رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عفوًا سيادة الرئيس.. الظلم + الفساد + البطالة = الإرهاب.. «تقرير»

السيسي
السيسي


عقب حدوث كل عملية إرهابية في مصر، يتم توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى التطرف الديني الإسلامي، حتى أن الأمر وصل إلى وجود أصوات تنادي بإلغاء التعليم الأزهري، أو دمجه في التعليم العام، وهي المطالب التي جاءت على لسان نواب بالبرلمان، بعد حادث تفجير الكنيسة البطرسية بـ«الكاتدرائية المرقسية».

الأكثر من ذلك أن المجلس القومي لحقوق الإنسان، تحرك بالفعل في الاتجاه الذي يريده نواب البرلمان، بدليل الإعلان عن دراسة مقترح بدمج التعليم الأزهري في التعليم العام، وتنقية المناهج التعليمية، ضمن خطة مواجهة الفكر المتطرف.


وقال جمال فهمي، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس القومي لـ«حقوق الإنسان» في تصريحات صحفية عقب الاجتماع الشهري الأخير للمجلس "ناقشنا خطوات مهمة فى التعامل مع الإرهاب، أهمها إنهاء الازدواج بين التعليم العام والتعليم الديني"، مؤكدا أن "التعليم الديني ظاهرة خطيرة تصنع بيئة خصبة للأفكار المتطرفة والمنحرفة".


كما اعتبر «فهمي» أن هذا التعليم "طعن للمواطنة في قلبها بمراحل سنية صغيرة"، مستبعدا مناقشة المقترح مع مؤسسة الأزهر بقوله "نحن دولة مدنية، والتعليم يخص الدولة، وهو شأن وطني، والأزهر مؤسسة دينية روحية".


كما يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي دائمًا في خطاباته بضرورة تجديد الخطاب، وتنقية كتب التراث والأحاديث من المواد التي قد تحرض على العنف، في محاولة للقضاء على الإرهاب، والعمليات التخريبية.


دعوات السيسي لتجديد الخطاب الديني، يراها كثيرون أنها «اتهامات مبطنة» للدين الإسلامي، بأنه السبب وراء العمليات الإرهابية، وانتشار التطرف والعنف.


كما زعمت شبكة "إيه بي سي"، في تقرير لها في أعقاب تفجير الكنيسة البطرسية، أن حرب السيسي على الإرهاب تخلق متطرفين، مضيفة أن الاعتداء الذي استهدف مدنيين أقباط يشير إلى تصعيد الهجوم من تنظيم «داعش»، الذي أعلن مسئوليته عن تنفيذ الحادث، كما يوضح حاجة القاهرة إلى تغيير سياستها في الحرب على الإرهاب.


وأضافت الشبكة الإخبارية، أنه منذ عزل السيسي، الرئيس محمد مرسي عام 2013، ويحارب النظام المصري تمردا إسلاميا في الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة سيناء، وفي نفس الوقت يشن حربا ضد المعارضين، ويزج بالآلاف داخل السجون من أعضاء جماعة الإخوان، والعلمانيين كذلك، مشيرة إلى أن المسلحين الإسلاميين كانوا يتجنبون استهداف المدنيين في مصر في معظم الهجمات، لكن منذ أن بايع تنظيم أنصار بيت المقدس داعش في 2014، تغير التكتيك مع مرور الوقت، حيث استنسخوا ممارسات داعش في القتل العشوائي للمدنيين.


ونقلت الشبكة عن محللين أن مصر في حاجة إلى إنهاء الاعتقالات الجماعية، والتركيز الفردي على مرتكبي العنف، إذا أرادت منع المزيد من الهجمات على نحو فعال.


ونقلت الصحيفة عن أليسون ماكمانوس، مديرة البحوث بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط قولها: إن «استهداف الجناة، وتجنب الاعتقالات الجماعية والعقاب الجماعي مفاتيح أساسية للتيقن من تحقيق الدولة العدالة ومنع العنف، مع احترام حقوق المواطنين المشروعة».


وحذرت «ماكمانوس» من أن الاعتقالات الجماعية للمعارضين، يمكن أن تقود إلى تطرف داخل السجون المصرية، حين تحدث عملية تواصل بين هؤلاء المحرومين من حقوقهم مع المحنكين في التطرف العنيف.

والسؤال المطروح حاليًا: هل الدين الإسلامي هو المسئول وحده عن الإرهاب والتطرف أم أن هناك أسبابا أخرى؟، ولماذا يتم التركيز على الدين فقط عقب كل عملية إرهابية، ولماذا يطالب البعض بإلغاء الأزهر والتعليم الأزهري؟   


في البداية، يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن الإرهاب الحالي، هو نوع من الحرب السياسية، لكنه يتخفى وراء الأيديولوجية، فالقتل والاغتصاب والسرقة «إرهاب».


وأشار «صادق»، إلى أن هناك أسبابا كثيرة للإرهاب، أولها أسباب سياسية بحتة، يقف وراءها تنظيم يعطى لها الغطاء الإيديولوجي، سواء كان تنظيما شيوعيا أو قوميا، مثل حزب العمال الكردستاني الذي يحارب من أجل الاستقلال، ويمارس الإرهاب سواء مع المدنيين أو العسكريين لمنح الحرية للأكراد، ويمكن أن يكون هذا التنظيم دينيا، يهدف إلى إقامة دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية مثل داعش، لافتا إلى أن الشخص الذي يقوم بعملية انتحارية يحتاج أيديولوجية قوية، والدين هناك يكون تبريرًا لمثل هذه العمليات الانتحارية.


وأضاف «صادق»، أن الدولة تحاول تفكيك الخطاب الديني لهذه التنظيمات؛ لأنه يختلف عن خطاب الدولة، والمواطن العادي.


وتابع: الخطاب الديني هو أحد العوامل التي تؤدي إلى الإرهاب، لكن ليس كله، فهناك الكثير من المسلمين غير متدينين، ولا يعرفون شيئا عن الدين، لكنهم عندما ينضمون للتنظيمات الدينية يحصلون على تفسيرات شرعية للعمليات الإرهابية التي يقومون بها، وهذه التنظيمات تمتلك قدرات مالية وفنية عالية جدا.


وأكد أستاذ علم الاجتماع، أن المظالم الاجتماعية هي أحد الأسباب الرئيسية للإرهاب، لذلك أغلب العمليات التخريبية التي تحدث في الشرق الأوسط، وراءها دوافع انتقامية، فمثلا الانتحاري محمود شفيق الذي فجر نفسه داخل الكنيسة البطرسية، والده مفصول من القوات المسلحة لأسباب غير معروفة، وعائلته عانت لفترة بسبب الإخوان، وأسرته مفككة وتعاني من الفقر، وشقيقه الأصغر محبوس في قضية تظاهر، و«شفيق» تم حبسه لفترة وتعرض للضرب، ومن هنا، فهذا الشخص أصبح مهيأ للقيام بهذه العملية الانتحارية بعد عملية «غسيل المخ» التي تعرض لها من التنظيمات الدينية، وبالتالي ما قام به كان لأسباب انتقامية ويأس.


وأشار «صادق»، إلى أن الوعود الإلهية بالجنة والنار تلعب دورا رئيسيا في الإرهاب؛ لأن الانتحاري لو يعلم أنه سوف يدخل النار، لن يقدم على هذه العملية، مؤكدا أن القضاء على الإرهاب يحتاج إلى وجود استراتيجية قومية لمكافحته، يكون ركيزتها التعليم والإعلام ونقد الخطاب الديني المتطرف للتنظيمات الدينية، وكذلك حل مشكلة البطالة.


وأكد «صادق» أن «الشطارة» ليست في قتل الإرهابيين، لكن في إغلاق حنفية التطرف عن طريق تجريم التنظيمات التخريبية، ووقف مصادر تمويلها، والتعامل مع قادة هذه التنظيمات سواء بالقتل أو الحبس، لافتا إلى أن هناك مشكلة في التعليم الأزهري، وخاصة أنه يضم أكبر عدد من الطلاب، وأن الجرعة الدينية لا تركز على إتقان العمل والنظافة، بقدر ما تحض على استحلال دماء اليهود والنصارى، والتفرقة بين السنة والشيعة، ما يؤدي إلى نشر الأفكار الدينية الرجعية في المجتمع.


وطالب أستاذ علم الاجتماع، بتشكيل لجنة قومية تضم 50% من خارج الأزهر؛ لإصلاح مؤسسة الأزهر، مشيرًا إلى أن ربط غير المغضوب عليهم بالمسيحيين، يرسخ لفكرة قتل الأقباط، كما أن الدعاء على اليهود والمسيحيين في المساجد يرسخ للطائفية، مشيرا إلى أن وجود ملحدين وكفار في الدول الإسلامية دليل على سماحة الإسلام، وأن أغلب الذين يلتحقون بالأزهر يأتون من الريف ومن قاع العملية التعليمية، ثم يصبحون بعد ذلك من علماء الأمة.


ويقول الدكتور كمال مغيث، الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية، إن الإطار الثقافي الذي تغلف به العمليات الإرهابية هو الإطار الديني، مؤكدا عدم وجود علاقة عضوية بين الدين والتطرف، والدليل أن هناك الملايين من المسلمين غير متطرفين ولا يمارسون العنف، لكن السبب الذي يؤدي إلى اتهام التطرف الديني بـ«الإرهاب» هو أن كل الذين يعلنون مسئوليتهم عن العمليات من المتطرفين دينيا.


وتابع: «لم تعلن منظمة علمانية أو شيوعية مثلا مسئوليتها عن هذه العمليات الإرهابية، وهناك عوامل كثيرة تؤدي إلى التطرف منها الفقر والبطالة، وما يرتبط بهما من فقدان الأمل في المستقبل، وغياب الهوية عند الشباب، وكذلك الجهل، كما أن انتشار الفساد في المجتمع عامل رئيسي للإرهاب والتطرف، لاسيما الفساد في مجتمع يكافئ الفاسد، ويعاقب المحسن والمجد.


وأكد الدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن الدين لم يكن سببا في يوم من الأيام في الإرهاب أو القتل أو العنف، وقضايا الدين واضحة جدا، ومنها أن الإسلام يحافظ على الآخر، ويحافظ على غير المسلم، أيا كانت صفته، ويحافظ على المعاهد والذمي، ويحافظ حتى على الزائرين الذين يأتون للسياحة أو التجارة، هؤلاء يسمون معاهدين، والرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي بلغنا هذا الدين عن ربه سبحانه وتعالى، ترك لنا ثروة كبيرة جدا من الأحاديث النبوية الصحيحة المتواترة توصي بأهل الذمة والمعاهدين الذين يأتون إلى مصر لتأدية عملهم مثل السفراء أو للسياحة، هؤلاء جميعا في ذمة المسلمين حتى يعودوا إلى بلادهم وهم سالمون، والرسول، (صلى الله عليه وسلم)، يقول: «من قتل معاهدا فأنا بريء منه يوم القيامة»، ويقول أيضًا: «من أذى معاهدا كنت أنا عدوه يوم القيامة».


وتابع: الذين يتهمون الإسلام بأنه السبب في الإرهاب هم أعداء الإسلام والمسلمين، ويريدون أن يلصقوا بالإسلام أي شيء، لذلك انتشرت ما تسمى بظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب؛ نتيجة لارتكاب الذين يتمسحون بالإسلام الفواحش، وعلى رأسهم داعش، والذين يطلقون عليها زورا وبهتانا بالدولة الاسلامية، فالاسلام برىء من هؤلاء الذين يقتلون الناس ويذبحونهم ويمثلون بجثثهم فالإسلام لا يقر بقتل الناس.

ويضع الخبراء الأمنيون عدة أسباب للإرهاب، منها شعور الجماعة الإرهابية بالغبن والظلم والبحث عن استرجاع حقوقها بطريق القوة المفرطة، والتأثر بالنص الديني المتشدد الذي يحث على لزوم إحقاق الحق، وإدحاض الباطل، ولو بـ«الوسائل التخريبية»، أو تلك النصوص التي تبيح دماء وأموال وأعراض غير معتنقي الدين، أو المذهب الذي يتبناه الإرهابي، غطرسة الدول العظمى وسعيها في تعزيز نفوذها وسطوتها وهيمنتها على الدول الضعيفة من خلال زرع الخلايا الإرهابية الضاربة في أمن وسلامة تلكم الدول بغية إجبارها أن تستغيث بقوة نفس الدول الراعية للإرهاب.


ومن الأسباب أيضا: قيام الدول الراعية للإرهاب بتحطيم اقتصاديات الدول الصغيرة من خلال ضرب وخلخلة الأمن فيها، عبر تدريب وتهيئة الخلايا الإرهابية الناشئة أساسًا على ثقافة الدم والمتأثرة بالنصوص الدينية المتشددة، فتزداد الدول القوية قوة وانتعاشًا.


وأكد كثير من الخبراء، أن الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة، حديثة، لا دين له، ولا وطن، وقد تتغير أشكاله وأساليبه بتغير الزمان والمكان، ولكنه يظل -دائمًا- مرتبطًا بالإنسان أيًّا من كان، وأيًّا ما كانت عقيدته أو مِلَّته أو مذهبه الفكري، ومن الخطأ نسبته إلى دين دون آخر، وأن عدم تحديد مفهوم الإرهاب وأسبابه، يفسح المجال لتوسيع دائرة الاتهام، لكل من يخالف السلطات أو الحكومات والأنظمة، التي لا تحقق العدل والحرية لشعوبها، لتحقيق أغراضها في ظلم الشعوب وقهرها، وأن اتهام المسلمين دومًا بأنهم صانعو الإرهاب، يكرس مفهومًا خاطئا عن الدين الإسلامي، ويدفع بعض الأفراد والجماعات لتبني أعمال العنف، لشعورهم بالظلم والاضطهاد، بالرغم من ممارسة بعض أصحاب الديانات الأخرى للعديد من الأعمال الإرهابية.