رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

داعش جريمة الغرب الكبرى «14»

أحمد عز العرب - أرشيفية
أحمد عز العرب - أرشيفية


تضمن تقرير اللجنة الملكية الذي قدم للملكة فيكتوريا في جزئه الثاني أن أخطر ما يحيط بالامبراطورية البريطانية فضلا عن الدول الجديدة التى قامت في أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا بعد وحدتها تحت قيادة ولهلم ملك بروسيا وهو اتحاد قبائل في المرحلة العليا للبربرية ولم يصل بعد إل دولة موحدة.

إذ تكون هذه الاتحادات القبلية في هذه المرحلة في عنفوان قوتها وعدوانيتها وضرب التقرير ثلاثة أمثلة تاريخية أولها اتحاد قبائل الهون الذي أسقط الامبرطورية الرومانية الغربية ودمر روما سنة 476 ميلادية والمثال الثاني هو اتحاد القبائل العربية حول النبي عند ظهور الإسلام والذي كون دولة استطاعت في غضون تسعين سنة الاستيلاء على كل الدول والممالك من الأندلس غربا إلى حدود الصين شرقا والمثل الثالث كان اتحاد القبائل المغولية تحت قيادة جنكيز خان الذي خرج من مقره في قره قورم في أقصى شرق آسيا واستطاع وخلفاءه من سنة 1225 حتى سنة 1275 اجتياح كل آسيا وسحق الخلافة العباسية وتدمير بغداد ولولا هزيمة حفيده هولاكو على يد المماليك في موقعة عين جالوت الفاصلة في جنوب فلسطين 1260 ميلادية لاجتاح المغول كل شمال أفريقيا العربي بدءا من مصر.

أما اتحاد القبائل الحالي الذي أشار إليه التقرير البريطاني سنة 1895 والذي اعتبره خطرا داهما على الامبرطورية البريطانية مكان الأربعين مليون عربي وكان هذا عددهم وقتها الذين يقطنون المنطقة الواقعة بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي موزعين في دول أو كيانات تدين معظمهما بالسيادة الاسمية لدولة الخلافة العثمانية التى كان السوس ينخر في عظامها في مراحل حياتها الأخيرة.

وأوضح التقرير أن هذا التجمع العربي في آخر مراحل البربرية العليايملك عمقا استراتيجيا هائلا وموارد لا حصر لها، وأنه وإن كانت اللهجات المحلية بين وحداته تختلف إلى حد صغير إلا أن اللغة العربية الفصحى تجمع بين كياناته في إطار قوى لأنها لغة القرأن الذي تدين به الأغلبية الساحقة من العرب وأنه لو ترك الامر دون تدخل حاسم فسيتوحد العرب آجلا أو عاجلا في دولة واحدة تكون بداية النهاية لكل من الامبرطورية البريطانية والفرنسية اللتين كاناتا ألد أعداء بعضهما طوال القرن التاسع عشر.

أما الحل الذي اقترحه التقرير لمواجهة هذا الخطر الداهم فكان تقسيم هذه المنطقة على أساس ثقافي مع زرع كيان غريب معادي وسطها وليكن دولة يهودية تساعدها الامبرطوريتان وتقف في وجه التقدم العربي بينما يقوم العرب بدورهم بتحجيم الدولة اليهودية وعدم تجاوزها حدا معينا يهدد المصالح الغربية الامبرطورية.

على الفور بدأ التقارب ونسيان العداء الماضي يجمع بين بريطانيا وفرنسا لمواجهة الخطر العربي المنتظر وخطر الدول الحديثة في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا الموحدة، وكان التقسيم المبدئي بين بريطانيا وفرنسا والذي ظهرت تفاصيله واضحة في أوائل القرن العشرين وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى يقضى بأن تنفرد بريطانيا بالنفوذ في مصر والسودان وألوية العراق الثلاث لواء الموصل ولواء بغداد ولواء البصرة وكانت كلها لواءات مازالت خاضعة للدولة العثمانية بينما تنفرد فرنسا بالسيطرة على الغرب العربي في شمال أفريقيا، وبينما كان الاستعمار البريطاني استغلاليا لنهب موارد الدول التي يحكمها كان الاستعمار الفرنسي استعمارا استيطانيا يوطن جاليات فرنسية في هذه الدول أما باقي الشام العربي وهو سوريا ولبنان وفلسطين فقد وعدت بريطانيا فرنسا أن تكون سوريا ولبنان أما فلسطين فستوضع تحت الانتداب البريطاني تمهيدا لإقامة الدولة اليهودية في أرضها فيما بعد.

وعلى الفور بعد صدور التقرير سنة 1895 نشطت المخابرات البريطانية بالذات نشاطا محموا وسط الأقليات اليهودية في شرق أوروبا بالذات تمهدها لإقامة دولة يهودية وبعد عامين فقط تم تنظيم مؤتمر الصهيونية العالمي في بازل السويسرية سنة 1897 وكان المحامي اليهودي النمساوي تيودور هرتزل قد أصدر كتابا صغيرا اسمه "الدولة اليهودية" يدعو فيه كل يهود العالم للتوحد لإقامة دولتهم في فلسطين وبعد أن كانت الدولة اليهودية حلما رومانسيا منذ استئصال الامبرطور هادريان شأفة اليهودية من فلسطين سنة 132 ميلادية ولمدة سبعة عشر قرنا تقريبا أصبح يهود الإشكناز خلالها والذين لم تكن لهم أي علاقة تاريخية بفلسطين هم أغلبية يهود العالم الساحقة، نقول بعد كل هذه القرون الطويلة أصبح حلم الدولة اليهودية مشروعا حقيقيا وبرنامجا للتنفيذ عندما اقتضته مصالح الاستعمار الغربي احتضانه للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط العربية بالذات وتدمير دولها لحسابه.