رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لماذا لم ولن يكفِّر الأزهرُ "داعش"؟

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر


مع كل عمل إرهابي يقوم به تنظيم داعش يتصاعد الجدل في مصر؛ لماذا يصر الأزهر على موقفه بعدم تكفير هذا التنظيم وقد استباح دماء الآلاف من المسلمين قبل غيرهم؟ ألن يساعد تكفير الأزهر لهذا التنظيم الإرهابي في منع تدفق المقاتلين إليه من كافة أنحاء العالم؟ ألا يقوّي هذا الرفض من شوكة أفراد التنظيم لعلمهم أن أكبر مؤسسة إسلامية في العالم ترفض وتؤكد على عدم جواز تكفيرهم حتى مع عدائهم لهذه المؤسسة وتكفيرهم لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ووصفه بـ"المرتد" ووضعه ضمن قائمة للاغتيالات في إصدار التنظيم "عملاء لا علماء"[1] مطلع العام الجاري؟

ألا تحتوي مناهج الأزهر أساساً على ما يشجع هذا التنظيم على إرهابه بينما ينفي الأزهر ذلك؟ فلماذا إذاً لا يكفرهم لينفي عن نفسه هذه التهم وخاصة بعد الضغوط الأخيرة عليه عقب التفجيرات الإرهابية التي استهدفت كنيسة مارجرجس والكنيسة المرقسية بمدينتي طنطا والإسكندرية شمالي مصر؟

ولمناقشة هذه القضية تجب الإشارة إلى عدة نقاط وتساؤلات محورية:

- يطالب البعض الأزهر بتجديد الخطاب الديني، وفي نفس الوقت بتكفير تنظيم داعش، لا أعلم إن كانت رؤيتهم للتكفير تجديداً من وجهة نظرهم، تتصاعد تلك الأصوات مع كل عمل إرهابي في مصر، وخاصة تلك التفجيرات الانتحارية الأخيرة ضد الكنائس، وبنظرة على منفّذي تلك الهجمات الانتحارية نجد أنهم:

1- الانتحاري "محمود شفيق" مفجّر الكنيسة البطرسية بالقاهرة، طالب بكلية العلوم جامعة الفيوم.

2- الانتحاري "أبو إسحاق المصري" مفجّر كنيسة مارجرجس بطنطا، خريج كلية التجارة.

3- الانتحاري "أبو البراء المصري" مفجّر الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، حاصل على دبلوم ثانوي صناعي.

دعونا نتخيل معاً رد فعل الإعلام المصري إذا ما كان قد تصادف أن أحد الانتحاريين كان خريجاً من الأزهر أو تلقى تعليماً أزهرياً، الواقع يقول إن هناك ملايين من خريجي المعاهد والكليات الأزهرية الذين تلقوا تعليماً دينياً بنسب متفاوتة تبعاً لتخصصاتهم، إذا ما افترضنا أن التعليم و"الخطاب الديني" الذي يقدمه الأزهر لهؤلاء يجعل منهم إرهابيين فكم العدد المتوقع منهم لنجده من مفجّري الكنائس وذابحي الرهائن؟

فإذا كانت مناهج الأزهر لا تخرج إرهابيين ممن يتلقونها طوال حياتهم الدراسية فعلينا أن نبحث جدياً هل المشكلة في خطاب الأزهر ومنهجه أم في عدم وصوله لعموم الناس والمتطرفين؟

هل علينا أن نعدل أو حتى نلغي تلك المناهج الأزهرية والتعليم الأزهري برمته أم أن نبحث عن آليات لإيصال هذا الفكر والمنهج للناس أجمعين؟

إذا كان من تلقوا التعليم الأزهري لم يتطرفوا فكيف لنا أن نلوم الأزهر ونحمله مسؤولية تطرف غيرهم؟! ثم نتهم الأزهر بأنه منبع الفكر الداعشي وأن رفضه تكفيرهم إنما هو لتوافق الفكر والمنهج الأزهري مع ما يتبعه التنظيم الإرهابي.

- "داعش لا أستطيع أن أكفره، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض، فداعش يؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن"، كانت هذه الكلمات جزءاً من خطاب شيخ الأزهر بجامعة القاهرة في ديسمبر/كانون الأول 2015، وفيه فصل الخطاب لموقف الأزهر من التنظيم، إذا دخلنا في دوامة التكفير والتكفير المضاد فما الفرق بيني وبينهم؟

- إن تكفير الأزهر لداعش يجعل منه سلطة دينية تمتلك صكوك الغفران ومفاتيح الإيمان والكفر، وكان أجدى بمهاجمي الأزهر في هذا الصدد أن يدافعوا هم عن موقف الأزهر، بل أن يقفوا ضده إن أراد أن يمارس مثل تلك السلطة الكهنوتية.

- وفقاً للقانون فأعضاء التنظيم المتورطين في جرائم القتل يستحقون العقاب، وفقاً للأزهر فقد تطرفوا في فهم الدين وتفسيره، ولكن هل يحميهم كونهم مسلمين من العقاب إن هم أجرموا؟ "من قتل يقتل" هذا في الدين، والقتل العمد عقوبته الإعدام هذا في القانون، فما الجدوى من أن أقول إنه كافر قبل أن أعاقبه؟

- هل وقف الأزهر ضد تكفير داعش في حين كفر غيرها؟ الإجابة لا، ولو استجاب الأزهر لكل المطالبات بالتكفير فلن يبقى على الأرض مسلم، رفض الأزهر الدعوات المسيسة لتكفير الشيعة، ورفض أن يكفر أشد مهاجمي الإسلام في الداخل والخارج رغم سبهم وإساءتهم للدين الإسلامي بشكل واضح، فلماذا نكفر داعش الآن؟ وسطية الأزهر جعلته قبلة لكل المسلمين، قد يختلفون معه ولكنهم يعلمون أن موقفه ثابت ونابع من فكر ومنهج غير مسيّس، هذا ما يعطي الأزهر مكانته العالمية التي نعلمها ويشهد بها القاصي والداني.

- ماذا لو انهارت داعش كتنظيم؟ هل تكون المعركة قد انتهت؟ للأسف لا، سنشهد انتشاراً أوسع لما يعرف بـ"الذئاب المنفردة"، أفراداً يحملون رغبة في القتل بدون قيادة ولا تنظيم وهم أخطر كثيراً مما نظن، ولا تستطيع دولة أن تقتل كل أعضاء تنظيم ما، فعلينا أن نترك باباً مفتوحاً للعودة، علينا محاولة الاستيعاب لمن لم يتورط في الدماء، لمن تشوش فكره ويريد العودة، لا يمكن أن نقول له أنت كافر لا عودة لك فيفجر نفسه فينا يأساً وانتقاماً.

- عززوا من قدرات الجهاز الأمني، أفسحوا المجال لرجال الأزهر لدحض الخطاب التكفيري، ووفروا لهم الآليات المناسبة، اعملوا على توفير حد أدنى من المعيشة الكريمة للمواطنين، دعّموا قيم الاختلاف والحوار السلمي وحرية الرأي، فذلك بلا شك أجدى من أن نقول هذا مؤمن وهذا كافر، وأن نطلب من الأزهر أن يغير من مواقفه التاريخية التي كانت وما زالت أحد أهم عناصر وسطيته ومنهجه المعتدل لأكثر من ألف عام.

نقلا عن "هافيجتون بوست"