رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حكايات حزينة من دفتر «نساء الإخوان».. «ملف»

مظاهرات - أرشيفية
مظاهرات - أرشيفية

لم تكن فتيات وسيدات جماعة «الإخوان المسلمين»، تدركن أن الأحداث السياسية التي شهدتها مصر في عام 2013، وخروج الدكتور محمد مرسي من الحكم، سيكون عاملًا مهمًا في تغيير وقلب حياتهن «رأسًا على عقب»، لاسيما بعد فض اعتصامي «رابعة والنهضة».



فعلى مدار سنوات، ومنذ تأسيس جماعة الإخوان في عام 1928، كانت نساء الإخوان بعيدات عن كل ما يجري في «الجماعة»، إلا في حالات قليلة، ولكن ثورة يناير، وما تبعها من صعود رئيس منتخب من الإخوان، جعلهن أكثر ثقة بأن الأيام التي ذقن فيها المحن، وهمشن فيها، قد ولت بلا عودة، وأن المستقبل سيكون أفضل، فشرعن في البحث عن دور فاعل داخل التنظيم السياسي الذي ينتمين له.



ولكن جاءت الرياح بغير ما اشتهين، وبدلًا من أن يتحسن حالهن، عشن أسوأ أيام لم تجل بخلدهن يومًا، وأصبحن يحملن همومًا أصعب من أن يقدر شداد الرجال على حملها.



منذ فض «اعتصام رابعة» في أغسطس 2013، والسنوات التي تلته، عانت قطاعات واسعة من الإخوان والإسلاميين والثوريين من السجن والقتل، ولكن معاناة نساء الإخوان كانت الأشد، فوجدت السيدة منهن نفسها بين عشية وضحاها، إما أرملة أو معتقلة أو زوجة لمعتقل، وأصبحت حياتها بطعم المرارة والألم، وسط دولة لا تبالي بأي حق لها، وتريد الانتقام منها على فعلة لم تفعلها.

أم عمر.. زوجة رجل مطارد وأم شابين في المعتقل


في أحد الأحياء الشعبية، في وسط القاهرة، بدأت قصتنا، مع «أم عمر»، سيدة خمسينية تنتمي وزوجها وأبناؤها لجماعة الإخوان المسلمين، عاشوا في رغد من العيش طوال سنوات زواجها التي جاوزت الثلاثين عامًا، وكان زوجها يمتلك مصنعًا لـ«المبردات»، ويعمل بالتجارة، ولكن منذ تاريخ فض اعتصام «رابعة العدوية»، انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وضرب بيتها الصغير زلزال هز أركان الأمان فيه، ولم يعد لسابق عهده.



طوال السنوات الثلاث التي تلت فض اعتصام «رابعة العدوية»، تحولت «أم عمر» من زوجة تنعم في كنف زوجها وتحتضن أبناءها، إلى مطاردة، وزوجة لمطارد، وأم لابنين غيبتهما السجون.



في ديسمبر 2013، بينما كانت «أم عمر» تعد الطعام لزوجها الذي عاد لتوه من عمله، إذ بأبواب المنزل تنكسر، ويقتحم أفراد الشرطة بيتها ليعتقلوا زوجها، بتهمة الانتماء لجماعة «الإخوان المسلمين»، وبعدها أُودع سجن «عتاقة» بالسويس، وحكم عليه بالسجن في مارس 2014 لمدة 3 سنوات، ولم تكن هذه سوى بداية معاناتها.



تقول «أم عمر»، في حديثها لـ«النبأ»: «بعد القبض على زوجي، عملنا استئنافا في القضية الخاصة به، وحصل على البراءة فيها، لكنه عاد للأمن الوطني بقضية جديدة، وحصل فيها كذلك على البراءة، ثم عاد ثانية لهذا الجهاز الأمني، وتكرر هذا الأمر 4 مرات».



في نهاية الأمر، أُفرج عن زوجها؛ لعدم وجود قضية من الأساس، ولكنه بعد خروجه فوجئ بأنه محكوم عليه غيابيًا لمدة عامين في قضية لم يسمع بها، فقرر أن يعيش مطاردًا بدلًا من العودة لـ«دوامة السجون».



حدث كل هذا، بينما كان ابنها «عمر»، الطالب بالفرقة الأولى بكلية الدراسات الاسلامية جامعة الأزهر، قد ألقي القبض عليه في مارس 2014، من أمام مقر جماعة «الإخوان المسلمين»، بتهمة الانتماء لجماعة «محظورة».



بقي «عمر» في قسم ثاني مدينة نصر 45 يومًا، ثم تم ترحيله لسجن «أبوزعبل»، لسجن «وادي النطرون»، وتعرض هناك لانتهاكات جنسية، وإيذاء شديد، ثم نقل لسجن ملحق وادي النطرون، وحكم عليه في مارس الماضي بالسجن 5 سنوات وغرامة 100 ألف، وفي الاستئناف تم إلغاء الحبس، والاكتفاء بغرامة 50 ألفا، وأثناء إنهائه إجراءات خروجه، علم بوجود حكم غيابي في السويس 10 سنوات، وتم ترحيله لسجن «عتاقة» بالسويس في إبريل 2016.



أما ابنها الأكبر «عبد الرحمن»، فلم يسلم هو الآخر من الملاحقات الأمنية؛ حيث جرى اعتقاله في نوفمبر 2014، بعد خروجه من الخدمة العسكرية.



تقول «أم عمر» عن ابنها «عبد الرحمن»: «كان لسه مخلص الجيش.. كان في شرطة عسكرية ومن خير أجناد الأرض.. ثم أصبح بعد شهر من أداء الخدمة من شر إرهابيي الأرض».



وتابعت: «بعد القبض على زوجي، اعتمدت على عبد الرحمن في إدارة عمل أبيه لمدة شهر، للإنفاق على الأسرة، ولكني في النهاية حرمت منه، لأبقى بلا عائل».



كانت الاتهامات الموجهة لـ«عبد الرحمن»، هي الأخطر، ما بين تنفيذ عمليات نوعية، وحرق سيارات شرطة، والقائمة تطول، وتم اتهامه في 5 قضايا، منها اثنتان أمام القضاء العسكري، حكم فيهما بست سنوات، وواحدة أمام القضاء المدني، حكم فيها بسنتين، وربع مليون غرامة، ويتبقى اثنتان لم يفصل فيهما بعد.



أصبحت الأم تعيش مع زوجها «المطارد» بعد أن قرر ترك السويس والهجرة للقاهرة، في حين أنه أصيب بمرض القلب والتهاب الكبد، ولم يعد يقوى على العمل فضلًا عن خوفه من القبض عليه في أي وقت، في حين أصبح مطالبًا بالإنفاق على زوجته وطفل، عمره 11 عامًا، وآخر في الثالثة من عمره.



«طبعا حاليًا بنعاني ماديا جدًا، لأن الزيارات بتتكلف كتير إضافة للإيجار اللي زاد علي 1100 جنيه، والمعاناة الأكبر إني بروح الزيارات لوحدي؛ لأن والدهم مش بيشوفهم من سنتين ونصف، وبسافر لكل واحد من ولادي في سجن غير التاني»، تضيف «أم عمر»، في شعور شديد بالضعف، ولكنها سرعان ما تعاود حديثها في ثبات:«بس بحمد ربنا كتير على استعماله لنا، دائما كنت بدعي اللهم استعملنا ولا تستبدلنا».



تزداد معاناة نساء الإخوان باعتقال أبنائهن وأزواجهن، وخاصة الصغيرات منهن عندما يجدن أنفسهن أمام أسرة تتقاذفها الأمواج، وهي تبحر لتوها، وتجد الفتاة التي عاشت تحلم بزوج يرعاها ويحميها، وتعيش في كنفه، تجد نفسها زوجة لمعتقل، يقضي في السجن سنوات أكثر مما قضى معها، بينما يكبر أبناؤها ويخطون أولى خطواتهم في الحياة، ولا يجدون أبًا يحنو عليهم ويرعاهم.


آية.. زوجها معتقل في قضية اللجان النوعية

كانت «آية حسني»، واحدة من الفتيات اللاتي عانين من تبعات التطورات السياسية والأمنية التي تلت «30يونيو»؛ فقد اعتقل زوجها «طه» في القضية ٦١٠ لسنة ٢٠١٤، والمعروفة إعلاميًا باسم «اللجان النوعية».



فزوجها الشاب صاحب الثلاثين ربيعًا، كان يعمل مهندسًا كهربائيًا، ويمتلك شركة كبيرة للتوريدات الكهربية، وكان لديه طفل عمره عام ونصف العام، وينتظر مولودًا جديدًا، ويعيش في سعادة غامرة مع زوجته التي كانت تنتمي لجماعة «الإخوان المسلمين» مثله.



لكن دوام الحال من المحال، فقد تبدلت كل هذه الحياة للأسوأ، خاصة بعد اعتقال الزوج.



تحكي «آية» في حوارها لـ«النبأ»، بداية رحلة المعاناة والفراق التي بدأت قبل عامين: «بعد اعتقال زوجي، الشغل وقف، ومقدرناش نسلمه، فكان في ديون للشركات، وصفينا الشركة الخاصة بالتوريدات الكهربائية».



وتابعت: «كنت بشتغل في شركة محاسبة، لكن بعد الاعتقال.. وضعت بنتًا، وكان معي ابني عمره سنة ونصف السنة، فكان لازم اقعد في البيت، وبدأت أفكر في عمل، وعملت مشروع أدوات تجميل».



تعاني «آية»، كلما ذهبت لزيارة زوجها في «سجن العقرب» سيئ السمعة، وكلما سمعت من زوجها، أو عرفت ما يجري له من تعذيب وإهانة، ورأت جسده الذي أصبح هزيلًا بعد فقدان 40 كيلو من وزنه، فتظل الدموع تنهار من عينيها طوال وقت الزيارات، وبعد عودتها لبيتها، بينما تعد الأيام من جلسة إلى أخرى، وهي لا تعرف حدًا لهذا الانتظار، خاصة مع عدم صدور حكم نهائي ضد زوجها.



«حاولت كتير جدًا التظاهر والمشاركة في اعتصام.. عشان يفرجوا عن زوجي؛ لأنه مظلوم، بس خلاص معدش ينفع، للأسف خلاص المعتقلين وأهاليهم معدش ليهم حد يسال فيهم، ويدور علي خروجهم، وطبعا أولهم الإخوان اللي سافروا، واللي خافوا واستسلموا للأمر الواقع»، هكذا تقول «آية».



وتضيف: «بفكر كتير إن زوجي مش هيخرج، وإني لازم أحاول أتأقلم على الوضع ده، ففي المجتمع نجد سيدة أرملة أو مطلقة، وأنا أصبحت حالتي زوجة معتقل، بقى أمر واقع صعب تغييره، إن لم يكن مستحيل، منتظرين فرج الله، ومعجزة من عنده».



تنتظر «آية»، وتحسب الساعات والدقائق لتعرف مصير الحكم على زوجها، وتبدأ حساب سنوات حبسه، حتى يخرج ويعود لها ولأبنائه.



ياسمين.. ابنة ضابط جيش توفي «بعلها» في فض «رابعة»


«ياسمين»، إحدى فتيات الإخوان أيضًا، لم تعد تفعل ما تفعله «آية»؛ فزوجها الذي خرج للتظاهر، ورافقته في اعتصام «رابعة العدوية»، قُتل ليلة الفض، ولن يعيده ألف انتظار.



«ياسمين» كمئات مثلها فقدت زوجها وأب أبنائها في فض اعتصامي «رابعة العدوية»، و«النهضة»، وبعد أن كانت ترسم مستقبلًا مشرقًا، لها مع أسرتها وزوجها، وتسعى لتحقيق مطلب سياسي، وهو عودة رئيس منحته صوتها، أصبحت حياتها بلا معنى، ولم يعد يهون عليها غير أطفالها، التي قررت أن تعيش من أجلهم، بينما تتخوف من المستقبل ومن زيادة نفقات الأبناء التي ربما لا تستطيع الإيفاء بها.



«الحمد لله.. أنا أحسن من غيري من الأخوات، وبعيش من معاش والدي اللي كان ضابط في الجيش، ولكن بحس بضغط وبخاف من المستقبل»، هكذا تقول «ياسمين»، التي قررت أن ترضى بقضاء الله، وتكمل ما بقي من عمرها في تربية ابنائها، ولكنها آلت على نفسها أن تعيش على المبادئ التي مات عليها زوجها، وتكمل حياتها في جماعة «الإخوان المسلمين»، وتدافع عن عودة المسار الديموقراطي.


سناء عبد الجواد.. زوجة البلتاجي و«خنساء العصر»

بقتل الزوج أو الأب أو الابن أو اعتقال بعضهم، يتغير لون حياة كثير من نساء الإخوان، اللائي عشن عذابات كثيرة، خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن بقيت «سناء عبد الجواد»، زوجة الدكتور محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، أكثرهن ابتلاءً حتى أطلق عليها نساء الإخوان اسم «خنساء العصر».



تعرضت «سناء عبد الجواد» لكل ألوان الانتهاكات، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فقتلت ابنتها الوحيدة «أسماء» في فض اعتصام رابعة العدوية، ثم اعتقل ابنها الأكبر، ثم اعتقل زوجها، الذي يواجه الاتهامات في 35 قضية، وحكم عليه بالإعدام وبأحكام، 220 سنة.



اعتقل ابنها الثاني «أنس»، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، واعتقل ابنها «خالد»، صاحب الـ17 عامًا مرتين، تعرض خلالهما لكل ألوان التعذيب، مثل شقيقه «أنس»، وتمت مطاردة ابنها الصغير «حسام»، 14 عامًا، حتي أنه كان لا يستطيع أن يبيت في بيته، أو يذهب إلى مدرسته.



ولم تسلم هي نفسها من تلك الانتهاكات، وتعرضت للاعتقال وحكم عليها بالسجن 6 أشهر، ثم حصلت على البراءة في جلسة تظلم على الحكم، وكانت مطاردة طوال فترة الحكم، ظلت في أحد الأماكن لا تستطيع زيارة زوجها وابنيها المعتقلين، واضطرت للسفر للخارج، لتجمع بين ألمي الفراق والغربة.



على مدار السنوات الثلاث الماضية، تصاعدت الانتهاكات ضد المراة في جماعة الإخوان من كل صوب وحدب، حتى وصل عدد النساء المعتقلات من الجماعة نحو 40 سيدة وفتاة، و2023 تم اعتقالهن، وأفرج عنهن بعد شهور، وبعضهن بعد أكثر من عام.



ورغم كل ذلك، استطاعت نساء الإخوان الثبات في وجه ذلك، ولفترات طويلة امتلأت مظاهرات الإخوان المسلمين بالنساء، في وقت آثر كثير من الرجال السلامة، ولكن تبقى نساء الإخوان جرحا ينزف في صدر الوطن.