رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«البزنس الحرام» أهم عند الدولة من صحة ودين المصريين.. «تقرير»

زراعة «التبغ» - أرشيفية
زراعة «التبغ» - أرشيفية

عادت قضية السماح بزراعة التبغ في مصر مجددًا لتطل برأسها بعد إعلان الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" عن إعدادها دراسة لعرضها على الشركة القابضة الكيماوية، ووزارة قطاع الأعمال، للسماح للشركة بزراعة التبغ فى عدة مناطق، منها وادى النطرون، على أن يتم تنفيذ المشروع تحت إشراف القوات المسلحة والجمارك، وذلك بهدف تحقيق وفورات تقدر بنحو 200 مليون دولار سنويًا من تكاليف إنتاجها، تمثل قيمة التبغ الذى تستورده الشركة تقريبًا.


فيما أكد رئيس الشركة القابضة الكيماوية، أن الشرقية للدخان تسعى للبدء فى زراعة التبغ فى مصر خلال 2017، بعدما أظهرت الجهات المعنية توافقًا مع بدء زراعة التبغ فى مصر.


تأتي هذه الخطوة على الرغم من الأضرار الصحية الخطيرة الناجمة عن التدخين، ورغم عدم جواز زراعة التبغ من الناحية الشرعية.    


وقدرت منظمة الصحة العالمية في تقرير «اقتصاديات التبغ في مصر»، أن نحو 170 ألف مصري، يلقون حتفهم سنويًا، بسبب الآثار الصحيــة الناجمة عن التدخيـــن، منهم 90% مـــن الذكور، كما تُــقدر المبالغ التي تنفقها الدولـــة المصريـة على علاج الأمراض الناتجة عن تعاطي التبغ بنحو 3.4 مليار جنيه مصري سنويًا.


وتقدر النفقات السنوية لعلاج الأمراض الناتجة عن تعاطي التبغ في مصر، نحو 3.4 مليار جنيه، وحسب المعهد القومي للأورام فإن 90 % من سرطانات «الرئة» يسببها التدخين، ويمثل سرطان الرئة أهم السرطانات الناتجة عن التدخين. 


وتسعى الحكومة المصرية إلى تحصيل نحو 42 مليار و103 ملايين جنيه ضرائب على السجائر ومنتجات التبغ المحلية والمستوردة خلال العام المالي الحالي بزيادة قدرها 9 مليارات و24 مليون جنيه عن الحصيلة المتوقعة في العام الماضي والبالغ قدرها 34 مليار جنيه.


وأكد محمد عثمان، رئيس مجلس إدارة الشركة الشرقية للدخان «إيسترن كومباني» أن صناعة السجائر تعد ثاني أكبر مموّل للخزانة العامة للدولة بعد قناة السويس؛ حيث تم توريد حوالي 30 مليار جنيه لحصيلة الضرائب خلال العام المالي 2015/2016 ومن المتوقع أن تورد الصناعة حوالي 34.1 مليار جنيه في العام المالي 2016/2017.
 
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة الشرقية "إيسترن كومبانى" خلال كلمته باجتماع لجنة الخطة والموازنة لمناقشة مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة في يوليو الماضي، إن السجائر أصبحت بمثابة قضية أمن قومى، قائلا: "المدخن يبحث عن السكر والشاى ورغيف العيش وعلبة سجاير".


والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل فضلت الدولة المصرية البيزنس الحرام على الدين وعلى صحة المصريين؟

وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يبلغ عدد المدخنين في مصر، نحو 14 مليونا و600 ألف مدخن، وتعتبر السجائر أكثر منتجات التبغ استهلاكًا في مصر، كما يستهلك المصريون نحو 84.6 مليار سيجارة سنويا، بحسب تقرير «اقتصاديات التبغ في مصر»، الصادر عن منظمة الصحة العالمية مؤخرًا.


لكن حسب غرفة الصناعات الغذائية "شعبة الدخان والسجائر" فقد انخفضت صادرات السجائر والدخان خلال الربع الأول من العام الجاري لتسجل نحو 12 مليون دولار بقيمة تراجع تصل لنحو 2 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2015.


وقد أرجعت الغرفة هذا التراجع إلى أن المصانع تجد صعوبة في تدبير العملة الصعبة من أجل استيراد المواد الخام "التبغ" نتيجة عدم توفير البنوك لاحتياجاتهم من الدولار وكذلك عدم إلغاء الحد الأقصى للإيداع بالنسبة لقطاع السجائر مما يتسبب في عدم القدرة على الاستيراد.


وأكدت الغرفة أن شعبة الدخان كانت تتطلع إلى رفع حجم الصادرات الشهرية لتصل لنحو 100 مليون دولار، ولكن ارتفاع سعر الدولار بالسوق السوداء وعدم تدبير البنوك للعملة وعدم رد ضريبة المبيعات يقف حائلا دون تحقيق ذلك.

وفي نفس الإطار كشف تقرير حديث صادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن أن حجم الواردات من الخارج من بداية يناير وحتى أبريل من العام الجارى من التبغ ومنتجات التدخين، 151.369 ألف دولار وكذلك فضلات تبغ خام بقيمة 438.030 ألف دولار.


وأضاف التقرير أن من ضمن واردات مصر من منتجات التبغ لفائف غليظة، "سيجار" بأنواعه 16.467 ألف دولار وكذلك سيجار توسكانى من تبغ "السيجار المستخدمة فى صناعته الأدخنة" بقيمة 675 دولارا، ولفائف عادية "سجائر" محتوية على تبغ بقيمة 18 مليونا و607.550 ألف دولار، وتبغ آخر مصنّع للتدخين بقيمة 6677 ألف دولار، وكذلك تبغ الشيشة المحدد بقيمة 699.365 ألف دولار ومعسل 172.622 ألف دولار، وتبغ مفروم بقيمة 41 مليونًا و81 ألف دولار.


وفيما يتعلق بحكم زراعة التبغ من الناحية الشرعية، فقد قال الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جماعة الأزهر الأسبق، إن «الإسلام يحل الطيبات ويحرم الخبائث ويدعو المؤمنين أن يكونوا أقوياء لا أن يعفوا قوتهم بالتدخين وغيره من العادات الضارة التي تضعف الصحة والعقل، وتورث الفتور والإدمان، وخطورة التدخين لا تكمن في كونه مسكرًا فهو غير مسكر، ولا في غلاء سعره عند البعض، ولا في الأضرار الصحية الواضحة فيه فحسب، وإنما تكون خطورته في سرعة الإدمان بالنسبة للمدخنين، وفي سرعة انتشارها وإمكانية تعاطي الدخان في كل وقت، وإذا اتضح لنا هذا فإن الإسلام يقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"، وهذه النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حين تواجه بالأضرار السابقة لا شك أن مقدماتها تنتج لنا نتيجة واحدة وهي أن التدخين حرام».


أما الشيخ عطيه صقر، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف فقال «مكافحة التدخين سواء أكان حرامًا أو مكروهًا أمر يقره الإسلام لأنه يجب للمسلم أن يكون قويا كاملا في كل نواحيه الصحية بوجه عام، وقد جاء في ذلك قول النبي: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)" ومن هذا المنطلق نقول: إن مكافحة التدخين تقوم على دعامتين أساسيتين هما الوقاية، والعلاج».


وتابع صقر: «والوقاية تستهدف الحيلولة دون الوقوع في خطره، كما تحول دون الاستمرار فيه، والعلاج: هو محاولة إنقاذ من وقعوا في براثن الخطر. ومن أساليب الوقاية: التوعية في المدارس والهيئات والمنظمات والنقابات للطلاب والعمال والموظفين، والتوعية تكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن وسائل العلاج تدخل السلطة بإصدار التشريعات المختلفة لمقاومة التدخين، بمنع بيع السجائر لصغار السن وتفضيل غير المدخنين على غيرهم في تولي المناصب القيادي، وبمنع التدخين في الأماكن العامة كالحدائق ووسائل المواصلات وبالحد من إنتاج الدخان وترويجه، وذلك بفرض الضرائب على المنتجين والمستفيدين منه، وبمنع ظهور المدخنين على شاشات التليفزيون والسينما، وبمنع الإعلانات عن أنواع السجائر المختلفة».


وقال شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت، إن «من قواعد الإسلام العامة أنه يحرم ما يحرم، حفظًا للعقيدة أو للعقل أو للمال أو للعرض، وإنه بقدر ما يكون للشيء من إضعاف ناحية من هذه النواحي يكون تحريمه أو كراهته، فما عظم ضرره عظمت حرمته وما قل ضرره قلت حرمته، والإسلام يرى أن الصحة البدنية لا تقل في وجوب العناية بها عن ناحية العقل والمال، وكثيرًا ما حرم الإسلام المباح إذا كان من شأنه أن يغلب ضرره، بل نراه يحرم العبادة المفروضة إذا تيقن أنها تضر أو تضاعف الضرر، وإذا كان التبغ "الدخان" لا يحدث سكرًا، ولا يفسد عقلا غير أن له آثارًا ضارة يحسها شاربه في صحته ويحسها فيه غير شاربه، وقد حلل الأطباء عناصره، أي الدخان، وعفروا فيها العنصر السام الذي يقضي، وإن كان ببطء، على سعادة الإنسان وهنائه، إذن فهو ولا شك أذى وضار، والإيذاء والضرر خبث يحظر به الشيء في نظر الإسلام، وإذا نظرنا مع هذا إلى ما ينفق فيه من أموال كثير، ما يكون شاربه في حاجة إليها ويكون صرفها في غيره أنفع وأجدى، إذا نظرنا إلى هذا الجانب عرفنا له جهة مالية تفضي في نظر الشريعة بحظره وعدم إباحته، ومن هنا نعلم أخذًا من معرفتنا الوثيقة بآثار التبغ (الدخان) السيئة في الصحة والمال، أنه مما يمقته الشرع ويكرهه، وحكم الإسلام على الشيء بالحرمة أو الكراهية لا يتوقف في وجود نص خاص، بذلك الشيء، فلعل الأحكام وقواعد التشريع العامة قيمتها في معرفة الأحكام، وبهذه العلل، وبتلك القواعد كان الإسلام ذا أهلية قوية في إعطاء كل شيء يستحدثه الناس حكمه من حل أو حرمه، وذلك عن طريق معرفة الخصائص والآثار الغالبة للشيء فحيث كان الضرر كان الحظر وحيث خلص النفع أو غلب كانت الإباحة، وإذا استوى النفع والضرر كانت الوقاية خيرا من العلاج».
 

كما أفتى «ابن عثيمين»، بحرمة التدخين وقال «لا يجوز للإنسان أن يبيع الدخان، لأن الدخان محرم، وإذا حرم الله شيئًا حرم ثمنه، ولأن بيعه من باب التعاون على الإثم والعدوان».


من جانبه قال الشيخ على أبو الحسن وكيل لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، يتم تحريم زراعة التبغ أو إباحته حسب المنفعة والمضرة الناتجة عنه، فإذا كان يستخدم في أشياء ضارة بصحة الإنسان فيحرم زراعته، وإذا كان يستخدم في منفعة يجوز زراعته، مؤكدا على أن زراعة التبغ إذا كان يستخدم في صناعة السجائر حرام شرعا لأن السجائر تضر بصحة الإنسان. 
 

وأكد الشيخ عبد الغني هندي أحد علماء الأزهر الشريف، أن تحريم أو إباحة زراعة التبغ يتوقف على الهدف من استخدامه، فإذا كان يستخدم في إنتاج أشياء ضارة مثل السجائر فتحرم زراعته، وإذا كان يستخدم في أشياء مفيدة مثل الأدوية فتجوز زراعته، مؤكدا على أنه لا يجوز شرعا زراعة التبغ من أجل صناعة السجائر وتصديرها للخارج، حتى لو كان ضرره سيقع على إنسان غير مسلم، مشيرا إلى أن الإسلام حافظ على النفس البشرية أيًا كانت ديانتها؛ فقال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فالله تعالي قال "يا أيها الناس" ولم يقل يا أيها المسلمون.