رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

داعش جريمة الغرب الكبرى «11»

أحمد عز العرب - أرشيفية
أحمد عز العرب - أرشيفية


عند قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 ومنادتها بشعاراتها الثلاث الشهيرة من الحرية والإخاء والمساواة تحالفت كل الإمبراطوريات الملكية المستبدة في أوروبا ضدها وعلى رأسها بريطانيا والنمسا وروسيا، وتأهبت لغزو فرنسا لإيقاف خطرها المهدد لعروش أوروبا.

وكانت فرنسا وبريطانيا هما أقوى وأعتى قوتين عسكريتين في أوروبا عندئذ، والمنافسة بينهما حياة أو موت، وبعد صراعات داخلية في فرنسا لا مجال لعرضها هنا، كانت الجمعية الوطنية الفرنسية، أي برلمان فرنسا عندئذ، في صراع مع حكومة فرنسا الثورية القائمة، وبعد جولات من الصراع تصدت الحكومة للجمعية الوطنية وكانت القوات الحكومية بقيادة ضابط شاب من جزيرة كورسيكا الفرنسية يدعى نابليون بونابرت، وكانت زوجة نابليون الشهيرة جوزقين في علاقة سرية مع أحد أقطاب الحكومة، الذي كان يسعى لإبعاد نابليون عن فرنسا ليخلو له الطريق مع عشيقته جوزقين زوجة نابليون.

ووجدنا نابليون فرصة عمره في قيادة حملة عسكرية منتصر في أوروبا يقدم معها حلم إمبرطورية للشعب الفرنسي بدل الحرية والإخاء والمساواة.
وتم تجهيز الحملة وكانت وجهتها غزو مصر التى كانت تابعة للدولة العثمانية عندئذ، وبينما كانت أوروبا الغربية تنهض وتزدهر  في عصر النهضة كانت الدولة العثمانية في تراجع حضاري، إلا أن بريطانيا وفرنسا حرصتا على بقاء أملاك الخلافة العثمانية تحت سيطرتها الاسمية حتى لا تسقط أي منها في يد إحدى المتنافستين فرنسا وبريطانيا.

جهز نابليون حملته تحت شعار أن هدفها كان إنقاذ مصر من المماليك الأشرار الذين كانوا يحكمونها، وإلى جانب الجيش العسكري الذي جهزه نابليون اصطحب معه عددا هائلا من العلماء في كافة الفروع لفتح مصروإقامة إمبرطورية شرقية مركزها مصر، وسبقت الحملة شائعات لا حصر لها بأن الساري عسكر، أي الجنرال بونابرت، هدفه الوحيد حماية الخليفة العثماني من المماليك وأنه مسلم ومؤمن بالله.

وصلت الحملة مصر واحتلتها في نهاية 1798، وطبعا لم يصدق المصريون إسلام نابليون وأهدافه النبيلة؛ فقامت أول ثورة ضده في مصر بعد 3 أشهر من الغزو وقمعها نابليون بغاية القسوة، وسار نابليون في مشروعه الإمبرطوري؛ فأخذ جزءا من جيشه لغزو الشام وقد درسنا في حصص التاريخ أن نابليون عجز عن فتح عكا لأن حاكمها العثماني أحمد باشا الجزار أحسن تحصينها، وأن الأسطول البريطاني كان يساعد عكا من البحر بالسلاح والرجال، ولكن الذي لم تذكره دروس التاريخ لنا هو أن نابليون في طريقه إلى عكا وقف أمام حائط المبكى في القدس وأعلن "هذه هي اللحظة التاريخية أمام اليهود لو قرروا العودة لأرض الأجداد في فلسطين، وتعهد الإمبرطورية الفرنسية بحماية أحلامهم لو قرروا العودة لفلسطين".

وطبعا لم يوضح نابليون أي يهود يعني، هل هم الأغلبية الساحقة من يهود العالم الإشكناز كما شرحنا أعلاه والذين لم تكن لجدودهم أي علاقة بفلسطين حتى يطلبوا العودة إليها؟ أم هل يعني اليهود الشرقيين من بنى إسرائيل الذين أصبحوا أقلية يهود العالم؟

لا تهم الدقة ولا الأكاذيب ما دامت تساعد في بناء الحلم الإمبراطوري الفرنسي الذي أفصح عنه نابليون في مذكراته قبل موته عندما كان أسيرا لدى بريطانيا في جزيرة سانت هيلان بعد أن انتصر عليه الحلف الغربي في معركة ووترلو الشهيرة 1814 وانتهى به المطاف للمنفى في جزيرة سانت هيلان، قال نابليون في مذكراته: 

كان هدفي إنشاء دويلة يهودية في فلسطين ستكون محاطة بالأعداء العرب من كل جانب، وستكون فرنسا هي حاميتها الوحيدة التى تحصل على ولائها الكامل، وستكون هذه الدويلة هي الصخرة التى تسد الطريق أمام عدونا اللدود بريطانيا في طريق الهند درة مستعمرات بريطانيا.

ليس هذا الكتاب تأريخا للصراع الاستعماري على الشرق؛ ولكن هذه مجرد لمحة عن إصرار الاستعمار الغربي على الاستيلاء على بلادنا.

كما هو معروف فشلت الحملة الفرنسية في النهاية واضطرت إلى الجلاء عن مصر التى عادت مستعمرة الخليفة العثماني بمساعدة بريطانيا، وكان نابليون قد سبق جلاء الحملة بالهرب إلى فرنسا لاستكمال حلمه في الاستيلاء على السلطة بها. وهذه قصة تخرج عن نطاق هذا السياق.

بعد جلاء فرنسا بقي الحكم العثماني في مصر قلقا لفترة تتنازعه قوى الأمراء المماليك والقوات العسكرية العثمانية التى اشتركت في إجلاء الحملة الفرنسية على والتى كان أهمها الفرقة الألبانية المكونة من 4 آلاف مقاتل بقيادة الضابط الألباني محمد علي أحد رعايا السلطان العثماني عندئذ. 
وإلى المقال التالى لعرض تطور الأحداث فى مصر وتربص الغرب بها.