رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

خالد مهران يكتب من الصين: هل فات مصر قطار الصين العظيم؟

خالد مهران - رئيس
خالد مهران - رئيس تحرير «النبأ»


سافرت أكثر من عشرين بلدًا ما بين زيارات عمل وسياحة وكنت دائما أتساءل متى يحين موعد زيارة الصين؟.


وفور تلقي دعوة كريمة من الحكومة لزيارة هذا البلد العظيم، لم أتردد لحظة في قبول الدعوة وكانت الزيارة ضمن وفد صحفي يمثل العديد من الدول الإفريقية، وكانت اللقاءات تحت عنوان "التعاون المثمر بين الصين والقارة السمراء" من أجل التعرف عن قرب بما يدور في الصين حاليا من تطور وأيضا من أجل مناقشة سبل التعاون المشترك.


ولأن الزيارة تعدت الأسبوعين فبالطبع تكونت لدي انطباعات وحقائق تم رصدها في هذه الزيارة الرائعة، ورغم علمي بالتوجه الصيني منذ سنوات إلى إفريقيا لم أتوقع استمرار الحماس والرغبة في التعاون مع الدول الإفريقية.


نعم الصين أنفقت وتخطط للإنفاق في العديد من المشروعات التنموية في إفريقيا، استثمارات جبارة في شتى القطاعات، الصين تضخ المليارات في مجال البنية التحتية، وأيضا الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والتعدين والطاقة والاتصالات.


وتذكرت وقتها انسحاب أهم شركة صينية من العمل بالعاصمة الإدارية، وقلت أين نصيب مصر من كل هذه الاستثمارات في إفريقيا؟،


لماذا تشيد الصين خطوط سكة حديد بين إثيوبيا وجيبوتي؟، والإجابة هي حتى تخرج المنتجات الصينية من مصانعها في إثيوبيا للتصدير للخارج عبر ميناء جيبوتي.

وخطوط سكة حديد أخرى في كينيا تربط نيروبي بـ"مومباسا" وفي تنزانيا ومالاوي، انظر إلى حجم التعاون والاستثمارات في جنوب إفريقيا والسودان وجنوب السودان.


وبالبحث عن ضعف الاستفادة المصرية من الصين، علمت أن الصين توجهت منذ سنوات إلى الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وطلبت منه أن تكون مصر بوابة دخول الصين إلى إفريقيا ولكنهم اقترحوا تشييد منطقة صناعية كبرى في جنوب مصر على ساحل البحر الأحمر، وسيتولون التجهيز والإنفاق، ولكن للأسف لم يرد مبارك عليهم، فقرروا الذهاب إلى أديس أبابا التي رحبت بالصينيين ووجدت الصين الشريك الذي تبحث عنه وبدأت الدخول إلى باقي الدول الإفريقية.


تصورت أن الصين وصلت إلى القمة، ولكن بعدما رأيت حجم البناء والتعمير أستطيع أن أقول إن التنين الصيني ما زال في الطريق والآن تتحول كل مقاطعة في الصين إلى دولة، نعم كل مقاطعة أصبح لديها بنية تحتية بحجم دول كبرى، حكومة محلية تستطيع الاستثمار حتى خارج الصين، شركات، ومصانع، وبنوك، وجامعات، ومستشفيات، ومراكز أبحاث علمية، إذاعة وتلفزيون وصحف ومواقع، وكل ما تتخيل لبناء دولة عظمى بمعنى الكلمة.


الصين لديها أكثر من خمسين مدينة ذكية ومازالت تبني المزيد! وقد زرت المدينة الذكية الخاصة بمقاطعة آنهوي في شرق الصين والتي تزيد مساحتها عن مائة كيلو متر، وصدمت عندما علمت أنها ليست من أهم عشر مدن ذكية وقلت في نفسي: (إذن كيف تكون أهم مدينة ذكية في الصين؟).

رأيت أحدث الاختراعات من الروبوتات والسيارات التي تعمل بالكهرباء وغيرها من الاختراعات، والحقيقة أنك ستدهش من حجم البناء في كل مقاطعات الصين، آلاف الأبراج السكنية في مراحل أخيرة قبل تسليمها للشعب، البناء الحديث على طريقة "الكومباوندز في مصر"، الكل يسكن في مكان نظيف وآمن، شبكة الربط بين المقاطعات تكاد لاتصدق عن طريق خطوط السكة الحديد التي تعرف بالطلقة والتي أصبحت الصين.


رقم واحد في العالم في العمل بها، يا إلهي، كل هذا التطور والتقدم في ٣٠ عاما فقط، أي معجزة هذه !؟


أنظر إلى بكين التي تقريبا تم بناؤها من جديد قبل استضافة الدورة الأولمبية في ٢٠٠٨، ١٥ خط مترو على أعلى مستوى تربط جميع الأحياء، شبكة أوتوبيسات مجهزة تعمل ليل نهار، كل شيء حقا يتم تنفيذه بحرفية، الانضباط والنظافة والأمان عوامل أساسية، ويتضح جليا التقدم الاقتصادي على الشعب الصيني، إذ إنهم يرتدون أحدث موضة ويحملون أغلى الموبايلات، ويقضون كل احتياجاتهم من خلال الإنترنت عبر البرنامج الشهير ( وي شات) الذي يعد النسخة الصينية من الـ"واتس آب" و"تويتر" و"انستجرام"، ولكنه يتميز بالقدرة على الشراء من خلال حسابك الخاص.


والآن لست في حاجة لحمل نقود أو حتى كروت ائتمانية، ولكن من خلال حسابك الشخصي على "وي تشات" المربوط بحسابك البنكي تستطيع الدفع حتى لو ستدفع يوان واحد!

نعم فالكثير من الصينيين يدفعون يوانًا واحدًا فقط لتأجير دراجة لقضاء مشوار لمدة ساعة، الشركات الصينية توفر آلاف الدراجات في الشوارع الرئيسيّة ومن خلال المحمول تستطيع عمل "سكان على البار كود" الموجود على الدراجة وترسله للشركة فتأتيك رسالة فورية برقم سري تفتح به قفل الدراجة، بعدها تأخذ الدراجة حيث تشاء ثم تتركها وبعدها تصلك رسالة بخصم واحد يوان نظير تأجير الدراجة.


وتشجع الحكومة الصينية المواطنين على امتلاك "موتوسيكل" يعمل بالكهرباء ومنعت تمامًا الدراجات البخارية التي تعمل بالسولار أو البنزين، ولذلك لا تسمع أي ضوضاء ناتجة عن قيادة "الموتوسيكلات" في الصين بل الحكومة تسمح بالقيادة دون أي رخصة نهائيا، يعني أشتري وأشحن البطارية وأركب!!


وأخذت أبحث عن تلك الماركات الصينية التي نراها في شوارع مصر ولكن للأسف وجدت في شوارع الصين أفخم الماركات الألماني وكأن الرفاهية وصلت ذروتها عند الشعب الصيني، ما يدل على الانفتاح الاقتصادي وزيادة القدرة الشرائية لدى الشعب.


وقفزت الأسعار في الصين إلى مستويات قياسية ولم تعد الصين تلك الدولة الرخيصة التي تتسوق فيها كيفما تشاء، تذكرة المترو لا تقل عن عشرة جنيهات، والصدمة أن أرخص سعر متر شقة في بكين العاصمة يصل إلى خمسين ألف يوان يعني أرخص شقة في بكين بخمسة ملايين يوان يعني بالمصري ١٢ مليون جنيه!!

والسؤال هل فات مصر قطار الصين العظيم !؟، أعتقد على مصر أن تعمل بجد مع الجانب الصيني وتستغل تلك الفوائض المالية ولا يصح أبدا أن نعرقل عمل الشركات الصينية في مصر، فمثلا شركة "تيدا" التي تقوم بالبنية التحتية في قناة السويس لم تنجز إلا مساحة ٢ كيلو فقط من ٦ كيلو، والسبب أن الجانب المصري كانت له النسبة الأكبر في تلك الشراكة ولذلك تعطل المشروع للأسف ولكن عندما تم التعديل انطلقت الشركة للعمل والإنجاز.


والآن تسعى الصين من خلال مبادرة "الحزام والطريق" إلى إعادة صياغة التعاون الاقتصادي والاجتماعي بدول العالم عن طريق إحياء طريق الحرير القديم الذي كان جسر تعاون بين الصين ودول العالم، ولأن مصر في قلب العالم ولديها الموقع الاستراتيجي ومازالت بكرا للاستثمارات فعلينا أن نتحرك مع تلك المبادرة واغتنام الفرص المربحة، ولعل المؤتمر العالمي الذي سيعقد في بكين بعد أيام لإطلاق تلك المبادرة فرصة أن توطد مصر العلاقات وتفتح صفحة مع الصين تحت عنوان (نربح سويا)، هذه المبادرة بعيدة عن التدخلات السياسية وتسعى لتوفير حياة أفضل للشعبين.


هل تعلم أن ١٣٠ مليون سائح صيني يسافرون سنويا للخارج، أين نصيب مصر من هؤلاء، الصين لم تعد فقط جملة (صنع في الصين) بل تخرج للعالم الآن عن ضخ المليارات من الاستثمارات وسفر السياح، وأيضا تطلق العديد من المنصات الإعلامية للتواصل مع العالم، وتوضيح الصورة الحقيقية لما يحدث في الصين، ترد بقوة على ادعاءات الغرب، تبث مئات القنوات والإذاعات بعشرات اللغات وتصدر المجلات وتؤسس مواقع إلكترونية، حقا تنفق الكثير لتقول للعالم أجمع نحن هنا، لم تعد الصين تلك الدولة المنغلقة كما كانت منذ

عشر سنوات، نعم مازالت تفرض قيودًا وشروطًا وتتعامل بحذر مع الإعلام الغربي، ولكنها على الأقل تخرج للعالم الآن وتمد يدها للتعاون الثقافي والاجتماعي، بل تقوم بدبلجة المسلسلات الصينية لتصل بفنها إلى العالمية.


والسؤال كيف حقق هذا الوطن الذي يحكمه حزب واحد كل هذا التقدم؟، أين تداول الحكم والتعددية الحزبية؟، أين دور البرلمان؟ أين وأين؟


الإجابة واضحة، الصين اختارت تحقيق التنمية الاقتصادية قبل التطور السياسي عكس كل النظريات، فرضت قيودًا على الشعب ولكن وفرت له حياة كريمة.


ولكن أردت أن أفهم من المواطنين بنفسي وسألتهم عن الدولة والحرية وعن حجب الـ"فيسبوك"، قالوا لي: "نحن نحب الحكومة لأن التنمية تصل من العاصمة إلى أصغر مدينة، نفس مستوى الخدمات والمواصلات والشوارع والمدارس والمستشفيات، حتى أن أهل القرى الذين هاجروا للمدن الكبرى للعمل بدأوا في العودة بعد تحديث القرى والمدن الصغيرة لينعموا بحياة هادئة ومرفهة، قالوا لي: "طالما أَجِد فرص عمل وأرى زيادة في راتبي فلماذا لا أحب الحكومة، طالما المستشفيات والمدارس على مستوى عال فلماذا أكره الحكومة!؟ طالما المواصلات كثيرة وسهلة ومريحة فلماذا لا أدعم الحزب الحاكم، طالما كل مدينة بها مطار وقطار ليس موجود في عواصم دول أخرى فلماذا لا أدعم الحكومة!؟ حكومة ستعلن عام ٢٠٢٠ عن خروج جميع الصينين من تحت خط مستوى الفقر فلماذا لا نحبها!؟


والخلاصة أن الصين لديها حكومة جادة لا تكذب تعمل من أجل شعبها، والمواطنين يعملون ويجتهدون من أجل رفعة بلدهم ولذلك وصلت الصين إلى القمة وهي في حالة سلام اجتماعي وهدوء سياسي، فالحزب يعلم أن الشعب لن يرحمه ولذلك يتفانى في العمل ليل نهار، من أجل صين مزدهرة وقوية وأيضا من أجل شعب سعيد وهذا هو الحلم الصيني، كما قال الرئيس "شي جين بينغ" : "أيها الصينيون مبروك عليكم هذا الوطن المميز وهذا النجاح الباهر".



اقرأ أيضًا: