رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اشتعال فتنة أهل السنة والجماعة بين الأزهر والسلفيين

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

بالتواريخ والتفاصيل.. تعرف على الأشاعرة والماتريدية والصوفية

جميع الطوائف السلفية الحالية تقتبس مناهجها من كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب

أتباع الأشعري لا يكفرون إلا من يكفرهم والسلفية يرون أن التكفير حق لله

يبدو أن الأزمة التي فجرها شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، خلال مؤتمر أهل السنة والجماعة، الذي عُقد بالعاصمة الشيشانية جروزني الشهر الماضي، لن تزول آثارها قريبًا؛ فاستثناء الإمام الأكبر لجموع السلفيين من الدخول في مفهوم أهل السنة والجماعة، أثار حالة واسعة من الغضب، والاستياء في أوساط السلفيين في مصر والسعودية، لاسيما أن الطيب لم يذكر أيضًا الوهابية ضمن المذاهب السنية.

وأغلب الظن أن هذا الاستثناء كان متعمدًا، لاسيما وأن شيخ الأزهر سافر برفقة عدد من رموز الفرق الأشعرية، والصوفية، بجامعة الأزهر، ومن بينهم الدكتور عبدالفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، والمعروف بأنه من مريدي الصوفية الخلوتية، والدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمد المحرصاوي عميد كلية اللغة العربية، وهو أشعري المذهب.

بينما لحق ما يقرب من 200 عالم، من علماء الطرق الصوفية والأشاعرة والماتريدية بركب شيخ الأزهر، ومن بينهم الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، والمعروف بميوله الصوفية المتشددة، والدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية، وكيل اللجنة الدينية بالبرلمان، في مقابل غياب تام لكل ممثلي التيار السلفي بطوائفه المختلفة.

ويبدو أن المشاركين في المؤتمر تم اختيارهم بدقة من قبل الأزهر، وجمهورية الشيشان والمعروف عن رئيسها الحالي رمضان قاديروف عدائه الشديد للحركة السلفية.

واعتبر المؤتمر أن أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية والصوفية، فما هي هذه الفرق التي اعتبرها المؤتمر أهل السنة، وما الفارق بينها وبين السلفية؟

الأشاعرة

هي فرقة إسلامية تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري وهو من ذرية الصحابي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وولد بالبصرة سنة 270هـ، ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل: الأولى اتبع فيها مذهب المعتزلة، فرقة ظهرت في القرن الثاني الهجري، وتعتمد على العقل فقط في فهم الإسلام وتخالف باقي الفرق الإسلامية في أول الدين، وبقي علي هذا المنهج حوالي أربعين سنة، ثم تحول إلى اتباع عبد الله بن سعيد بن كُلاّب، أحد علماء البصرة في تلك الفترة، وتأثر به، وهي المرحلة الثانية.

ورجع أبو الحسن الأشعري عن مذهب "ابن كلاب" إلى مذهب أهل الحديث والأثر -السلف- وأقر باتباعه لمنهجهم في آخر كتاب ألفه وهو كتاب الإبانة، واتبع مذهب أحمد بن حنبل الذي كان من أشد الناس عداءً لـ"ابن كلاب"، بينما اعتبر ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أن الأشعري ظلت عليه بقايا من مذهب "ابن كلاب" رغم تقربه من مذهب السلف.

لكن من تبعوا مذهب "الأشعري" في وقت لاحق خلطوا بين كلامه وكلام بعض الفرق الأخري مثل الجهمية، فرقة خارجة عن الإسلام من تأسيس الجهم ابن صفوان ظهرت في عهد الدولة الأموية- والمعتزلة، بل والفلاسفة أيضًا ؛ وخالفوا أبو الحسن الأشعري في كثير من أقواله، ولم يتسمى أحد باسم الأشعرية إلا بعد موت مؤسسها.

الماتريدية

تنتسب تلك الفرقة إلى أبي منصور الماتريدي، وهو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، ولد بمنطقة تسمى (ماتريد) قرب مدينة سمرقند الموجودة حاليًا في جمهورية أوزبكستان.

ويعتبر "الماتريدي" من أتباع المدرسة العقلية، في فهم الإسلام ولم يكن صاحب علم كبير في النصوص الشرعية والآثار وروايتها، وتأثر بعقائد الجهمية في عدد من المسائل الإسلامية أهمها تأويل نصوص صفات الله، كما تأثر بكلام "ابن كلاب" شيخ أبو الحسن الأشعري.

مرت الماتريدية بالعديد من المراحل حتى وصلت للمذهب الموجود حاليًا والذي يدرس بالأزهر، أولها مرحلة التكوين وكان رموز تلك المرحلة تلامذة "الماتريدي" ومن تأثر به من بعده، حيث بدأوا دعوتهم من سمرقند، وعملوا على نشر أفكار شيخهم، وبالفعل نجحوا في ذلك وكان من أشهرهم أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي.

المرحة الثانية: التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية: وامتازت هذه المرحلة بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية ؛ وتعد أهم مرحلة في تأسيس المذهب ومن أهم رموزها أبو المعين النسفي، ونجم الدين عمر النسفي.

مرحلة التوسع والانتشار وفي تلك المرحلة توسع المذهب في العديد من البلدان معدومًا بقوة سلاطين الدولة العثمانية حيث كان يدخل إل كل بلد يفتحها العثمانيون فوصل المذهب إلى البلدان العربية، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وتركيا، ومصر، والصين ووغيرها، وبرز في تلك المرحلة محققون كبار أمثال الكمال بن الهمام.

الصوفية

حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري، الذي ساد عن طريق الفتوحات الإسلامية في تلك الفترة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًا مميزة معروفة باسم الصوفية.

ولا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف

ولكن بعض المؤرخين يعتقدون بأن التصوف أول ما ظهر كان في الكوفة بسبب قربها من إيران والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ويقول ابن تيمية: "إن أول من عرف بالصوفي هو أبوهاشم الكوفي سنة 150هـ" وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس والعراق ومصر والمغرب، وواصلت الحركة الصوفية تطورها ففي القرن الخامس الهجري وتحديدًا عام 430هـ، وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة، إلا أنه حتى تلك الفترة لم تكن الصوفية حركة شهيرة.

ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني 561هـ، كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي 540هـ، وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية 638هـ، واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية، حتى وصلت لما هي عليه من تعدد الطرق الموجود حاليًا.

السلفية

حركة ظهرت في أواخر القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية كرد فعل على الحال الذي وصلت له الأمة الإسلامية في عقائدها، وكان "ابن تيمية" من فقهاء الحنابلة

وأطلق ابن تيمية على طريقته عنوان ( منهاج السلف الصالح )، فعرفت دعوته بالسلفية لأنه كان يدعو إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله

وشاعت دعوة "ابن تيمية" حتى صار لها أتباع ومريدون ولقب بشيخ الإسلام وانتشرت دعوته في مصر والشام خلال تلك الفترة، ومات ابن تيمية في سجن دمشق عام 728 هجرية.

السلفة المعاصرة، ظهرت السلفية بقوة مرة أخرى بقوة مع ظهور الحركة الوهابية، في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب ( 1115 - 1206 هجرية )، وعملت على إحياء ونشر الفكر السلفي لابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية في الجزيرة العربية، ودخل الفكر لاحقًا " إلى بلاد أخرى.

وجميع الطوائف السلفية الموجودة حاليًا تقتبس مناهجها من كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب، ولها فروع في العديد من البلدان منها جمعية أهل الحديث، وهي من أقدم الجمعيات والجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، وتتبع المذهب السلفي.

وهناك جماعة أنصار السنة المحمدية، قامت في مصر أولا، ثم انتشرت في الخارج وتدعو، وهناك الدعوة السلفية، وتدعم أغلب الحركات السلفية من المملكة العربية السعودية لنشر المذهب السلفي في البلدان الإسلامية.

ويقع الخلاف الأساسي بين الفرق التي اعتبرها الأزهر داخلة في مفهوم أهل السنة والجامعة وبين الجماعات السلفية في مصادر التلقي، حيث يعتبر السلفية أن النصوص الشرعية هي المصدر الأول لأخذ الدين بينما يري الأشاعرة والماتريدية أن المصدر هو العقل مع النصوص الشرعية، كما يختلف الجانبان في مسائل إثبات صفات الله عز وجل حيث يتبع الأشاعرة والماتريدية مذهب تأويل 7 صفات هي "الوجه واليد والقدم والعلو والاستواء والأصابع والعين" بينما يرى السلفيون عدم تأويل تلك الصفات.

ويرى الأشاعرة أن أول واجب على الإنسان إذا بلغ سن التكليف هو النظر أو القصد إلى النظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته وتكفيره، بينما يعتقد السلفية أن أول واجب على المكلفين هو عبادة الله، وأن معرفة الله تعالى أمر فطري.

ويختلف الجانبان أيضًا في قضايا التكفير حيث يقول الأشاعرة: لا نكفر أحدًا، ومنهم من يقول: لا نكفر إلا من كفرنا، أما السلفية فيرون أن التكفير حق لله، ولا يطلق إلا على من يستحقه شرعًا، ولا تردد في إطلاق الحكم، على من ثبت كفره.