رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حكاية «جزيرة الوراق» من محميات الجنزوري لـ«بلدوزرات» السيسي

أحداث جزيرة الوراق
أحداث جزيرة الوراق - أرشيفية



في منتصف الأسبوع الماضي، شهدت «جزيرة الوراق» مناوشات بين الأهالي وقوات الشرطة، بعد محاصرة الأخيرة للمنطقة لإزالة المباني المخالفة، ما أفضى إلى مصرع شخص وعدد من المواطنين، ووقوع 31 إصابة من قوات الشرطة، بينهم مساعد مدير أمن الجيزة، اللواء رضا العمدة، كما أصيب العشرات بطلقات خرطوش واختناقات بـ«الغاز المسيل للدموع».


محمية طبيعية في عهد الجنزوري

وجزيرة الوراق، هي إحدى أكبر الجزر الواقعة في نهر النيل، وتبلغ مساحتها 1285 فدانا، فيما تصل إلى 1470 فدانا بعد شمولها لأراضي «طرح النهر» وفق ما ذكره مصطفى مدبولي، وزير الإسكان عام 2014، كما يبلغ تعداد سكانها 60 ألف نسمة وفق آخر إحصاء لها في 2010.


يشتهر أهالي المنطقة بعملهم في الزراعة، ويعود إليهم الفضل في إدخال زراعة البطاطس في محافظة الجيزة عام 1917، إلى أن تطور نشاطهم فيها 1963، عندما ظهرت الجمعية العامة لمنتجي البطاطس، وجزيرة الوراق منعزلة تماما عن بقية مناطق المحروسة، وتعتبر وسيلة النقل الوحيدة إليها هي «المعديّة» بالنسبة للقادم من جهة محافظة القاهرة، ونفس الحال بالنسبة للزائر من الجيزة، كذلك يعتبر «التوك توك»، الوسيلة الوحيدة لتنقل سكانها بها داخليا لضيق شوارعها، كما لا يوجد بها نظم للصرف الصحي.


وفي عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري اعتبرت «الوراق» محمية طبيعية وفق القرار رقم ١٩٦٩ لسنة ١٩٩٨، الذي على إثره خضعت الجزيرة لإدارة بيئية من خلال وضع وزارة البيئة وأجهزتها، بمعاونة الجهات المختصة، ضوابط وشروط للأنشطة الواقعة عليها.


دعاوى الأهالي أمام مجلس الدولة

على إثر ذلك لجأ الأهالي في 2002 لرفع دعاوى أمام مجلس الدولة، التي قضت بأحقيتهم في ملكية الأرض، وأكد الأهالي آنذاك أنهم يمتلكون مستندات ملكية وعقود مسجلة بالشهر العقاري تثبت هذه الملكية الخاصة من أيام المحاكم المختلطة، وتؤكد أن الجزيرة خاصة بهم، وأن الدولة لا تمتلك منها سوى 60 فدانًا فقط «30 فدانًا ملك وزارة الأوقاف أجرتها للفلاحين و30 أخرى أملاك دولة، استأجرها الأهالي بحق الانتفاع».


إلى هذا الوقت كانت الأوضاع مستقرة في الجزيرة، حتى جاء عام 2010، حينما قرر الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق تشكيل لجنة من وزراء الإسكان والبيئة والري لدراسة الأوضاع البيئية للجزيرة، بهدف وضع خطة للتصحيح البيئي فيها‏، وهو ما أثار الأهالي في ذلك الوقت؛ بسبب تخوفهم من اتخاذ أي إجراء يؤذيهم أو إقامة مشروعات تجبرهم على مغادرة مساكنهم.


ثورة يناير تنقذ الجزيرة من «مشروع استثماري»

وعقب أحداث ثورة 25 يناير 2011 ترددت أنباء في صفوف أهالي الجزيرة عن محاولات رجال أعمال بارزين لإخلاء الجزيرة من السكان لإقامة منتجع سياحي استثماري، لكن بسبب عدم استقرار الدولة والانفلات الأمني الذي أعقب الثورة تم إلغاء المشروع بشكل مؤقت، حتى قررت الحكومة خلال العام الماضي إنشاء محور روض الفرج.


كانت تلك الخطوة بداية المواجهات المباشرة بين قوات الشرطة وسكان الجزيرة، وتعرضت منازل المواطنين للهدم أثناء تنفيذ المشروع، فاحتجوا وطالبوا بالتعويض العادل لأصحاب المنازل التي هدمت جراء المحور الذي يمر داخل الجزيرة.


في المقابل رفضت الحكومة كل ذلك، وتمسكت بحق الدولة في الجزر النيلية، وردت عليهم بأن جزيرة الوراق ليست ملكًا للأهالي وأنهم حصلوا عليها بوضع اليد وأنهم بصدد إعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون «جزيرة الوراق» هي البداية لتتحول إلى مركز كبير للمال والأعمال.


في أغسطس 2014، ناقش الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مشروع تطوير «جزيرة الوراق» ضمن مخطط تنمية وتطوير الجزر النيلية، مع الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات وقتها، والدكتور علي عبدالرحمن، محافظ الجيزة آنذاك، مع التأكيد على أن المخطط الجديد هو: «تجميع المتناثرات مع الكتلة الرئيسية وتطويرها، وإنشاء امتداد للمنطقة البنائية على مسطح 50 فدانا، وتحويل الجزيرة إلى متنزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل».


إشارة السيسي

وقبل شهر  تقريبا أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الأوضاع في الجزيرة بشكل غير مباشر، خلال مؤتمر «إزالة تعديات الدولة» في يونيو الماضي، وقال: «في جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقا للقانون المفروض مكنش يبقى حد موجود عليها، وبعدين ألاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدانا ومش هذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تظهر جواها والناس تبني وضع يد»، ليأمر المسئولين: «لو سمحتم، الجزر اللي موجودة دي تاخد أولوية في التعامل معها».


بعد هذه الإشارة بأيام أصدر المهندس شريف إسماعيل قرارا باستبعاد 17 جزيرة نيلية، من بينهم «الوراق»، من قائمة المحميات الطبيعية، وبدأت الدولة خطوتها في إزالة الإشغالات والمباني التي قالت إن المواطنين استولوا عليها.


وفي معرض الأزمة برزت عدد من التساؤلات المنطقية حول تلك الجزيرة، حول مدى مشروعية وجود السكان من الأساس على تلك الجزيرة رغم أنها في الأصل محمية طبيعية، والفائدة التي يمكن أن تحققها الدولة من تطويرها.


وكان الرئيس السيسي قد أشار، في خطابه، إلى القرار الصادر سنة 1988 الذي يُنظم أعمال البناء على النيل، ويُجرّم القرار البناء على مسافة أقل من 30 مترا من ضفة النهر، كما صدر قرار آخر من رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، سنة 1998، بإعلان 188 جزيرة نيلية «محميات طبيعية»، ما يمنع أي أعمال بناء على الجزر.


كيف أصبحت عقود الأهالي ذات سند قانوني؟

وبالفعل كانت الجزيرة من «المحميات الطبيعية» التي لا يحق لأحد أن يسكنها، حتى صدور القرار الذي أعطى مشروعية كاملة للأهالي في التواجد على تلك الأرض بعد الأحكام القضائية التي صدرت لصالحهم حيث أصدر رئيس الوزراء شريف إسماعيل قرارا بوقف التعامل مع ١٧ جزيرة منها جزيرة الوراق باعتبارها «محميات طبيعية»، وهو ما جعل أوراق الملكية التي لدى الأهالي «ذات سند قانوني واضح».


وتشير إحصاءات مستقلة، إلى أن الحكومة هي أول المذنبين حين يتعلق اﻷمر بالبناء على ضفاف النيل، ففي حين يبلغ طول ضفة النيل في محافظة الجيزة 99 كيلومترًا، معظمها مسدود باستثناء 27 كيلومترًا، تمتلئ هذه المباني بنوادٍ تابعة لمؤسسات حكومية.


وأعلن المسئولون أيضًا أن الدافع وراء حملة الإزالة هو استعادة أراضي الدولة التي استولى عليها الأهالي.


ووفقًا للتقارير الرسمية فإن المساحة الإجمالية للجزيرة تبلغ ‏1470‏ فدانا‏،‏ منها ‏48‏ فدانا لأملاك الدولة،‏ وباقي أرض الجزيرة تعتبر ملكية خاصة لسكانها الذين يقدرون بـ‏55‏ ألف نسمة يقطنون ‏3‏ آلاف منزل تشغل مع المنشآت الخدمية بالجزيرة نحو‏270‏ فدانا، وباقي أرض الجزيرة مساحات زراعية من أجود أنواع الأراضي المنتجة للبطاطس في مصر‏، أما المنشآت الخدمية علي أرض الجزيرة فهي تضم وحدة محلية تتبع مدينة الوراق‏،‏ ووحدة صحية‏،‏ ومدرستين ابتدائي وإعدادي‏،‏ وجمعيتين زراعيتين‏،‏ ووحدة للمصل واللقاح‏،‏ ومكتب بريد‏،‏ ومحطة لمياه الشرب‏،‏ و‏2000‏ خط تليفون‏،‏ ومركزا للشباب‏،‏ وجمعية لتنمية المجتمع‏،‏ و‏11‏ مسجدا‏،‏ وجمعية خدمات مسيحية‏،‏ فضلا عن خط أتوبيس نهري، وفي مارس عام ‏1988‏ خصص وزير الزراعة لوزارة الصحة ‏23‏ فدانا من أرض الجزيرة لإنشاء مركز استشفاء يتبع معهد ناصر‏،‏ وبالفعل تم نقل ملكية الأرض لوزارة الصحة وسلمت لمعهد ناصر لبدء أعمال الإنشاء‏.


وقال نائب محافظ الجيزة، اللواء علاء الهراس، إن الحملة الأمنية هدفها إزالة أى تعديات على حرم الجزر، وإن المحافظة نسقت مع وزارة الزراعة لإزالة العقارات المخالفة والخالية من المواطنين في الجزيرة، مشيرا إلى أن ولاية الجزر تتبع هيئة التنمية الزراعية، بينما منطقة شاطئ الجزر حتى 30 مترا فى عمق الجزر تابعة لـ«وزارة الرى»، وهو ما يأتي عكس رواية الأهالي الذين أكدوا أن الحملة التي استخدمت فيها «البلدوزرات»، طالت مساكنهم، وبيوتهم التي يمتلكون عقود ملكيتها.