رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار عالم الـ«single mother» في مصر.. «ملف»

هدير مكاوي
هدير مكاوي


يشهد الرأي العام حالة من الجدل، عقب إطلاق الفتاة الشابة هدير مكاوي، حملة «single mother»، والتي أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن روت «مكاوي» قصة إنجابها لطفل أطلقت عليه اسم «آدم» من شخص تزوجته عُرفيًا، إلا أنه والد الطفل، يرفض الاعتراف به، وينكر زواجه منها.

الحملة التي أطلقتها «مكاوي»، لم تكن فقط محل جدل، بل كانت سبب تساؤل المصريين عن الزواج العرفي، وما عدد الفتيات اللاتي يواجهن مصير «هدير مكاوي».


وتفتح «النبأ» هذا الملف؛ لتكشف أسرار عالم الـ «single mother»، وأبرز الأعمار والفئات للبنات اللاتي وقعن في هذا الأمر، وقصصا واقعية من محاكم الأسرة عن حالات مماثلة.


الأرقام تكشف المفاجآت

تكشف الإحصائيات التي أجراها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، أن هناك أكثر من مليون حالة زواج عرفي في مصر في عام 2016، وأن أغلبها «غير موثق»، منوهة إلى وجود 843 ألف حالة عام 2013، و860 ألف حالة عام 2014، بزيادة قدرها 17%.


كما كشفت الإحصائيات أن هناك عددًا كبيرًا من هذه الحالات لم يوثق فيها عقد الزواج، وهو ما يسمى «التصادق»، وهو تسجيل الزواج العرفي بين الزوجين بتاريخ «حدوثه»؛ لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية، خاصة أن 37% من حالات الزواج العرفي  تم تصديقها، في حين أن الباقي كان عقدًا صوريًا بين الزوجين.


وكشفت الإحصائيات والدراسات أن أسباب اللجوء إلى الزواج العرفي، تتركز في ارتفاع تكاليف الزواج، والمغالاة في المهور، وارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، وزيادة معدلات الطلاق، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية، مشيرة إلى أن هناك أكثر من  ثلاثة ملايين و800 ألف فتاة تجاوزن سن الثلاثين وهو سن الزواج المتعارف عليه.


وأشارت الإحصائيات إلى أن هناك 3 ملايين مطلقة في مصر، بينهن مليون و300 ألف تزوجن بإجراءات غير قانونية، كما أن هناك 37% من الزيجات الحديثة تصل إلى الطلاق بعد فترة زواج لا تتعدى عامين.


كما كشفت الإحصائيات عن مفاجآت خطيرة تتعلق بارتفاع نسب الزواج بين الفتيات في سن الـ18 عاما وحتى 24 عامًا، حيث سجل العام الماضي أكثر من 248 ألف حالة زواج لفتيات في هذا العمر، مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت دائما نسب الزواج العرفي بين الفتيات اللاتي تعدت أعمارهن الـ 40 عامًا.


أسباب اللجوء للزواج العرفي

وأوضحت الإحصائيات، أن الشباب يلجأون إلى الزواج العرفي السري؛ بهدف إقامة علاقات جنسية فقط، دون أن يكون هناك مسئوليات مادية أو اجتماعية، خاصة أنهم لا يريدون أن يعلنوا للقطاع الأكبر من الناس عن زواجهم، ولكن يعلنون للأسرة أو الأصدقاء أو الشهود.


واستطردت الإحصائيات أنه بالنسبة للشباب وطلبة الجامعات فهم يلجأون للزواج العرفي، لأنه ليس لديهم إمكانيات، مشيرة إلى أن رفض الأهل زواج الفتاة والشاب المرتبطين عاطفيًا، بسبب المشاكل الأسرية أو المستوى الاجتماعي، يكون له دور كبير في ارتفاع نسبة لجوء الشباب إلى الزواج العرفي.


وذكرت الإحصائيات أن أسباب لجوء الكبار للزواج العرفي، تتركز في الحفاظ على المستوى الاجتماعي أو المادي، مثل أن تكون هناك سيدة مطلقة ولا تريد أن تبلغ أولادها بزواجها، كما أن الأرملة يكون لديها معاش تريد أن تحافظ عليه، موضحة أن الانفلات الأخلاقي الذي استشرى في المجتمع المصري، خلال الفترة الماضية، كان سببًا واضحًا في تزايد عدد حالات «الزواج العرفي».


خريطة انتشار الزواج العرفي في مصر

وكشفت دراسات أخرى، خريطة انتشار الزواج العرفي في مصر، منوهة إلى أن أكثر الأماكن التي ينتشر فيها الزواج العرفي، هي المحافظات والمدن السياحية، خاصة الغردقة وشرم الشيخ، بالإضافة إلى محافظتي الإسكندرية والأقصر، فضلا عن القاهرة والجيزة، وهما أكثر المحافظات من ناحية انتشار الزواج العرفي بهما.


وتعد مدينة 6 أكتوبر، من أكثر المناطق التي تنتشر بها حالات الزواج العرفي؛ لوجود العديد من الجامعات الخاصة بها، كما أشارت الدراسات إلى أن المناطق القريبة من الجامعات ينتشر بها المحامون الذين يوقعون ويعدون عقود الزواج العرفي.


وأوضحت الدراسات، أن هناك 5 مراكز طبية كبرى، تلجأ إليها الفتيات من أجل إجهاض حملها «السفاح» من الزواج العرفي، أو العلاقات غير الشرعية، فضلا عن العديد من العيادات الخاصة التي تنتشر في محافظتي القاهرة والجيزة.


قضايا النسب

وينتهي مصير أطفال الزواج العرفي، بمحاكم الأسرة، وقضايا «إثبات النسب»، وشهدت تلك المحاكم في عام 2016، أكثر من 25 ألف قضية «إثبات نسب»، من بينهم 67% من الزواج العرفي، والباقي من العلاقات غير الشرعية.


وتعليقًا على هذا الأمر، أكد المستشار هشام عبد السلام، المحامي بالنقض، أن دعاوى «إثبات النسب» تعتمد في الأساس على «إثبات الزواج».


وتابع:«إذا لم تستطع الفتاة إثبات الزواج، فيكون إثبات النسب من خلال شهادة الشهود والبينة والقرائن، والبينة مثل ورقة محررة بين الطرفين تدل على الزواج، أما القرائن فتكون مثل الرسائل الإلكترونية على برامج «الدردشة»، أو  مواقع التواصل الاجتماعي، التي تدل على وجود علاقة «حب وارتباط».


وأضاف «عبدالسلام»، أن التطور العلمي، ساعد كثيرًا في الوصول إلى الحقيقة في مثل هذه القضايا، من خلال إجراء تحليل الـ«DNA»، حيث كان الوضع قبل هذا التحليل مرهقًا للقضاء المصري، لكن إجراء هذا التحليل جعل الأمر أكثر سهولة.


كيف يهرب الرجل من إثبات النسب؟

وأكد المحامي بالنقض، أن الحيل والخدع التي يحاول أن يهرب الرجل من خلالها من إثبات نسب الطفل، أصبحت قليلة في الوقت الراهن، حيث يحاول أن يثبت أن والدة الطفل أقامت علاقات غير شرعية مع العديد من الرجال، تنصلا من أن يكون هذا الطفل نجله، لكن المحكمة تتوجه إلى تحليل الـ"DNA"، لحسم هذا الأمر.


وأوضح، أن المحكمة توجه رسالة إلى الأب من أجل الحضور إلى المحكمة لإجراء التحليل، وعند غيابه توجه له رسالة للمرة الثانية والثالثة والرابعة، فإذا لم  يأت الرجل، يكون اعترافًا ضمنيًا منه بأن هذا الطفل طفله، لكن المحكمة لزيادة التأكد تطلب من المرأة إحضار شهود يثبتون وجود علاقة ارتباط بينها وبين هذا الرجل، حتى تثبت النسب، مشيرًا إلى أن أبرز هذه القضايا، هي قضية إثبات نسب الطفلة «لينا» من الفنان أحمد الفيشاوي.


قضايا إنكار النسب

وأكد «عبد السلام»، أن قضايا إنكار النسب، من أصعب القضايا التي تنظر في محكمة الأسرة، لأنها تكون محرجة للزوجة أو حتى للطفل الذي يستنكر والده نسبه، ودائما ما يلعب تحليل الـ"DNA"، عاملًا مهما في هذا الأمر، حيث يكون هو الفاصل في مثل هذه القضايا، ومن أبرز القضايا كانت لأبناء تاجر كبير في القاهرة، أقاموا دعوى إنكار نسب لشقيقتهم، لكن المحكمة رفضتها، بعد أن ثبت أن الأب الراحل هو من استخرج شهادة الميلاد لها، وقدم لها في المدارس المختلفة، وفتح لها حسابًا في البنك، مشيرًا إلى أن المحكمة اعتبرت أن هذا الأمر بمثابة اعتراف من الأب الراحل بإثبات نسب هذه الفتاة، إليه.


قصص من عالم  «single mother» في مصر

وترصد «النبأ»، العديد من القصص المماثلة لقصة هدير مكاوي، والتي شهدتها محكمة الأسرة.


وشهدت محكمة الأسرة بالجيزة، دعوى إثبات نسب، أقامتها فتاة تدعى "أسماء. م " (16 سنة) ضد أشقاء زوجها المتوفى، بعد زواج استمر 3 سنوات.


وأوضحت «أسماء»، في دعواها أنها تزوجت بموجب عقد زواج عرفي بعلم أهلها؛ لأنها لم تكن وصلت السن القانوني للزواج، وبعد فترة قليلة شعرت بتعب شديد، واكتشفت بعد ذلك أنها حامل في الشهور الأولى، واستمر زواجهما العرفي إلى أن وضعت، وبعد أيام قليلة توفي الزوج دون تسجيل الطفل.


ولجأت «أسماء» لأشقاء زوجها تطالبهم بتسجيل نجلها باسم أبيه، ولكنهم رفضوا، واتهموها بالنصب عليهم،، وأكدوا أن الطفل ليس ابن شقيقهم المتوفى، ما جعلها تقيم دعوى «إثبات نسب» أمام محكمة الأسرة.


وحضرت "أسماء " لمكتب الأسرة برفقة رضيعها وأكدت أن أشقاء زوجها يرفضون الاعتراف بالنسب بعد أن توفى شقيقهم بسبب الميراث.


وأكدت أنها تزوجت منذ سنوات بعلم أهلها وكانت حياتها الزوجية هادئة إلى أن توفي زوجها وانقلبت حياتها رأسا على عقب بسبب رفض أشقائه الاعتراف بالنسب.


واستمرت القضية متداولة في المحاكم إلى أن وصل عمر الطفل 4 سنوات، ولكن المحكمة حكمت أخيرًا بـ«إثبات نسب» الطفل لأبيه.


ولم تنته قصتها عند هذا الحد؛ بل فوجئ موظفو محكمة الأسرة بالجيزة، بظهور «أسماء» مرة أخرى أمام المحكمة، ولكن في هذه المرة كانت تقيم دعوى خلع ضد شقيق زوجها المتوفى، والذي تزوجته بعد حصولها على حكم المحكمة بـ«إثبات النسب»، ولكن نشبت بينهما عدة مشاكل أدت إلى رفعها دعوى خلع ضد شقيق زوجها.


موظف كبير يرفض الاعتراف بطفله من السكرتيرة

نشأت علاقة غير شرعية بين موظف بدرجة مدير عام، وسكرتيرة بإحدى إدارات الشركة التي يعمل بها، ثم تزوجا عرفيًا، وبعد عدة شهور أخبرته أنها حامل في شهرها الرابع، فأصابه الجنون، ولم يصدقها؛ بسبب شكه في سلوكها، خاصة أنها لم تكن «عذراء» عند زواجه منها.


ولأنه يشك في أن الطفل ليس طفله، ذهب إلى أحد الأطباء وأخبره بالأمر، فقال له إن ذلك الأمر لن يحسم إلا بأمرين؛ الأول: تحليل فصائل دمه ودمها ودم الطفل، ولكن ذلك لن يتم إلا بعد ميلاد الطفل، والأمر التاني: تحليل الـ «DNA»، وهذا الأمر أيضًا لن يتم إلا بعد ميلاد الطفل.


وكانت المشكلة الأكبر بالنسبة لهذا الموظف الكبير، أنه متزوج ولديه طفلان، وأخذت الفتاة تهدده، وتطالبه بأن يكون زواجهما رسميًا، وإلا ستقوم بفضحه.


وبالفعل نفذت تهديدها بعد أن رفض الزواج منها رسميًا، وفضحته في الشركة التي يعملان بها، وأخبرت الجميع أنها تزوجت من المدير، وحامل منه في شهرها الرابع، لكن هذه الفضيحة زادته إصرارًا على عدم الاعتراف بنسب الطفل.


وقررت الزوجة بعد ولادتها أن تقيم دعوى «إثبات نسب» أمام محكمة الجيزة، وما زالت القضية معلقة حتى الآن أمام محكمة الأسرة بـ«زنانيري»، على الرغم من أن الطفل بلغ عمره 3 سنوات.


عامل يلجأ لمحكمة الأسرة لـ«إثبات نسب» طفلته

وأغرب حالات إثبات النسب التي شهدتها المحكمة، هي قضية فريدة من نوعها، حيث تقدم رجل في الثلاثين من عمره، يحمل طفلة صغيرة يحاول أن يثبت نسبها إليه، مؤكدا وفاة زوجته، والدة الطفلة.


وكشف «أحمد. ع.ا»، 31 سنة، عامل، ومقيم بدائرة قسم شرطة الهرم، أنه تزوج عرفيا من فتاة عشرينية تدعى «س.ا»، وأنجب منها طفلة دون أن يحول زواجه منها إلى زواج رسمي، وتوفيت الزوجة بعد أن وضعت طفلتها بعدة شهور.


وقال إنه بعد أن استكملت الطفلة عامًا، لم يستطع استخراج شهادة ميلاد لها؛ لأنه لا يملك ما يفيد صحة زواجه من أم الطفلة، ما اضطره للجوء إلى محكمة الأسرة؛ لإثبات نسب الطفلة إليه.