رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حرب «شيوخ الأزهر والرؤساء».. مواقف خالدة لـ«أصحاب العمائم البيضاء»

مشايخ الأزهر
مشايخ الأزهر


الاستقبال والحفاوة الكبيرة، وغير المسبوقة التي قوبل بها بابا الفاتيكان أثناء زيارته لمصر، من جميع المصريين، سواء مسلمين أو مسيحيين، جاءت في الوقت الذي يتعرض فيه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لهجوم «شرس»، وغير مسبوق من جانب الكثير من وسائل الإعلام، والذي وصل إلى حد الحط من شأنه، والسعي لعزله من منصبه، واتهامه بالفشل في تجديد الخطاب الديني، وتحميله مسئولية ما تقوم به الجماعات الإرهابية المتطرفة من إرهاب وقتل، ما أثار الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، لاسيما وأن منصب شيخ الأزهر يحظى باحترام كبير في العالم الإسلامي، وينظر له المسلمون في العالم على أنه رمز ديني كبير، لا يقل عن نظرة المسيحيين للبابا «فرانسيس».


كما لم يشفع للدكتور أحمد الطيب، أنه جاء في المرتبة الأُولى مِن حيث الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم من بين 500 شخصية مسلمة لعام 2017، طبقا لتقرير أصدره المركز الإسلامي المَلكي للدراسات الاستراتيجية بالعاصمة الأردنية «عمان».


وأكد التقرير، أن شيخ الأزهر، الذي يرأس أكبر مؤسسة إسلامية «سنية» في العالم، يمتلك السلطة العلمية الأعلى لأغلبية المسلمين السنة في العالم، ويمتد تأثيره العلمي كمفكر رائد في الإسلام السني عبر العالم أجمع.


وذكر التقرير أن الطيب، الذي ينتمي إلى المدرسة الفكرية السنية الوسطية، يترأس أيضًا مجلس حكماء المسلمين الذي أنشئ في عام 2014م بهدف نشر ثقافة السلم والتعايش المشترك في كافة ربوع العالم، ونبذ العنف والإرهاب، ومواجهة ما تتعرض له تعاليم الدين الإسلامي من تشويهٍ وتحريفٍ عبر الاعتماد على الفهم الصحيح لها.


وأشاد التقرير بالجهود التي يبذلها شيخ الأزهر في مواجهة تنظيم «داعش»، والقضاء على تأثيره، حيث نظم العديد من المبادرات والمؤتمرات في هذا الصدد، كما عمل على تحسين العلاقات الخارجية للأزهر الشريف واستعادة دوره العالمي، وقَبِل دعوةً لمقابلة البابا فرانسيس في الفاتيكان في مايو من العام 2016 لأول مرة في تاريخ الأزهر.


وأشار إلى أن خريجي الأزهر يلقون قدرا كبيرا من الاحترام كقادة دينيين داخل المجتمعات المسلمة مما يجعل شيخ الأزهر شخصية مؤثرة ذات نفوذ غير عادي عالميًّا.


كما قال أحد الكتاب: «الهجوم على مولانا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مخطط خطير، وليس له نظير منذ نشأة الأزهر عام 970 ميلادية، وسيلة الهجوم قد تتخذ شكلا مباشرا لشخص مولانا، وبعضها يتم بشكل غير مباشر بالهجوم على مؤسسة الأزهر».


كما أن التاريخ المشرف لمنصب شيخ الأزهر، لم يمنع بعض الإعلاميين من الحط من شأن هذا المنصب، والهجوم على شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب.


فحسب خبراء التاريخ، يرجع تاريخ إنشاء منصب شيخ الأزهر، لعام 1522م، في عهد الحكم العثماني، أي بعد حوالى 550 عامًا من تأسيس الأزهر الشريف، الذي أنشئ عام 972 م على يد الفاطميين، حيث تولى منصب شيخ الأزهر منذ إنشائه وحتى الآن 47 إمامًا وشيخًا، كما يعتبر الشيخ محمود شلتوت، أول من حمل لقب «الإمام الأكبر»، الذي تولى المنصب عام 1958 حتى 1963م.


وسجل التاريخ مواقف خالدة ومشرفة لشيوخ الأزهر على مدار تاريخه، فالشيخ عبد الله الشرقاوي، الذي تولى مشيخة الأزهر في الفترة من 1793م إلى 1812م، قاد الثورة ضد الفرنسيين، حتى أصبح زعيمًا للمقاومة الشعبية ما جعل نابليون يقصف الأزهر بالمدافع، ويدخل ساحته بالخيول.


ورفض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي، الذي تولى المشيخة في الفترة من 1917 إلى 1927، الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919،  كما عارض الملك فؤاد عندما أعلن  نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية.          

                                                                                             

أما الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي تولى المشيخة مرتين؛ الأولى في الفترة من 1928 إلى 1930، والثانية في الفترة من 1935 م إلى 1945 م، فقد رفض فكرة إشراك مصر في الحرب العالمية الثانية، سواء بالتحالف أو التعاون مع الإنجليز أو الألمان للتخلص من الاحتلال البريطاني.


وفي عام 1951م، أجبر الشيخ عبد المجيد سليم البشري، شيخ الأزهر على ترك منصبه، بسبب انتقاده لبذخ الملك فاروق، بعد رحلة شهر العسل التي قام بها مع زوجته ناريمان، وقال الشيخ وقتها مقولته الشهيرة: «تقطير هنا وإسراف هناك».


وفي عام 1954 قدم الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر استقالته، بسبب رفضه إصدار فتوى باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وخوارج، واحتجاجه على إلغاء المحاكم الشرعية.


كما استقال الشيخ محمود شلتوت التي تولى المشيخة عام 1957 من منصبه عام 1963، اعتراضًا على قانون الأزهر الذي همش الأزهر وقلل من صلاحيات شيخه، وحَدّ من إمكانيات إدارة شئونه، وأعطى بعض هذه الصلاحيات لوزير الأوقاف وشئون الأزهر.


أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الذي تولى المشيخة في الفترة من 1982 إلى 1996 في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فقد رفض طلب «مبارك» بإصدار فتوى رسمية بإباحة فوائد البنوك، ولم تصدر أي فتوى من الأزهر تبيح فوائد البنوك طيلة حياته.


يقول ممدوح رمزى المفكر القبطي، إن الحفاوة التي قوبل بها البابا فرانسيس في مصر، تدل على حضارة الدولة، ووضعها الديني، وعلى المكانة الكبيرة التي يتمتع بها البابا فرانسيس في العالم، بصفته رئيس دولة، ورمزًا دينيًا، لأكثر من مليار و300 مليون مسيحي في العالم.


وأضاف «رمزي»، أن زيارة البابا لمصر التي جاءت بعد قطيعة استمرت أكثر من 16 سنة بين الأزهر والفاتيكان، حملت عدة رسائل منها المحبة والسلام ومحاربة الجماعات الأصولية المتطرفة، مشيرا إلى أن البابا له تأثير كبير في العالم الغربي، ويعد زعيمًا روحيًا للكنيسة الكاثوليكية التي يتبعها الكثير من الدول في أوربا، وأن البابا محل تقدير وهو الأب الروحي لملايين المسيحيين الكاثوليك في العالم، الذين ينظرون له على أنه قائد ديني، وله تأثير كبير ومباشر على القرار السياسي للدول الغربية.


من جانبه يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، منصب شيخ الأزهر منصب رفيع جليل، كان في البداية يطلق عليه لقب الأستاذ الأكبر، ثم تطور إلى شيخ الإسلام ثم إلى الإمام الأكبر، ويعنى به إمام العلماء المسلمين، وبالتالي شيخ الأزهر هو رأس أكبر مؤسسة سنية في العالم الإسلامي.


وأضاف «كريمة»، أن الإمام الأكبر حافظ على عدم تكفير أحد من أهل القبلة حتى لو كان مخطئا، كما أنه يستقبل كل المذاهب الإسلامية والمراجع الشيعية، مشيرا إلى أن الهجوم على شيخ الأزهر لا يأتي من كل المصريين، لكن من فئة قليلة عندها عمى بصر وفقدان بصيرة، لأنهم لا يدركون أن هدم مؤسسة الأزهر سيجعل المسلمين بين أمرين أحلاهما مر، إما السلفية الوهابية أساس التكفير والإرهاب في العالم، وإما «الشيعة» المتعصبة.