رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مخطط هدم جبانات الشافعى والسيدة نفيسة يشعل الغضب ضد الحكومة

مخطط هدم جبانات
مخطط هدم جبانات

تعمل الحكومة على تنفيذ العديد من المحاور المرورية والكباري في نطاق محافظة القاهرة، ولكن حالة من الغضب انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي فجرتها إزالة عدد كبير من المقابر التاريخية في نطاق المحافظة، وتحديدًا مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعي.

ومن بين المقابر التي مثلت ضغطًا كبيرًا على الحكومة، مقبرة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي والتي كان مقررًا إزالتها لإقامة محور ياسر رزق في المقطم، ولكن تراجعت الحكومة بعد حالة الحشد التي صعدتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ضد هدم المقبرة لما تمثله من تراث وتاريخ، لتضطر الحكومة تمرير الكوبري أعلى المدفن دون هدمه إلا أن هذا السيناريو لم ينطبق على معظم مقابر السيدة نفسية والإمام الشافعي بمصر القديمة والتي تحتضن بين طياتها العشرات إن لم يكن المئات من المقابر التاريخية منها على سبيل المثال لا الحصر مقبرة الشيخ محمد رفعت، ومقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم، ومقبرة الشاعر محمود سامي البارودي، وخطاط الحرم المكي عبد الله زهدي، فضلًا عن كبير من الشخصيات التاريخية المؤثرة في العالم العربي بمختلف المجالات.

وتواصل محافظة القاهرة تنفيذ عدد من المحاور الجديدة، في نطاق أحياء العاصمة لتكون أحدث محاور مرورية في القاهرة، وهي كالآتي:

محور شمال طرة

يتم إنشاء محور شمال طرة والذي يتكون من محور وكوبري جديد يربط محور حسب الله الكفراوي ليعلو طريق الأتوستراد بكوبري ثم محور أرضي بشارع شمال طرة، ثم كوبري شمال طرة وكورنيش النيل ليعبر النيل حتى اتجاه الجيزة بطول 6 كم.

محور عبد المجيد محمود

 كما تواصل الحكومة أعمال تنفيذ محور المستشار عبد المجيد محمود في نطاق محافظة القاهرة من أجل تيسير الحركة المرورية وخاصة في منطقة المقطم.

ويبلغ طول محور المستشار عبد المجيد محمود 7 كم، ويعد من أهم المحاور الرئيسية الجاري إنشاؤها بالقاهرة الكبرى، وينقل الحركة المرورية من محور الشهيد إلى محور ياسر رزق بالمقطم ومنه إلى صلاح سالم ومحور الحضارات وصولا إلى كورنيش النيل، وسيؤدي عقب الانتهاء منه لتخفيف الضغط عن شارع 9 بالمقطم، وعن محور ياسر رزق.

محور صلاح سالم

يتم تنفيذ محور صلاح سالم الجديد في نطاق محافظة القاهرة لخلق حالة من السيولة المرورية، وفي هذا الإطار يتم إزالة وهدم عدد كبير من المقابر التي تعترض مسار الطريق في منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداولا لصور الهدم على نطاق واسع، تضامن معه بعض نواب البرلمان، لعل أبرزهم النائبة مها عبد الناصر، والتي تقدمت بطلب إحاطة لوقف هدم المقابر الموجودة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى الصادق، باحث بالتراث الثقافي، إن مقبرة الإمام ورش شيخ القراء المحققين، مهددة بالإزالة، مضيفا: «ولد الإمام ورش في مصر وفيها توفي ودفن في مقابر الإمام الشافعي».

وأضاف «الصادق»: «الإمام ورش هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، وقد لقبه شيخه الإمام نافع بلقب ورش وهو طائر معروف، الورش أيضًا هو شيء يصنع من اللبن وقد لقب شيخنا به نظرًا للونه ناصع البياض».

وأردف «الصادق»: «يعد الإمام ورش شيخ القراء المحققين وكان حسن الصوت، جيد القراءة وإذا قرأ يهمز ويمد ويبيّن القراءة فلا يمله سامعوه، وكان من الثقات في القراءة وممن يُحتج بهم في ذلك، مردفا: انتشرت قرأته في شمال إفريقيا وغربها وفي الأندلس وهي أكثر القراءات شيوعا في العالم الإسلامي بعد رواية حفص ومن خصائصها تخفيف همزة القطع، وإمالة الألف إلى الياء في أواخر بعض الكلمات وقد ظلت قراءة ورش السائدة في مصر حتى الفتح العثماني، حيث أصبحت قراءة حفص هي القراءة المعتمدة في مصر».

 

وكشف «الصادق»، في تصريح خاص لـ«النبأ» عن قائمة بأهم المدافن التاريخية المهددة بالإزالة بمنطقة الإمام الشافعي، وهي:
- مدفن السردار محمد راتب باشا
- مدفن الفريق إسماعيل سليم
- مدفن فاطمة برلانته الشامية (عائلة العظم)
- مدفن محمد فاضل باشا
- مدفن رشوان عبد الله باشا
- مدفن علي باشا ذو الفقار
- مدفن الأمير يوسف كمال
- مدفن الأميرة نعمت الله مختار والأميرة نشئة دل
- مدفن أحمد باشا شفيق
- مدفن إبراهيم الهلباوي
- مدفن خديجة محمد البقلي
- مدفن علي باشا فهمي
- مدفن محمود سامي البارودي
- مدفن أحمد بك عبد اللطيف
- مدفن الأميرة زهرة فاضل
- مدفن محمد سعد الدين باشا
- مدفن علي رضا ومحمد حسني يكن.
أما عن المقابر التاريخية  التي تم هدمها، وذو أهمية، فهي: 
- مدفن الخطاط عبد الله الزهدي
- مدفن عبد الحميد باشا صادق
- مدفن السيد باشا أبو علي
- مدفن محمود بك فريد
- مدفن حسن أفندي حسبي
- مدفن عارف باشا فهمي

وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعض الصفحات والمبادرات التي تقوم بنشر صور للجبانات التاريخية في محاولة لتوثيقها.

وقال أحد القائمين على مبادرة جبانات مصر، إبراهيم طايع: «بدأنا من حوالي 10 سنوات توثيق الجبانات في كل محافظات الجمهورية»، مضيفًا: «هدفنا الأول هو الحفاظ على تراث الجبانات لأننا نعلم قيمة القبر والشواهد والتراكيب والعمران الموجود به، كما نوثق الخطوط الموجودة على تلك التراكيب، لأننا نعتبر شاهد القبر -اسم المتوفي- دليل على التعريف بتاريخ القبر من خلال الاسم والخط المكتوب به».

وأضاف في تصريح خاص لـ«النبأ»: «لسنا ضد التطوير ولكن مع الحفاظ على الجبانات والطبوغرافيا، وإذا كان لا بد من هذا التطوير فلا بد من أخذ الشواهد والرفات إلى أماكن ملائمة حتى لا نفقد تراث لا يمكن تعويضه».

وأشار إلى أن دور جبانات مصر، يقتصر على أنه حال إيجاد شاهد قبر ذو قيمة، فإنه يتم بالمجهود الفردي نقلها وتقديمها للأثار بمنطقة الإمام الشافعي لوضعها في المخازن، متابعًا: «سلمنا أكثر من شاهد منها حسن حفني من معاتيق محمد على باشا وفيه لوحة مر عليها 100 سنة».

ولفت إلى أنه تم إزالة عدد من المقابر منها  مقبرة عبدالله زهدي خطاط الحرم الشريف، ومواليد فلسطين، وكان معه في المدفن حسين الليثي وكان أحد مخططي كسوة الكعبة، بالإضافة إلى إزالة قبر عباس محمد أفندي، أحد شهداء ثورة 19 وغيرها في مقابر الإمام شافعي، وفي السيدة نفيسة نقلوا رفات يحيي حقي وعبد المجيد اللبان، وغيرهما.

وتابع: «التنمية والتطوير لا يستطيع أحد الوقوف ضدها ولكن نطالب بوجود بديل يحمي الجبانات ونتمنى أن يكون لها متحف».

بدوره قال عمر النعماني، أحد الشباب المهتمين بالتراث، إن مبادرة جبانات مصر كل ما تملكه فكرة التوثيق وهي ليست ضد التطوير، ونرفض تسييس المبادرة، واتخاذ المبادرة بعيدا عن هدفها.

وأضاف في تصريح خاص لـ«النبأ»: «نبحث عن المشاهير والشواهد وتاريخ الشخص، ودراسة جوانبه المتعدة»، لافتا إلى أن المبادرة تطوعية بجهود فردية محضة.

بدوره، قال الدكتور صبري الجندي خبير التنمية المحلية، إن ما يتردد عن هدم مقابر لمشاهير أو شخصيات تاريخية غير صحيح، مشيرًا إلى أن البعض يستهدف إثارة الرأي العام  دون التحقق من ذلك.

وأضاف في تصريح لـ«النبأ» أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد صادقة، وأصبحت تتخذ الإثارة هدفا للتعبير عن رفض النظام الحالي، ووارد هدم مقبرة مهمة ولكن ليس تعمدا فعلى سبيل المثال تم تغيير التصميم للحفاظ على قبر طه حسين، قائلًا: «ولو أن أحدا لفت نظر الحكومة بوقت كافي بأهمية المقابر الموجودة كنا سنقول الهدم في هذه الحالة جريمة».

وتابع: «على الحكومة أيضًا  أن تدرس طبيعة المكان وعما إن كان به شخصيات تاريخية من عدمه، قبل التنفيذ بفترة كافية لوضع حلول بديلة حال اكتشاف مقبرة أثرية».

وأضاف: «على الدولة طرح مشروعاتها للنقاش المجتعي قبل تنفيذ كوبري، وعرض خطة المشروع ومساره للمناقشة، وتطبيق دراسات الأثر البيئي،  لأن تلك المشاريع ليست سرًا حربيا».

وفي السياق ذاته، يرى الدكتور رجب سعيد أستاذ التاريخ الإسلامي، أن الاعتداء على المقابر ليس أمرًا جديدًا في مصر، لكن الوضع الحالي أصعب من ذي قبل؛ خصوصًا أنه غير معروف الأبعاد؛ في ظل عدم إفصاح الحكومة عن مخططاتها وعدم استعدادها لإدارة حوار مجتمعي تحت وطأة استعجالها في إنجاز مشروعات.

وأشار إلى أن «قرافة القاهرة» أقدم تاريخيًا من مدينة القاهرة نفسها؛ حيث إن القرافة بدأت مع دفن أول مسلم في مصر، وكان ذلك تحت سفح المقطم في صدر الإسلام، أي قبل بناء مدينة القاهرة بزمن طويل.

وأوضح، أن مبرر احتجاج الحكومة بأن هذه المقابر لم يتم تصنيفها «أثرية»، غرضه إطفاء نار الغضب.

وتوقع الباحث الإسلامي رجب سعيد، تدخل منظمة اليونسكو تجاه ما يحدث، خاصة وأنه في العام 1979، سجّلت منظمة «اليونسكو» منطقة القاهرة التاريخية موقعَ تراثٍ عالميًّا، ولكن في السنوات الأخيرة، وقبل عمليات الإزالة الأخيرة، كررّت شكواها من الإهمال الذي تتعرض له المنطقة، مهددة بشطبها من قائمة التراث العالمي، وبنقلها لقائمة التراث المُعرّض للخطر.

من جانبه أكد الدكتور محمد حمزة أستاذ التاريخ الإسلامي وعميد كلية آثار القاهرة سابقا، أن ما يحدث بمقابر القاهرة الإسلامية بالقاهرة جريمة تاريخية.

وطالب «حمزة» الرئيس السيسي بالتدخل ووقف تلك المهزلة التي بطلها وزارة الآثار والسياحة والمحافظة، متابعًا: «فما يحدث جريمة سوف تؤثر على الدخل القومي للدولة لكون تلك المقابر أحد أساسيات الرواج السياحي في مصر، فالحضارة الإسلامية عامل مهم للسياحة، وإقامة الكبارى والتوسعات الإنشائية والحضارية لا يجب أن تكون على حساب التاريخ الإسلامي لمصر».

وأضاف في تصريح خاص لـ«النبأ» أن منظمه اليونسكو لن تدين أو تتدخل فيما يحدث حاليًا تجاه مقابر التاريخ الإسلامي؛ لأنها فقط تنظر تجاه ما يحدث للآثار اليهودية والمسيحية، لذلك اليونسكو لم تدخل تجاه ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى فهي تريد إزالة كل أثر إسلامي بالعالم، ولذلك الحكومة عملت على ترميم الآثار اليهودية حتى تحصل على رضا اليونسكو -على حد قوله-.