رئيس التحرير
خالد مهران

«فتنة» ارتفاع «المصروفات» تفجر غضب أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية

النبأ

«النبأ» تنشر الفئات المعفاة من القرار 

«فتنة» ارتفاع «المصروفات» تفجر غضب أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية 

«ناهد»: «معايا 4 عيال فى جميع المراحل أولع فيهم وأخلص»

«سهام»: «كله بالفلوس.. إحنا دخلنا على إلغاء مجانية التعليم»

«سيد»: «ليه 500 جنيه ثانوية عامة.. ده لا فيه كتب ولا حضور»

«زينب»: «مش هدفع غير قبل الدراسة ما تنتهى بأيام وأهو أخف الحمل شوية»

«رحمة»: «أنت فاكر إن كل أسرة فيها تلميذ واحد! أنا عندى  تلاتة وعلى حسبتك محتاجة 700 جنيه»

«ولية أمر»: «وزير التعليم مش عايش وسطينا وشايف الغلابة ماشيين إزاى»

محب عبود: الآن أصبحنا أمام تعليم غير مجانى على أرض الواقع

«عبود»: وزير التعليم يحمل أولياء أمور الطلبة نتيجة خلافات وزارته مع المالية بشأن الميزانية

ممثل "المعلمين المستقلة": قرار الوزير يتعارض مع الدستور واتفاقية التنمية المستدامة

خبير تربوى: زيادة المصروفات الدراسية تؤدى إلى تسريب الطلبة من التعليم

أستاذ علوم وتربية: الزيادة ليست كبيرة.. «ما أولياء الأمور بيدفعوا مبالغ مهولة فى الدروس الخصوصية»

انتهت جدوى المطالبات بالرحمة وبات الأمر متروكًا لـ"حسبنا الله ونعم الوكيل"، العبارة التي اتخذها أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية ملاذًا ضد وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، وسياساته وقراراته التي أجمع أولياء الأمور على وصفها بـ"قطم الوسط"؛ لاسيما قراره الأخير بزيادة المصروفات الدراسية لجميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، رغم تقليص أيام الدراسة وساعات اليوم الدراسي، وصدور قرار بتدريس المواد الأساسية من المنزل. فاجعة أولياء الأمور التي تسبب فيها "شوقي" لم تكمن في الزيادة في حد ذاتها؛ بينما تخطى تلك الزيادة نسبة الـ 100% في بعض الصفوف والمراحل الدراسية، الأمر الذي جعل أولياء الأمور يضربون كفًا على كفٍ مرددين "هنجيب منين.. منك لله"، بل اعتبر السواد الأعظم منهم أن تلك الزيادة بمثابة إلغاء مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور المصري.

صرخات ودعوات أولياء الأمور لم تحرك ساكنًا لدى "شوقي"، الذي رأى أن مصر تمر بعام استثنائي بسبب ما خلفته جائحة كورونا من أعباء اقتصادية على الحكومة، فلم تجد الوزارة أمامها سوى رفع قيمة المصروفات الدراسية بدعوى تحسين الخدمات التعليمية المقدمة بالمدارس الحكومية؛ رغم أن التعلم عن بُعد في معظم أيام العام الدراسي المُقبل.

شرارة الأزمة

21 سبتمبر الماضي، كانت بداية الفاجعة بعد إعلان وزير التربية والتعليم، زيادة المصروفات الدراسية وفقًا للقرار الوزاري رقم (155)، ووفقًا للمادة الثانية من القانون حددت الوزارة قيمة الرسوم الدراسية بداية من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الابتدائي بواقع 300 جنيه. بينما جاءت قيمة الرسوم الدراسية من الصف الرابع الابتدائي حتى الصف الثالث الإعدادي 200 جنيه، ومن الصف الأول الثانوي حتى الصف الثالث الثانوي العام 500 جنيه، في حين بلغت قيمة رسوم صفوف التعليم الثانوي الفني بجميع أنواعه وأنظمته (3- 5) سنوات 200 جنيه.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يقرر فيها "شوقي" زيادة المصروفات الدراسية، ففي عام 2018 أصدر قرارا وزاريا رقم (356) برفع الرسوم والغرامات ومقابل الخدمات الإضافية (المصروفات الدراسية)، التي يتم تحصيلها من طلاب المدارس بمختلف المراحل.

تخطت الـ100%

ولكن نسبة الزيادة المُقررة وفقًا للقرار الوزاري الجديد، التي تجاوز بعضها نسبة 100% في بعض المراحل، هي ما أثارت غضب أولياء الأمور ضد وزير التربية والتعليم مرة أخرى، بل حركة نيران المعركة الطاحنة بينهما، التي لا يستخدم فيها ولي الأمر إلا سلاح الصراخ والاستغاثة و"الحسبنة"، لاسيما وأن نسبة الزيادة المُقررة على مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الابتدائي بلغت 106.8% عن العام الماضي الذي كانت تقدر فيه رسوم تلك الصفوف 145 جنيهًا، بينما كانت الرسوم المقررة عام 2019 بداية من الصف الرابع وحتى السادس الابتدائي 160 جنيهًا، في حين أن رسوم المرحلة الإعدادية قبل الزيادة بلغت 150 جنيهًا، ورسوم التعليم الفني كانت 170 جنيهًا.

الطامة الكُبرى بالنسبة لأولياء الأمور تمثلت في نسبة الزيادة في رسوم مرحلة الثانوية العامة، والتي بلغت 156.4%، بواقع 500 جنيه بعدما كانت 195 جنيهًا.

كله بالفلوس

"حسبنا الله ونعم الوكيل، إحنا دخلنا على إلغاء مجانية التعليم"، أبدت سهام محمود، إحدى أولياء الأمور، غضبها من القرار بهذه الكلمات، ورأت أن القرار من شأنه أن يؤدي إلى تسريب الطلاب من مراحل التعليم الأولى، "بكرة الطلبة تتسرب من التعليم، ما كله بالفلوس اللي معاه بس هيتعلم".

قرار "شوقي" اعتبره البعض "القشة التي تقصم ظهر البعير"، في ظل أعباء اقتصادية طاحنة. وتشكو ليلى رجب (اسم مستعار)، من القرار طالبة الرحمة "حسبي الله ونعم الوكيل هنلاقيها منين ولا منين المصالحات ولا الكتب ولا الدروس والملخصات بتاعتها! ارحمونا يرحمكم ربنا".

حل مؤقت قررت تعتمد عليه زينب إبراهيم (اسم مستعار) ولية أمر، تخفيفًا من عبء المصروفات الدراسية، التي يتوافق توقيت سدادها مع مصروفات شراء الزي المدرسي ومستلزمات الدراسة، وقررت عدم سداد المصروفات في بداية العام الدراسي "مش هدفع غير قبل الدراسة ما تنتهي بأيام، وأهو أخف الحمل في البداية شوية، مش هاجري أدفع أول ما الدراسة تفتح"، بل ترى زينب أن التواجد بالمدارس لن يستمر طويلًا، في ظل توقع مباغتة الموجة الثانية من جائحة كورونا.

"شوقي" في برج عالٍ

قرار الوزير لم يراعِ أن كل أسرة ليس بها طالب واحد فقط، وأن الدراسة لم تعد كما كانت، من وجهة نظر رحمة حامد (اسم مستعار) وولية أمر لثلاثة طلبة، تخاطب "شوقي": "إيه كل دا، أنت فاكر إن كل أسرة فيها تلميذ واحد! أنا عندي تلاتة وعلى حسبتك محتاجة 700 جنيه، وكمان ما فيش دراسة زي الأول".

"وزير التعليم مش عايش وسطينا وشايف الغلابة ماشيين إزاي".. وتلوم "رحمة" شوقي وترى أنه يسكن في برج عال، ولم ينزل إلى القاع حيث يعيش "الغلابة" –بحسب وصفها- "الأب اللي شايل الحمل لوحده هيجيب لبس مدارس وشنط ويأكل ويشرب ومياه وكهرباء، ده غير إن ما فيش شغل زي الأول بسبب كورونا". 

"بتعملوا في الناس كده ليه!" يستنكر سيد أحمد (ولي أمر)، مبلغ الـ 500 جنيه المقرر على طلبة مرحلة الثانوية العامة؛ لاسيما وأن الوزارة لم تطبع كتب لتلك المرحلة، "ليه 500 جنيه ثانوية عامة دا لا فيه كتب ولا حضور".

يستعجب "سيد" من تصريحات المسؤولين التي تصف عام 2020 بأنه استثنائي بالنسبة للدولة والوزارات بسبب توابع كورونا الاقتصادية "هي السنة دي استثنائية على الحكومة وعلى أولياء الأمور والشعب لا!".

فئات معفاة

قرار الزيادة أعفى بعض الفئات، من دفع المصروفات الدراسية، وتشمل تلك الفئات، أبناء شهداء ثورة 25 يناير، وأبناء الأسر المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي والمساعدات والمعاشات المقدمة من وزارة التضامن، والطلاب يتامى الأب، وأبناء المرأة المعيلة ومهجورة العائل والمطلقة، وأبناء المكفوفين وذوى الاحتياجات الخاصة، وأبناء الذكور المفرج عنهم من السجون حديثًا بدون دخل ثابت، وأبناء مصابي الثورة، بالإضافة إلى طلاب مدارس حلايب وشلاتين وأبو رمادة بالبحر الأحمر ومدارس شمال سيناء، وطلاب مدارس التربية الخاصة ومدارس الفصل الواحد ومدارس التعليم المجتمعي، فضلًا عن الطلبة المتحررين من الأمية الملتحقين بالمدارس.

الظروف الاقتصادية الطاحنة؛ لاسيما في ظل كورونا وسعت دائرة غير القادرين، الأمر الذي دفع بعض أولياء الأمور للمطالبة أن يشمل قرار الإعفاء من باب المساواة، أبناء العمالة غير المنتظمة، واقتصار تطبيق القرار على الفئة صاحبة الأموال –يحسب وصفهم.

"طيب اعفوا أولاد النجارين والفلاحين والسباكين وغيرهم كمان، وخلوا ولاد رجال الأعمال والناس اللي معاها فلوس هم اللي يدفعوا"، هذا ما اقترحه (محمود.ا) أحد أولياء الأمور، مستنكرًا تفكير الوزير في أن الفئات المشمولة في المعافاة هي الوحيدة غير القادرة.


أولع فيهم وأخلص

ضرر كبير أحدثه القرار لدى الكثير من الأسر؛ لاسيما من لديها أكثر من طفل في المراحل التعليمية، وتقول ناهد فوزي، "أنا أعمل إيه! للأسف عندي جميع المراحل، الصغير في كي جي والتاني في سنة خامسة والتالت في إعدادي والكبيرة في ثانوي.. أولع فيهم واخلص!" وتستنكر زيادة المصاريف مع تقليص أيام الدراسة "هي كل المصاريف دي هندفعها على يومين في الأسبوع!".

لم يضع "شوقي" في حسبانه –بحسب وصف أولياء الأمور- أنهم مطلوب منهم دفع مقابل للتابلت والكتب الخارجية وغيرها، وبحسب صلاح فتحي "كده كتير كفاية الكتب الخارجية اللي جبناها ولسه لبس مدرسة ومصاريف التابلت، حسوا بينا شوية".


ضاعت المجانية

"قبل ذلك القرار كنا نقول إن الحكومة تحتفظ بمجانية التعليم على الورق فقط، والآن أصبحنا أمام تعليم غير مجاني على أرض الواقع"، بدأ الخبير التربوي وممثل نقابة المعلمين المستقلة، محب عبود، حديثه بهذه الكلمات، مؤكدًا أن قرار وزير التعليم بزيادة المصروفات يتعارض مع مجانية التعليم التي يكفلها الدستور.

المفارقة الغريبة من وجهة نظر "عبود" أن الحكومة المصرية تضرب باتفاقية التنمية المستدامة الموقعة عليها عرض الحائط، لاسيما وأنها تكفل مجانية التعليم للجميع، ويرى أن أزمة زيادة المصروفات يتعاظم سوادها على أولياء الأمور، في ظل أن أكثر من 50% من الأسر المصرية تحت خط الفقر، فباتت الـ 200 والـ 500 جنيه مبالغ كبيرة، لاسيما وأن الأصل في الموضوع المجانية.

موازنة تائهة ومواطن مطحون

ويرد «عبود» على مزاعم رفع قيمة المصروفات الدراسية من أجل تحسين الخدمات التعليمية، متسائلًا عن ميزانية التعليم الحقيقية التائهة بين تصريحات وزير التعليم، الذي صرح بأنها تبلغ مليارا و900 مليون جنيه –بحسب عبود-، وبين وزير المالية الذي صرح بأنها 3 مليارات و600 مليون جنيه.

واعتبر "عبود" أن وزير التعليم يحمل أولياء أمور الطلبة نتيجة خلافات وزارته مع المالية بشأن الميزانية، لاسيما وأن مبلغ 1.9 مليار قليل كموازنة للتعليم، خصوصًا وأن دستور 2014 نص على تخصيص نسبة 4% من موازنة الدولة للتعليم أي ما يعادل 3.6 مليار جنيه، وهو ما صرح به وزير المالية، كما نص الدستور على أن تزيد النسبة خلال خمس سنوات حتى تصل إلى النسبة العالمية وهي 8%، إلا أنها لم تصل حتى إلى 4%، ولكن وفقًا لتصريحات "شوقي" بشأن الموازنة فهي تعادل 2.4% فقط من موازنة الدولة، الأمر الذي دفعه إلى زيادة المصروفات الدراسية وتحميل أعباء ثقيلة على كاهل أولياء الأمور.

واختتم ممثل نقابة المعلمين المستقلة حديثه، بأن زيادة المصروفات الدراسية تؤدي إلى تسريب الطلبة من التعليم، لاسيما المرحلة الابتدائية، مُنتقدًا عدم دراسة القرار قبل اتخاذه، لاسيما وأن قرار شوقي كان فجائيًا دون سابق إنذار.

ما هي لازم تزيد

ويختلف أستاذ العلوم والتربية بـ«جامعة عين شمس»، محمد عبد العزيز، مع "عبود" ويرى أنه لا أزمة في زيادة المصروفات الدراسية، لاسيما وأنه سنويًا رواتب المعلمين في زيادة –بحسب وصفه- "كل سنة أسعار الأوراق بتزيد ومرتبات المدرسين، والدولة في حالة اقتصادية صعبة، وتحاول تميل يمين شوية وشمال شوية كنوع من أنواع التكافل".

"إذا كانت الدولة مضطرة لزيادة المصروفات الدراسية لإنفاقها في أوجه أخرى مثل إصلاح الأبنية المدرسية أو زيادة رواتب المُعلمين؛ فلابد لفتح الباب لإعفاء غير القادرين"، بهذا المقترح وجد "عبد العزيز" مخرج من تحميل أعباء المصروفات الدراسية على كاهل الأسر غير القادرة، من خلال خلق وسائل لمخاطبة الوزارة وعمل كشف بغير القادرين.

الفئات المعفاة من المصروفات الدراسية وفقًا للقرار الوزاري الجديد، لا تشمل جميع غير القادرين، لذا يقترح "عبد العزيز" إسناد مهمة رصد غير الأسر غير القادرة إلى مدراء المدارس بمساعدة الأخصائيين الاجتماعيين.

واختتم أستاذ العلوم والتربية حديثه، بأن الزيادة المُقررة غير مبالغ فيها، "الزيادة مش كتير يعني، ما أولياء الأمور بيدفعوا مبالغ مهولة في الدروس الخصوصية".