رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أزمة الاقتصاد بين تقارير السيسي المتفائلة والأرقام المتشائمة

السيسي - أرشيفية
السيسي - أرشيفية


أثار التقرير الذي أصدرته شركة الاستشارات «برايس ووترهاوس كوبرز»، والتي توقعت فيه أن تحتل مصر رقم 19 عالميا، بناتج محلي 2.049 تريليون دولار، متقدمة على دول مثل باكستان، وماليزيا، وأستراليا، وجنوب إفريقيا، حالة شديدة من الجدل لاسيما مع تزايد الأزمات الاقتصادية التي تضرب الدولة.

كما توقع التقرير، أن يحل الاقتصاد المصرى فى المرتبة الـ 15 عالميا عام 2050 بحجم ناتج محلي إجمالي عند 4.333 تريليون دولار، مشيرًا إلى أن اقتصادات البلدان النامية ستصعد خلال السنوات القادمة، لتهيمن على الاقتصاد العالمي بحلول العام 2050.



هذا التقرير استند إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما قال «التقارير الدولية ذات المصداقية تشير إلى أن الاقتصاد المصري يسير فى المسار الصحيح، وأن برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الجاري تنفيذه يحقق النتائج المرجوة منه، وذلك بفضل شجاعة وتفهم الشعب المصرى لقرارات الإصلاح وتحمله لصعابها، وأيضا مناخ الاستقرار والأمن الذي يترسخ فى ربوع مصر يومًا بعد يوم والذي لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادى بدونه".


وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تفاؤله بالاقتصاد المصري، وتأكيده على أنه يسير في الاتجاه الصحيح.


ففي أكتوبر 2014، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاقتصاد المصري يتعافى مشيرا إلى أن الفترة القادمة ستشهد إصدار حزمة تشريعات ستجعل مصر من أكثر دول العالم جذبا للاستثمار في شتى المجالات التجارية والصناعية والزراعية.


وقال في حوار لصحيفة «عكاظ» السعودية إن «الاقتصاد المصري بخير ويتعافى».


كما أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير إيجابية عن الاقتصاد المصري، فخلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي صدرت كثير من التقارير سواء كانت إيجابية أو سلبية عن الاقتصاد المصري.


التقارير المتفائلة

ففي مارس 2016 قال تقرير صادر عن شركة «بى إم أى» العالمية للأبحاث، إن عام 2016 سيكون عاما إيجابيا، بشكل نسبى، للاقتصاد المصرى مع وجود توقعات باتجاه العملة نحو الاستقرار وعودة حركة الاستثمار للبلاد، متوقعا أن يكون الاقتصاد المصرى واحدا من الاقتصادات المتفوقة فى المنطقة خلال العقد المقبل.


وفي مايو 2016 كشف تقرير لصندوق النقد الدولي تجاوز الاقتصاد المصرى نظيره الجنوب الإفريقى، ليصبح ثاني أكبر اقتصاد فى القارة الإفريقية بعد نيجيريا.  


وفي نهاية 2016 صدر تقرير من صندوق النقد الدولي أكد أن الوضع الاقتصادي المصري في تحسن مستمر وأن برنامج الإصلاح الاقتصادي يسير على ما يرام وفقًا لخطط وبرامج حكومية معدة سلفًا بتوقيتات زمنية محددة، وكشف التقرير أن مصر تتحرك صوب اتجاه اقتصادي جديد يتلاءم مع دورها الهام في العالم العربي ومع تطلعات جيل جديد، مضيفًا أن استعادة استقرار الاقتصاد الكلي سيسمح لمصر بتجاوز الاضطراب الاقتصادي في فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011.


التقارير المتشائمة

في شهر مايو 2016 نشرت مؤسسة مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، ومقرها نيويورك، دراسة عن الوضع الاقتصادى الحالى فى مصر، توصلت فيه إلى أن مصر تقترب بشكل خطير من أن تصبح دولة متعسرة، مشيرة إلى أنه على الرغم من استمرار المساعدات الخليجية فإن الجمع بين الاحتياجات الاقتصادية للبلاد والسياسات الاقتصادية المتضاربة والمستمرة والتحديات السياسية للإصلاح الاقتصادى، واحتمال الصدمات الاقتصادية الخارجية، كل هذا يجعل من مصر دولة غير قادرة على الوفاء بأي التزامات خلال مدى متوسط أو طويل.


ودعت الدراسة، الولايات المتحدة وحلفائها فى الخليج وأوروبا وآسيا، للاستعداد لنتيجة ما أسماه بـ«الكارثة»، خاصة أن المساعدات الخارجية دون استعداد مصر لاتخاذ إصلاحات ضرورية وترشيد الإنفاق الحكومي والعسكري، لن تحل المشكلة.


وفي شهر يونيو 2016، أصدر مركز «رفيق الحريري» للدراسات بواشنطن، تقريرا أكد فيه أن الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة أسوأ كثيرا مما كان عليه فى السنوات التالية على ثورة يناير 2011.

وقال التقرير إن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم فى يونيو 2014 صاحبه تعهد بإنعاش الاقتصاد، ووضعه على طريق تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستمرة، وخفض نسبة البطالة، لكن بعد مرور أكثر من عامين من انتخابه، فإن  التحديات الاقتصادية الرئيسية لمصر مازالت قائمة ولم تتم مواجهتها.


وفي أغسطس 2016 نشرت مجلة «إيكونوميست» تقريرا تحت عنوان «خراب مصر»  نصحت فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم الترشح في انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها عام 2018 بزعم إخفاقه في إدارة شئون البلاد لا سيما الجانب الاقتصادي.


وزعمت المجلة في تقريرها أن السيسي «أثبت أنه أشد قمعا من حسني مبارك الذي أُطيح به في الربيع العربي.. ويفتقر للكفاءة مثل محمد مرسي الرئيس الإسلامي المنتخب الذي عزله السيسي».


كما وصفت المجلة نظام السيسي بـ«المفلس»، ووصفته بأنه «يعيش فقط على المنح النقدية السخية من دول الخليج.. وبدرجة أقل على المعونات العسكرية من أميركا".


والسؤال الذي يطرح نفسه بعيدا عن الوضع الاقتصادي الحالي هو: إلى أي وجهة يسير الاقتصاد المصري في ظل الواقع الحالي؟ هل يسير مع المؤشرات المتشائمة أم مع المؤشرات المتفائلة، وهل مصر بالفعل تسير في الاتجاه الصحيح كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي؟


ويقول الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن كل المؤشرات تقول إن الاقتصاد المصري لا يسير في الاتجاه الصحيح، وقبل الحديث عن 2030 و2050 لابد من معرفة كيف ستصل مصر إلى 2020 في ظل الارتفاع المتزايد في الديون، وهروب الاستثمارات من مصر، والاحتياطي الحالى أغلبه ديون وودائع، وهناك التزامات مالية خارجية على مصر الفترة القادمة.


وطالب «النحاس» بإعداد تقرير يوضح كيف سيعيش المصريون العامين القادمين، في ظل الظروف الحالية، مشيرًا إلى أن ارتفاع الناتج المحلي لا يعني تحسن الوضع الاقتصادي للمواطنين، في ظل التضخم وزيادة عدد السكان وتراكم الديون، وكل هذه العوامل تبتلع أي زيادة في الناتج المحلي، بل إن نصيب الفرد من الناتج المحلي ربما ينخفض، وبالتالي إنقاذ الاقتصاد المصري لن يكون إلا من خلال تشغيل عجلة الإنتاج المتوقفة الآن وتدفق الاستثمارات الخارجية، مؤكدا أن كل المؤشرات تؤكد أن اقتصاديات الدول النامية في تراجع، وأن هناك بعض الدول سوف تختفي من الخريطة الاقتصادية الفترة المقبلة.


وتساءل الخبير الاقتصادي، إذا كانت هذه التقارير سليمة، لماذا تلجأ مصر للاقتراض، ولماذا تفشل في جذب استثمارات، ولماذا تهرب الاستثمارات من مصر، ولماذا يذهب المصريون للاستثمار في الإمارات، مشيرا إلى أن هذه التقارير نوع من الخداع لتحقيق أهداف معينة، لافتا إلى أن الحكومة تشيد بالتقارير التي تمجد في إنجازاتها، أما التقارير التي تكشف حقيقة الوضع، فتعتبرها الدولة نوعًا من التآمر على مصر.


وأكد الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، أنه لا يتفق مع تقرير مؤسسة «برايس ووتر هاوس كويرز»، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي مؤشر على أن ذلك سوف يتحقق في ظل الوضع الحالي، وعدم وجود أي خطط مستقبلية للاقتصاد المصري، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على مثل هذه التقارير، وليس لها أي قيمة.


وأضاف «الدسوقي»، أن الاقتصاد المصري حاليا يعاني من مشاكل رهيبة، فشلت الحكومة في حلها، وبالتالي عندما يتم حل المشاكل الحالية، يمكن التفكير في شكل المستقبل، مؤكدا أنه لا يعرف ما الأسس التي بنت عليها هذه المؤسسة توقعاتها، في ظل عدم وجود إنتاج في مصر.