رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

في غياب «الأوقاف».. «مسجد الحاكم بأمر الله» مأوى «الشيعة» وملجأ «العشاق»

مسجد الحاكم بأمر
مسجد الحاكم بأمر الله - أرشيفية

مسئول بالأوقاف يرفض التعليق بدعوى انشغاله.. والآخر: «الموضوع مش تبعي»

في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي وقبل بوابة الفتوح بخطوات قليلة، تقع عينيك على أحد أكبر المساجد الجامعة في مصر، «الحاكم بأمر الله».

المسجد الذي تخطت سنواته الألف عام، شيده العزيز بالله عام 380 ه، الخليفة الخامس في عهد دولة الفاطميين، ولكنه توفى قبل إكمال بنائه فتولى المهمة بعده ابنه الحاكم وأطلق اسمه عليه.

صحن المسجد الفسيح يمنح الداخل إليه هدوءًا وراحة نفسية، بفضل تلك المساحة الشاسعة المكسوة بالرخام الأبيض. تصل مساحته إلى 5330 مترًا مربعًا. المتأمل في المكان يشعر بأنه في تحفة معمارية وإسلامية فريدة، ذلك على الرغم من اختفاء معظم معالمه الأثرية بعد تولي طائفة البُهرة مسئولية ترميمه، لأن عملية ترميمه لم تكن تتناسب مع طابعه المعماري الإسلامي العتيق، إلا إنه لم يتم المساس إطلاقًا بعمارة المأذنتين، سواء من ترميم أو تطوير وتُركتا على حالهما منذ أكثر من 10 قرون.

علاقة «السادات» بـ«البٌهرة»
«هو المسجد اتحرك من مكانه» كان هذا هو رد الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما هاجمه البعض متهمينه ببيع مسجد الحاكم بأمر الله لطائفة البهرة الشيعية، وذلك بعد موافقته على طلب الطائفة بترميم وإعادة تهيئة الجامع بجهودهم الذاتية، نظرًا لمكانة «الحاكم بأمر الله» عندهم التي تصل إلى درجة القدسية، لأن الطائفة يرجع تاريخها إلى العصر الفاطمي في الأساس.

تجولت «النبأ» في المسجد لتعرف تفاصيل أكثر حول طائفة «البهرة»..

«البُهرة».. هم امتداد لإحدى فرق الشيعة الإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، يتوافدون على المسجد في جماعات ترتدي نساؤهم ملابس ملونة بينما يرتدي الرجال جلبابًا قصيرًا وبنطالا، أغلبهم من الهند وباكستان يجلسون في الجانب الأيسر من الجامع تشعر وكأن هذا المكان أعد خصيصًا لهم يؤدون فيه صلاتهم الرجال مع النساء يتحدث معظمهم بلغة عربية ركيكة لا يحبون الاختلاط ويرفضون الإدلاء بأي معلومات عنهم، ستزداد دهشتك أيضًا عندما ترى أحد أفرادهم يقود عربة صيانة في المسجد ويراقب العمال بل ويعطي لهم الأوامر.

إمام المسجد «الشيخ مصطفى» يقول: "هم فرقة من الشيعة اسمهم البهرة.. قلت له وهل وجودهم في المسجد أمر طبيعي: فرد عليّ في عجالة تشير إلى تهربه من الحديث معي قائلًا: «معاهم تصريح من الحكومة».

بدت الإجابة غير مقنعة؛ «أحمد» اسم مستعار، تحدث معي باستفاضة أكثر عنهم بحكم تردده الدائم على المسجد، بعدما تأكد أنني لا أسجل له قائلًا: «دول جماعة شيعة اشتروا المسجد من أيام السادات ومعاهم حجة بكده، وقتها الناس قالوا للسادات بعت المسجد ياريس قالهم وهو هيتحرك من مكانه، ببساطه هما أصحاب المسجد مش احنا.. والناس دي شغالة عندهم وبتقبض منهم، وهما في حالهم لا بيحبوا المشاكل ولا الاختلاط وده المكان المخصص ليهم، يأتون يوميًا من الفجر حتى العشاء".

شعور «أحمد» بالاطمئنان جعله يسترسل في الحديث عنهم، مشيرًا إلى أنهم لا يستطيعون ممارسة طقوسهم بشكل واضح داخل المسجد ومنها على سبيل المثال «اللطم على الصدور»، خوفًا من منعهم من دخوله كما حدث من قبل عندما منعتهم الداخلية من دخول الجامع لمدة شهر وأغلقت الحسين أيضًا في عاشوراء الماضي، ولكن بحكم تواجده الدائم معهم لاحظ أنهم يضعون أيديهم على صدورهم ويحركون أصابعهم بطريقة خفيفة بدلًا من اللطم.

كنت أتحدث معه وهو يتجول داخل أروقة المسجد فلاحظت أن فتاة من البهرة أغلقت الكهرباء عن البئر الموجود داخل الصحن رغم رؤيتها بعض الرجال وهم يتوضئون فسألته عن سبب ذلك؟، فأجابني بأن هذا الماء مقدس عندهم ولا يحبون أن يتوضأ غيرهم منه، واستطرد حديثه في سخرية قائلًا: « الميه دي مش نظيفة ومتنفعش للشرب، لكن هم عندهم أمور عجيبة يعني مثلا أنت لو وقع منك 100 جنيه في المسجد هتدوري عليها، هما لو وقعت منهم هيقولوا الحاكم خدها».

وخلال حوارنا مرّ أحد أفراد البهرة وهو يقود عربة الصيانة، وظلت عينه معلقة علينا لثوان، فسألت «أحمد» عنه فأجابني بأن اسمه «محمد الهندي» نسبة لبلده الهند وأنه المسئول عن العمال ونظافة المسجد، فقلت له لهذا يهتمون بنظافة المكان الذي تجلس فيه جماعتهم عن باقي المسجد، فأكد أنهم يهتمون بنظافة المسجد كله ثم قال موضحًا: «العمال هما اللي بيركزوا على الجزء اللي بيصلي فيه البهرة عشان يعنى بياخدوا رواتبهم منهم»، إجابة «أحمد» جعلتني أسأله عن دور « الأوقاف» داخل المسجد لكنه لم يجبني بالقول بل أشار إلى رجلين يجلسان بجوار بوابة المسجد وكأنه أراد أن يقول إن دورهما لا يتخطى هذا الباب.

أمر ثان يثير غضبك وحزنك أكثر مما يثير استغرابك داخل هذا المسجد يتمثل في أن صحن الجامع يتحول إلى حديقة عامة لـ«الحبيبة» وفوتوسيشن للتصوير بعد صلاة العصر دون أدنى مراعاة لقدسية المكان الذي يجلسون فيه، خاصة وأن الرقابة على المكان شبه معدومة، وهو ما يجعلك تتساءل لماذا لا يتم استغلال أروقة المسجد في إقامة حلقات لتحفيظ وتفسير القرآن وفهمه فهمًا صحيحًا بعيدًا عن التطرف على يد مشايخ من الأوقاف، خاصة مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي المستمرة بتجديد الخطاب الديني.

من جانبها، أجرت «النبأ» اتصالا هاتفيًا مع «جابر طايع» رئيس القطاع الديني المتحدث باسم وزارة الأوقاف ولكنه أجاب بأن مسجد الحاكم بأمر الله يتبع مديرية أوقاف القاهرة وأن المسئول عن ذلك الشيخ «خالد خضر» وكيل وزارة الأوقاف مدير مديرية القاهرة، وعندما اتصلت به قال إن اتصالي لم يكن في أوقات العمل الرسمية وأنه يمكنني الاتصال به يوميًا من الساعة 9:30 صباحًا وحتى الساعة 4 مساء ما عدا الجمعة والسبت فاتصلت به يوم الأحد وكانت الساعة تخطت العاشرة صباحًا بقليل لكنه لم يسمعنى رغم أني أكدت له بأنني لن آخذ من وقته سوى 5 دقائق فقط، لكنه رفض التعليق بدعوى انشغاله، وأنه غير متواجد بمكتبه.

وعلق مسئول سابق بوزارة الأوقاف بأن وجود طائفة البهرة في مسجد الحاكم بأمر الله أمر طبيعي من أيام السادات وأنهم يعتبرون المسجد ملكًا خاصًا لهم، مشيرًا إلى أن الحكومة صرحت لهم بذلك.

وعن تولي البهرة مسئولية الإنفاق على المسجد ودفع رواتب العمال، أكد أن هذا الكلام صحيح موضحًا أن هؤلاء العمال غير تابعين للوزارة أو الحكومة، وطالما أن هذه الطائفة تعتبر هذا المسجد ملكًا لها فشأنه في ذلك كشأن المسجد الأهلي تقوم عليه إدارة مكونة من مجلس إدارة وأشخاص مصريين يجمعون الأموال لإعطائها للقائمين على خدمة المسجد.