رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«لغز» اختفاء الحركات المسيحية المعارضة لـ«الكنيسة»

احتجاجات المسيحيين
احتجاجات المسيحيين - أرشيفية


بعد رحيل البابا شنودة الثالث، وتجليس «تواضروس الثانى»، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على الكرسي البابوي، منذ عام 2012، ظهرت على السطح العديد من الكيانات المسيحية المعارضة؛ بسبب حالة الحراك السياسي أعقاب «ثورة يناير».


وكان جلوس «تواضروس» على كرسى البابوية، وفرض السيطرة على الكنيسة، واتخاذ إجراءات إصلاحية، سببًا في غضب كثير من الشخصيات التي أطلق عليها اسم «الحرس القديم»، المؤيدين لـ«شنودة الثالث»، والذين رفضوا بقوة تواجد «تواضروس» على رأس الكنيسة، فسعى بعضهم إلى تدعيم الحركات المعارضة؛ لإرباك البابا تواضروس الثانى، وإظهاره أنه فى الموقف الضعيف، وغير القادر على قيادة الكنيسة.


ومن أهم الائتلافات والحركات المعارضة التى ظهرت بقوة ثم تبخرت بعد ذلك، وأصبح ليس لها وجود على الساحة، «ائتلاف شباب ماسبيرو»، الذي أطلق عليه في البداية «شباب ماسبيرو القبطي»، ورابطة اتحاد أجراس الشرق بالإسكندرية، ورابطة أساقفة الصعيد التي أسسها الأنبا كيرلس، أسقف نجع حمادي، وحركة كرسي مارمرقس، والتى ضمت 1000 من الشباب الرافض لترشح أساقفة الإيبراشيات لكرسي البابوية، ورابطة «المشلوحون» التي أسسها القمص المشلوح منذ عام 1988، إندراوس عزيز؛ والتي كان هدفها الدفاع عن آلاف الكهنة والقمامصة الذين تم شلحهم دون وجه حق.


ومن الحركات الأخرى: «تمرد على الكنيسة» التي أسسها إسحاق فرانسيس، والتي تم تدشينها من ألمانيا، ودعمها أحد القيادات الكنسية المعارضة للبابا، وطالبت بسحب الثقة من «تواضروس»، ثم تراجعت بعد ذلك، وأعلن عن وقف الحركة.


وكشف البعض عن أن أحد الحرس القديم هو الذي كان يقود مثل هذه الحركات لتحقيق مصالحهم الشخصية، والحفاظ على البقاء فى أماكنهم؛ لعدم الإطاحة بهم من قبل «تواضروس».


ومن ضمن هذه الائتلافات التي عملت بالسياسة ائتلاف «أقباط مصر»، الذي أسسه فادى يوسف، وظل يدافع عن القضايا القبطية على الساحة السياسية وكان يهاجم باستمرار حركات التيار الإسلامى.


كما ظهرت حركات أخرى نادت بالإصلاح الكنسي، وعدم مخالفة الكنيسة لتعاليم الكتاب المقدس، ومنها مسمى «رابطة حماة الإيمان»، والتى ظلت دائما تنتقد أداء البابا تواضروس، وكذلك مجموعة «الصخرة الأرثوذكسية»، التى اتخذت من موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" منبرا لها لمهاجمة الكنيسة والبابا.


ومن ضمن هذه الحركات أيضًا: «9-9» التي أسسها وحيد شنودة، ولكنها تختلف عن سابقيها، حيث أنها لم تتخذ فقط مواقع التواصل الاجتماعى كمنصة فقط، بل تواصلت بقوة مع الإعلام المقروء والمرئي، وركزت على مهاجمة الكنيسة، وانتقاد أداء البابا، ودعت أكثر من مرة إلى التظاهر، كما سلطت كل أهدافها على فضح ممارسات بعض الكهنة داخل الكنيسة، وكشف «وحيد شنودة»، في تصريح صحفي له أن هذه الحركة تحصل على دعم كبير من قبل قيادات «المجمع المقدس».


ومثلت حركة «9-9»، صداعًا حقيقًا في رأس الكنيسة، ما دفع بعض قيادات الكنيسة إلى الجلوس مع قياداتها داخل الكاتدرائية للبحث فى مطالبهم، إلا أن هذه اللقاءات باءت بالفشل بسبب تجاهل الكنيسة لمطالب الحركة، وفقًا لما أعلنه وحيد شنودة.


استمرار الحركة فى فضح ممارسات الكهنة، دفع الكنيسة إلى  ملاحقة مؤسس هذه الحركة قضائيا، بعد أن كشف عن فضيحة جنسية لأحد الكهنة، وقام بنشر ذلك عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وأسفرت هذه القضايا عن حبس مؤسسها لمدة عام وغرامة 10 آلاف جنيه.


الحكم على مؤسس الحركة كان بمثابة كتابة النهاية لتواجدها على الساحة، وكشف مصدر مقرب من وحيد شنودة، أن ما أقدمت عليه الكنيسة بملاحقته قضائيا، الهدف منه أن يكون عبرة للآخرين، ورسالة لمن تسول له نفسه أن ينتقد أداء الكنيسة، وأن مصيره سيكون «الحبس»، مشيرا إلى أن أحد الكهنة عرض على وحيد شنودة أن يعلن اعتذاره للكنيسة للتصالح معه، وأن يتغاضى عن مهاجمة الكنيسة والكهنة.


كما ظهرت حركات أخرى كانت لها مطالب شخصية، مثل مطلب «الطلاق والزواج الثاني»، ومن هذه الحركات «منكوبي الأحوال الشخصية» التي يترأسها هاني عزت، و«حركة أقباط 38» التي أسسها نادر الصيرفى، المطالبة بالزواج الثاني، وكان «الصيرفي» أحد المرشحين على قوائم حزب النور في الانتخابات البرلمانية الماضية، وكذلك حركة «الحق فى الحياة».


ومع مرور الوقت، أخذت تلك الحركات والكيانات الوهمية طريقها لممارسة الضغط أحيانًا على النظام والكنيسة، والبعض الآخر لجأ إلى الابتزاز، وبعض هذه الحركات حدث بها انشقاقات، وتحولت صفحاتهم لمنصات شتائم في الحركات الوهمية الأخرى، والبعض تلاشى واختفى بعد تحقيق مصلحته ماليًا أو إعلاميًا أو الحصول على تصريح من الكنيسة بالطلاق والزواج الثاني.


ظهور هذه الحركات ومهاجمتها للكنيسة باستمرار، دفع البابا تواضروس الثاني، إلى التدخل والتعليق عليها في تصريحات صحفية، قائلًا إن قيادات الحركات المسيحية المعارضة، بعضهم «أنقياء السريرة»، ولكن فيهم العكس، مشيرًا إلى أنهم في كل الأحوال هم أبناؤه ويجب احتواؤهم أثناء حرية التعبير عن الرأي، وسخر البابا من لفظ ائتلاف قائلًا: «يعنى إيه ائتلاف؟».


وألمح «تواضروس» إلى حصول بعض قيادات هذه الحركات المعارضة على تمويلات.


ومع ازدياد هجوم بعض تلك الكيانات على الكنيسة خرج البابا تواضروس يعبر عن غضبه فى مقال نشر بجريدة الكرازة الناطقة بلسان الكنيسة، قال إن لديه غيرة كبيرة على الكنيسة الأرثوذكسية ولا ينتظر أن يعلمها له آخرون، مهما كانت التسميات التي يطلقونها على أنفسهم والتي توحي للعامة بأنهم فقط الذين يعرفون، ودعا البابا هؤلاء المهاجمين إلى الإفصاح عن أسمائهم بدلًا من النشر على النت والتستر وراء عبارات تهدم أكثر مما تبنى، وتسبب بلبلة داخل الكنيسة وبين الأقباط.


فى هذا السياق، يقول المحامي ممدوح رمزى، عضو مجلس الشورى سابقًا، إن الكنيسة لا يوجد بها أى حركات مناهضة للبابا، كما أنها لا تعترف بأية حركات وائتلافات مسيحية موجودة على الساحة، موضحا أن القاعدة الرئيسية داخل الكنيسة هى طاعة البابا والرؤساء، وعدم التحدث عنهم بسوء.


وأضاف «رمزى»، أن هذه الحركات قامت على يد شباب صغار ليس لديهم أية خبرة عن الحياة، و«مندفعين»، موضحا أن أصحاب هذه الحركات باحثون عن الشهرة، وتحقيق المكاسب الشخصية.


وأشار «رمزي»، إلى أنه لا توجد أية أسس حقيقة تم على أساسها تدشين هذه الحركات، مؤكدًا أن كل هذا ساعد على القضاء على هذه الحركات واختفائها من على الساحة لعدم امتلاك أصحابها الخبرة الكافية.


وأكد «رمزي» أن هذه الحركات ليس لها مبادئ وأخلاق موضحا أنها مدفوعة من قبل بعض الأشخاص الذين يريدون تشويه الكنيسة، مشيرًا إلى أنه من الطبيعى أن تظهر هذه الحركات فجأة وتختفي فجأة دون أن تحدث أي تغيير فى المشهد.


واستبعد «رمزى»، أن يكون أنصار الراحل «شنودة» لهم دور فى ظهور بعض الحركات المعارضة للكنيسة والبابا.


وأشار «رمزى» إلى أن الكنيسة لا يوجد بها ما يسمى بـ«الحرس القديم»، موضحًا أن جميع قيادات الكنيسة يدعمون «البابا تواضروس».


ويرى هانى عزت، منسق رابطة منكوبي الأحوال الشخصية للأقباط، أن السبب الحقيقي لاختفاء هذه الحركات بسهولة، هو استقطاب أشخاص بعينهم من داخل الكنيسة فى محاولة لتهدئتهم، واصفًا معظم الحركات التي خرجت ضد البابا والكنيسة بـ«الفنكوش».


وأضاف «عزت» فى تصريح خاص لـ«النبأ»، أن جميع هذه الحركات ما هي إلا مجرد فقاعات هواء تبحث عن «الشو الإعلامي»، موضحا أن الغرض الأساسى من وراء إنشاء مثل هذه الحركات، هو «شق الصف المسيحي».


وأشار «عزت» إلى أن ظهور فضائح هذه الحركات، جعلها تختفي من على الساحة من أجل أن تدارى قبحها، موضحا أن التيار المسيحي المعتدل هو من فضح مثل هذه الحركات.


وأوضح «عزت» أن هناك بعضا من قيادات «المجمع المقدس»، وأساقفة الإبراشيات، غير راضين عن توجهات البابا تواضروس الثاني، مشيرا إلى أنهم أرادوا أن يظهروا أن البابا، وكأنه بعيد عن شعبه وخاصة فى توقيت سفرياته الخارجية.


وأكد «عزت» أن هؤلاء جندوا بعضًا من أصحاب هذه الحركات لمهاجمة البابا باستمرار ولكنهم لم ينجحوا فى ذلك، مشيرا إلى أن رابطة منكوبى الأحوال الشخصية كانت أول الحركات الداعمة لتوجهات البابا تواضروس، ولكنها ما زالت تطالب بتطبيق قانون الأحوال الشخصية.


وأشار منسق رابطة «منكوبي الأحوال الشخصية» للأقباط، إلى أن الخطوات الإصلاحية التي اتخذها البابا تواضروس، والقرارات الحكيمة بإعادة هيكلة الكنيسة من الداخل ساهمت بنسبة كبيرة فى القضاء على هذه الحركات، مضيفا أن هذه الخطوات أغلقت عمليات التمويل الذي كان يحصل عليه بعض أصحاب هذه الحركات من الخارج، لافتا إلى أن هذه الحركات التى تهاجم البابا لا تقل خطورة عن إرهاب تنظيم «داعش».


ويرى الكاتب الصحفى ناجى وليم، الباحث فى الشأن القبطى، أن الوضع السياسي الذي مرت به مصر سمح بتواجد مثل هذه الحركات، موضحا أن هذه الحركات قامت على «أوهام»، وليست على «أسس حقيقية».


وأكد «وليم»، أن الأسباب الحقيقية لاختفاء مثل هذه الحركات من على الساحة، هي الطرق والأساليب التي اتخذتها الكنيسة، والخطوات الإصلاحية التي سلكها البابا، مشيرًا إلى أن التكريم الدولي الذي حصل عليه البابا تواضروس الثاني عالميا كان بمثابة النهاية لهذه الحركات.


وأشار «وليم» إلى أن هذه الحركات والائتلافات كانت تبحث عن الشهرة والشو الإعلامي، موضحا أن هذه الحركات اعتقدت أن هجومها على البابا والكنيسة سيحقق لها مصالح شخصية، مؤكدا أن هذه الحركات خاب ظن قياداتها لاحتماء البابا بالشعب.


ونفى «وليم» لجوء الكنيسة إلى سياسة تهديد أصحاب هذه الحركات بالسجن أو الملاحقات القضائية، موضحا أن هناك قواعد وأسسا معينة تحكم الكنيسة، مؤكدا أن ما قاله بعض أصحاب هذه الحركات عار تماما من الصحة، ولا يمت للواقع بشىء.


وأكد «وليم» أن نجاح البابا فى تحركاته الداخلية والخارجية وإثباته أنه قادر على التعامل مع الظروف التى تمر بها مصر، دفع العديد من هذه الحركات إلى تدعيمه فى كل خطواته بعد أن كانت تهاجمه فى بداية الأمر، موضحا أن جميع المسيحيين يدعمون «البابا تواضروس».