رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«كوابيس» ثورة 30 يونيو تطارد المصريين

أحداث ثورة 30 يونيو
أحداث ثورة 30 يونيو


تحل هذه الأيام الذكرى الرابعة لـ«ثورة 30 يونيو»، التي وضع عليها المصريون آمالهم نحو تحقيق حياة أفضل، وجاءت هذه الآمال بناء على الوعود الكثيرة التي وعدت الدولة بتنفيذها، متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قاده الشعب للتخلص من حكم الإخوان.


ولكن بعد مضي 4 سنوات على الثورة، لم يتحقق شيء، ولم يقتصر الأمر علي ضياع الوعود، ولكن كانت المفاجأة التي لم تكن في الانتظار نهائيا، وهي قضاء ثورة 30 يونيو على مبادئ ثورة يناير، فعلى مدار السنوات الأربعة السابقة، حققت ثورة 30 يونيو للشعب انتكاسات لم تكن في الأذهان؛ فبفضلها تم التنازل عن تيران وصنافير في سابقة تاريخية، حيث تنازلت مصر بكل سهولة عن أراضيها، وفقدت سيادتها عليها، كما أعادت الاعتبار لـ«مبارك» وأركان نظامه الذين خرجوا جميعا من السجون، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، كما نجحت في تكميم الأفواه ومصادرة وغلق الصحف والمواقع، كما قامت عبر نظامها إلى  تخوين وتشويه صورة المعارضين للنظام، ووضع الشباب بالسجون بقوانين غير دستورية.


ومن أبرز انتكاسات ثورة 30 يونيو، القضاء على الحرية السياسية والديمقراطية فجميع الأحزاب والتيارات السياسية تم التضييق عليها، وحرمانها من ممارسة نشاطها، كما نجحت في «شيطنة» ثورة 25 يناير، واعتبار من شارك فيها «خونة»، واتهام جماعة الإخوان باختطافها.


ولعل أبرز سلبيات «ثورة يونيو»: تشكيل برلمان وإعلام تابع للدولة، تخطى نظام مبارك بكثير، فلأول مرة نجد برلمانًا بلا معارضة يوافق على التنازل عن أرض مصر بالأغلبية، كما نجحت هذه الثورة في اختفاء الجنيه أمام الدولار، وتسبب غول الأسعار في هدم بيوت الفقراء.


شيطنة ثورة 25 يناير

على الرغم من احتواء ديباجة دستور 2014، على اعتراف صريح بثورة 25 يناير، وتأكيد الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة أن ثورة 30 يونيو امتداد لثورة 25 يناير، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت أكبر إساءة، وصارع مؤيدو ثورة يونيو بشن حملة مدبرة وشيطنة الذين قاموا بثورة يناير، ووصفهم بالعملاء والخونة لصالح أمريكا والإخوان، وأن الثورة الحقيقية هي 30 يونيو، وإيذاء هذا الهجوم لم تتحرك الدولة، ورفضت اقتراح مشروع قانون يجرم الإساءة لثورة 25 يناير؛ بل قامت بمحاصرة جميع التيارات السياسية والشبابية التي قامت بثورة يناير، فصدر حكم بحظر حركة 6 إبريل، وحركة كفاية، وتم سجن نشطاء الثورة.


التنازل عن تيران وصنافير

الحفاظ على السيادة المصرية ومنع خطة الإخوان من تسليم سيناء لحركة حماس وتنفيذ خطة أوباما بالوطن البديل، كان ذلك هو أحد أهم الأسباب التي قامت عليها ثورة 30 يونيو، ولكن الأيام كشفت كذب هذا الادعاء، وأن ثورة يونيو كانت سببا في تنازل مصر ولأول مرة في تاريخها عن أراضيها للغير بكل سهولة، دون مقابل، حيث أصرت الدولة على خرق الأحكام القضائية والدستور والموافقة عن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية دون الالتفات للآراء المعارضة.


عودة نظام مبارك

لعل أبرز سلبيات ثورة يونيو، هي عودة نظام مبارك بل تكريمه بإعادة رجالته للسلطة مرة أخرى؛ حيث يتولى كثير منهم مناصب قيادية بالدولة والحكومة فمنهم وزراء وبعضهم يتحكم بشكل قوي في الاقتصاد والقرار السياسي للدولة حاليا.


كما خرج رجال نظام مبارك من السجون دون أي إدانة، وتصالحت الدولة مع الفاسدين في عهد حكم مبارك، وأصبحوا يمارسون حياتهم الطبيعية في شكل يمثل استفزازًا حقيقيًا للشعب، وصل الأمر إلى مطالبة البرلمان بتشكيل لجنة للذهاب لمبارك في منزله لحسم قضية تيران وصنافير، كما طالب آخرون بترشح جمال مبارك في الانتخابات الرئاسية المقبل 2018، رغم أنه كان أحد أسباب قيام ثورة يناير؛ للتخلص من توريث الحكم.


تكميم الأفواه

من أبرز النتائج السلبية لـ«ثورة 30 يونيو»، التضييق الكبير في سابقة تحدث لأول مرة على مدار الأنظمة الحاكمة منذ ثورة 52، على الحريات، وتكميم الأفواه، فقد نجح نظام الدولة في تحويل شبه كامل لجميع وسائل الإعلام لمؤيدة للدولة، عن طريق شراء الصحف والقنوات الفضائية، وتم منع كل صوت معارض حيث تم منع العديد من الإعلاميين من الظهور في القنوات الفضائية مثل إبراهيم عيسى، ومن قبله محمود سعد، كما تم حجب 21 موقعًا إخباريًا معارضًا، ولأول مرة تتم مصادرة عدد من الصحف المستقلة لنشرها مقالات أو عناوين ضد الحكومة أو الرئيس.


وشهدت الشهور الماضية تراجعا كبيرا في ملف الحريات، بدليل انتقاد منظمة العمل الدولية الحكومة بسبب التعدي على حقوق العمال وحدوث عدد من الانتهاكات اليومية لهم، كما وصل التضييق في ملف الحريات بمراقبة الداخلية وسائل التواصل الاجتماعي، وخروج قانون يبيح ذلك، كذلك صدور قوانين مشبوهة تواجه المعارضين مثل قانون التظاهر والكيانات الإرهابية.


مواجهة الإرهاب

كان أحد أهم مطالب ثورة يونيو، هو مواجهة الإرهاب الإخواني والداعشي، ولكن على مدار السنوات الماضية فشلت الدولة في ذلك، بل كانت أحد أسباب زيادة الإرهاب في البلاد فتعددت الحوادث الإرهابية ضد المدنيين بالداخل والجيش والشرطة في سيناء، وفقا لتأكيدات الخبراء فإن معركة الدولة في مواجهة الإرهاب قد تأخذ وقتا طويلا في ظل سياسة الدولة في التعامل الأمني مع مشاكل المجتمع وتجنب الحلول السياسية الديمقراطية.


العدالة الانتقالية

لعل أبرز الوعود التي خرجت عقب ثورة 30 يونيو، هي تحقيق العدالة الانتقالية داخل البلاد، ولكن يوما وراء الآخر تحول الوعد لـ«كابوس»، وحلم صعب المنال على المستوى القريب، فقد فشلت الدولة في تحقيق ملف العدالة الانتقالية رغم تخصيص وزارة لهذا الملف، ووجود مادة بالدستور تلزم البرلمان في إصدار قانون العدالة الانتقالية في الدورة البرلمانية الأولى ولكن كالعادة تم تجاهل الدستور وها هي الدورة الثانية تنتهي والقانون لم يقدم أصلا من الحكومة للبرلمان وهو الأمر الذي بموجبه دستوريا، يتم حل البرلمان، كما فشلت الثورة في وضع حل لتفاوت المرتبات والأجور بين طبقات المجتمع.


غلاء المعيشة

منذ الوهلة الأولى لنجاح ثورة يونيو، خرجت وعود تشير إلى أن المستقبل سيكون أفضل، وأن المواطن سيشعر بالتحسن في المعيشة، وبدأ الحديث عن مشروعات كبرى لتحقيق ما قيل، ولكن سرعان ما تحول الأمر لمجرد كلام زائف، حيث اعتمدت الحكومة على القروض، واللجوء للاقتراض من صندوق البنك الدولي، وبالتبعية صدرت قرارات اقتصادية منها تعويم الجنيه الذي دمر المستوى الاقتصادي للشعب المصري، حيث ترتب عليه رفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وكالعادة لجأت الحكومة إلى الحلول السهلة لديها والمتبعة منذ عهد مبارك، وهي رفع أسعار الكهرباء والمواد البترولية وفرض الضرائب.


من جانبه، يرى الدكتور محمد منصور، الخبير السياسي، أن أحد أهم أهداف ثورة 30 يونيو، هو القضاء على المؤامرة الأمريكية الصهيونية الرامية لتقسيم مصر وقد تحقق ذلك بالفعل، منوهًا إلى أنه على الرغم من أن قادة 30 يونيو، وصلوا للحكم عن طريقها، ولكن لم تنجح تلك الثورة فى تهيئة المناخ لحياة ديمقراطية وهذا ينذر بالخطر على المدى القصير والبعيد، كما لم تنجح هذه الثورة فى تحقيق مطلب العدالة الاجتماعية، وكل سياستها الاقتصادية يتحملها محدودو الدخل وتضر بهم ضررا شديدا، بدليل ارتفاع الأسعار ورفع الدعم، مشيرا إلي أن ثورة 30 يونيو بدأت قوية لها غطاء سياسى، ولها ظهير شعبى داعم لها، ولكن بعد أربعة أعوام لم يعد لها أى ظهير شعبى حقيقى، وهذا ينذر بالخطر، حيث تحولت شرعية النظام، من الشرعية الشعبية إلى شرعية القوة، أيضا قضية تيران وصنافير ستساهم فى نزع جزء آخر من شعبية الرئيس والجيش، وإن كان هذا لا يهمهم نظرا لتأكدهم من أنه لن يكون هناك انتخابات رئاسية نزيهة.


في السياق ذاته قال أمين إسكندر، القيادي الناصري، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أتى عبر بوابة 30 يونيو جاء بثلاثة مشاريع هي: استعادة هيبة الدولة والأمن ومواجهة الإرهاب، وهنا أوكد أنه لم يستطع استعادة قيمة الدولة وهيبتها بل حول الإرهاب المحتمل إلى إرهاب حقيقي.

ويضيف السياسي الناصري قائلا: "المشروع الثاني استند إلى بناء تحالفات إقليمية يستطيع من خلالها تحسين الوضع الاقتصادي، إلا أن سلطة السيسي فشلت. وتبين هذا أكثر من أي وقت مضى؛ فالتحالفات انهارت وما سبق أن حصلت عليها مصر من مساعدات اقتصادية لم تذهب إلى مستحقيها بل إلى قوى منتفعة.


واستطرد: "المشروع الثالث هو الحريات والديمقراطية، قال السيسي إنه جاء لمواجهة الإقصاء وإقامة مصالحة وطنية، لكن مضى أربعة أعوام حتى اليوم ولم يقدم على أي خطوة نحو المصالحة بل مارس أسوأ وأوسع عملية إقصاء في تاريخ مصر، ولم يقف الإقصاء على خصومه من جماعة الإخوان المسلمين بل طال حتى الذين تحالفوا معه من القوى السياسية والليبرالية المدنية".


وأشار «إسكندر» إلى أن النظام الحاكم قام بعملية انحراف فى المسار الذى توافق عليه الجميع عقب ثورة 30 يونيو فكانت البداية الخطأ فى صياغة إعلان دستوري غير مقبول، ومنح الرئيس المؤقت عدلي منصور صلاحيات كاملة بدون محددات واضحة من بينها حق إصدار الإعلانات الدستورية، وكذا تعيين وعزل الحكومة، ومحاولة إرضاء أحد الفصائل والذي لم يشارك فى الثورة منذ 25 يناير وحتى الآن، بل وعارض بشكل فج تولى رموز للثورة مقاليد الأمور بشكل كامل؛ مما نتج عنه اختيار رؤساء للحكومات المتعاقبة بشكل لم يكن ليرضى طموحات ما بعد ثورة شعبية عظيمة أطاحت بنظامين ضحى فيها الكثيرون بأرواحهم، فبدلًا من أن تكون حكومة تكنوقراط تهتم باحتياجات المواطن المصري من الاقتصاد والأمن، أصبحت تسعى لإرضاء الكتل الحزبية المختلفة على حساب الكفاءة والقدرة على تحقيق أهداف المرحلة، ومخالفة الموقف الرافض لعودة وجوه تابعة للأنظمة السابقة، فضلًا عن الحديث عن مصالحة وطنية دون العدالة الانتقالية أو وضع قواعد وشروط لهذه المصالحة.