رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لغز استيلاء «الصهاينة» على 162 وقفًا مصريًّا بالقدس ورفض الحكومة المطالبة بها دوليًّا

دير السلطان
دير السلطان

يخطئ من يظن أن احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، يقتصر أثره على الشعب، الفلسطيني فقط، إذ إن هذا الاحتلال الغاشم استولى على عشرات الأوقاف، التاريخية المملوكة للدولة المصرية، والمقامة على الأراضي الفلسطينية. 


ورغم أن قيمة هذه الممتلكات المصرية، التي يتجاوز عدد 162 وقفًا، وتتخطى القيمة المادية لهم مليارات الدولارات؛ فإن الدولة المصرية تحجم عن المطالبة باسترداد ملكية هذه الأوقاف؛ بعد أن استولت عليهم إسرائيل في غفلة من التاريخ. 


ولا تقتصر الممتلكات المصرية في إسرائيل، على أوقاف إسلامية، وإنما تضم أيضًا منشآت دينية مسيحية، اغتصبها الكيان الصهيوني، وطرد منها المصريين، وأحل جنسيات أخرى محلهم تحت مسمع ومرأى من السلطات المصرية، التي لم تحرك ساكنًا حتى الآن؛ لمقاضاة الدولة العبرية دوليًّا؛ من أجل استرداد هذه الأملاك، أو الحصول على تعويضات عنها، وهذا في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات اليهود، بمزاعم جوفاء حول وجود حقوق لهم داخل مصر. 


ويعتبر دير مارأنطونيوس، أهم الممتلكات المصرية في القدس، وهو من ممتلكات الأرثوذكس بالقدس، وترجع أهميته إلى أنه صار مقرًا للمطرانية القبطية منذ عام 1912م، ويقع هذا الدير إلى الشمال من كنيسة القديسة هيلانة، وأجريت به إصلاحات عدة أهمها تلك التي جرت في عام 1875م، عندما أضيفت إليه مبان جديدة، عام 1907م، وجددت كنيسة هذا الدير وأساساته القديمة، في لك التوقيت. 


ويبدو أن الدير شيد على أساس كنيسة بيزنطية قديمة، إذ يشير بعض الرحالة الذين وفدوا إلى الدير إلى أن به مستودع مياه باسم القديسة هيلانة، وهو داخل الكنيسة القبطية في الدور الأرضي من الدير وللمستودع سلم دائري للهبوط عليه وهو مكون من 51 درجة. 


وشيدت كنيسة القديس أنطونيوس ملاصقة للجدار الشمالي لكنيسة القيامة، وأمامها فناء واسع مكشوف، يقع على سطح الجدار الشمالي لكنيسة القيامة، وفناء آخر يقع على سطح الدور الأرضي، وفي الجهتين الجنوبية والشرقية من الفناء، تقع مساكن الرهبان الأقباط، ومقر رئاسة الدير، والكلية الأنطونية، وأصلح المطران باسيليوس هيكل هذه الكنيسة، وشيد لها منبرًا جديدًا. 


وفي الطابق الثالث توجد كنيسة أخرى أنشأها المطران الأنبا ياكوبوس في عام 1954م، تذكارًا لظهور العذراء في هذه الغرفة لبعض طالبات مدرسة القديسة دميانة في صيف هذا العام ويقع مقر المطران القبطي في الطابق الرابع وبه مكتبة فخمة بالإضافة إلى نزول للضيوف والحجاج 


بينما يقع دير مار جرجس المملوك للأقباط ه في حارة الموارنة على مقربة من باب الخليل وقد شيد في العصر العثماني القرن (11هـ17م) وقد ألحقت به مدرسة تعرف باسم القديسة دميانة وبالدير كنيسة بها هيكل واحد يصلى فيه قداس يوم الاحتفال بعيد الشهيد مارجرجس (7من أكتوبر) وذلك مقابل إقامة الأقباط قداسًا ليلة عيد الميلاد وصباحه على مذبح الأرمن بكنيسة المهد الأرمنية في بيت لحم 


وذكر الدكتور أنتوني سوريال عبد السيد، في كتابه العلاقات المصرية الإثيوبية "1855-193"، أن دير السلطان هو من الممتلكات المصرية في القدس، وهو يقع علي سطح كنيسة القديسة هيلانة، وكنيسة الملاك، وله أهميته لأنه يوصل إلي دير امار أنطونيوس حيث البطريركية المصرية في القدس، وفقدانه يعني أن أملاك المصريين لن تساوي شيئا، وسيضطر الحجاج لأن يمروا في طرق عمومية طويلة ليصلوا إلي كنيسة القيامة. 


وبين سوريال أن الدير ينقسم لجزئين الأول يخضع لـ"الإستاتس كيو" أي الحفاظ علي الوضع القديم، وهو وسط الدير تقريبًا لأنه عبارة عن سطح مغارة الصليب، الذي هو جزء من كنيسة القيامة، أما الباقي فهي حجرات في الجهة الشرقية والقبلية، وللوصول للدير يجب الدخول من باب كنيسة الأربع حيوانات، والنزول منها إلي كنيسة الملاك والخروج من بابها لردهة كنيسة القيامة. 


وأضاف سوريال أن الأثيوبيين تواجدوا في الدير باعتبارهم ضيوفًا به، وعندما جاء الاحتلال الإنجليزي أراد الإثيوبيون الاستيلاء علي الدير، فأشار عليهم أسقف القدس الإثيوبي ومنوب بريطانيا، بالاحتيال في مفاتيح الدير، والتي جددها وأعادها لهم مرة أخري الصدر الأعظم العثماني، وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشريف استولت إسرائيل على دير السلطان في القدس الشرقية وسلمته إلى الرهبان الأحباش بعد طرد الرهبان المصريين، منها بعد حرب يونيو 1967، ورفضت تنفيذ حكم المحكمة العليا الإسرائيلية برد الدير إلى الكنيسة المصرية، وعليه قرر البابا الراحل كيرلس السادس حظر سفر الأقباط إلى القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد الاستيلاء على الدير. 


وفي الأيام الأخيرة أعلنت الكنيسة المصرية أن وفدًا كنسيًّا سيزور مدينة القدس؛ ليبحث مع مسؤولين إسرائيليين مسألة ترميم "دير السلطان" الأثري، التي تطرق لها وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب مطلع يوليو الحالي. 


من جانبها قالت هايدي فاروق، حفيدة أحد أصحاب الأوقاف المصرية في القدس، والخبيرة في ترسيم الحدود، والثروات العابرة، أن جدها الزيني كان خادم الحرم القدسي الشريف، وهو مصري الأصل، وكان يمتلك وقفًا في القدس، مشيرة إلى أن مصر تمتلك 162 وقفًا في القدس الشريف وحدها، وهي ممتلكات مثبتة بالوثائق والحجج، لعدد من الأسر المصرية. 


وأكدت فاروق في تصريحات خاصة لـ"النبأ" أن القضية التي استهلت بها حياتها العملية، كانت ردًّا على المطالبات الإسرائيلية بأملاك اليهود في مصر، مضيفة: "وحينها كنت حديثة التخرج في الجامعة فطلبتني جهة سيادية في مصر، لرفع قضية لاسترداد تلك الأملاك المصرية، مما تسبب في خفض تلك الأصوات الإسرائيلية". 


وقال الدكتور محمد أبو غدير، أستاذ اللغة العبرية بكلية الآداب في جامعة عين شمس، إن لمصر العديد من الأوقاف بإسرائيل، وتلك الأوقاف تعود لعصر محمد علي، وابنه إبراهيم، وهي عبارة عن استراحات للقوافل، ومساكن وأراض زراعية، نقل إليها فلاحون مصريون لزراعتها، وهو ما نشرته بعض الصحف الإسرائيلية. 


وأكد أبو غدير أن وزارة الأوقاف المصرية في العهد الملكي قبل احتلال فلسطين أسست العديد من المساجد بمدن حيفا ويافا وعكا، وبعد الاحتلال الإسرائيلي قاموا بهدمها وحولوها لكافيهات ومحال تجارية، حيث اعتبروها أموال غائبين، هذا غير ما نهبوه من أرض سيناء الحبيبة أثناء احتلالهم لها. 


وشدد أبو غدير على أهمية مطالبة مصر بممتلكاتها حاليًا، خاصة مع ارتفاع الأصوات الإسرائيلية المنادية بأملاك اليهود في مصر، والتي بدأت بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، وقدروا ممتلكاتهم بـ4 مليارات دولار، قبل أن ترتفع مؤخرًا عقيرتهم بالمطالبة بـ30 مليار دولار تعويضات عما زعموا أنه ممتلكات لهم في مصر.