رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ما بعد المنتدى: حسابات المصالح بين مصر والصين في ظل مبادرة الحزام والطريق

السيسي والرئيس الصيني
السيسي والرئيس الصيني

 

"تعتبر مبادرة الحزام والطريق من الإجراءات الهامة في الصين لتنفيذ سياسة الاصلاح والانفتاح في ظل الظروف التاريخية الجديدة وحلما مشتركا يركز على سعى شعوب العالم إلى السلام والتنمية ومشروعا مفعما لحكمة الشرق سعيا الى تحقيق الرخاء والتنمية", هكذا لخص استاذ – لا يحضرني اسمه حاليا- بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين حديثه المرسل عن المبادرة الصينية الطموحة خلال حضوري الملتقى الفكري المصري-الصيني بمشاركة نخبة من الخبراء والاكاديميين الصينيين والإعلاميين المصريين المميزين في مقر الجامعة المذكورة في ختام العام الثقافي المصري-الصيني يوم 27 ديسمبر العام الماضي.

    وخلال السنوات الثلاث الماضية، شهدت عملية بناء الحزام والطريق تطورات ناجحة وحققت سلسة من الانجازات المبدئية. وقد وقعت -بحسب الأرقام الأخيرة- نحو 68 دولة بما في ذلك مصر على اتفاقيات تعاون تحت إطارها فتحت تلك الاتفاقيات آفاقا جديدة لتطوير علاقات الصين مع الدول التي تطل على خطوط الحزام والطريق.

 

التعاون الصيني-المصري

وقد ارتقت تلك الاتفاقيات التي ابرمت بين مصر والصين في ضوء مبادرة الحزام والطريق وأخرها 6 اتفاقيات يوم 15 مايو الجاري على هامش منتدى الاستثمار المصري -الصيني قناة السويس بوابة طريق الحرير، بمستوى التعاون الصيني المصري ونوعيته وضخت حيوية جديدة به، إذ تم التوقيع من بينها على اتفاقيتين في مجال الفضاء كمجال جديد واتفاقيات أخرى بشأن ميناء ونقل الكهرباء وقرض بقيمة 500 مليون دولار.

وبالارقام،، أسهم التعاون بين البلدين في ضوء المبادرة في توسع حجم الاستثمارات الصينىة في مصر إلى 700 مليون دولار-- وهو حجم لا يزال ضئيلا ولا يعبر حقيقة عن عمق العلاقة بين البلدين سياسيا وما إرتقت إليه تلك العلاقة إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة. كما زاد عدد الشركات الصينية في مصر من ٤٠ في عام ٢٠١٤ الى نحو ١٠٠ حاليا وفقا للمستشار التجاري للسفارة الصينية هان بينغ.

لكن في العموم يسير التعاون بين الجانبين في ترقية شبكة الكهرباء الوطنية المصرية بصورة جيدة ويسرع صندوق الحرير خطواته على الاستثمار في المجالات المحددة ويجرى التعاون حول بعض المشاريع الثنائية ومتعددة الأطراف بصورة سليمة في وقت يدفع فيه التعاون في القدرة الانتاجية.

ويتوقع خبراء ومسؤولون في الجانبين أن يزداد التعاون في ضوء تكامل المبادرة الطموحة مع المحورالاقتصادي لقناة السويس في مصر، الذي يعد الجانب الصيني أكبر مستثمر فيه ممثلا في شركة تيدا الصينية التي طورت مساحة 2 كم ازدادت الى نحو7.5 كم عندما أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ المرحلة الثانية من المشروع خلال زيارته في يناير العام الماضي إلى القاهرة.

 

قناة السويس فرس الرهان

ويراهن الجانبان على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لدفع التعاون، إذ تحظى قناة السويس بأهمية لدى الجانب الصيني حيث يمر بها طرق الحرير البحري للقرن الـ21 ، الذراع البحري للمبادرة. وقد قامت مصر خلال زيارة نائب رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عبد القادر درويش للصين مؤخرا لحضور منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي والمشاركة في منتدى قناة السويس بوابة طريق الحرير بالتوقيع على إتفاقية إطارية بشأن ميناء عين السخنة مع الجانب الصيني ممثلا في ميناء تشينغداو وصندوق التنمية الصيني، يمكن أن تعد خطوة على صعيد تعاون مشترك أوسع بين الجانبين في تلك المنطقة.

وهذه الاتفاقية التجارية في حال دخلت التنفيذ ولم تواجه مصير اتفاقيات سابقة عطلت او الغيت ، فانها "ستساعد على استدامة وتأمين سلاسل الإمداد الخاصة بكل من الاقتصادين المصري والصيني وتسهيل نفاذ تجارة دول الجوار الإفريقي والعربي ودول البحر المتوسط الى الأسواق العالمية مما يدعم التبادل التجاري". وقد وصفها درويش بأنها"حجر زاوية لمجالات التعاون وتصب في مصلحة إنجاز المبادرة الصينية".

وتتطلع مصر إلى تطوير 6 موانئ على الأقل استعدادا لاستيعاب الحجم المتوقع للتجارة العالمية في السنوات القادمة وآفاق التجارة بعد تطوير منطقة قناة السويس. وقد عرض الوفد المصري على الجانب الصيني الاستثمار في تطوير 3 موانئ على الأقل حسبما قال مصدر مطلع على المفاوضات لـ(النبأ)). ومن شأن جذب الاستثمارات الصينية إلى المشاريع ذات الأولوية التي تعتزم الحكومة المصرية إقامتها في المنطقة من أنشطة إنتاجية وخدمية ولوجيستية أن يصب بالقطع في خدمة الجانبين والتجارة العالمية. فمصر تعتبر من أهم محاور حركة التجارة العالمية وبقيامها بإنشاء قناة السويس الجديدة أكدت على الدور الاستراتيجي في تمكين حركة التجارة الدولية.

كما تعد الاتفاقيات التجارية الموقعة بين مصر ومحيطها الإقليمي العربي والافريقي وكذا الاتحاد الاوروبي منطقة جذب محورية للمسثمرين العالميين المؤثرين وبينهم المستثمرين الصينيين في مجالات مثل الطاقة والاتصالات والصناعات بكافة أنواعها وأنشطة القيمة المضافة واللوجيسيات وغيرها من المشاريع التي تعاون مصر دفعها.

   وهناك امال كبيرة  معلقة على الاجراءات التي اتخذتها مصر بهدف الإصلاح الاقتصادي مثل تحرير سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء للدولار في تبديد بعض الشواغل لدى المستثمرين. وينظر الصينيون مبدئيا إلى الجهود والإجراءات التي اتخذتها مصر لتحسين مناخ الاستثمار والتشريعات ذات الصلة مؤخرا بشكل إيجابي، لكن العبرة بالتنفيذ اولا واخيرا، حيث أعرب العديد من ممثلي الشركات الصينية أثناء حضورهم منتدى قناة السويس بوابة طريق الحرير عن رغبتهم في تنفيذ تلك الإجراءات سريعا لتحقيق رغبة الجانبين المتبادلة في تدفق الاستثمارات الصينية إلى مصر وتسريع التعاون بين البلدين على سكة الحزام والطريق.

 

تعاون النقل يحتاج الى دفعة

     ويتوقع ان يؤدي دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ مع القضاء على الفساد وغيرها من الشواغل إلى توسع الاستثمارات الصينية ولاسيما ان الاجراءات القديمة كانت دوما محل شكوي من المستثمرين وهناك من يعول من الجانبين بالطبع على عصر جديد في العلاقات والتعاون الثنائي في إطار الحزام والطريق . وقد حمل المنتدى الأخير أنباء جيدة على صعيد مشاريع تعاونية كبرى بين الجانبين المصري والصيني في مجال النقل، مع تصريح مستشار وزير النقل المصري للتعاون الدولي محمود علام عن قرب انتهاء المفاوضات بشأن مشروع القطار المكهرب السلام وترام الاسكندرية أبو قير وتطوير رصيف متعدد الأغراض، وهي مشروعات لو تم إطلاق شرارة تنفيذها بين الجانبين ستحقق المنفعة المشتركة وستبعث بإشارة إيجابية على مضي التعاون بين مصر والصين في الاتجاه الصحيح، وخاصة أن مشروع القطار المكهرب وترام الاسكندرية من ضمن مشروعات تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيس الى الصين عام 2014 وتأجلت كثيرا.

  وتوجد مفاوضات جادة مع الصين ايضا كما قال علام للنبأ بشأن تطوير موانئ وقطارات وسكك حديدية ومجالات متنوعة لتحديث البنية الأساسية فى خطوط السكك الحديدية وتحديث صناعة النقل ومجال اللوجيستيات.

 

خطاب شي حافز جديد

   وعند الحديث عن المستقبل، لا يمكن تجاهل منتدى الحزام والطريق التعاون الدولي  وما حمله خطاب الرئيس شي جين بينغ كحافز جديد يمكن أن يعزز مسعي مصر في إخراج هذه المشروعات الى النور وترجمة أهدافها بصفتها إحدى الدول الهامة الواقعة على خطوط المبادرة.

وأعلن شي عن دعم مالي ضخم لمشاريع المبادرة من بينها تخصيص 100 مليار يوان (نحو 14.5 مليار دولار أمريكي) لدعم صندوق طريق الحرير، وما يساوي 380 مليار يوان على هيئة قروض لمشروعات البنية التحتية والتنمية، علاوة على تخصيص 300 مليار يوان لتنفيذ الأعمال عبر البحار التي يتم تمويلها باليوان الصيني وكذا تم تخصيص 60 مليار يوان كمساعدة لتطوير البلدان النامية والمنظمات الدولية.

   ويوجد اجماع على أن مصر التي شاركت في تأسيس بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية وأعلنت دعمها للمبادرة توجد في وضع مميز للاستفادة لدعم بنيتها التحتية ومشاريعها التنموية التي تهدف الى تحسين معيشة المواطنين ودفع النمو بعد سنوات من الركود الاقتصادي وضعف معدل النمو في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011،  لكن هذا يتوقف بالطبع على عمل صانعي القرار في الجانبين على دفع المشاريع المشتركة وتنسيق السياسات الاقتصادية والبحث عن مشاريع جديدة في ضوء الضوابط الموضوعة.

المبادرة مهمة

   والمبادرة الصينية تحمل فوائد متعددة كما اتفق خبراء ومسؤولون مصريون. فقد أكد رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية والأفريقية محمد الوكيل أنها "ستساعد فى دفع عجلة التنمية بدول الحزام والطريق، وضخ استثمارات أكثر، وإقامة مشروعات جديدة، ما يخلق مزيدا من فرص العمل للشباب".

وتابع في تصريحاته للنبأ إن إحياء طريق الحرير القديم سوف يوسع مساحات الأسواق بالنسبة للمنتجات المحلية للدول المطلة على مسارات الحزام والطريق ما سيؤدي إلى تسهيل النقل والتنقل للأفراد والمنتجات وخاصة فيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة حيث أنه سيساهم في نقل بضائع ذات حجم صغيرومتوسط تكلفتها ستكون أكثر بكثير لوتم نقلهاعن طريق البحر.

   وهناك جهد يبذل حاليا من الجانب المصري مع الجانب الصيني لو انتهى إلى نتيجة فسيكون نقطة مضيئة أخرى في التعاون الصناعي أو القدرة الانتاجية بين الجانبين ويسهم أيضا في علاج قضية الخلل التجاري وهو ما صرح به وزير الصناعة والتجارة طارق قابيل في المنتدى ردا على سؤال لـ((النبأ)). وكشف قابيل أن الجانب المصري يتفاوض مع الجانب الصين في نقل وتعزيز هياكل انتاجية مثل مصانع الغزل والنسيج إلى مصر بهدف الإنتاج وتصدير المنتجات فيما بعد إلى الصين وأسواق أخرى.

وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، يمكن لمصر أن تحقق الاستفادة من مشروع طريق الحرير الرقمي من خلال مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الاتجاه نحو العالمية من خلال التجارة الإلكترونية. فالصين لديها الخبرة الكبيرة في هذا المجال وتعد شركة على بابا من الشركات الرائدة عالميا في التجارة الإلكترونية والتمويل الإلكتروني. وتؤكد تجارب ناجحة في كمبوديا وباكستان على الأبواب ان الانخراط مع الصين والاستفادة منها يمكن الشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية التي تعتزم مصر دفعها من وصول بضائعها إلى الصين والعالم.

   والفائدة هنا ستكون مزدوجة، فبالاضافة إلى زيادة التشغيل وخلق فرص العمل التي تتيحها للمحليين المصريين ووصول منتجات يحتاجها المستهلكون الصينيون، يمكن أن يؤدي ذلك على الجانب الآخر إلى تحقيق بعض الاتزان للميزان التجاري الذي يميل في معظمه إلى الصين. وتستورد مصر من الصين بقرابة 11 مليار دولار وتستورد الصين من مصر قرابة المليار دولار، بحسب متوسط أرقام السنوات القليلة الماضية.

   ويمكن أن يساعد أيضا أكسبو الواردات الصيني لدول طريق الحرير الذي أعلن الرئيس الصيني عن تدشينه ابتداء من العام المقبل في تعزيز وصول الصادرات المصرية والعربية بشكل عام إلى الصين ما يمكن أن يفيد بقدر ما فى علاج الخلل في الميزان التجاري.

 

مصلحة مشتركة

ان الصين تمتلك حاليا وفرة في رأس المال بعد ثلاثة عقود من الإصلاح والانفتاح والنمو السريع. وتزخر مصر بالعديد من الفرص الاستثمارية الواعدة في مختلف القطاعات منها تنمية منطقة قناة السويس والعاصمة الإدراية ومشروع الجلالة ومشروع المثلث الذهبي ومشروع مدينة العلمين، وتحتاج جميعها إلى استثمارات أجنبية جنبا الى جنب مع الاستثمارات المحلية، وبالتالي هناك الفرصة متاحة لتكامل الاقتصاد المصري مع ثاني اكبر اقتصاد في العالم.

وتهدف مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى ربط قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا بشبكة من مشاريع البنية التحتية والتجارة على طول مسارات التجارة القديمة بما يحقق الخير لجميع الدول والشعوب، وقد جاءت فى توقيت مهم فى مواجهة اتجاهات الحمائية والتباطؤ القائمة فى مجال التجارة.

ويعتقد مستشار وزير النقل محمود علام أن التعاون بين مصر والصين فى مشاريع مثل بناء البنية الأساسية والتسهيلات فى الموانئ والمناطق اللوجستية من شأنه أن يفيد الجانبين ويخدم حركة التجارة العالمية بشكل أسرع وبشكل تنافسى وأسعار أقل.

وقال إن "كل المؤشرات تشير إلى أنها (المبادرة) من الممكن أن تنقلنا نقلة عالمية وخاصة الدول النامية التى تستطيع ان تستفيد من الفرص التى تتيحها".

  فمن منغوليا إلى ماليزيا إلى تايلاند إلى باكستان إلى لاوس إلى أوزبكستان، يتم في الوقت الراهن إنشاء الكثير من المشروعات التي تشمل السكك الحديدية فائقة السرعة والجسور والموانئ والمجمعات الصناعية وخطوط أنابيب النفط وشبكات الطاقة. وكنتيجة لذلك، ارتفعت مستويات معيشة الكثيرين على طول طرق المبادرة.

وفي مصر، يتطلع الشعب إلى تحسين مستوى معيشته وحياة أفضل وهو ما يطمح إليه ويسعى من أجله صانع القرار المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ويتفق هذا تماما مع هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ من وراء إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وكلها أسباب في النهاية تؤكد على وجود مصلحة مشتركة وعلى ضرورة الاهتمام المشترك بدفع التعاون بين الجانبين للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات لتحقيق تطلعات الشعبين الصيني والمصري.