رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ممدوح الولي: «تعويم الجنيه» لن يؤدي لزيادة الصادرات والاستثمارات والسياحة!.. «حوار»

ممدوح الولي - أرشيفية
ممدوح الولي - أرشيفية

أكد مجلس الوزراء برئاسة المهندس شريف إسماعيل، أن «تعويم الجنيه» سيحقق الكثير من النتائج الإيجابية خلال الفترة القادمة، من أهمها زيادة الصادرات والاستثمارات الأجنبية وانتعاش السياحة، فما مدى صحة ذلك من الناحية الاقتصادية؟

يجيب عن هذا السؤال ممدوح الولي الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.


وأكد "الولي" رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، والخبير الاقتصادي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حوار مع "النبأ" أن ذلك صحيح من الناحية النظرية، لكنه غير قابل للتحقيق على أرض الواقع في مصر حاليا..


في البداية كيف ترى ما تقوله الحكومة من أن تعويم الجنيه سيؤدي إلى زيادة الصادرات والاستثمارات الأجنبية وانتعاش السياحة؟

هذا صحيح من الناحية النظرية، وهذا هو الكلام النظري الذي يجب أن يتم في أي دولة تقوم بتخفيض عملتها.


كيف؟

المفترض نظريا أنه عند تخفيض العملة تصبح الصادرات رخيصة، فمثلا لو أن شركة قامت بتصدير سلعة قيمتها 100 دولار، وكان سعر الدولار 9 جنيهات، تصبح قيمتها بالعملة المصرية 900 جنيه، لكن عندما يرتفع سعر الدولار إلى 16 جنيها، مثلا تصبح قيمة البضاعة بـ1600 جنيه، وبالتالي زاد دخل المصدر 700 جنيه عن نفس الكمية، وبالتالي قيمة السلعة بالنسبة للمستورد أصبحت رخيصة، وهذا يشجع على زيادة الصادرات.  


وماذا عن السياحة والاستثمارات الأجنبية؟  

لو كان سعر الليلة في فندق خمس نجوم للسائح بـ100 دولار، وقيمتها بالمصري 900 جنيه، على أساس أن سعر الدولار 9 جنيهات، فلو تم تخفيض قيمة العملة وأصبح الدولار بـ16 جنيها، يستطيع السائح الحصول على غرفتين بالمائة دولار بدلا من غرفة واحدة، وبالتالي السياحة أصبحت رخيصة، وهذا ينطبق على الاستثمارات الأجنبية.


وهل هذا سوف يتحقق في مصر بعد تعويم العملة؟

هذه الفوائد لن تتحقق للاقتصاد المصري بعد تعويم أو تخفيض العملة.


لماذا؟

عندما يتم تصدير سلعة مصرية مثل الدواء، هذا الدواء 90% من الخامات المستخدمة في صناعته مستوردة من الخارج بالعملة الصعبة أو بالدولار، فمثلا لو أن قيمة المادة الخام 100 دولار، عندما كان سعر الدولار 9 جنيهات، كانت قيمتها بالمصري 900 جنيه، وعندما أصبح سعر الدولار 16 جنيها، أصبحت قيمتها بالعملة المصرية 1600 جنيه، وبالتالي ارتفعت قيمتها بالعملة المصرية، وبالتالي عندما يقوم المصدر بتصدير الدواء للخارج لابد أن يكون سعره غاليا، وهذا يجعله غير قادر على المنافسة مع الدول الأخرى، سلعة أخرى مثل حديد التسليح 90% من خاماته مستوردة، وبالتالي ينطبق عليه ما ينطبق على الدواء، بالاضافة إلى أن هناك عوامل أخرى لا ينظر لها الكثيرون، وهي أن الأسواق الأوربية لا تنظر لموضوع السعر فقط، لكنها تنظر للسعر والجودة، كما أن التصدير يحتاج إلى عمل حملات تسويقية وتعاقدات والحصول على فرصة في الأسواق الدولية، وهذا يحتاج إلى وقت كبير، كما أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى رفع ثمن السلعة بخلاف سعر الصرف.


ما هذه العوامل؟

مثل ارتفاع سعر الفائدة على الاقتراض، والذي وصل إلى أكثر من 23% بعد زيادة أسعار الفائدة في البنوك، هذا السعر سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتجات، وبالتالي لا تستطيع المنافسة مع مثيلاتها في الخارج، حيث إن سعر الفائدة في أغلب دول العالم لا يتعدى 3%، كما أن قيمة الضريبة في مصر مرتفعة جدا بالمقارنة بالدول الأخرى، وكذلك أسعار الأراضي.


وماذا عن السياحة؟

بعد حادثة الطائرة الروسية، وقتل السياح المكسيكيين، تم تخفيض الأسعار بنسبة كبيرة في شرم الشيخ والغردقة، ورغم ذلك لم يأت السياح إلى مصر.


لماذا؟

لأن رخص الأسعار ليس هو الحاكم أو العامل الوحيد الذي يشجع السائح على زيارة مصر، لكن أمانه الشخصي على حياته يأتي في المرتبة الأولى، كما أن السائح في الخارج لا ينظر لمصر فقط، لكنه ينظر لمنطقة الشرق الأوسط وما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، كما أن حوادث الطرق من أهم العوامل التي تعيق تدفق السياح لمصر، فمصر الأولى في العالم من حيث حوادث الطرق، وهناك عوامل أخرى كثيرة أهمها موضوع التحرش بالسائحات، وحوادث النصب التي تتم على السياح، لذلك منذ أيام مبارك كانوا يطلقون على السياحة في مصر بـ "سياحة المرة الواحدة" نتيجة للممارسات السلبية التي تمارس ضد السياح، كما أن روسيا وانجلترا يتفاوضون مع مصر على أمن المطارات وليس على الأسعار، وبالتالي هناك عوامل أخرى كثيرة بخلاف رخص الأسعار تتحكم في تدفق السياح لمصر. 


وماذا عن الاستثمارات الأجنبية؟

هناك 60 عنصرا للتنافسية يدرسها المستثمر الأجنبي قبل الذهاب إلى أي دولة يريد الاستثمار فيها، أهمها الاستقرار السياسي والأمني، ووضع الأقليات، ووضع القضاء، هل قضاء نزيه وعادل أم قضاء متحيز، وهل المنافسة في السوق مفتوحة أم أنها مقصورة على أشخاص معينين، وهل اسناد المشروعات يتم بالأمر المباشر أم بالمناقصات والعطاءات، وما مدى تدخل القوات المسلحة في النشاط الاقتصادي، وهل تدخلها يجور على القطاع الخاص وبالتالي تصبح المنافسة منعدمة، وكذلك سعر الفائدة هل هو مرتفع أم يتماشى مع المعدلات الدولية، والتضخم، واجراءات التصدير والاستيراد، والاجراءات الجمركية، والبنية التحتية، من طرق وكبارى وغيرها، وبالتالي اختزال هذا الموضوع في سعر الصرف يصبح نوعا من الهزار.


لكن كيف ترى ما تتخذه الحكومة من إجراءات؟

كلام عام وغير علمي ونوع من الفهلوة.


لكن الحكومة تؤكد أن الشعب سوف يجنى ثمار هذه الإجراءات خلال ستة أشهر على الأكثر؟

رئيس البنك المركزي يريد تكرار تجربة فاروق العقدة، من خلال الوصول بالدولار إلى أقل من 13 جنيها، وهو ينسى أن الجزء الأكبر من الموارد الدولارية عبارة عن قروض، وليست موارد، وبالتالي هو يبنى توقعاته على أساس انتظام الموارد الدولارية المتمثلة في قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج والاستثمارات الأجنبية، رغم أن هذه الموارد في انخفاض مستمر، ولن تزيد في القريب العاجل، فحتى لو تم حل المشكلات المتعلقة بعودة السياحة الروسية والانجليزية، فإن تدفق السياح لن يتم قبل أكتوبر 2017، وبالتالي لن تتحقق أمنيات تخفيض سعر العملة لأن موارد الدولار في انخفاض، كما أن الجزء الأكبر من قيمة الصادرات السلعية والبترولية في ميزان المدفوعات الذي يبلغ حوالى 19 مليار دولار، غير حقيقي، وموجود على الورق فقط. 


كيف؟                      

هذا المبلغ يشمل المصدرين المصريين والمصدرين الأجانب، المصدرين الأجانب لا يقومون باسترجاع الدولارات لمصر، أما المصدرون المصريون فأغلبهم يضع الدولارات في الخارج للهروب من الإجراءات الروتينية في الداخل، كما أن أغلبهم يقوم بشراء المواد الخام من الخارج بالدولار، وبالتالي المتبقى يمثل القيمة المضافة وهو جزء بسيط جدا من الصادرات، وهذا ما تنساه الحكومة، وبالتالي الجزء الأكبر من هذا الرقم غير حقيقي، ولم يدخل إلى السوق المصري.


لكن الدولة تتحدث عن أكثر من ستة مليارات دولار استثمارات أجنبية؟

6.8 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة، الجزء الأكبر من هذا الرقم لا يمثل استثمارا حقيقيا، وإنما عبارة عن قيمة الأراضي التي يقوم بشرائها المصريين من وزارة الاسكان، وقيمة الشقق التي يقوم المصريون بشرائها من الدولة، قيمة الأسهم التي يقوم بشرائها الأجانب في البورصة، قيمة العقارات والأراضي التي يقوم العرب بشرائها في مصر، وقيمة الشركات التي تقوم الشركات الأجنبية بشرائها في مصر "الاستحواذات"، والأرباح غير الموزعة للشركات الأجنبية الموجودة في مصر، وبالتالي الجزء الأكبر من هذه الرقم لا يمثل استثمارات جديدة ولا ينتج سلعا ولا يضيف فرص عمل.


كيف ترى التغيير الوزاري المحتمل؟

المشكلة ليست في الحكومة، لكن المشكلة فيمن يعطى الأوامر، نفترض أن الحكومة الجديدة أدت أداء رائعا، ثم جاء القرار بعمل مشروع مثل قناة السويس، مثلما أعلن رئيس البنك المركزي السابق ليس هناك حرية اتخاذ قرار للشخص الذي سيأتي.


ما توقعاتك للاقتصاد المصري بعد ستة أشهر من الآن في ضوء تعويم الجنيه؟

بالرجوع إلى تصريحات محافظ البنك المركزي في مارس 2016، عندما قام بتخفيض سعر الجنيه 14%، قال إنه خلال أيام سوف يتدفق الاستثمار الأجنبي، دخل مصر فقط 40 مليون دولار استثمارات، وفي نوفمبر الماضي أصدر شهادات إيداع ب12.5%، وأمريكا لما زودت الفائدة ربع في المئة الدنيا اتقلبت، من أجل عمل أوعية ادخارية بفائدة عالية من أجل سحب السيولة من السوق، فيقل الطلب على السلع والخدمات فينخفض التضخم، وهذا كلام نظرى زي الفل، لكن نسى أن التضخم أنواع وليس نوعا واحدا، والموجود في مصر يسمى الركود التضخمي، يعنى الاسعار تزيد رغم عدم وجود طلب على السلع بسبب ارتفاع تكلفة السلعة وليس زيادة الطلب على السلعة، وبالتالي فشل قرار رفع الفائدة والأسعار لم تنخفض، والآن يكرر نفس الخطأ، ويقوم بزيادة سعر الفائدة 3% لا وعمل الأوعية الادخارية بـ16% و20%، لنفس الأسباب السابقة، وبالتالي كل المزاعم التي قيلت بعد التعويم قالها في نوفمبر الماضي وفي مارس الماضي.


هل السوق السوداء انتهت كما تقول الحكومة بتعويم الجنيه؟

السوق السوداء عادت بعد يومين من تعويم الجنيه، كان هناك محافظ للبنك المركزى اسمه على نجم، له مقولة أصبحت قاعدة "لو الدولة عملت تعويم لسعر الصرف وذهب مواطن للبنك يطلب 100 دولار يبقى النظام فشل"، فالدولة جعلت الناس تفقد الثقة في النظام من بدايته، بعد أن ذهبت للبنك ولم تجد احتياجاتها من العملة، وبالتالي ذهب الناس للسوق السوداء، وما زالت مستمرة حتى الآن.


متى تنتهى السوق السوداء؟

عندما تعود ثقة الناس في الجهاز المصرفي، وعندما تستجيب البنوك لكافة طلبات العملاء من الدولار، وهذا هو مربط الفرس، في ظل وصول العجز في العملات الاجنبية حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي إلى 12.7 مليار دولار، وبالتالي البنك المركزي لم يكن جاهزا لدخول هذه اللعبة، وبالتالي المشكلة هي أن الدولة بدأت النظام بدون تجهيز، مثل الذي يفتح محلا جديدا بدون بضاعة.


وماذا عن الاحتياطي النقدي؟

احتياطي غير حقيقي، فدخل البنك المركزي من الدولار يتمثل في مصدرين فقط هما، دخل قناة السويس، وحصيلة خدمات القنصليات المصرية في الخارج، وبالتالي دخل البنك السنوى من العملة الأجنبية لا يتعدى 7 مليارات دولار.


كيف ترى قرار ارامكو بوقف توريد الغاز والبترول مصر من الناحية الاقتصادية؟

هذا القرار يتطلب من الدولة توفير 700 مليون دولار شهريا لتعويض هذا التوقف، بخلاف السلع الأساسية، ولكن أعتقد أن مصر سوف تعوض ذلك عن طريق ليبيا والكويت وإيران والعراق.