رحيل سيد حجاب.. و«تسرسبت» السنوات من بين «إيدين شاعر الغلابة»

"ومنين بيجي الشجن من اختلاف الزمن.. ومنين بيجي الهوى من ائتلاف الهوى.. ومنين بيجي السواد من الطمع والعناد.. ومنين بيجي الرضا من الإيمان بالقضا".. أمام شاشة القناة الأولى، بعد دقات الثامنة مساءً، كانت الأسرة تلتف لمشاهدة مسلسلها اليومي، ليشدو صوت محمد الحلو بهذه الكلمات.
لم تكن مجرد كلمات، بل كانت أشبه بالحكمة التي يتغنى بها البسطاء، أما أغانيه فـهي مليئة بالفلسفة، لكنها ليست الفلسفة الجامدة، بل تلك المليئة بالبساطة والعفوية.

"ماتسرسبيش يا سنيننا من بين إيدينا.. ولا تنتهيش ده إحنا يا دوب ابتدينا.. واللي له أول بكرة حيبان له آخر.. وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا".
موسيقاه هادئة ناعمة، تخطف روحك بعيدًا، فهو شاعر له مذاق خاص ومكانه محفور في القلوب دائمًا، إنه الشاعر سيد حجاب، الذي يبدو أن السنوات "تسرسبت"، ورحل عن عالمنا منذ قليل، عن عمر ناهز الـ77 عامًا، بعد رحلة عطاء كبيرة.

يعد واحدًا من أبرز شعراء العامية، كان شغله الشاغل هو التعبير عن مشاكل وهموم البسطاء، والتغلغل بأغانيه داخل نفوسهم لإسعادها وإدخال البهجة بداخلها، حتى نال لقب "شاعر البسطاء والمهمشين".

سيد حجاب من مواليد 23 سبتمبر عام 1940 بالدقهلية، لكنه انتقل بعد ذلك إلى الإسكندرية؛ ودرس بكلية الهندسة قسم التعدين.
كان والده هو الداعم الأول له، حيث كان يصطحبه حينما كان طفلًا صغيرًا إلى الجلسات الشعرية، حتى أنه كتب أول قصائده قبل أن يبلغ الـ11 عامًا من عمره، فكانت عن مقاومة الإنجليز وفكرة الاحتلال، وعُرف وقتها بـ"الشيخ سيد".

انتقل "حجاب" إلى القاهرة، والتقى هناك بعمالقة الشعر أمثاله؛ ومنهم: صلاح جاهين، وفؤاد قاعود، وعبد الرحمن الأبنودي، ويحيى الطاهر، إلا أنه ارتبط ببعض التجمعات اليسارية، والتي أدت إلى اعتقاله لمدة شهر، الأمر الذي كان له دور كبير في زيادة شعوره بالفقراء وزيادة تعاطفهم وحبهم له.

وبعد خروجه من المعتقل، قدم الراحل سيد حجاب برنامجًا إذاعيًا بعنوان "بعد التحية والسلام"، ثم ألف ديوان "صياد وجنينة"، وعلى الرغم من روعة الديوان وجمال أسلوبه، إلا أن الأمية، التي كانت سائدة بالمجتمع وقتها، وقفت حائلًا دون وصوله للشعب البسيط، ما جعله يدرك ضرورة أن يتجه للأغنية.
آمن سيد، تمام الإيمان، أن الأغاني ستكون هي الطريق الأسهل والأسرع الذي يصل من خلاله لقلوب "الغلابة"، فـ ألف أغاني أبرز الأعمال الدرامية الشهيرة، ومن بينها: "ليالي الحلمية، والحقيقة والسراب، وأحلام لا تنام، وغوايش، والمال والبنون، وحدائق الشيطان، والشهد والدموع، وناصر، وبوابة الحلواني، وأرابيسك"، وغيرها.

وعن السينما، كانت وما زالت كلمات أغانيه محفورة بالأذهان، ترددها الألسنة دومًا، ومن أبرزها: أغنيات فيلم "الأراجوز"، و"هنا القاهرة، ويا مصري".
شارك –أيضًا- "حجاب" في تحرير مجلتي "سمير وميكي" للأطفال، في الفترة من 1964 وحتى عام 1967، كما نشر العديد من الدراسات والأشعار في مجلة "جاليري 68".

"اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني.. وعشان كدة مصر يا ولاد حلوة الحلوات".. لم تكن أغاني "شاعر الغلابة" مثل غيره من الشعراء، مقتصرة على الرومانسية فقط، بل كانت شديدة الصلة بالأحاديث اليومية التلقائية، المصحوبة بالموسيقى المؤثرة والبساطة الشديدة.

حصد الشاعر سيد حجاب، العديد من الجوائز والتكريمات، طوال حياته، ومنها: "جائزة كفافيس الدولية لعام ٢٠٠٥ في الشعر عن مجمل أعماله"، كما كرمه معرض "تونس الدولي للكتاب" في دورته السادسة والعشرين، باعتباره أحد رموز الشعر، بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية للآداب.
