رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار خطيرة في قضية تجارة الأعضاء البشرية.. التحقيقات تثبت تورط ضابط شرطة ومطربة وشركات سياحة

صورة تعبيرية لتجارة
صورة تعبيرية لتجارة الأعضاء البشرية


سرقة أعضاء الإندونيسيات مقابل 5 آلاف يورو.. ومشاجرة في المترو تكشف أكبر شبكة للإيقاع بالضحايا.


 "نعمة" تراجعت عن بيع كليتها في آخر لحظة لكن المجرمون أجبروها.. ونادر طالب بباقي الاتفاق بعد العملية فهددوه بإيصال أمانة 


عندما ظهر الحديث عن "تجارة الأعضاء البشرية"، للمرة الأولى إعلاميًّا، ظن المصريون، أن مجتمعنا، بقيمه وأخلاقه بعيدًا عن ارتكاب تلك الجريمة البشعة، التي يتم خلالها قتل البشر؛ من أجل الاستيلاء على أعضائهم، إلا أن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحًا.


وسرعان ما توالت جرائم القتل، وتعمد الإهمال حتى يموت المرضى، داخل المستشفيات، وبالتحقيق يتبين أن سبب ذلك الرغبة في الحصول على أعضاء الشخص، وراء مقتله.


ومع مرور الوقت أصبحت الأخبار التي تتناول، سرقة كلية من مريض، داخل المستشفى لإجراء فتاق، وإعطاء آخر جرعة بنج زائدة لقتله، والحصول على قرنيته، من الأشياء العادية على آذان المصريين، بل ووصل الأمر إلى أن بعض من ضاق بهم العيش، اتجهوا لبيع أجزاء من أجسادهم مقابل المال، لكن هل يصل خيال هؤلاء إلى تصور أن مصر أصبحت مركزًا لمافيا دولية تتاجر في الأعضاء البشرية؟.


إجابة هذا السؤال تكشفها "النبأ"، من خلال أوراق محاضر الشرطة، وتحقيقات النيابة العامة، والتي تروي حكايات مرعبة عن البيزنس الذي تقوده شبكات دولية لتجارة الأعضاء البشرية في مصر.


سقوط أكبر شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية

أبرز تلك الشبكات، الذي تم القبض عليها داخل مطار القاهرة، ويتزعمها ضابط شرطة بمصلحة الجوازات بمطار القاهرة، والتي بدأت تتكشف خيوطها؛ عندما تلاحظ المباحث الأموال العامة، دخول شخص سعودي الجنسية، ونجله إلى مطار القاهرة، وبصحبتهما 3 فتيات إندونيسيات، وبعد مرور عدة أيام، خرج السعوديان بمفردهما دون الفتيات، مما دعى رجال المباحث للتشكك في أمرهما والقبض عليهما.


وبإجراء التحريات حول الواقعة، تبين دخول عبدالله بن صالح بن عبدالرازق، 52 سنة، سعودي الجنسية، ونجله "يسلم"، 21 سنة، إلى البلاد عن طريق دولة الأردن، وبصحبتهما 3 فتيات إندونيسيات، تم إثباتهن على جوازاتهما الشخصية بصفة خادمات، كما كشفت التحريات أن السعوديين حضرا إلى ميناء القاهرة الجوي؛ لمغادرة البلاد على الخطوط السعودية بالرحلة رقم 104 بدون الخادمات، وكان برفقتهما شخص يدعى "أبانوب.م"، مندوب إحدى الشركات السياحية.


تم ضبط السعودي الأب، ومنعه من السفر، بالتحقيق معه قال إنه تعرف على شخص يدعى "حمدي"، وشهرته "أبو كريم"، من مصر، واتفق معه على إحضار الفتيات الإندونيسيات؛ لبيع أعضائهن البشرية، لكنه طلب منه أن يأتي بهؤلاء الفتيات عن طريق دولة الأردن، حتى لا تثار الشكوك حولهم، ويدخلهن على أنهن خادمات لديه، وبعد ذلك يقوم بتسليمهن إلى "أبو كريم"، والحصول منه على مبلغ مالي قدره ألف دولار أمريكي.


في غضون ذلك رصدت الأجهزة الأمنية، خروج فتاة إندونيسية، وبصحبتها فتاة أخرى إلى خارج البلاد، وعودتها مرة أخرى، وتكرار هذا الأمر أكثر من مرة مع كثير من الفتيات، فتم ضبط الفتاة الإندونيسية.


وبالتحقيق معها قالت إنها لجأت إلى مصر عن طريق إحدى شركات السياحة باحثة عن الرزق، إلا أنها فوجئت ببيعها للشخص السعودي الأول، الذي تم القبض عليه من قبل، ثم عملت لديه كخادمة لعدة أشهر دون مقابل مادي، وكان يكتفي بتوفير الطعام لها فقط دون إعطائها أي مبالغ مالية، كما كان يمارس الجنس معها، لكن بعد فترة عرض عليها العمل في استقطاب الفتيات من الخارج؛ من أجل الإتجار بأعضائهن البشرية في مصر.


وأضافت الفتاة الإندونيسية، أن الشخص السعودي عرفها على فتاة تدعي "ملك"، مديرة تسويق بإحدى شركات السياحة بمطار القاهرة، و"مينا.م" مدير تسويق بإحدى الشركات السياحية، مشيرة إلى أنها استقطبت الفتيات من الخارج، ومن ثم سلمتهن إليهما، وحصلت على مبالغ مالية.


تم تحرير محضر بالواقعة، وتشكيل فريق بحث للكشف عن باقي أفراد الشبكة، وتبين من التحريات تورط بعض الشركات السياحية، في هذه التجارة الممنوعة، من بينهم الشركة التي تعمل بها الفتاة التي تدعي "ملك"، 27 سنة، مقيمة بالنزهة، وأوضحت التحريات أنها المسؤولة عن توفير الفتيات، وبيعهم مقابل مبلغ مالي قدره 5 آلاف يورو للفتاة الواحدة.


كما كشفت التحريات تورط ضابط شرطة، يدعي محمد عمرو حسن، 42 سنة، رائد بمصلحة الجوازات بمطار القاهرة، في تزوير تأشيرات الدخول والخروج للفتيات من الخارج، حتى لا يتم معرفة من يدخل إلى البلاد ولم يخرج.


وبعد إجراء التحريات خرجت حملة أمنية تمكنت من القبض على باقي أفراد الشبكة، وإحالتهم إلى نيابة النزهة للتحقيق معهم.


تحقيقات النيابة تكشف المستور

التحقيقات الأولية التي أجراها أسامة كمال وكيل نيابة النزهة،  كشفت عن دخول 5 فتيات إلى مصر، لم يخرجن ولم يستدل على أماكن إقامتهن في مصر، وكشفت أيضًا أن مطربة معروفة بأحد الملاهي الليلية، هي من جندت ضابط الشرطة؛ لتسهيل عمل العصابات الدولية للإتجار بالبشر، بصوره المختلفة، سواء في تسهيل دعارة الفتيات الأجنبيات داخل مصر، أو تجارة الأعضاء البشرية.


زملاء "ملك"، أكدوا في تحقيقات النيابة، أنهم لاحظوا عليها التغير المادي المفاجئ في حياتها، خاصة أنها امتلكت سيارة فارهة "BMW"، وشقتين سكنيتين بالنزهة، وعلى الرغم من ذلك، فإن المتهمة، أنكرت أمام النيابة جميع التهم المنسوبة إليها، وشككت في تحريات المباحث حول الواقعة، كما أنكر "مينا"، جميع التهم الموجهة إليه.


وبالتحقيق مع الضابط أنكر جميع ما نسب إليه مؤكدًا، أن هناك خلافات سابقة بينه وبين أحد زملائه بالعمل وصلت إلي مشادات كلامية وتشابك بالأيدي، لذلك تم تلفيق تلك الاتهامات إليه، مشيرًا إلي أن الكود المثبت في التأشيرات المزورة، ينقص رقمًا عن كود الجوازات الذي يعمل به في المطار.


مشاجرة داخل المترو

المحضر رقم 1174لسنة 2016 جنح قصر النيل، والمحرر بمعرفة رائد القطان، ضابط قسم سادس مترو الأنفاق، كشف عن شبكة أخرى.


وتسرد سطور المحضر، أنه أثناء تواجد الخدمات الأمنية المعينة بمحطة السادات في اتجاه الجيزة، تبين لهم وجود مشاجرة بين عبد العزيز جمال الدين عبد العزيز أبو الحسن، ونورا محمد عبد الحكيم.


بالفحص اتضح وجود خلاف مالي لكتابة الطرف الأول إيصال أمانة، وقع عليه بالإمضاء والبصمة، بحوزة الطرف الثاني، فطلب منها أن تعطيه هذا الإيصال، إلا أنها رفضت، مما أدى في النهاية إلى المشاجرة بينهما.


وبمناقشة "عبد العزيز" عن سبب إمضائه علي إيصال الأمانة، قال:" أنه نظرًا لمروري  بضائقة مالية فقد قررت بيع كليته لشخص يدعى "مروان"، والذي طالبني بالتوقيع علي إيصال أمانة؛ لتوثيق الاتفاق بيننا، ووقعت له على ذلك".


وأضاف:" بعد ذلك ذهبت معه إلي معمل النيل، ودار الطب، ومستشفى القاهرة؛ من أجل إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، والذي تبين من خلالها، أنه لن يستطيع الحصول علي الكلية الخاصة بي، في هذه الأثناء ظهرت "نورا"، والذي عرضت شراء كليتي مقابل مبلغ من الأموال، وبحديثي معها تبين أنها تعمل سماسرة لبيع الأعضاء البشرية، فوافقت على الفور".


وتابع: "بعد أيام ذهبت معها إلي قسم شرطة قصر النيل، وحررت المحضر رقم 6905 إداري قصر النيل، يفيد برغبتي في التبرع بكليتي بدون مقابل، لمريض يدعى محمد سيد إبراهيم، ثم ذهبنا بعد ذلك إلي الشهر العقاري لتوثيق هذا التبرع، وهناك حصلت منها علي مبلغ مالي 30 ألف جنيه، فطلبتني بالتوقيع علي إيصال أمانة؛ للتأكد من إجراء عملية استئصال كليتي، في الوقت الذي اتفقنا عليه".


واستكمل: "وبعد فترة من الوقت، أخبرتها بأنني لا أريد التبرع بكليتي، وطلبت منها إعطائي إيصال الأمانة، ولكنها رفضت ذلك، مما أسفر عن مشادة كلامية تطورت إلى مشاجرة".


بتفتيش المذكورة عثر بحوزتها على المحضر الذي يفيد بتبرع "عبد  العزيز"، بكليته دون مقابل، بالإضافة إلى العديد من المحاضر الذي تفيد بتبرع أشخاص بأعضائهم البشرية لآخرين دون مقابل، فضلا عن أجندة مدون بها أسماء الباحثين عن أعضاء بشرية لشرائها، وأسماء لأشخاص ترغب في البيع.


بالتحقيق مع المذكورة تبين أنها إحدى الأعضاء في شبكة كبرى للتجارة بالأعضاء البشرية في مصر، تستقطب من خلالها الأشخاص الذين يحتاجون إلى الأموال، ومن ثم شراء أعضائهم البشرية، وبيعها لآخرين مقابل حصولها على مبالغ مالية.


تم تحرير محضر بالواقعة، وبالعرض على نيابة قصر النيل برئاسة المستشار أحمد حنفي رئيس النيابة، قررت حبس المتهمة 4 أيام علي ذمة التحقيق، وسرعة القبض على باقي أفراد شبكة الاتجار بالأعضاء البشرية.


شبكة السيدة زينب

الواقعة الأكبر والتي أثارت حالة من الجدل في وسائل الإعلام، هي شبكة الإتجار بالأعضاء البشرية بالسيدة زينب.


تحقيقات نيابة السيدة زينب في هذه القضية، كشفت أن المتهمين، "وفاء. ف. ع"،54  عامًا، ربة منزل،، وشقيقها "أحمد. ف. ع"، 45 عاما، عاطل، وزوجها " سامى. ع. س "، 57 عاما، جميعهم مقيمون بالبساتين، و" جمال. ع. ع "، 56 عاما، مقيم بأسيوط، و"أسامة. م. ل "، 45 عاما، ومقيم بالمنوفية، و"حسام. ج. ح "، 36 عاما، ومقيم بشبرا، كانوا يستقطبون الأشخاص المترددين علي القاهرة للعمل، وإقناعهم ببيع أعضائهم البشرية؛ مقابل الحصول علي مبالغ مالية كبيرة، كما أنهم استقطبوا الأشخاص الأشد فقرا، والذين يستجدون المواطنين في الطرقات؛ لشراء أعضائهم، مقابل مبالغ مالية تتراوح من 30 إلى 12 ألف جنيه للكلية الواحدة.


كما كشفت التحقيقات أن المتهمين كانوا يجمعون الضحايا في منزل السيدة المتهمة بمنطقة البساتين، ثم يقومون بإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، داخل معمل تحاليل، في منطقة الجيزة، ومركز لأمراض الكلي والفشل الكلوي بروض الفرج، ثم يجرون لهم العمليات داخل مستشفى أم المصريين بالجيزة، بالاتفاق مع الطبيب "عمرو.ع"، أخصائي الكلى والمسالك البولية، ثم بعد ذلك يذهبون بهم إلي مسكن السيدة لتقديم الرعاية الطبية لهم لحين شفائهم.


وتبين أيضًا من تحقيقات النيابة، أن المتهمين أجبروا ضحاياهم علي توقيع إقرارات حكومية في وزارة الصحة، تفيد بتبرعهم بأعضائهم دون مقابل مادي، حتى يتمكنوا من إجراء هذه العمليات داخل مستشفيات كبرى ومشهورة، للأشخاص الذين لا يريدون إجراء العمليات في المستشفى الحكومي، كانت من بينهم مستشفى شهير بالدقي، لكنهم في المقابل يجبرون ضحاياهم علي توقيع إيصالات أمانة بمبالغ مالية ضخمة؛ لضمان عدم إخلالهم بالاتفاق، أو إبلاغ الأجهزة الأمنية عنهم، كما أوضحت التحقيقات أن هذه الشبكة كانت من أكبر شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية في مصر، وأغلب زبائنها من الأثرياء العرب، كما وصل الأمر إلى بيع الأعضاء البشرية لرجال أعمال وفنانين.


حكايات حزينة

ضحايا هذه الشبكة، كشفوا في تحقيقات النيابة تفاصيل "بيزنس الدم في مصر"، فقالت "نعمة.ع.م"، 44 سنة، ربة منزل، مقيمة بقليوب، إحدى الضحايا، أنها كانت تعمل في التسول واستجداء المواطنين بمنطقة السيدة زينب،  وأثناء ترددها على أحد المقاهي تعرفت على "وفاء.ف.ع"، 54 سنة، ربة منزل، وعرضت عليها بيع كليتيها مقابل مبلغ مالي.



وأضافت أنه بعد الاتفاق، طالبت منها الذهاب معها إلى وزارة الصحة؛ للتوقيع على إقرار يؤكد أنها تبرعت بكليتها دون مقابل، ووقعت علي إيصالات أمانة على بياض،  ثم ذهبت معها للإقامة معها في منزلها بالبساتين، لحين إنهاء الفحوصات وإجراء العملية، إلا أنها بعد فترة من التفكير قررت العدول عن الأمر، غير أن المتهمة وآخرين احتجزوها، وأجبروها على إتمام الاتفاق.


وقال "نادر. ح. ا"، 43 سنة، عامل، ومقيم بمحافظة سوهاج، إنه حضر من محل إقامته؛ للعمل بالقاهرة، ولكنه لم يستطع إيجاد وظيفة تناسبه، مما جعله في حاجة شديدة للمال، حتى تعرف على شخص عرض عليه، بيع كليته له، مقابل 20 ألف جنيه.


وأضاف أنه بعد الاتفاق ذهب معه إلى الشهر العقاري، ووقع على إقرار يفيد بتبرعه بالكلية دون مقابل، كما وقع على إيصال أمانة على بياض، وحصل منهم على مبلغ 12 ألف جنيه فقط، ثم أقام في منزل بمنطقة البساتين، وبعد إجراء العملية طلب منهم باقي المبلغ، فهددوه بإقامة دعوى قضائية ضده بموجب إيصال الأمانة، إذا طالبهم بهذه الأموال.


سماسرة تجارة الأعضاء البشرية

ونجحت قوات الأمن في القبض على عصابة يتزعمها شخصان لهما سجل إجرامي؛ للاتجار بالأعضاء البشرية، وتمكن رجال الشرطة من القبض على "سيد.أ"، 38 سنة، عاطل، وسبق اتهامه في 4 قضايا، و"أحمد.أ"، 32 سنة، عاطل، وسبق اتهامه في قضيتين، أثناء عرضهما على شخص يدعى" محمد.ف"، 23 سنة، بيع "كليته"، مقابل الحصول على مبلغ مالي 25 ألف جنيه، إلا أنه رفض، وتشاجر معهما، حتى حضرت قوات الأمن، وتم ضبطهما.


وبالتحقيق مع المتهمين تبين أنها يعملان سماسرة في الاتجار بالأعضاء البشرية، ويستقطبان الأشخاص الغرباء عن العاصمة، ويعرضان عليهم بيع أعضاء الجسد مقابل الحصول على مبالغ مالية، وبعد الاتفاق يذهب الشخص معهم إلى المشترى لإتمام الفحوصات وإجراء العملية.