رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سر «الفشل» فى إدارة «المدارس اليابانية» على مدار عامين

المدارس اليابانية
المدارس اليابانية


في مطلع مارس 2016، توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة إلى اليابان، وخلال تلك الزيارة تفقد نماذج «المدارس اليابانية» التي أُعجب بها، وقرر نقل تلك التجربة إلى مصر.


فور عودته من الزيارة، التقى السيسي أعضاء المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، برئاسة الدكتور طارق شوقي، المشرف على الأمانة التنسيقية للمجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، وذلك قبل توليه منصب وزير التعليم بنحو عام، حيث تولاه منتصف فبراير 2017.


بدأ الهلالي الشربيني، وزير التعليم آنذاك، تنفيذ توصيات هذا الاجتماع بنوع من الإشراف من طارق شوقي ورئاسة الجمهورية، وتم الحصول على قرض ياباني لدعم تلك المدارس وإسناد عملية البناء والتجهيزات للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة.


في العام التالي، وبعد توليه الوزارة بدأ «شوقي» الحديث عن جاهزية المدارس اليابانية والانتهاء من أغلب تلك المدارس، وأنها ستكون جاهزة للتقديم في مطلع العام الدراسي 2017-2018، وبالفعل تم الترويج للمدارس ومميزاتها ونظام الدراسة بها، والذي حاز على إعجاب عشرات الآلاف من أولياء الأمور الذين قرروا التقديم لأبنائهم بها.


وبدأ فتح باب التقديم بالمدارس في سبتمبر 2017، وأعلن الوزير عن جاهزيتها لاستقبال الطلاب في ذات الشهر ثم جرى التأجيل لأكتوبر ثم صدر قرار رئاسي بتأجيلها للعام التالي.


كان السبب المعلن من قِبل الوزارة هو أنه لم يتم الانتهاء من تجهيز المدارس، وهو ما يناقض التصريحات المتكررة حول جاهزية المدارس وكذلك فتح باب التقديم عليها والذي تم بالفعل، إلا أن الأيام التالية كشفت الحقيقة وهي رغبة الوزارة في تحويل تلك المدارس إلى نوع من المدارس الاستثمارية، وعدم رغبتها في تحمل أي تكلفة تخصها ومحاولة تحقيق ربح كذلك من تشغيلها.


اصطدمت تلك الرغبة بطبيعة الاتفاق والذي حصلت مصر بموجبه على دعم من اليابان، وتولى تنفيذه وكالة اليابان للتعاون الدولي «الجايكا» كممثلة للحكومة اليابانية، والتي خصّصت هذه المدارس للطبقات المهمّشة؛ لأن طبيعتها تهدف إلى تنمية مواهب هذه الشريحة وسلوكياتها، فنظام التعليم المتبع في تلك المدارس والمعروف بـ«التوكاستو» يهتم بالجانب الأخلاقي والقيمي وغرس روح العمل الجماعي في نفوس النشء، فضلًا عن بث قِيَم التحلي بالدقة والإتقان والانضباط وإبراز الجوانب الجمالية، وهو موجه للطبقات الفقيرة بالأساس.


وتماشيا مع تلك الرغبة، قررت «الجايكا» عدم زيادة المصروفات الدراسية بالمدارس اليابانية عن ألفي جنيه؛ حتى تكون في متناول شرائح كبيرة من المصريين، ولكن وزارة التعليم رأت أنها ستقوم بالإنفاق على تلك المدارس أو ستغطي تكلفتها بالكاد، وهو ما دعى إلى تأجيلها لإعادة النظر بالأمر.


مع التأجيل دارت مناقشات واسعة بين «الجايكا» والوزارة حول المدارس والخدمات المتوفرة بها ونوعية المعلمين والمصروفات الدراسية، ولمست «الجايكا» عدم وجود اهتمام كافٍ وعدم وضوح في الرؤية، وتضارب التصريحات حول المدارس من الوزارة، ولذلك قررت إرسال وحدة تابعة لها للوقوف على تطورات الأمر بشكل كامل حتى لا تفشل التجربة.


في الدور الخامس في المبنى الجانبي بوزارة التربية والتعليم، تواجد مقر منظمة «الجايكا» داخل ديوان الوزارة لمتابعة تطورات المدارس اليابانية، توجهنا لهذا المقر للوقوف على تطورات ما يجري في المدارس اليابانية، وإلى أين وصلت الأمور؟ وسر الغموض في التصريحات حولها؟.


في البداية رفض المسئولون الإدلاء بتصريحات رسمية، مؤكدين أن التصريحات من شأن الوزارة وأن هناك رئيسًا لوحدة المدارس اليابانية يتبع الوزارة يمكنه الحديث عن المدارس، ولكن مع المناقشة قرروا الحديث معنا مع عدم ذكر أسمائهم، ودار الحديث حول سر تأجيل افتتاح تلك المدارس وعدم وضوح الرؤية حولها.


وأوضحت المصادر داخل «الجايكا» أن هناك تخبطا كبيرا في شأن المدارس اليابانية وعدم شفافية من جانب الوزارة منذ بداية المشروع، مشيرة إلى أن الوزارة عيّنت أكثر من 8 أشخاص لرئاسة مشروع المدارس اليابانية من جانبها، تتابعوا على منصب الرئيس خلال أقل من عام، وكلما بدأ الحوار مع شخصية فوجئت «الجايكا» باستبدالها بشخصية أخرى؛ ليبدأ الحوار من جديد، وكذلك في كل مرة.


وأشارت إلى أن «الجايكا» قدّمت نموذج المدارس اليابانية كمنحة تعليمية موجهة بالأساس للطبقات الفقيرة، ولكنها فوجئت برغبة الوزارة لتحويلها إلى ربحية، والمغالاة في المصروفات بشكل مخالف لما تم الاتفاق بشأنه في بداية المشروع، موضحة أن الوزارة تطرح زيادة المصروفات إلى 10 آلاف جنيه، وهو وفقا لدخل المواطن المصري سيجعل تلك المدارس غير متاحة إلا للطبقات الغنية وشريحة من الطبقة المتوسطة العليا، وسيحرم الطبقات المتوسطة والفقيرة منها وهي المخصصة لهم بالأساس.


وأوضحت المصادر أن الأمور الفنية حدث فيها تخبط شديد كذلك، فخلال العام الماضي أعلنت الوزارة أنها اختارت المعلمين بشكل كامل للمدارس اليابانية ولكنها منذ شهر فقط طرحت مسابقة لاختيار المعلمين، ولم ينته الاختيار حتى الآن، ما يجعل فترة التدريب غير كافية لتأهيلهم للتعامل مع النموذج الياباني.


وأشارت إلى أن الأمور تقرر تأجيلها من قبل الوزارة وستُحسم بعد العيد، وتُعلن قائمة المعلمين والمصروفات الدراسية التي تضغط «الجايكا» لتقليلها إلى أقل حد ممكن.


وأكدت المصادر أن هذا التخبط دفع للتعاقد مع شركة خاصة تكون مسئولة عن اختيار المعلمين وتدريبهم، وتأهيلهم للتعليم بالنموذج الياباني وكذلك متابعة إدارة الأمور داخل المدارس طوال فترة الدراسة.


تواصلنا مع ممثلي الوزارة في وحدة المدارس اليابانية للتعقيب على ما سبق، إلا أنهم رفضوا التعقيب باستثناء إحدى عضوات اللجنة المشرفة على المدارس اليابانية والتي طلبت عدم ذكر اسمها.


وأوضحت الممثلة لوحدة المدارس اليابانية بوزارة التربية والتعليم، أن الأمور تسير وفقا لما هو مخطط له، موضحة أن المدارس جاهزة للدراسة، ونحو 45 مدرسة تم الانتهاء منها تماما، وسيبدأ التدريس بها من العام الجديد، وسيُفتح باب التقديم للمدارس بعد عيد الفطر وبحد أقصى شهر يوليو، أي قبل انتظام الدراسة بأكثر من شهرين.


وأكدت أن المدارس اليابانية تتم إدارتها عن طريق وزارة التربية والتعليم، ولم يتم تأجيرها أو إسنادها لشركات خاصة كما ردد البعض، مشيرة إلى أنه يجري التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة للقيام بأدوار فنية في المدارس كما هو متبع في مدارس المتفوقين.


وأوضحت أن مصروفات المدارس اليابانية لم يتم الإعلان عنها أو الاتفاق حولها بعد، مشيرة إلى أنه سيُعقد اجتماع برئاسة وزير التعليم بعد العيد لتحديد مصروفات المدارس اليابانية وموعد التقديم لها، نافية ما تردد حول تحديدها بـ10 آلاف جنيه.