رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سامية جمال.. عاشت طفولة تعيسة وماتت بسبب حبها للفن

سامية جمال
سامية جمال


تعد علامة فارقة في تاريخ الرقص الشرقي، ورمزًا للأنوثة الطاغية وأيقونة للجمال، تميزت بخفة حركاتها الاستعراضية على المسرح للدرجة التي جعلتها تحمل لقب "راقصة مصر الرسمية"، كما كان يُلقبها الملك فاروق.


نجحت في أن تجعل الرقص مدرسة، يتعلمها جيل تلو الآخر، فلم تكن مجرد راقصة استعراضية بالمفهوم الدقيق، لكنها استطاعت بخصرها أن تخطف أنظار المشاهدين حتى اللحظة الأخيرة في رقصتها، هي الفنانة سامية جمال، والتي يحتفل محرك البحث "جوجل"، اليوم الأحد، بذكرى ميلادها الـ93.




سمارها الهادئ، ووجهها الذي يشع بهجة ومرح، ورشاقة جسدها، التي حافظت عليها حتى آخر أيام حياتها، كانوا سببًا في أن تتربع "الفراشة" على قائمة الرقص الشرقي الأصيل.


سامية جمال، من مواليد 5 مارس عام 1924، بمحافظة بني سويف، اسمها بالكامل زينب إبراهيم خليل محفوظ.


لم تعش "سامية" طفولة سعيدة على الإطلاق؛ وذلك لأنها عاشت مع والدها ووالدتها وزوجة والدها الثانية وعدد من الأخوة الأشقاء وغير الأشقاء، وبعد وفاة والدتها، انتقلت الأسرة للسكن في حي شعبي، حتى توفي الأب، وبدأت زوجته تعاملها معاملة قاسية غير آدمية.


كانت "سامية" تُعامل كأنها "خادمة" لدى زوجة أبيها، لا تفعل شيئًا سوى أمور المنزل، ولأنها لم تتحمل هذا الوضع، هربت إلى شقيقتها، والتي لم يختلف الحال عندها عما كان عليه، لتهرب مرة ثانية.




في هذه المرة، قررت "سامية" أن تعمل وتتحمل مسئولية نفسها؛ فعملت بالخياطة والتمريض والطبع على القماش، حتى ساقتها الصدفة إلى عالم الفن والتمثيل، وتمنت أن تكون "راقصة" في فرقة "بديعة مصابني"، وهو ما نجحت في تحقيقه.


بدأت "جمال" تُشارك في تابلوهات الرقص الجماعية، حتى لفتت الأنظار إليها، فاتجهت إلى السينما، وشكلت مع الراحل فريد الأطرش ثنائيًا رائعًا في العديد من الأفلام، وقدمت على أنغام أغانيه الكثير من الرقصات الشهيرة.



كان لـ"سامية" أسلوبًا خاصًا ومختلفًا في الرقص، حيث نجحت في أن تجمع بين الرقص الشرقي والغربي معًا، كما كانت تُقدم حركات الرقص القديمة بشكل أكثر حداثة، وهو ما كان يجعل المشاهد في حالة انبهار مستمر أمامها.


فشلت "سامية" في أن ترقص بالكعب العالي، وهو ما جعل اللبنانية "بديعة مصابني" تعيدها إلى الصفوف الأخيرة في فرقتها، على الرغم من أنها كانت تتقدم الفرقة دائمًا، وعندما طلبت منها أن تمنحها فرصة ثانية، قدمت رقصتها حافية القدمين، فحققت نجاحًا بارعًا، فكان ذلك سببًا في تسميتها "الراقصة الحافية".




وعن حياتها الخاصة، وقعت سامية جمال في حب فريد الأطرش، وتزوجا عرفيًا، لكنهما سرعان ما انفصلا؛ بسبب رفض "فريد" إعلان الزواج رسميًا، ما سبب لها ألمًا شديدًا.




تزوجت "راقصة مصر الرسمية" مرة ثانية من متعهد حفلات أمريكي، يُدعى "شبرد كينج"، لكنه أشهر إسلامه من أجلها وأصبح اسمه "عبدالله"، ولكن لم يستمر الزواج طويلًا أيضًا.


وكانت الزيجة الثالثة لـ"سامية" من نصيب "الدنجوان" رشدي أباظة، وأنجبت منه ابنتها "قسمت"، وعلى الرغم من حبها الشديد له، إلا أنها لم تنجح في التعايش مع طبعه الصعب؛ بسبب كثرة علاقاته النسائية وإدمانه للخمور، وما زاد الأمر سوءًا هو معرفتها بخبر زواجه من "صباح"، حتى وصلا إلى طريق مسدود، فكان الانفصال هو نهاية المطاف.


ولم تتزوج "الفراشة" بعد ذلك، بل قررت أن تمنح كل اهتمامها ومشاعرها لابنتها وأشقائها وعملها، الذي كانت تعشقه حتى اللحظات الأخيرة في عمرها.






في أول السبعينيات، قررت "عفريتة هانم" اعتزال الأضواء والابتعاد عن الرقص، لكنها مرت بأزمة مالية خانقة، اضطرتها للعودة إلى العمل، وهي في سن الخمسين من عمرها، لكنها عادت للاعتزال سريعًا، بعدما استطاعت أن تُسدد ديونها وتدفع مصاريف المدرسة لشقيقتها الصغرى.



سافرت سامية جمال إلى الأراضي المُقدسة؛ لأداء فريضة الحج، وارتدت الحجاب، كما اشترت مدفنًا خاصًا لها، وأوصت أن تخرج عند موتها من سلم الخدم في هدوء وصمت تام.





كانت سامية جمال لا تحب تناول الطعام، فكانت وجبتها خفيفة دائمًا؛ حفاظًا على رشاقة جسدها، حتى أنها كانت تكتفي بكوب "زبادي" فقط في العشاء، الأمر الذي أصابها بـ"أنيميا" شديدة، أدت إلى دخولها المستشفى قبل 4 أشهر من وفاتها.


عانت "جمال" من هبوط حاد في نسبة "الهيموجلوبين" في الدم، وتم نقل كمية كبيرة من الدم إليها، ونصحها الأطباء كثيرًا بالاهتمام بصحتها والتغذية الجيدة، لكنها لم تستطع أن تبقى طويلًا في المستشفى، وطلبت من أحد أصدقائها نقلها إلى منزلها.


وفور عودتها إلى منزلها بالزمالك، تدهورت الحالة الصحية لها، وشعرت بآلام شديدة في المعدة؛ بسبب إصابتها بجلطة في الوريد المغذي للأمعاء، وبدأت "الفراشة" تغيب عن الوعي، حتى توقفت عن الطيران تمامًا، وتوفيت في ديسمبر غام 1994.