رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مؤامرة الأرقام والتقارير «الخادعة» على السيسى

عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي - أرشيفية


يواجه النظام الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أزمة اقتصادية «طاحنة»، تطرح كثيرًا من الأسئلة، خاصة في ظل التضارب في التقارير التي يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر عن هذا الوضع، لاسيما في ظل الانفصال بين تصريحات الحكومة «الوردية»، وبين الوضع المُذري الذي يعيشه المواطن على أرض الواقع.

وبعيدًا عن التقارير الحكومية والإعلامية غير الدقيقة التي تحاول تجميل الصورة وطمأنة الشعب، يطرح الخبراء كثيرًا من الأسئلة عن الوضع الاقتصادي في مصر، من أهمها: من الذي يمد الرئيس بالمعلومات والبيانات التي يتخذ على أساسها القرارات الكبرى، وهل هذه الجهات تقول الحقيقة للرئيس أم تحاول توريطه مع الشعب، وهل هناك جهات تحاول إحراج الرئيس عن طريق مده بمعلومات غير حقيقية عن الأوضاع في مصر.


قناة السويس الجديدة                    

فرغم حاجة مصر إلى عمل توسعات في قناة السويس لاستيعاب السفن العملاقة، إلا أن الكثير من الخبراء حذروا من أن الوقت غير مناسب لشق قناة جديدة، لأسباب كثيرة منها انخفاض حجم التجارة العالمي، ووجود ممرات مائية أخرى منافسة، وبالتالي كان يمكن تأجيل هذا المشروع واستغلال الأموال التي أنفقت عليه في مشروعات أخرى أكثر أهمية وإلحاحًا مثل الصحة والتعليم وإقامة مشروعات إنتاجية لخلق فرص عمل جديدة تساهم في حل مشكلة البطالة المتفاقمة.


وبالفعل أثبتت الأحداث خطأ توقيت حفر القناة الجديدة، وهذا ما كشفت عنه الكثير من التقارير الرسمية، فمحافظ البنك المركزي السابق، هشام رامز، أكد في تصريحات له قبل تركه منصبه أن قناة السويس وإنشاء محطات كهرباء جديدة كلفت مصر مليارات الدولارات، وأنها كانت السبب الرئيسي في أزمة الدولار.


ووفقا لتقرير صادر عن الملاحة الدورية، فإن إيرادات القناة لعام 2016 انخفضت بنسبة 3.2% عن عام 2015، حيث بلغت في نهاية 2016 نحو 5.005 مليار دولار في مقابل نحو 5.175 مليار دولار في نفس الفترة من العام 2015.


العاصمة الإدارية الجديدة

رغم أهميتها السياسية، إلا أن العاصمة الإدارية الجديدة من المشروعات غير الملحة التي كان يمكن تأجيلها وتوجيه الأموال التي تنفق عليها إلى مشروعات أخرى أكثر إلحاحا، فالمفكر السياسي والخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور أسامة الغزالي حرب، قال إن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يمثل إهدارا للمال العام وسوف يحاسب التاريخ كل من ساهم في هذا المشروع، مشيرًا إلى أن هذا المشروع كان يجب أن يعرض على البرلمان ليكون قرارا من الشعب.


كما شكك موقع «المونيتور الأمريكي»، في المنافع التي ستعود من المشروع بوجه عام، وبخاصة على الاقتصاد، ونقل الموقع في تقرير له بعنوان «هل تكون العاصمة الإدارية الجديدة في مصر عونًا للاقتصاد المصري»؟ عن سلطان أبو علي، وزير الاقتصاد الأسبق، قوله: إن تأسيس عاصمة إدارية جديدة لن يسهم في حل المشكلات التي تموج بها القاهرة الكبرى، كما أنه لن يحقق أي فائدة لمصر، وسيقود إلى مشكلات أكثر تعقيدا، مثل الاختناق المروري وإهدار موارد البلاد دون أن يقدم حلا مستداما للكثافة السكانية في القاهرة أو ضخ استثمارات كافية في البنية التحتية وغياب التوسع الأفقي.


أرقام خادعة

في دراسة للباحث جمال غطاس تحت عنوان «حينما تحاول البيروقراطية توريط الرئيس.. أرقام الرئيس بين الحقيقة والوهم»، كشف فيها عن حقيقة ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن تكلفة المشروعات التي تبلغ تريليون و40 مليار جنيه سوف تسترد من عائدات بيع الأراضي بالمدن الجديدة، التي تبلغ 1400 مليون متر، بسعر 1000 جنيه كمتوسط للمتر، وتشمل 700 مليون متر بالعاصمة الإدارية الجديدة، و200 مليون متر في كل من العلمين الجديدة وشرق بورسعيد، و100 مليون متر في الجلالة، و100 مليون في مدن الصعيد الجديدة، و100 مليون متر في الإسماعيلية الجديدة.


وتوصل الباحث إلى عدم دقة هذه الأرقام، فالعائد المتوقع من بيع هذه الأراضي هو 497 مليار و448 مليون جنيه، وليس كما قال الرئيس أنه تريليون و40 مليار جنيه، وذلك بعد خصم نسبة الطرق العامة والميادين والأراضي الفضاء المستخدمة كمساحات خضراء أو حرم الطرق وخلافه، والتي بلغت 46% من مساحة الأراضي التي أعلن عنها الرئيس، وبعد خصم حوالي 342 جنيها نصيب المتر من تكلفة المرافق العامة التي ستقيمها الدولة في هذه المناطق، كما أن حصيلة بيع الأراضي لن تدخل خزينة الدولة بصورة كاملة قبل 12 عاما على الأقل، وهو أمر يفوق بكثير النطاق الزمني الذي تحدث عنه الرئيس والذي يدور حول من 3-5 سنوات.


واختتم الباحث الدراسة بالقول «ها نحن مرة أخرى أمام ضرورة مراجعة الأرقام في حديث الرئيس.. إننا أمام معلومات تفتقر إلى السلامة والدقة وتميل إلى زرع إيحاء بالإنجاز أو القدرة على الإنجاز في حين أنها معلومات تتعلق بأشياء لا تزال في طور الإنبات والنمو».


وتحت عنوان «طارق عامر يداري فشله بالأرقام الخادعة»، كشف الباحث والكاتب أحمد رمضان الإبياري، أن الاحتياطي النقدي الذي أعلن عنه محافظ البنك المركزي طارق عامر، والذي بلغ 24.265 مليار دولار غير حقيقي ووهمي وخادع، لأن هذا الرصيد يتضمن 3.5 مليار دولار ذهب، وحقوق سحب خاصة، و8.50 مليار دولار عبارة عن أقساط وفوائد قروض واجبة السداد خلال عام كامل، ومطالب بسداد 700 مليون دولار لنادي باريس، وقرض تركي بقيمة مليار دولار، وبالتالي يصبح الرصيد الحقيقي للاحتياطي نحو 12 مليار دولار.


وأضاف الإبياري: «المشكلة أن محافظ البنك المركزي يحاول بشتى الطرق والوسائل ولو كانت خادعة إثبات نجاحه في السياسات التي يتبعها بمباركة الرئيس السيسي، لكنه بالتأكيد وباليقين يفشل في ذلك».


مشروعات أخرى          

وهناك عدد من المشروعات الأخرى التي أكد الخبراء على إما أنها غير قابلة للتنفيذ، مثل مشروع استصلاح مليون ونصف فدان، والتي أشارت الكثير من الدراسات إلى صعوبة تنفيذ هذا المشروع في ظل الفقر المائي الذي تعاني منه مصر، وهناك مشروعات الدولة ليس في حاجة إليها في الوقت الحالي مثل مشروع هضبة جبل الجلالة السياحي، الذي جاء في وقت تعاني فيها السياحة المصرية معاناة شديدة.


إفلاس مصر

حذر تقرير أمريكي، تسلمته إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» من أن «مصر معرضة لحالة إفلاس»، شبيهة بـ«أزمة الدين السيادي لليونان التي بدأت عام 2009 والتي تثاقلت عليها الديون، ومرت عليها فترات من ممارسة الاقتصاد الكلي لكنها عجزت في نهاية المطاف عن الوفاء بالتزاماتها».


وذكر التقرير الذي أعده مجلس العلاقات الخارجية، وشارك فيه خبراء من الكونجرس والمخابرات الأمريكية ومستشارون للبيت الأبيض، أن «مصر تواجه أزمة اقتصادية طاحنة، ويلوح في الأفق تهديدات».


واعتبر التقرير أن عدم الاستقرار السياسي رغم إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان، مع وجود خليط من السياسات الاقتصادية المهترئة، ينذر باستمرار التدهور الاقتصادي، وقد يخلق هذا دوائر لا تنتهي من عدم الاستقرار السياسي والعنف والتدهور الاقتصادي بما يزيد النكبة الاقتصادية، ويؤدي بالتالي لمزيد من الاضطرابات السياسية التي تتضمن مظاهرات حاشدة، وقمعا أكثر عنفا وصراعات على القيادة واحتمال تفسخ سلطة الدولة.


وتناول التقرير الذي تسلمته الإدارة الجديدة في البيت الأبيض لمناقشته مع اللجان المختصة في مجلسي النواب والشيوخ والأجهزة الأمنية، قبيل تحديد موعد اللقاء المرتقب بين «ترامب» و«السيسي»، كافة المعلومات التي رفعها مجلس العلاقات الخارجية، والتي حصل عليها من خلال الحكومة المصرية وصندوق النقد والبنك الدوليين، والسفارة الأمريكية بالقاهرة، بشأن الوضع الاقتصادي، تمهيدا لتشكيل لجنة إدارة أزمة، إذا ما واجهت مصر حالة الإفلاس، مع خطورة ذلك على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم.


وقال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن المشروعات القومية الكبرى التي تقوم مصر بتنفيذها مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة هي من يقف وراء الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أن مصر تتصرف على أنها دولة غنية جدا، وأن الشعب هو من يدفع ثمن تلك السياسات غير المدروسة.


وأشار «النحاس» إلى أن التقرير الأمريكي يؤكد صحة وصدق التقارير الاقتصادية للوكالات الدولية التي تحدثت عن الوضع الاقتصادي في مصر، وعلى عدم صحة التقارير التي تخرج عن طريق الحكومة المصرية، لافتا إلى أنه حذر كثيرا من سياسات الحكومة التي وصفها بالمدمرة للاقتصاد المصري، مؤكدا أن وضع مصر الاقتصادي أسوأ من وضع اليونان.


وأضاف الخبير الاقتصادي، أنه لا أحد يعرف من يدير الملف الاقتصادي في مصر، هل الرئيس وحده، أم الحكومة، أم أطراف أخرى، مشيرًا إلى أن الاحتياطي النقدي الحالي أغلبه ديون على الدولة المصرية وليس ملكا خالصا لها ولا يعبر عن حقيقة الوضع الاقتصادي، مشددا على أن الأزمة في مصر سياسية من الدرجة الأولى، وبالتالي حل الأزمة الاقتصادية يتطلب حل الأزمة السياسية أولا.


ووصفت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، التقرير الأمريكي عن الوضع الاقتصادي في مصر بـ«النظرة التشاؤمية» للاقتصاد المصري، على الرغم من احتوائه على الكثير من الحقائق، مشيرة إلى أن هذا التقرير يؤكد الاهتمام الأمريكي بدور مصر كـ«رمانة ميزان» في الشرق الأوسط، في ظل حالة عدم الاستقرار التى تمر بها المنطقة.


واستبعدت «الحماقي» وصول الاقتصاد المصري إلى حالة «الإفلاس»، لكن المنظومة الحالية تحتاج إلى إدارة جيدة ومكافحة للفساد.