رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كل ما تريد معرفته عن "حلاوة المولد".. ابتدعها الفاطميون.. احتفل بها الفرنسيون.. هزمت صلاح الدين.. ووزعت دومًا بالمجان

النبأ




نحتفل كل عام بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الثاني عشر من ربيع الأول، ولا تخلو الشوارع من مظاهر الاحتفال التي تسبق المولد النبوي بفترة، ولعل أبرزها الخيام الملونة وحلوى المولد والعرائس وغيرها، ورغم الارتفاع الكبير في أسعار "حلوى المولد" هذا العام، ودعوات مقاطعتها التي خرجت بعضها من البرلمان، إلا أنها لا تزال تلقى رواجًا كبيرًا في البيع، يحدثنا الباحث الأثري سامح الزهار عن نشأة حلوى المولد، ومظاهر الاحتفال به في العصور المختلفة، وكيف انتصرت الحلوى على صلاح الدين الأيوبي عندما أراد إلغائها، وكيف كان شكلها في الماضي، والدلالة التاريخية لحصان وفارس المولد، وكيف حرص الحكام والسلاطين على مر العصور على استماله الشعب بتلك الاحتفالات، حتى أن نابليون بونابرت قائد الحلمة الفرنسية اهتم باحتفالات المولد دونًا عن غيرها، والمفاجأة أيضًا عندما سألناه عن مظاهر الاحتفال المختلفة بالمولد في الدول العربية، وإلى تفاصيل الحوار:





متى بدأ الاحتفال بالمولد النبوي؟




إن بداية الاحتفال بالمولد النبوى تزامن مع دخول الفاطميين إلى مصر، فقد أقيم أول احتفال بالمولد النبوى الشريف فى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، وهو أول من أسس لهذا الاحتفال فقد كانت الدولة مكتملة "الخليفة والوزراء و عامة الشعب" يستقبلون هذه المناسبة.






وما مظاهر الاحتفال بالمولد وقتها؟




تبدأ الاحتفالات من أول ربيع الأول حتى الثاني عشر من الشهر، و كان من أهم سمات هذا العصر الاحتفال بهذه المناسبة الإفراط فى صنع الحلوى بأشكالها المختلفة كالطيور والقطط والخيول والعرائس "أي عروسة المولد" كما تم ابتكار نظامًا جديدًا يهدف إلى تخزين المواد الغذائية من سمن وسكر و دقيق، حتي يتم تصنيع الحلوى حيث كانت الحلوى توزع بأمر الخليفة على جميع طبقات الشعب فى جميع المناسبات الدينية وبصفة خاصة المولد النبوى بالمجان.






كيف انتصرت "حلوى المولد" على صلاح الدين الأيوبي؟





فى العصر الأيوبي تم إلغاء جميع مظاهر الاحتفالات الدينية، وكان صلاح الدين الأيوبى يهدف إلى تقوية دولته عسكريًا و مواجهة ما يهددها من أخطار ومحو جميع الظواهر الاجتماعية التي ميزت العصر الفاطمي، للتخلص من المد الشيعي، ورغم نجاحه في تحويل مصر للمذهب السني، حتى أن الأزهر الذي أسسه الفاطميون لتعليم الشيعية أصبح أهم منبر للسنة في العالم الإسلامي، إلا إنه لم يتمكن من القضاء على حلاوة المولد، وانتصرت هي عليه.






وكيف تعاملت الدولة مع "حلوى المولد" بعد هزيمتها لصلاح الدين؟




فرضت احتفالات المولد بكل مظاهرها نفسها بقوة، وفي بداية الدولة المملوكية اتخذ الاحتفال بمولد النبى الكثير من العظمة، ليتناسب مع ما شهده المجتمع من رفاهية، وكان السلاطين حريصين على مشاركة الشعب الاحتفال بهذه المناسبة حيث كان يقيم السلطان بالحوش السلطانى خيمة فى القلعة تسمى خيمة المولد.




وما مظاهر الاحتفال به آن ذاك؟





وكان أول من أسس هذه الخيمة السلطان قايتباى و التي وصفت بأن هذه الخيمة زرقاء اللون على شكل قاعدة فى وسطها قبة مقامة على أربعة أعمدة وبلغت تكلفتها حوالى ستة وثلاثين ألف دينار، وكان يوضع عند أبوابها أحواض تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون، وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس والمزينة بالنقوش، ويبدأ المقرئون فى التلاوة بآيات القرآن الكريم، وكلما انتهي مقرئ أعطاه السلطان صرة بها ٥٠٠ درهم فضة، وبعد صلاة المغرب يتم توزيع الحلوى السكرية، وفى صباح يوم المولد يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا.






هل اقتصر الاحتفال بالمولد على السلاطين المسلمين؟




في زمن الحملة الفرنسية اهتم نابليون بونابرت بإقامة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وقام بإرسال ٣٠٠ ريال إلى منزل الشيخ البكرى نقيب الأشراف في مصر، وأرسل الطبول الضخمة والقناديل لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية.



وفي عهد الأسرة العلوية أصبحت مسؤولية الاحتفال تقع على عاتق نقيب الأشراف الذى يتلقى أموالاً من الخزانة العامة للدولة وإدارة الممتلكات الخديوية، التي تخصص كميات كبيرة من الأرز واللحوم والسكر لبيعها فى الإحتفالات، ومن مظاهر تلك الاحتفالات أن تزدان خيمة البكرى بزيارة الخديوي و معه والعلماء والأعيان لسماع قصة المولد النبوى و توزع الحلوى وشراب الليمون.



وفى العصر الحديث و تحديداً عهد الملك فؤاد انتقلت ساحة الاحتفال إلى العباسية و تولت وزارة الأوقاف اقامة السرادقات طوال فترة الاحتفالات.






ماذا عن شكل حلوى المولد في الماضي؟




عن حلوى المولد يذكر المقريزي أنه وقت الدولة الفاطمية شُكلت الحلوى على هيئة 1000 صورة و تمثال و كان هناك سوق يسمى "سوق الحلاويين" تصنع فيه التماثيل من السكر على أشكال (خيول – سباع – قطط – إلخ) و سميت بـ "العلاليق" حيث أنها كانت تُعلق على أبواب الحوانيت (أي المتاجر) بخيوط رفيعة.



أما عن وصف "عروسة المولد" فذكر المقريزي إنها كانت تصنع من السكر على هيئة حلوى منفوخة و تجمل بالأصباغ و تشكل على هيئة عروس تضع يداها في خصرها، و تزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها.


وأما عن "حصان المولد" أو بمعنى أدق "الفارس والحصان" فهناك روايتين في رمزيته، فالرواية الأولى تقول أنه يرمز للخليفة صاحب الفتوحات و البطولات و الانتصارات، و الرواية الثانية تشير إلى أنه فى فترة حُكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله قد تم منع الاحتفالات – بما فيها احتفالات الزواج – فيما عدا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، و بالتالي فقد انتهز البعض فرصة احتفال الدولة بالمولد النبوي الشريف و قرر عدد كبير ممن قدموا على خطوة الزواج بالاحتفال بالزواج في أثناء احتفالات المولد النبوي، وهذا التمثال الحلوى "الفارس والحصان" هو إشارة رمزية إلى الزوج الذى انتصر بالاحتفال بزواجه و يمتطى جواده ليأخذ زوجته إلى البيت الجديد.








وما مظاهر الاحتفال به في الدول العربية المختلفة؟




الاحتفال بالمولد يقتصر فقط على مصر، وخاصة فيما يتعلق بمظاهره وحلواه، وعن تجربة شخصية كنت في زيارة لإحدى الدول العربية، وتزامنت مع المولد النبوي، ولم أجد أيًا من مظاهر الاحتفال التي تسبقه في مصر، وبعد بحث طويل عن حلوى المولد أكد لي رجل إنه قادر على إحضار قطعة لي، وبعد يومين بالفعل أحضرها، وكان يتعامل معها كأنها شيء قيم يصعب الحصول عليه، وبمجرد أن تذوقتها وجدتها سيئة للغاية ولا تشبه تلك التي تباع في مصر.