رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مفاجأة.. «البوركيني» من 2004 ومُصممته تخرج عن صمتها

عاهدة زناتي.. مصممة
عاهدة زناتي.. مصممة البوركيني

آثار حظر السلطات الفرنسية لـ«البوركيني»، وهو لباس البحر الإسلامي، استياء عدد كبير من مواطني دول العالم حيث تظاهر العشرات من المسلمات وغير المسلمات في لندن للتنديد بالقرار الفرنسي، كما انتقدت وزيرة التعليم الفرنسي نجاة فالو بلقاسم، حظر بعض المدن ارتداء "البوركيني"، وقالت إن "حظر البوركينيي يفتح المجال أمام الخطابات العنصرية، ويعد انحرافا سياسي كبير".

وقال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إن لباس السباحة النسائي المعروف بالبوريكي يسبب استفزازا وقد يدعم الإسلام المتطرف.

من جانبها قالت عاهدة زناتي، مخترعة ومصممة البوركيني، إن هذا اللباس لا يرمز إلى الإسلام بل يعطي المرأة حرية أكثر لممارسة رياضة السباحة.

ولجأت عاهدة زانيتي الأسترالية من أصل عربي شرح في مقال لها بصحيفة الجارديان البريطانية، كيف فكرت في صنع لباس البحر المحتشم لكي تتمكن المسلمات من ممارسة حياتهن دون التخلي عن لباسهن المحتشم.

 إلى نص المقال

 عندما اخترعت البوركيني أوائل عام 2004 كان القصد من ورائه منح النساء الحرية لا سلبهن إياها. أرادت ابنة أختي ممارسة رياضة كرة الشبكة (شبيهة بكرة السلة)، لكن كان صعباً دخولها في الفريق لأنها كانت محجبة. ثار دم أختي واستأسدت لتحامي عن حق ابنتها في اللعب، فدخلت في مجادلات حامية لتطرح السؤال: لماذا تحرم هذه البنت من لعب كرة الشبكة بذريعة احتشام زيها؟

عندما سمح لها أخيراً باللعب ذهبنا جميعاً لنتفرج عليها ونشجعها، لكن لباسها لم يكن زياً مناسباً للعب الرياضة: ارتدت بلوزة ذات أكمام طويلة ورقبة عالية، وبنطال جري (تريننغ) وحجابها، وهو زي غير مستساغ ليكون الزي الرسمي للمارسة رياضة ما. بدا لونها كحبة الطماطم الحمراء أثناء اللعب بهذا الزي الخانق، فقد كان وجهها شديد الاحمرار وبدا عليها الحر الشديد!

يومها عدت إلى بيتي كي أبحث عن شيء قد يناسبها أكثر لترتديه، عن لباس أو زيّ رياضي للفتيات المسلمات، لكني لم أجد شيئاً. كنت أعلم أنه ما من شيء أجده في أستراليا، لكن الموضوع شغل رأسي لأني لطالما تخليت عن الرياضة أثناء صباي، حيث لم نكن نشارك في أي رياضة كانت لأننا اخترنا أن نكون محتشمات؛ بيد أني أردت أن أجد لابنة أختي شيئاً ينسجم مع نمط الحياة الأسترالية والزي الغربي، وفي الوقت ذاته يلبي احتياجات الفتاة المسلمة.

هنا جلست على أرض غرفة جلوسي كي أصمم شيئاً. ألقيت على الحجاب نظرة فاحصة، فقصصت منه الكثير من القماش الزائد، ما أصابني بالإرباك والقلق، إذ تساءلت ترى هل يرضى ويقبل مجتمعي الإسلامي بذلك؟ المفترض بالحجاب أن يغطي الشعر وشكل الجسم، فلا يصف ولا يحدد شكل أي شيء في جسمك، بيد أن هذا الزي كان ضيقاً من ناحية الرقبة، ففكرت حينها: إنها مجرد رقبة، فلا يهم.

قبل إطلاق الزيّ صممت أسئلة استبيانية كي أتبين آراء الناس: هل قد تفكرين بارتداء شيء كهذا؟ هل قد يشجعك هذا الزيّ على المشاركة في أنشطة أكثر؟ هل ستلعبين المزيد من الرياضة أو تسبحين؟ كثيرون من الجالية المسلمة التي أعيش وسطها وقعت في حيرة من أمر هذا المنتج، لكني طورته تجارياً وكونت تجارة جيدة.

لكن البوركيني حظي باهتمام الجميع عندما طورت Surf Lifesaving Australia (جمعية غير ربحية تعنى بسلامة السباحين وحمايتهم من الغرق) برنامجاً كي تدمج الشباب والشابات من المسلمين ضمن نشاطها في إنقاذ السابحين، وذلك عقب الشغب الذي دار في كرونولا، فقد كان من ضمن البرنامج فتاة مسلمة شابة أرادت المشاركة في الحدث. وكانت ترتدي البوركيني.

أحداث 11 سبتمبر وشغب كرونولا وحظر الحجاب في فرنسا وكل الغضب العالمي الذي أعقب ذلك، جميعها جعلتنا نبدو بمظهر المجرمين والسبب هو وجود بضعة مجرمين ين ظهرانينا لا يمثلوننا ولا يمكن اتهام كل المسلمين بأفعالهم. لهذا لم أرغب أبداً في رؤية أحدهم يطلق الأحكام على الفتيات المحجبات، لأنها في النهاية ليست سوى فتاة تختار الاحتشام والعفة زياً.

كانت المسألة تدور حول الاندماج والقبول والمساواة وعدم إطلاق الأحكام. كان الأمر صعباً علينا حينها – نحن الجالية المسلمة - لأننا خفنا من الظهور بمظهر مختلف. كنا نخشى ارتياد المسابح العامة والشواطئ وما إلى ذلك، لكني أردت للفتيات أن تشعرن بالثقة كي تمضي كل منهن في نمط الحياة الصحية النشطة؛ فالرياضة مهمة ونحن أستراليون! أردت فعل شيء إيجابي، والكل بوسعه ارتداء هذا: المسيحيون واليهود والهندوس، فهذا ما هو إلا زي يناسب الأشخاص المحتشمين أو المصابين بسرطان الجلد أو الأمهات الجدد أو كل من لا ترغب بارتداء البكيني، وليس الزي أبداً رمزاً للإسلام.

عندما سمّيته "بوركيني" لم أكن أقصد أن يكون برقعاً للشاطئ، فالبرقع بالنسبة لي ليس إلا كلمة، حيث أني نشأت في أستراليا طوال حياتي؛ كنت قد صممت منتجاً جديداً هو بدلة السباحة هذه، وكان لابد لي من إيجاد اسم وبسرعة. المنتج مزيج ثقافتين، فنحن أستراليون لكننا أيضاً مسلمون باختيارنا. البرقع لا يمثل شيئاً هنا ولا معنى له، حتى أنه غير مذكور في القرآن الكريم وديننا لا يحضنا على تغطية الوجه، بل هو اختيار من المتبرقعة أن ترتديه، إذ لا وجود للبرقع في أي نص إسلامي، وقد بحثت عن الكلمة فوجدت أنها تعني غطاء كاملاً مثل معطف وخمار من فوقه، أما على الطرف الآخر فكان أمامنا البيكيني، فما كان مني إلا أن جمعت الاثنين.

لكن الأحداث السلبية التي تجري الآن وما يحصل في فرنسا يحزنني كثيراً. آمل ألا يكون السبب تعصباً عنصرياً. أظنهم أساؤوا فهم هذا الزيّ الإيجابي الذي يرمز للهو والسعادة والمرح واللياقة والصحة، وها هم الآن يطلبون من النساء مغادرة الشواطئ والعودة إلى المطبخ؟!

إن هذا الزيّ منح النساء الحرية، والآن يأتون كي ينتزعوا تلك الحرية ويسلبوها؟ إذاً من الأفضل: طالبان أم سياسيو فرنسا؟ إنهما أسوأ من بعضهما.

لا أظن من حق أي رجل أن يتدخل في طريقة لباس المرأة لأن لا أحد يجبرنا، بل هو خيار المرأة فيما ترتدي. إن ما ترونه هو خيارنا نحن. هل أنا من أتباع الحركة النسائية؟ نعم ربما. رغم أني أحب أن أكون من وراء زوجي، إلا أنني أنا المحرك وأنا من أختار أن أكون كذلك. أحب أن يأخذ هو الثناء على الإنجاز فيما أكون أنا صاحبة الإنجاز الحقيقية الساكنة الهادئة.

وددت لو أكون في فرنسا كي أقول إنكم قد أسأتم الفهم. في العالم ما يكفي من مشاكل ننشغل بها، فلماذا تخلقون المزيد منها؟ لقد أخذتم منتجاً يرمز إلى السعادة والمرح واللياقة وحولتموه إلى منتج للكراهية.

أيضاً أتساءل ما القيم الفرنسية؟ ماذا تعنون حينما تقولون إن هذا الزي لا يتماشى مع القيم الفرنسية؟ ما معنى هذا؟ أتعنون الحرية؟ هل من الحرية أن تملوا علينا ما نرتديه وما نفعل وما لا نفعل وتجبروا النساء على التزام بيوتهن؟ ماذا تريدوننا أن نفعل بعد ذلك؟ قطعاً ستأججون غضباً؛ فأنتم تقسّمون المجتمع ولا تستمعون إلينا ولا تقومون بعمل بناء، حتماً ستؤججون غضباً لدى الناس. وإن كنتم تحاولون إبعاد الناس بعيداً وعزلهم فهذا قطعاً ليس أمراً محموداً لدى أي سياسي في أي بلد.

أذكر عندما جربت البوركيني أول مرة، ارتديته بداية في مغطس حمامي كي أضمن أنه يعمل جيداً، ثم جربته غطساً حينما ذهبت إلى مسبح محلي كي أضمن أن غطاء رأسه ثابت لا يتحرك. وقتها ذهبت إلى مسبح روزلاند، وأذكر كيف حدق فيّ الجميع: ما هذا الذي أرتديه؟ ذهبت إلى آخر طرف المسبح وصعدت على منصة الغطس وغطست. بقيت قطعة الرأس في مكانها، وقلت في نفسي يا للروعة، هذا ممتاز!

كانت تلك أول مرة أسبح فيها في مكان عمومي وكانت تجربة رائعة. أذكر شعوري تماماً، شعرت بالحرية والقوة وكأني أنا أملك المسبح، حتى أنني صرت أمشي إلى طرف المسبح بظهر مشدود وكتفين منبسطين من فرط الثقة بالنفس.

شعور الغطس في الماء من أجمل ما يمكن الإحساس به في العالم. لكن أتدرون ماذا؟ إنني أرتدي زي بيكيني تحت البوركيني خاصتي. أي أنني أجمع الخيرين في آن معا.