رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«الشائعات» تفجر الحرب الإلكترونية بين النظام و«أهل الشر»

شائعات الفضاء الإليكتروني
شائعات الفضاء الإليكتروني - أرشيفية


خلال الفترة الأخيرة، شهدت الساحة حديثًا متواترًا من القيادة السياسية عن «الشائعات» التي تتناقلها بقوة منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تهدف في الأصل إلى تدمير ‏الشعوب نفسيًا ومعنويًا ونشر الإحباط بواسطة المعلومات «المغلوطة».


هذه القضية الخطيرة، جعلت الرئيس عبد الفتاح السيسى، يطالب بضرورة اليقظة لمواجهة هذه «الشائعات» التي تنطلق من جبهات كثيرة مثل «السوشيال ميديا»، أو القنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية المعادية لمصر، والتي تركز بصورة كبيرة على بث أخبار «كاذبة» هدفها ضرب الروح المعنوية للشعب، وإحداث «فتنة» بين طوائفه، أو حتى العمل على تشويه صورة الجيش المصري؛ رغم النجاحات الكبيرة التي يحققها ضد الجماعات الإرهابية.


قانون الجريمة الإلكترونية يواجه منصات الشائعات

من ناحيته، قال النائب أحمد بدوي، وكيل لجنة الاتصالات بـ«مجلس النواب»، إن إطلاق الشائعات على منصات التواصل ‏الاجتماعي يتم منذ فترة كبيرة، وحينما تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن كمية الشائعات التي تجاوزت 21 ألف ‏شائعة في ثلاثة أشهر كان فقط على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر؛ لأن الشائعات التي أطلقت في بعض ‏الأحيان أكثر من هذا الرقم بكثير، ووصلت في بعض الأوقات إلى 50 ألف شائعة وللأسف 90% ما ينشر بمصر يكون ‏على تلك المنصات والتي يغلب عليها الكذب والتضليل ونشر حالة من الإحباط بين المواطنين بل يتخطى ذلك بتبني ‏بعض الصفحات على «فيس بوك» التحريض على العنف ضد رجال القوات المسلحة والشرطة والنيل من مؤسسات ‏الدولة ما استدعى تحركنا نحن بمجلس الشعب للحيلولة دون تفاقم الأوضاع والوقوف بقوة ضد هذا الوضع.


وتابع: «وقمنا ‏بسن قانون الجريمة الإلكترونية الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع وهو في انتظار تصديق الرئيس عليه وفور تطبيق ‏القانون سوف نلمس الفرق الكبير، بطبيعة الحال لن يوقف انتشار الشائعات ولكنه سيحد منها بنسبة كبيرة لأن ‏العقوبات بالقانون الجديد ستكون رادعة خاصة فيما يتعلق بالمساس بالأمن القومي للبلاد وبجانب القانون الرادع يجب ‏أن نواجه الفكر بالفكر ويكون هناك ربط بين مواقع البوابات الرسمية للمحافظات مع صفحة مركز معلومات مجلس ‏الوزراء على صفحات الـ(سوشيال ميديا) وبذلك كل محافظة تقوم بالرد على الشائعة المتداولة داخل نطاق المحافظة ‏ونشرها على مواقع التواصل من خلال صفحة مركز المعلومات».‏


حرب نفسية وضرب تحت الحزام

وقالت الدكتورة ثريا البدوي، أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن إطلاق ‏الشائعات من الطرق المستخدمة في الحرب النفسية بين طرفين يسعى كليهما للنيل من الآخر وكل «نظام» ‏بالعالم توجد له معارضة تسعى لتشويه صورته وتُجهز الساحات المختلفة لذلك سواء عن طريقة نشر الشائعات بين ‏العامة بواسطة بعض الأفراد أو على المنصات الاجتماعية المختلفة لشن حرب تركز من خلالها على النقاط ‏السلبية ُتظهر ضعفه وكشف سوأته ونظير ذلك تستخدم جميع الأساليب، وكلا الفريقين يستعين بالتابعين الذين لا يدخرون ‏جهدًا ولا يتورعون في بعض الأوقات بـ«الضرب تحت الحزام» ويتحركون على عدة أصعدة سواء السياسي أو ‏الاقتصادي أو التجاري والقاعدة الأساسية لتلك الحرب هي بث أخبار سلبية للنيل من سمعة أفراد أو مؤسسات أو ‏لخلق أزمة يترتب عليها إثارة الذعر وزعزعة الاستقرار.‏


وتابعت «البدوي» أثمن التحركات الأخيرة التي يقوم بها إعلام الدولة من تبني حملة لدرء الشائعات وإظهار الحقيقة ‏ولكن تلك الحملة يجب أن تكون مستمرة وبقوة لتصل للجميع لأن التليفزيون تشاهده كل الأسر المصرية وبالتالي ‏يخاطب شريحة كبيرة من الجمهور الذي به نسبة من الأمية لا تجد مصدرًا لتلقي المعلومة سوى التليفزيون وتلك ‏الشريحة لو لم تجد تصحيحًا لمعلوماتها باستمرار سوف ينطلي عليها الأمر وبالتالي ستساعد على انتشار الشائعة عن ‏جهل على عكس الوضع بمواقع التواصل الاجتماعي.


وأضافت أنه برغم أن تلك المواقع أصبحت بؤرة لإطلاق الشائعات إلا أنني ‏لا أشعر بالذعر من انتشارها على تلك المواقع لأن العالم الافتراضي مختلف تمامًا ونسبة الوعي به كبيرة بين مريديه ‏ولأنه يضم كافة الأطياف وكل الأعمار والمستويات الفكرية التي تخلق حائط صد أمام تلك الأخبار المضللة فبعض ‏هؤلاء المريدين لا يترك الخبر يمر عليه مرور الكرام ولكنه يحكم العقل ويزن الأمر جيدًا ويحلل الأخبار قبل تداولها ‏بل البعض يفند تلك الأخبار ويُظهر مدى زيفها ويهب للدفاع عن الحقيقة وهذا ينطبق على البعض وليس الكل الذي ‏ينخدع بالأمر ويقوم بـ«الشير» دون تحقق وتدقيق.


واستكملت: لكن في المجمل تلك المواقع لديها من المساحة ما يجعل الأمر يؤخذ ‏ويرد عليه وتفتح النقاشات والحوارات التي من الممكن أن تحد من انتشار تلك الأخبار الكاذبة لأن المواطن العربي ‏وخاصة المصري لديه تحفظات ولا يقوم بتصديق الخبر من البداية فهو متشكك بطبيعته وبين المؤيدين توجد كتل ‏تتشكك من البداية ويمر الأمر لديها بمجموعة من «الفلاتر» حتى تتقبل الأمر رغم أنهم من المؤيدين ولكنهم لا ‏يسلمون بسهوله فهذه طبيعتهم.‏


مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت ساحة للحروب

وأكدت أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للحروب فهناك من يجند «كتائب إلكترونية» تتبع ‏استراتيجيات وتكتيكات غاية في الدقة فتلك الكتائب تنقسم في بعض الأحيان إلى خلايا وفرق بعضها يطلق الشائعة ‏والبعض الآخر يروجها، وآخرون يقومون بدور المعارضة الشكلية لتثبيت تلك الشائعة من خلال تداولها بطريقة ‏ظاهرها الحيادية وباطنها الزيف، الكل له دور محدد «‏ROLE PLAY‏» وكلما حدثت معارضة أصبحت الشائعة ‏منتشرة بسرعة كبيرة فتكتيك الكتيبة المنقسم لخلايا يساعد في نشر الشائعة وتصديقها لأنه تم وفق أسلوب يجعل المتلقي ‏‏«يشغل عقله» قليلًا وبالتالي إعمال العقل يجعلك مقتنعا تمامًا بالمحتوى ويحولك من مجرد متلق لمدافع تدافع بشدة ‏عن وجهة نظرتك التي تشكلت بواسطتهم دون أن يدري، فهناك من ُيظهر أنه معارض في بادئ الأمر وبعد سلسلة من ‏النقاشات المحسوبة ينقلب هذا المعارض لمؤيد وبالتالي من يتابع تلك النقاشات يجد في الآخر أنه يميل للتصديق لأن ‏الأشخاص المعارضين اقتنعوا في نهاية الأمر بعدم النقاش والحوار وإحكام العقل.‏


ونوهت «البدوي» إلى أنه يجب التفريق بين الشائعة وأخبار «جس النبض» التي تطلقها الحكومة بين الحين والآخر لتقيس ‏بها ردود الفعل ومدى تقبل المواطن لبعض القرارات التي من الممكن اتخاذها في فترة قادمة، فتلك الأخبار تُطلق من ‏مصادر غير معروفة وتنتشر بطرق يترتب عليها ردود أفعال انفعالية ومعارضة شديدة في حينها كل ذلك في مقابل ‏‏«صمت» تام من الحكومة سواء بالنفي أو التأييد ورويدا رويدا ردود الأفعال المعارضة لتلك الأخبار تبدأ تخبو وبعد ‏فترة تتخذ الحكومة تلك القرارات ولا يصاحبها ردود أفعال متشددة وإن ظهرت تكون لفترة بسيطة وتتوارى، فقد حدث ‏كل ذلك بسبب التهيئة التي تمت للمواطن منذ شهور سبقت القرار، ورغم أن هذه الأمر عادة ما يكون في القرارات ‏الاقتصادية التي تمس المواطن وهي بالمناسبة شيء حميد لأن خطوات الإصلاح يلزمها قرارات صعبة؛ ومن هذا ‏المنطلق تقوم الحكومة بتهيئة المواطن أولًا، إلا أنها على درجة من الخطورة لأنها تجعل المواطن يفقد الثقة بحكومته ‏فيما بعد ويصبح لديه يقين أن شائعة اليوم هي قرار غدًا وهذا يجعله لا يفرق بين الغث والسمين.‏


«السطحية» تسيطر على الإعلام الخاص وقنواته الفضائية

وتابعت «البدوي» المشكلة الكبرى في الإعلام الخاص وقنواته الفضائية التي تعاني السطحية وعلى إعلاميها إعادة النظر فى سياستها فهي تنتهج أسلوبًا بعيدًا كل البعد عن المهنية وعليهم أن يتبنوا قضايا تهم المواطن وترتقي ‏بفكره فنحن نرى كأساتذة إعلام ومتخصصين أن اقتحام رجال الأعمال للإعلام يهدد تلك المهنة التي تشكل الوعي، فهم ‏يوزنون العملية بميزان تجاري فالأمور بالنسبة لهم مكسب وخسارة يصرفون الكثير من الأموال بهدف جني الأرباح ‏دون النظر لما تقدمه قنواتهم وبعض الفضائيات الخاصة تهدد أمن واستقرار البلاد فتلك القنوات شاغلها الشاغل تحقيق ‏الأرباح وجلب الإعلانات دون النظر للمحتوى الذي يحط من قدر مصر بالخارج ويشوه سمعتها.‏


وتساءلت: ما الرسالة الإعلامية من جراء استضافة راقصة ببرنامج شهير يقدمه إعلامي كبير يستضيفها ويفسح لها المجال ‏بالساعات للتحدث بطريقة غابت عنها الثقافة واللباقة، وهذا الأمر أساء كثيرًا للمصريين بالخارج وتعرضت أنا شخصيًا ‏لذلك حينما كنت أحاضر بالخارج وتساءلت الطالبات عن مدى الفائدة التي عادت علي المصريين والإعلام العربي من ‏ظهور تلك الراقصة بهذا البرنامج الكبير. ‏


واستطردت «البدوي»: يجب أن يكون لإعلام الدولة الرسمي دور بارز في الحياة السياسية والاجتماعية بمصر ‏ويقوم بالتوعية لاسيما أن هذه الفترة حساسة للغاية والشائعات تنال من استقرار البلد وعليه بتسليط الضوء على ‏الغرض من الشائعة وأهدافها وتعريف المواطن الخطوات التي يجب عليه اتخاذها في مواجهة تلك الشائعات هذا ‏بالنسبة لجمهور التليفزيون أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فيجب أن يكون هناك مركز إعلامي يتبع رئاسة ‏الوزراء ولديه ربط مع كل الوزارات ويشرف عليه مجموعة من الإعلاميين المتخصصين تحت اسم مركز إدارة ‏الشائعات يقوم بالتصدي لكافة أنواع الشائعات التي تحاول زعزعة استقرار البلاد، فالشائعة من الممكن أن تخلق أزمة ‏لأننا تقاعسنا عن مواجهتها. ‏


الأجهزة المخابراتية تلجأ لهذه الوسائل في حروب الجيل الرابع

وفي ذات السياق، قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بـ«الجامعة الأمريكية»، إن إطلاق الشائعات ليس ‏بالأمر الجديد ولكنه منذ زمن بعيد وقد حذرنا القرآن الكريم من الكاذبين بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ‏فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فهذا منذ أكثر من 1400 عام. أما في العصر الحديث ‏فالصراع بين الدول على أشده وتلك الدول لديها أجهزة مخابرات تقوم بإنشاء ودعم إعلامًا يلبي رغباتها بل يتخطى ‏الوضع الآن باختراق مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من خلال عمل «أكونتات» وهمية تستغلها وقت الحاجة ‏ومن خلال الإعلام الموالي ومواقع التواصل الاجتماعي تشن تلك الأجهزة المخابراتية حروبًا لتفجير الأوضاع من ‏الداخل دون أن تحرك جيوشها العسكرية فهذا ما يعرف بحروب الجيل الرابع.‏


وتابع «صادق» أن مصدر الشائعات عادة ما تكون أجهزة مخابرات أو قوى معادية أو تنظيمات إرهابية ورائها وفي ‏بعض الأحيان تقع الحكومة في فخ الشائعات من خلال بث «توقعات» مشكوك في صحتها من أجل «بسط» الشعب ‏الذي يفيق على واقع مؤلم يترتب عليه عدم تصديق تصريحات الحكومة مستقبلًا وفي أحيان أخرى تلعب الإيدولوجيا ‏دورًا في ذلك؛ فمؤيدو التيار الإسلام السياسي والمنتمون لقوى المعارضة والأحزاب يحاولون بشتى الطرق أن يحظوا ‏بدعم وتأييد الشعب في مقابل سحب البساط من تحت أقدام النظام وبالتالي يصبحون في بعض الأحيان مصدرًا للشائعات. ‏ومن المعروف أن الشائعة هي أخبار مضللة غير معروفة المصدر يستخدم فى بعض الأحيان أسماء مواقع شهيرة ‏و«اللوجو» الخاص بهم بهدف إضفاء مصداقية على الخبر من أجل أن ينتشر ويشيع بين الناس وهناك أيضا من ‏يستخدمون بعض الأخبار القديمة التي نشرت في وقت سابق وإعادة نشرها في توقيت لاحق بهدف إحداث بلبلة؛ لأن في ‏هذه الحالة تكون المصادر موثوق منها وذات مصداقية كما يحدث في بعض الأحيان بـ«تويتات» المشاهير بإعادة ‏نشرها وتركيبها على أحداث حالية وهى كانت بوقت سابق فهم بذلك يحاولون توريط تلك الشخصيات وللأسف يغيب ‏عن المصريين التحقق والتدقيق قبل تداول الأخبار لبيان مدى صحتها وأنهم يقومون بنقلها دون التأكد من حقيقتها على ‏عكس البلاد الأوروبية كدولة السويد مثلا التي يقل فيها مثل هذه الأشياء لأن المواطن هناك يبحث وراء المعلومة ولا ‏يقوم بنقلها دون التأكد من مصداقيتها.‏


مطالب بـ«نخبة سياسية» تكون مهمتها الأساسية التعامل مع «الشائعات»

وأكمل «صادق» مما يزيد في نشر الشائعات هو تأخر الجهات المسئولة عن دحر الشائعة والبطء في التعامل معها ‏ويتعاملون بعقلية الموظف الذي لا يقوم بواجباته على أكمل وجه ولذلك نحن بحاجة إلي نخبة سياسية إعلامية تكون ‏بالوزارات المختلفة وهؤلاء عكس المستشارين الإعلاميين بالوزارة التي تكون وظيفتهم هي كتابة البيانات الصحفية ‏وتلك النخبة السياسية تكون منوط بها التعامل مع الشائعات بكافة أشكالها ولديها من سرعة الرد ما يجعلها في قلب ‏الأحداث دون انتظار موافقة الوزير أو المسئول الأعلى منه، لأنه في كثير من الأحيان تلعب البيروقراطية دورًا فهذا ‏الوزير مشغول وذاك باجتماع وموافقته شرط ليخرج المتحدث أو المسئول الإعلامي للرد وإظهار الحقيقة وبعد ‏الحصول على الموافقة وإعطاء الضوء الأخضر يكون الأمر خرج عن السيطرة ولا تفلح الردود آنذاك وحينما يتم ‏توضيح الحقيقة لا تحدث أثرًا جيدًا ويكون المردود سلبيًا ويؤدي إلى عدم تصديق الشعب لما يقوله المسئول وتجد ‏الحكومة نفسها في موضع اتهام على طول الخط فنحن بحاجة بشدة إلي وجود مكتب إعلام سياسي بالوزارة المختلفة ‏لقدرتهم على التعامل مع المواقف الدقيقة باحترافية تمكنهم من إخراج الوزارة من مأزق الشائعات التي تسقط فيه.‏


وتابع «صادق»: على الحكومة أن تسارع في قتل الشائعة في مهدها وفضح المواقع المشبوهة التي تطلق تلك الشائعات ‏فبعض تلك المواقع تنال من الجيش والشرطة وتنشر مناخًا تشاؤميًا بالفعل فشاغلها الشاغل أن تضخم السلبيات لاسيما ‏الاقتصادية منها التي تمس المواطن لتأجيج مشاعره وإظهار عدم جدوى تلك المشروعات على طول الخط وعلى ‏الحكومة أن تعي جيدًا أن السخرية أحد معاول هدم الأنظمة فكلما سخر الناس من المسئول كلما فقد هيبته وبالتالي ‏الخروج عليه في لحظة ما يكون ممكنًا هذا بخلاف أن سلاح الشائعات في غاية الخطورة ويخلق أزمات خاصة على ‏الجانب الاقتصادي فشائعة واحدة عن نقص سلعة ما يجعل الشعب يهرول لتخزينها ويؤدي ذلك بالتابعية لنقصها ‏وبالتالي عدم توافرها ونفس الأمر من الممكن أن يحدث في قطاع الأدوية وخاصة التي تعالج الأمراض المزمنة التي ‏لا غنى عنها بالنسبة للمريض كأدوية الضغط والسكر مما يجعله يسارع بشراء الكثير منها وتخزينها وينجم عن ذلك ‏شح الدواء بالأسواق ويستغل الأمر تجار السوق السوداء.‏


واستكمل: شيء آخر يساعد على خلق البلبلة هو غياب الشفافية والكذب ما يضع المسئولين في موضع اتهام ولنا في نموذج ‏واقعة الحمار الوحشي مثالا على ذلك فبعض المواطنين قاموا بتصوير حمار بلدي تم دهن جسده لكي يبدو حمارًا ‏وحشيًا وحينما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورته قام المسئول عن الحديقة بتكذيب الصورة والتأكيد على أن ‏الحمار الوحشي هيئته هكذا وتحت الضغط وإظهار الفروق بين البلدي والوحشي اعترف فيما بعد مدير الحدائق ‏المتخصصة بالواقعة وقال إن الحديقة لا يوجد بها حمار وحشي وأن من قام بهذا الفعل قام بسلوك غير حضاري وأحال ‏المتسبب فيه للتحقيق وهذا الأمر وما على شاكلته والنماذج الأخرى من نفى في بداية المشكلة وعدم الاعتراف بها ثم ‏التراجع والاعتراف فيما بعد يخلق حالة من الضبابية تجعل المواطن على طول الخط يتشكك في تصريحات الحكومة ‏لكن لو فعلت الصواب بتصديها للشائعة والاعتراف بأخطائها إن أخطأت ستقطع بذلك الطريق على مروجي الشائعات ‏وستبني جسورًا من الثقة بينها وبين المواطن.

النكتة والسخرية سلاح المواطنين للتنفيس عن أنفسهم

وفي ذات السياق قال الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق ممدوح الولي إن النظم الاستبدادية التي تكثر فيها ‏التشديدات الأمنية لا يجد فيها المواطن متنفسًا له، وفي العصور السابقة التي خلت ثورة 25 يناير كانت النكتة والسخرية ‏هي سلاح المواطنين للتنفيس عن أنفسهم ولكن الأمر اختلف بعد ثورة 25 يناير وأصبحت مواقع التواص الاجتماعي ‏هي المتنفس، ولكن رغم ذلك هناك «كتائب إليكترونية» تتصدى لذلك وأنا أرى أننا نشغل الناس بالحديث في هذا الأمر ‏والإنجازات هي خير رد على الشائعات خاصة أن المنظومة الإعلامية سواء قنوات خاصة أو ملك الدولة أو صحف ‏ورقية ومواقع إليكترونية تدور في فلك واحد ولا يحيدون عنه وكل تلك المعارك الجانبية لا تهم المواطن البسيط الذي ‏شغله الشاغل هو تلبية احتياجاته واحتياجات أسرته الأساسية من مأكل ومشرب وتلك الأساسيات تترتب عليها أشياء ‏في غاية الأهمية، منها على سبيل المثال العامل الذي يقوم بالإنتاج كيف يقوم بمهام عمله وجسده لا يقوى على ذلك ‏ويصاب بالأمراض من جراء سوء التغذية الذي يعاني منها؛ ففي السابق كانت الأكلات البسيطة التي تقوى بدنه كالخبز ‏والجبن القديم تسد جوعه أما اليوم فتلك الأكلات أصبحت مرتفعة السعر ولا يقوى على شرائها.‏


وتابع «الولي»: أن تعداد السكان أغفل تعداد الفقراء بمصر رغم ما لديه من معلومات وحصر لتلك الأسر ولكنه لم يقم ‏بنشرها أيضا أغفل عدد المناطق العشوائية ولم يقم بنشر أرقامها عمدًا ومنذ سنوات كان معهد التغذية يقوم بمسح لعدد ‏المواطنين المصابين بسوء التغذية بمصر والأطفال الذين يعانون من التقزم هذا بجانب المعاناة التي تعاني منها الأسر ‏المصرية ولاسيما الأسر التي تحت مظلة التضامن الاجتماعي فتلك الأسر بحسب الأرقام هم 1.7 مليون أسرة تصرف ‏معاشًا في حدود 323 جنيها للفرد لم يتم تغيره من إبريل 2014 حتى الآن ورغم أن جهاز الإحصاء صرح أن الحد ‏الأدنى لخط الفقر هو 482 جنيهًا للفرد الواحد تلك هي القضايا الهامة التي يجب التركيز عليها.‏


أما على أرض الواقع يختلف الأمر تماما وتنتشر الشائعات كانتشار النار فى الهشيم وتلعب وكالة «قالوا» دورًا في ‏غاية الخطورة فلا أحد رأى بعينه ولكن كل ما هناك أن «فلان قال» دون تحرى عن الأمر أو التدقيق فيه وهو ما ‏رصدته «النبأ» طوال الأيام السابقة بمحافظة الجيزة وخاصة مدرستين بإدارة العجوزة فكلتاهما عانى من شائعة واحدة ‏رددها أولياء أمور التلاميذ وأثارت ذعر كل من تقدم بأوراق التحاق أبنائه بتلك المدارس أن هناك معلما قام باغتصاب ‏خمسة تلميذات في العام الدراسي المنصرم وتم إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن وهى الشائعة التي لاقت صدى واسعا ‏وانتشارًا كبيرًا.‏


من ناحيتها، قالت الأستاذة إلهام إبراهيم وكيل مديرية التربية والتعليم بالجيزة إن هذا الأمر لم يحدث على الإطلاق وهى ‏في هذا الشأن لا تتردد في إحالة كل من تحوم حوله الشكوك للتحقيق فورًا حتى تقطع الطريق على من تسول له نفسه ‏أن يحيد عن الطريق المستقيم، ولم ترفع إليها أى مذكرة رسمية بهذا الشأن حتى تتخذ الإجراءات القانونية حيال المخطئ ‏وهذا الأمر لا يعدو الأمر كونه حربًا لتخويف الناس وإثارة ذعرهم وأقوى رد على هؤلاء يكون من خلال العمل ‏الجاد. ‏