رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدولة تستعين بـ«عدو الأزهر» لتطوير الخطاب الديني

سعد الدين الهلالي
سعد الدين الهلالي


في الوقت الذي تتهم فيه الدولة الأزهر الشريف، بالفشل في ملف تجديد الخطاب الديني، وعدم القدرة على مواجهة الفكر المتطرف، نجدها على الطرف الآخر، تفتح ذراعيها للدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وتفتح له كل منابرها الإعلامية، وتقيم له المؤتمرات والندوات، التي يهاجم فيها الأزهر وشيوخه.


ليس هذا فحسب بل إن «الهلالي» أصبح أهم الذين تستعين بهم الدولة لمحاربة الفكر الإرهابي والمتطرف، وتجديد الخطاب الديني، من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، ومن خلال الندوات والمؤتمرات.


فتاوى مثيرة للجدل

ومن أشهر الفتاوى المثيرة للجدل التي أطلقها الدكتور سعد الدين الهلالي الفترة الماضية، والتي أثارت حفيظة الأزهر وشيوخه، هي تلك الفتوى الخاصة بعدم جواز خروج الزوج من المنزل، إلا بإذن زوجته من باب «العدل والإنصاف»، وفتواه التي قال فيها إن «البيرة» المصنوعة من الشعير، والخمر المصنوع من التمر، والنبيذ المصنوع من العنب، حلال ما دام لم يسبب السكر أو يذهب بعقل شاربه، وقوله إن شهادة «لا إله إلا الله» تكفي للإسلام دون الشهادة بنبوة محمد، قائلا: «من قال لا إله إلا الله»، يعد من المسلمين، وحتى لو كفر بالنبي محمد وكان يؤمن بالنبي عيسى فقط، بحسب رأي أحد الفقهاء.


كما قال «الهلالي»، إن الله بعث الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومحمد إبراهيم، وزير الداخلية السابق كرسل قائلا: «ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو، خرج السيسي ومحمد إبراهيم، لتحقيق قول الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله»، كما أفتى بعدم وجوب الدفاع عن المسجد الأقصى حتى لا ندخل في حرب دينية مع اليهود، وحلّل أجر العامل الذي يقدم الخمر بالأماكن السياحية والبارات الليلية، وحرم عمل الشيخ في تحفيظ القرآن وتعليم الإسلام إذا تلقى عليه أجر.


وأكد «الهلالي» أيضًا، أن الراقصة «شهيدة» لو قتلت وهي في طريقها إلى الحصول على المأكل؛ لأنها خرجت تطلب الرزق؛ للتفريق بين حالتي قتلها، وهي في طريقها للرقص، وقتلها وهي خارجة لشراء حوائجها اليومية.


كما قال إن قليلًا من الخمر أو «البيرة» حلال ما لم تسكر، كما أنكر الحجاب، وقال إنه ليس فرضا، وأن الله لم يحسم قضية الحجاب.


وأخيرا فجر «الهلالي» مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد، أن القرآن الكريم قطعي الثبوت، لكن ليس في المطلق، مشيرا إلى أن القرآن الكريم نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه وصل للمسلمين عن طريق «المرويات»، وبالتالي الدليل القرآني نسبي، وليس مطلقًا.


وأضاف «الهلالي»، أن القرآن الكريم دين هداية، ولا يصلح أن يكون قانونًا، وأن ما يتفق عليه الناس هو شريعتهم، وأن الإجماع والمعلوم من الدين بالضرورة وقطعي الثبوت هدفها تغييب العقل.


وأكد «الهلالي»، أن القوانين هي شريعة الشرائع أو شريعة الشعب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حاكما بل كان رسولا، وأن الدين علاقة بين العبد وربه، وأن الحاكمية فردية وليست عامة، وأن تحويل الفتوى لقانون مصيبة، مشيرا إلى أن هناك فرقًا بين المحرمات والممنوعات، ضاربا المثل بقول الله تعالى: «حرمت عليكم أمهاتكم»، وقال: «القرآن بالنسبة لنا نص وصاحبه غائب، ولكن لنا الحرية في التفسير».


كما انتقد «الهلالي» وجود رجال الأزهر في المناسبات الوطنية، قائلا: «المفروض أن المناسبات الوطنية يحضرها نخب الشعب وليس النخب الدينية».


الأزهر يرد

ورد الأزهر الشريف على كثير من الفتاوى التي أطلقها «الهلالي»، ففي مارس 2013 اجتمع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالدكتور سعد الدين الهلالي، في مشيخة الأزهر، ودار الحديث عن مقام الفتوى وأهميتها في حياة المسلم.


وأكد «الطيب»، أن علماء الأمة وضعوا لها ضوابط وقواعد وآدابًا، وأوجبوا على المفتين مراعاتها عند القيام بالنظر في النوازل والمستجدات، رعاية لمقام الفتوى العالي من الشريعة، وإحاطة له بسياج الحماية من عبث الجهلة والأدعياء، وهناك فرق بين فقه التيسير -في الشريعة- المبني على اليُسْر ورفع الحرج، والمنضبط بضوابط المعقول والمنقول، وبين منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير واتباع الرخص، وشواذ الآراء.


وفي مايو 2013، نشرت مجلة «الأزهر»، تقريرًا عن كتاب «الإسلام وإنسانية الدولة»، للدكتور سعد الدين هلالي، أعده الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق.


وجاء التقرير تحت عنوان «كتاب فيه عدوان على الشريعة الإسلامية»، تم تلخيصه في عدة نقاط منها، احتواء الكتاب على مخالفات للجانب العقدي، وفيه تعد على الشريعة الإسلامية، واضطراب في الأفكار، وطعن صريح في ديانة الأمة جميعا، واتهام للعلماء بأنهم شاركوا في تضليل الأمة واستعبادهم للناس، والقول بعلمانية الدولة، ونفى وجود المرجعية الإسلامية، ونفى أن يكون للدولة وظيفة دينية، وقطع الصلة بين الفقه والشريعة.


وفي ديسمبر 2014 شن أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، هجوما عنيفا على فتوى الدكتور سعد الدين الهلالي، التي أكد فيها أن «المسلم ليس من نطق الشهادتين، وإنما من سالم».


حيث أكد البيان على أن «هذا الزعم يُنبِئ عن فكر منحرفٍ فيه مخالفة جريئة للنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنَّة، ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل دلالة صريحة على أنَّ الشهادتين، وهما (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله)، هما ركنُ الإسلام الأوّل، الذي هو رسالة رسول الله (محمد)، وبدون الإقرار بهاتين الشهادتين معًا لا يكون الإنسان مسلمًا مؤمنًا بالنبي محمدٍ ورسالته».


وفي أكتوبر 2016 أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بيانا شديد اللهجة، ردا على إنكار الدكتور سعد الدين هلالي، فرضية الحجاب، حيث وصف المجمع صاحب الفتوى – في إشارة للدكتور سعد الدين الهلالي - بأنه "عالِمٍ يلتوي بعِلْمِه ويجتزئ بعض الآراء الفقهية والفتاوى المُضَلِّلَة التي تُسقِطُ الواجبات الشرعية، كإنكار الأَمْرِ بالحِجَاب الذي أجمعت عليه الأمة قديمًا وحديثًا، أو تحلُّ الحرامَ كالمسكرات".


متناقض

من جانبه يقول الدكتور محمد أبو ليلة، أستاذ ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، إن هذا الرجل متناقض، ويقف في صف الاستشراق، وأعداء الإسلام، الذي يقول بـ«بشرية القرآن».


وطالب «أبو ليلة»، الهلالي بالتوبة إلى الله، والتوقف عن هذه الافتراءات، قائلًا: «إن الله يمد لبعض الناس في الغي مدًا لأنهم أرادوا الحياة ونسوا الله فأنساهم أنفسهم»، داعيًا الله أن يكف هذا الرجل عن الكلام.


وقال العالم الأزهري: «أقول للعوام ومتوسطي الثقافة وللعلمانيين، هل الإسلام صغير إلى هذا الحد أن تأخذوه من رجل واحد، نحن نأخذ الإسلام من القرآن، ونأخذ الأدلة من السنة ومن أقوال الصحابة ومن أقوال الأمة، فالصلاة أتت إلينا عن طريق الإجماع»، وعن فتح وسائل الإعلام له قال: «نحن في عصر تداعي الأمم على الإسلام».


وعن قول الدكتور سعد الدين الهلالي «بأن ما يتفق عليه الناس فهو شريعتهم»،  قال أبو ليلة، إن ما يتفق عليه الناس هو ليس شريعة، متسائلا: «هل لو اتفق الناس على الشيوعية كما كان أيام ستالين الذي قتل أكثر من 6 ملايين مسيحي أرثوذوكسي في روسيا هو شريعتهم، وهل لو اتفق الناس على أن الخمر حلال يسير هذا الاتفاق شريعة، وهل لو اتفق الناس على أن كل المعاصي التي يعتبرها الناس معاصي مثل الزنا مباحة، فهل يكون اتفاقهم شريعة، فهل يكون اتفاق الناس على الحرام شريعة، هل يكون اتفاق الناس على الأولى شريعة؟ وإذا كان الهلالي نفسه أنكر الإجماع فكيف يتفق الناس؟.


وعن القول بأن الله أنزل الدين لتنظيم العلاقة بين العبد وربه، وليس بين الناس بعضهم ببعض، قال «أبو ليلة»: «هذا إفك مبين، ليس هناك تعارض بين الاثنين، فمثلا الصلاة والصيام علاقة مباشرة بين العبد وربه، وهذه الصلاة لابد وأن تنعكس على المجتمع، وعلى علاقته بالناس».