنجب هيئة رثة الحال، رغم تاريخها العريق. لم يهتم هذا التحالف بتحويل السكة الحديد من مشروع خاسر يستنزف ما بين 4 و5 مليارات جنيه من خزينة الدولة سنويـًا، إلى مشروع تجارى مربح- أو على الأقل غير خاسر- ولم يعبأ هؤلاء بأى أفكار جادة لنقل تجارب عالمية فى هذا المجال. فقط اكتفوا بالبيروقراطية والتحجر والروتين، وتعطيل المصالح وعدم أداء الحقوق، ثم الاكتفاء بالخسائر البشرية والمادية فى هيئة السكة الحديد.. وكان الله بالسر عليمــًا!

إن الموجود حاليـًا هو حطام هيئة بها قضبان عمرها أكثر من 100 سنة، وتعمل بنظام التحويلات اليدوية والأسطوانات، والذى انتهى من كل دول العالم، ولم تشهد أى تطوير متكامل منذ عشرات السنوات. إن الوزير منصور كان الوزير الوحيد الشجاع الذى «فكر صح»، لكنه ببساطة انهزم من «السيستم».

إنها كارثة. كارثة التحجر العقلى وغياب الوعى، وسوء الإدارة الذى بدأ منذ أكثر من 50 عامـًا، وهذا مجرد مثال فقط فى مجال النقل وفى وزارة واحدة، فما بالنا بمؤسسات الدولة الأخرى!.. إنها ليست مشكلة السكة الحديد.. إنها مشكلة بلد.

نقلًا عن "المصري اليوم"