رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«قطار البضائع» يفضح فشل الدولة في وقف خسائر بالمليارات

قطار بضائع - أرشيفية
قطار بضائع - أرشيفية

تأثرت منظومة نقل البضائع داخليًا في مصر؛ من غياب قطار البضائع بشبكة السكك الحديدية، وهو غياب غير مبرر، رغم بلوغ إجمالي أطوال هيئة السكك الحديدية، 9570 كم، تغطي جميع أرجاء البلاد. 

ولا يتعدى حجم البضائع المنقولة عبر هذه الشبكة العملاقة، سوى 1 % من حجم البضائع المنقولة سنويًا داخل مصر، وهو ما وصفه خبراء الطرق والاستثمار بأنه وضع مغلوط، يعني أنه تم إحالة قطار البضائع إلى المعاش؛ الأمر الذي يكلف الهيئة 3 مليارات جنيه، خسائر سنوية، فضلا عن تدمير شبكة الطرق، والكباري، التي تستقبل 99 % من حركة النقل الثقيل بمفردها، الأمر الذي نهي العمر الافتراضي لهذه الطرق مبكرا؛ بسبب الأحمال الزائدة. 

ووفقًا لعدد من مسئولي هيئة الطرق والكباري، فإن هناك نحو 400 كوبري، يحتاجون إلى الصيانة العاجلة؛ بسبب الحالة المزرية التي وصلوا إليها، من وراء نقل البضائع بالطرق البرية، بالإضافة إلى حوادث السيارات، التي يروح ضحيتها قرابة 15 ألاف ضحية سنويًا، وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة. 

173 جرار بضاعة فقط.. ولا توجد محطات 
انخفض حجم البضائع المنقولة بالسكك الحديدية من 3،6% عام 2000، إلى نحو 0،9% عام 2015، بإجمالي 4،1 مليون طن، من حجم البضائع المنقولة سنويًا، والذي يبلغ 600 مليون طن تقريبًا، ولازم هذا انخفاض حاد في حجم المواد البترولية المنقولة بواسطة قطار البضاعة، إذ بلغت النسبة 0،5% بنحو مليون طن متري، من حجم المواد البترولية المنقولة البالغ 131 مليون طن متري، وفقًا لإحصائيات جهاز التعبئة العامة والإحصاء عام 2015. 

وبلغت نسبة المنقول عبر الشاحنات العملاقة نحو 16 مليون طن متري، خلال نفس المدة، مما يشكل ضغطا على الكباري والطرق، إضافة إلى إعاقة حركة المرور. 

وتمتد خطوط السكك الحديدية في مصر لمسافة 9 آلاف و570 كيلو متر، تتفرع في مسارات منفردة ومزدوجة ورباعية، حي قدرت الخطوط الرباعية بنحو 20 كيلو متر، والمسارات المزدوجة بـ 1466 كيلو متر، و3 آلاف و667 مسارات منفردة "خط واحد". 

نجوى ألبير مدير المكتب الإعلامي للهيئة العام للسكك حديد مصر والمتحدث باسم الهيئة، تقول إن الهيئة تمتلك 173 جرارًا لنقل البضائع، ونحو 12 ألف عربة بحمولات وأحجام مختلفة، وكل منها لها شكل معين؛ إلا أن المتاح منها والصالح للعمل "غير معلوم" إذ إن جزءًا منها تم تكهينه، مشيرة إلى أنه لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد نقل البضائع ذات المبردات، والتي تستخدم لنقل المواد الغذائية، وغيرها من المواد سريعة التلف. 

جرارات قطع غيار 
المشكلة الأكبر في هيئة السكك الحديدية هو انتهاء عمر الجرارات الافتراضي، وتكهين جزء ضخم منها، وتكشف عن هذا الواقع، منطقة الفرز، بـ"أبو وافية"، وهي من أكبر أحواش هيئة السكك الحديدية، ووفقًا للعاملين بالمنطقة، خرج نحو 250 جرارًا خلال الفترة الماضية، بدعوى التكهين، ولم يتم استغلالهم من قبل الهيئة، والأدهى أن هذه الجرارات لم تعد إلا قطع غيار لبعض الجرارات التي مازالت في الخدمة. 

تحوي منطقة الفرز المذكورة كمًّا هائل من الجرارات المعطلة، والتي تم تكهينها، رغم أن العاملين يؤكدون أن الجرارات ليست قديمة، إذ هناك جرارات لم يمض على دخولها الخدمة 7 سنوات، وهي من الصفقات القليلة التي أبرمتها الهيئة؛ لتحديث أسطولها خلال السنوات الماضية. 

وتثبت الإحصائيات والمؤشرات، أن أسطول الهيئة لم يتم تحديثه منذ عام 1978، كما أن 25 % منها معطلة، وجزء كبير منها خرج من الخدمة؛ إما بسبب الحوادث، أو انتهاء عمرها الافتراضي. 

يتكون أسطول جرارات هيئة السكك الحديدية الحالي من نحو 802 جرارا، وينقسم إلى 3 أنواع هي "الطويل"، والذي يقطع المسافات الطويلة، وعددهم 456 جرارا، يعمل منهم نحو 256 جرارا فقط، وهذه الجرارات ماركات أمريكية، وألمانية. 

وهناك نحو 173 قطار بضائع، يعمل منها 40 % فقط، والجزء الباقي انتقل لجرارات القطاع القصير، وهي التي تعمل في مسافات قصيرة ما بين القرى والمراكز. 

ورغم امتلاك هيئة السكك الحديدية نحو 705 محطة، فإن أغلبها لا تصلح لتفريغ، أو شحن قطارات البضائع، التي تحتاج إلى أرصفة خاصة، بالإضافة إلى بعد المحطات القليلة الصالحة للقطار، عن الموانئ، والمناطق الصناعية، وهي الأماكن الرئيسية لشحن القطارات. 

مشروعات مع إيقاف التنفيذ 
ورغم إبرام الهيئة عددا من الاتفاقيات، سواء مع البنك الدولي، أو شركات عالمية مثل "أيفك" الصينية، أو مع دولة المجر، أو حتى تلك مع الهيئة العربية للتصنيع، فإن كل هذه الاتفاقيات لم تكن هناك واحدة منها، لصالح قطار البضاعة. 

وتكشف بيانات المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في شهر مارس الماضي، عن إعلان مشروع إعادة هيكلة قطاع السكك الحديدية، فضلًا عن إدخال القطار المكهرب، بتكلفة 1،5 مليار دولار، وتضمنت المشروعات خطط إعادة ورصف وصيانة للطرق الحديدية. 

وفقا لخطة مشروع إعادة الهيكلة المتعثر حاليًا، كانت ستقوم شركة أفيك إنترناشيونال القابضة الصينية بإعادة هيكلة بقيمة 500 مليون دولار، بالإضافة إلى إنشاء مصنع لعربات القطار والمترو، فضلا عن إنشاء محطات قطارات بين المدن الصناعية "العاشر من رمضان – العبور – أكتوبر – بدر"، وربطها مع الموانئ، وإنشاء خط العين السخنة ـ حلوان. 

وبالرجوع إلى عام 2009، كانت هيئة السكك الحديدية، تعاقدت مع البنك الدولي لإعادة هيكلتها بتكلفة 305 مليون دولار "بدأ في 17 مارس 2009 – وينتهي في 31 يناير 2019"، تسلمت مصر 270 مليون دولار حتى الآن. 

ويهدف مشروع إعادة الهيكلة إلى تحسين خدمات البنية الأساسية الخاصة بتنمية القطاع الخاص بنسبة 67%، وتسهيل والتجارة والنفاذ إلى الأسواق بنسبة 33%، وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي، ولم يهدف المشروع لإحلال جرارات أو تطوير وصيانة عربات، وإنما لتحديث الإشارات، وتجديد خطوط السكك الحديدية، وتحديث ممارسات الإدارة والتشغيل. 

وأظهرت هذه البيانات أن مشروع البنك الدولي الضخم، لم يلتفت إلى العيوب الفنية والتنظيمية في هيئة السكك الحديدية، إذ كشفت حيثيات المشروع عن ضياع مشروعات إعادة الهيكلة في تحديثات فرعية من الممكن تجاوزها خلال الوقت الحالي. 

التعديات وخسائر الهيئة 
تقول نجوى ألبير، إن خسائر الهيئة خلال العام الماضي بلغت نحو 3 مليارات جنيه، بسبب عدم استغلالها لممتلكاتها، لافتة إلى أن الخسائر في الهيئة ضخمة جدًّا؛ بسبب حالات السرقة التي تمت لخطوط الهيئة بعد سني الثورة، فضلا عن خسائر حوادث القطارات التي بلغت 300 مليون جنيه. 

كما بلغت حالات التعديات على أراضى السكك الحديدية 16899 على مساحة 3.2 مليون متر، بالإضافة إلى سرقات الخطوط الحديدية البالغة 800 كيلو متر، بالإضافة إلى عدم قدرة الهيئة على توظيف كوارد فنية هندسية جديدة؛ بسبب وصول حجم العاملين في الهيئة لمستوى ضخم، إذ بلغ عدد العمال نحو 21 ألف عامل، بينما أعداد المهندسين ليست أكثر من 1187 مهندسا فقط، وفقا لألبير. 

السكك الحديدية أرخص من الشاحنات 
ويقول ممدوح السيد رئيس الاتحاد التعاوني لنقل البضائع، إن النقل عبر السكك الحديدية أرخص من النقل عبر الشاحنات، وهو أرخص أنواع النقل البري، مشيرًا إلى نسبة النقل في أي سلعة ومنتج تصل لـ 25% من قيمتها. 

وأضاف أنه إذا كان حجم البضائع المنقولة حاليًا يقترب من 600 مليون طن، فإن حجم المتخلفات "الرمال والأتربة وخلافه" تمثل نحو هذا الرقم تقريبًا، وهذا يعني أن الضغط على الكباري والطرق أكبر مرتين. 

وعن التأثير غير المباشر لتدمير قطار البضاعة، يوضح الدكتور مجدي صلاح أستاذ هندسة الطرق والتخطيط، أن الدولة اضطرت لسن قرارات للتصالح مع أصحاب الحمولات الزائدة، رغم خطورتها على الكباري والطرق، وأغرب هذه القرارات هو قرار وزير النقل الأسبق المهندس إبراهيم الدميري، الصادر في 2008. 

كما أن المشكلة الأساسية في قضية انهيار الطرق والكباري، هي زيادة الحمولات غير القانونية، ذلك لأن أي إنشاء طريق يلتزم بما يسمونه "الحمل القانوني"، ولكن في مصر زيادات الحمولات تكون أضعاف الحمل القانوني وفقًا لبعض الدراسات عن حالة الطرق. كما لا يوجد برامج صيانة، للطرق أو الكباري الدورية المفروضة، وفقًا لأستاذ هندسة الطرق. 

ويرى صلاح، أن زيادة الحمولات، نتيجة متوقعة ومنطقية لزيادة تداول ونقل البضاعة عبر الطرق البرية، وذلك لأنها الوسيلة الوحيدة التي تعمل في مصر، حيث إن قطار البضاعة الذي كان قاطرة النقل في مصر. 

وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن إجمالي شبكة الطرق بلغ 163 ألف كم، المرصوف منها 155 ألف كم بنسبة 95% من شبكة الطرق في مصر، منها 25 ألف كم تابعة للهيئة العامة للطرق والكباري بنسبة 15،9%، و123 ألف كم تابعة لمديريات الطرق بنسبة 79%، و7 آلاف كم تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بنسبة 4،7% من إجمالي شبكة الطرق. 

وبلغ عدد الكباري المصرية 2370 كوبري، مخصص للمركبات منها 2267 كوبري منها 1483 كوبري تابعة للهيئة العامة للطرق والكباري بنسبة 64%، و162 كوبري تابعة لمديريات الطرق بالمحافظات بنسبة 8%، و36 كوبري تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بنسبة 1،7%، و586 كوبري تابع للهيئة القومية لسكك حديد مصر بنسبة 27،7%. وهذه الشبكة الضخمة من الكباري والطرق تحتاج إلى أموال ضخمة لاحتياجها للصيانة والتطوير من أجل المحافظة عليها. 

5 محاور لحل الأزمة 
اتفق اللواء يسري الروبي رئيس برنامج الطرق بالأمم المتحدة، على أن انهيار الكباري والطرق هي نتيجة غير مباشرة لـ الحمولات الزائدة، والتي غالبا ما يكون غياب قطاع النقل بالسكك الحديدية هو المتسبب فيها، نظرا للإهمال والدمار الذي أصابها عبر سنوات طويلة. 

ويوضح خبير الأمم المتحدة، أن هناك 5 محاور لحل مشكلة قطار البضاعة والنقل في مصر، وهم "استخدام السكك الحديدية من الباب إلى الباب – النقل بواسطة الأنابيب – هيكلة النقل النهري – التوسع في النقل الجوي الداخلي – إنشاء مكاتب النقل اللوجستي". 

وعن مشروع السكك الحديدية من الباب للباب، يقول الروبي، هو ربط الموانئ بالمناطق الصناعية عن طريق إنشاء خطوط سكك حديدية، تمتد إلى داخل المناطق الصناعية بواسطة سيارات تمتلكها هيئة السكك الحديدية، وبهذا تتم عملية النقل من الباب للباب. 

وبهذا يتم توفير أسطول السيارات الذي يشتريه كل مصنع لقضاء حوائجه، والذي يستهلك كميات ضخمة من الوقود الأحفوري، وفي الأصل تعاني مصر من أزمة وقود، فضلًا عن إلغاء "الرحلة الوهمية" وهي الرحلة التي تقطعها السيارة من المناطق الصناعية إلى الموانئ وهي "فارغة" لنقل البضاعة، وفقا للروبي. 

ويشير الروبي إلى حجم الضرر الذي وقع على السكك الحديدية، خلال سنوات الثورة وما تلاها، إذ تمت سرقة خطوط كاملة مثل "خط البحر الأحمر – القصير، وخطوط الواحات، فضلا عن إغلاق خطوط السكك الحديدية الخاصة مثل "خط القصب" الخاص بنقل القصب من الحقول إلى مصانع السكر، وكذا خطوط سكك حديد الصحراء الغربية. 

وعن أزمة عدم وجود محطات بضائع، يفند الروبي تلك الحجة، بأن كل محطة نقل ركاب، قد تكون محطة لنقل البضائع، من خلال إنشاء أرصفة لنقل البضائع في تلك المحطات، ناهيك عن وجود محطات لنقل البضائع، ولكنها مهملة أو تم إغلاقها. 

السكك الحديدية الدائرية 
المهندس عادل الكاشف رئيس جمعية حماية الطرق والكباري، يقول إن حل أزمة النقل يكمن في تطوير شبكة السكك الحديدية، وإنشاء شبكة سكك حديد دائرية، بمعني أن يتم إنشاء داخل كل ميناء محطة لقطار البضائع ويتم توصيلها المناطق الصناعية، مشيرًا إلى مشروع السكك الحديدية الدائري، سيؤدى لتخفيف العبء على الطرق البرية بنسبة تتراوح بين 35 إلى 40 %، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يتكلف نحو 40 مليار جنيه. 

كما أن المشروع سيعمل على زيادة تشغيل الموانئ، لأنه سيتم تفريغ أرصفة الموانئ بشكل أسرع، وذلك سيؤدي لسهولة حركة الشحن والتفريغ داخل الموانئ، حيث كانت تنتظر الكثير من السفن في الغاطس حتى يتم تفريغ أرصفة لها، كما أنه سيتم نقل البضائع بشكل أسرع من المناطق الصناعية إلى الموانئ والعكس، وفقًا لرئيس جمعية الطرق.